الجمعة، 4 أبريل 2014

الأزهر من التشيع إلى "كعبة علمية للسنة" الى داعم للقتل والانقلابات..



الأزهــــر من التشيع إلى "كعـبــة علميـة للسـنة"


 في مثل هذا اليوم من عام 970 ميلادية تم وضع حجر الأساس لأهم جامع وجامعة في العالم الإسلامي في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي ولم يسبقه في الإنشاء بهذه الصفة المزدوجة سوى "جامع القرويين" إلا أن الأزهر فاقه شهرة وتأثيرا في تاريخ العالم الإسلامي حيث شاءت الإرادة الإلهية أن تحوله من منارة للمذهب الشيعي كما أراد له مؤسسوه إلى كعبة للمذهب السني بعد فترة وجيزة من الإنشاء ليظل يقوم بدوره في خدمة طلاب العلم الشرعي إلى قيام الساعة. 
استغرق بناء الجامع الأزهر ست سنوات منذ دخول جوهر الصقلي إلى مصر 970 م، حيث كان أول أمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، حيث تزامن تأسيس مدينة القاهرة وإنشاء الجامع الأزهر وقام الخليفة المعز لدين اللَّه بوضع حجر الأساس ويعد أقدم أثر فاطمي قائم بمصر، اختلف المؤرخون في أصل تسميته إلا أن الراجح أن الفاطميين سموه بهذا الاسم تيمنا بـ "فاطمة الزهراء" بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 
ويرصد الدكتور مجاهد الجندي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر والشهير بـ "مؤرخ الأزهر"، أن الفاطميين خططوا إلى جعله بذرة لغرس الفكر الشيعي وخاصة المذهب الإسماعيلي في مصر، فيقول: 
بعد الانتهاء من البناء تم توظيف 45 عالما شيعيا في مسجد من قبل السلطات الفاطمية وقام المعز لدين الله بتعيين القاضي النعمان بن محمد القاضي مسؤولا عن تدريس المذهب الإسماعيلي وقد كانت بعض الفصول تدرس في قصر الخليفة وكذلك في الأزهر مع دورات منفصلة للنساء، كما جعل يعقوب بن كلس، الموسوعي والفقيه والوزير الرسمي الأول للفاطميين، الأزهر مركزًا رئيسيًا للتعليم في القانون الإسلامي في عام 988، ويعد هذا أول إرساء لأساس لما يمكن أن يصبح الجامعة الرائدة في العالم الإسلامي وتم توسيع المسجد أثناء حكم الخليفة العزيز، ولم ينافسه في عهد الفاطميين إلا مسجد الحاكم بأمر الله حتى وصل الأمر إلى أن فقد الأزهر مركزه الأول كمسجد صلاة الجماعة الأولى التي يحضرها الحاكم في القاهرة وفي عام 1009 ميلادية أصبح مسجد الحاكم بأمر الله المكان الوحيد لخطب للخليفة وخطبة الجمعة، واستعاد الأزهر مكانته في عهد المستنصر وتم تنفيذ إضافات وتجديدات على المسجد، وأضيفت الكثير من التجديدات في عهد الخلفاء الفاطميين الذين أتوا من بعده تم تأسيس مكتبة كبرى تضم الآلاف من المخطوطات التي تروج للمذهب الإسماعيلي ومع ذلك لم تنجح جهودهم في جذب المصريين إلى مذهبهم. وأوضح الدكتور الجندي، أنه من الطريف أن الأزهر عند الإنشاء كان اسمه "جامع المنصورية" على الاسم المبدئي الذي اختاره الفاطميون للقاهرة عند دخولهم مصر وهو "المنصورية" وسرعان ما تحول بعد الانتهاء من الإنشاء إلى "الأزهر" وتغير اسم مدينته إلى "القاهرة" بعد أن تقرر أن تكون مقراً للخلافة الفاطمية ومع دخول الخليفة المعز لدين الله لمصر اكتسب المسجد اسمه الحالي وحدث التحول الأكبر في تاريخ الأزهر بعد سقوط دولة الفاطميين على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي، حيث قرر هو ومن خلفه من السلاطين الأيوبيين وقف النشاط الشيعي بالأزهر لدرجة أنه تم إهماله وتم حرمان رواتب للطلبة والمدرسين في مدرسته وإن عاد للعمل على استحياء في أواخر حكم الأيوبيين.
... الأزهر والمماليك ...
وقال الدكتور مجاهد: تغير حال الأزهر في عهد سلاطين المماليك حيث استعاد مكانته بعد تحوله رسميا إلى المذهب السني وبلغ الاهتمام به ذروته وكانت هذه الفترة العصر الذهبي للأزهر لما شهده من التوسعات والتجديدات التي طرأت على المباني وتنافس الحكام في الاهتمام به على نطاق واسع من الإنفاق المالي عليه وعلى مدرسته وتم إعادة تأسيس الصلاة في الأزهر أثناء حكم المماليك بأمر من السلطان بيبرس في 1266، وأمر السلطان بيبرس وسلاطين المماليك من بعده بعودة رواتب للطلاب والمعلمين، فضلا عن بداية العمل لإصلاح مسجد الأزهر، الذي عانى الإهمال قرابة المائة عام، وقد رصد المؤرخ تقي الدين المقريزي أن الأمير عز الدين أيدامور بنى منزله بجوار الأزهر لمراقبة إصلاح الجدران والسقف وتوفير الحصير الجديد إلا أن زلزالا وقع عام 1302 تسبب بأضرار كبيرة بالأزهر وتم تقسيم مسؤولية إعادة الأعمار بين الأمراء من السلطنة وقادة الجيش وتم بناء "المدرسة الأقبغاوية" على طول الجدار الذي يقع في الشمال الغربي من المسجد وبدأت أشغال بناء مدرسة أخرى، سميت ب"المدرسة الطيبرسية" في 1333. وتلتها مدارس أخري وبهذا مسجد الأزهر إلي جامعة رائدة في العالم الإسلامي واستعاد الرعاية الملكية ولم تتفوق عليه مدارس أخرى واستمرت سمعة الأزهر بوصفه مكانا مستقل عن التعليم واستمر الأزهر في جذب الطلاب من مناطق أخرى في مصر والعالم الإسلامي الذين يحضرون المدارس الدينية الأخرى فتم إنشاء الأروقة لأبناء الشعوب الإسلامية الذين جاءوا للدراسة فيه وكان متوسط مدتها ست سنوات دراسية ووصل الأمر إلى أنه في القرن الرابع عشر حقق الأزهر مكانة بارزة باعتباره مركزًا لدراسة كل علوم الدين والدنيا وبلغ عدد العلماء المسلمين من خارج الذين قد حضروا للتدريس في الأزهر الثلث، حتى إن المؤرخ محمد بن إياس أكد أن المدرسة الصالحية كان ينظر إليها كقلعة للعلماء في نهاية عهد المماليك.



 ... مكانة الأزهر في عهد الخلافة العثمانية ... 
قال الدكتور مجاهد: منذ دخل العثمانيون مصر في سنة 1517، أظهر الأتراك احتراما كبيرا للمسجد وجامعته على الرغم من توقف الرعاية الملكية المباشرة له ومع هذا فقد حضر السلطان سليم الأول، أول حاكم عثماني لمصر، صلاة الجمعة فيه، وحضر من بعده الأمراء العثمانيون بانتظام لصلاة الجمعة في الأزهر لكن نادرا ما يتم تقديم الدعم لصيانة المسجد على الرغم من أنهم وفروا رواتب للطلاب والمعلمين على نقيض عهد المماليك التي أجريت فيه الكثير من التوسعات والإضافات، وظل ولع المماليك الذين تعاونوا مع الحكم العثماني لمصر الاهتمام بالأزهر حتى انه تمت إضافة رواق للطلاب المكفوفين في سنة 1735 بالإضافة إلى قيامهم بمجموعة من التجديدات التوسعات الكبيرة التي أجريت على يد عبد الرحمن كتخدا،الذي عين رئيسا للانكشارية في 1749، بوابات عديدة له منها أنشئ "باب الشربة" الذي يتم من خلاله تقديم حساء الأرز إلى الطلاب، وتمت إضافة قاعة للصلاة في جنوب المكان الأصلية ، وكذلك مضاعفة حجم المساحة المتاحة للصلاة بل وقام كتخدا بتجديد أو إعادة بناء العديد من الأروقة التي تحيط بالمسجد. ودفن ضريح كتخدا في الأزهر في عام 1776، وأصبح كتخدا الشخص الأول والأخير الذي يدفن داخل المسجد.
مقاومة الفرنسيين وقال الدكتور الجندي: عندما قام نابليون بغزو مصر عام 1798، حاول استرضاء الأزهريين وأعلن احترامه للإسلام وأنشأ نابليون ديوان يتكون من تسعة شيوخ الأزهر المكلفين بإدارة القاهرة، وهي أول هيئة رسمية من المصريين منذ بداية الحكم العثماني، وقد سعى نابليون لأخذ فتوى من أئمة الأزهر تنص بجواز الولاء لنابليون بموجب الشريعة الإسلامية ولكنهم رفضوا بشدة وقادوا المقاومة الشعبية ضده من خلال الثورة ضد القوات الفرنسية من الأزهر في 21 أكتوبر 1798، وأمر نابليون بإطلاق النار على الأزهر وقتل ستة من العلماء الأزهر ودنست القوات الفرنسية المسجد عمدا ومشوا فيه بأحذيتهم والبنادق المعروضة وقامت القوات بربط خيولهم في المحراب ونهب أرباع الطلاب والمكتبات ورموا نسخ من القرآن على الأرض وفقد الأزهر الكثير من محتوياته أثناء الحكم الفرنسي وقد اغتيل الجنرال الفرنسي كليبر على يد الطالب الأزهري سليمان الحلبي، وأن الطريف أن الأزهريين استفادوا ي عهد محمد علي من ابتكار آلة الطباعة الحديثة حيث تحولت المناهج الدراسية من محاضرات الشفهية والتحفيظ للدروس بالنص إلي الاستفادة من المطبعة الخاصة بالأزهر عام 1930 وقد حدث هذا رغم تشجيع محمد علي للتعليم غير الديني بالاهتمام بالعلوم الحديثة وسعى للحد من نفوذ شيوخ الأزهر ووزع المناصب على من تلقوا تعليمهم خارج الأزهر وتراوح الأمر ما بين التهميش والاهتمام بالأزهر بين خلفاء محمد علي حتى سقوط الملكية عام 1952.


... الأزهــر والثورات ... 
أشار الدكتور مجاهد الجندي ،إلي أنه في أعقاب ثورة 1952، تم ضم كثير من أوقاف الأزهر المحيطة به المسجد وفي عام 1955، لم يعد المسجد مدرسة دينية حيث تمت الاستعاضة عن ذلك بإنشاء كليات رسمية للجامعة وفي عام 1961 صدر قانون تطوير الأزهر الذي ينص على إنشاء إدارات علمية داخل كلياته مثل كليات الطب والهندسة، والتجارة وغيرها بدعوى التحديث وحرص الرئيس جمال عبد الناصر على الحد من سلطة علماء الأزهر أو استخدام نفوذهم لمصلحته وأصبح لرئيس مصر سلطة تعيين شيخ الأزهر مما أدى إلى فقده استقلاله عن الدولة وتعرض الأزهر إلى البيروقراطية بعد الثورة وضعفت سلطة العلماء خاصة أن قانون التطوير سعى جمال عبد الناصر من خلاله إلى إخضاع العلماء تحت سيطرة الدولة وقد نجح في جعل علماء الأزهر يؤيدون ويبررون توجهه الاشتراكي دينيا وقاموا بتسمية حقبته بـ "الاشتراكية الإسلامية" إلا أن الرئيس السادات ومن بعده الرئيس مبارك عملا على استعادة الأزهر كرمز للقيادة المصرية وتسييس دوره في خدمة مخططاتهما. 
وأنهى الدكتور مجاهد الجندي كلامه بالتأكيد انه اختلفت الآراء حول دور الأزهر بعد ثورة 25 يناير 2011 فمنهم من يراه تابعا للنظام الحاكم أيا كان ومنهم من يراه وسيلة لتجميع الفرقاء الذين تصارعوا بعد الثورة، وزادت حدة الخلاف حول دوره بمشاركته في إقرار عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو وما زال الجدل حول دور الأزهر وعلاقته بالدولة والسياسة مستمرا حتى بعد استقلال تعيين شيخه من هيئة كبار العلماء الموكل إليهم انتخابه من بينهم..

؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛