حملة أطلقها أثري بحثا عن فتوى دينية
أتوافق أن يعرض جثمانك بعد وفاتك في "فاترينة" لمن يدفع تذكرة؟
" أتوافق أن يعرض جثمانك هكذا، بعد وفاتك في "فاترينة" (نافذة عرض) زجاجية لمن يدفع تذكرة؟
" بهذا السؤال، الذي ستكون إجابته تلقائيا لدى الجميع هي "لا"، استهل بسام الشماع، كاتب علم المصريات الحملة، التي أطلقها من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ، تحت عنوان "العودة للحياة الأبدية"، للمطالبة بعودة المومياوات المعروضة داخل حجرة بالمتحف المصري (وسط القاهرة) إلى مقابرها في وادي الملوك بالأقصر (جنوبا).الشماع انطلق في حملته من أبعاد تاريخية، ودينية، واجتماعية، واقتصادية، وأمنية، للترويج للفكرة، والتي أراد أن يكسبها زخما، بمحاولة استصدار فتوى من المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، التابع لوزارة الأوقاف المصرية، "تحرم" عرض "جثامين" بعد موتها.
وقبل أن يرسل الشماع إلى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، طالبا استصدار فتوى بهذا الأمر، أعد دراسة شاملة كانت إحدى عناصرها هي الموروث الاجتماعي لدى المصريين، والذي يعلي من قيمة دفن الميت. وقال لوكالة الأناضول: "من العبارات التي تلوكها ألسنة المصريين هي ( إكرام الميت دفنه)، فهل نحن نحترم أجدادنا الفراعنة، أم نهينهم بعرض جثثهم في فاترينة؟" لم ينتظر الشماع ردا على السؤال الذي طرحه، فقد كان رده: "طبعا نهينهم، ولذلك أغلقت غرفة المومياوات بالمتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة، إبان عهد الملك فؤاد الأول (الذي حكم البلاد بين عامي 1917 و1936)، والرئيس الراحل محمد أنور السادات (الذي حكم البلاد بين عامي 1970، و1981)، بقرار منهما، وذلك احتراما، وتقديرا لملوك الفراعنة، وهذا هو البعد التاريخي للحملة".
وتقع غرفة المومياوات الملكية في الطابق الأول من المتحف، ويرقد فيها أشهر ملوك الفراعنة، ومنهم الملك رمسيس الثاني (حكم خلال الفترة 1279 – 1213 ق.م) والذي يرجح مؤرخون أنه "فرعون موسى".
كما ترقد في نفس الغرفة، مومياء الملك أحمس (حكم خلال الفترة 1550 –1525 ق.م) الشهير بـ"قاهر الهكسوس"، وتحتمس الثالث (حكم خلال الفترة من1479–1425 ق.م) ويلقب بـ "بالفرعون الأسطورة " لكثرة فتوحاته، وتأسيسه لأول جيش نظامي.
وانطلاقا من البعد التاريخي ينطلق الشماع لشرح البعد الاقتصادي، قائلا: "قد يقول البعض إن غرفة المومياوات في المتحف المصري تدرّ دخلا مرتفعا، لكون تذكرة دخول هذه القاعة وحدها مائة جنيه (14 دولار تقريبا ) للسائح الأجنبي، لكن مناخ السياحة، إبان فترة حكم السادات أبلغ ردا على ذلك، حيث ازدهرت السياحة في وقت كانت فيه غرفة المومياوات بالمتحف مغلقة". ولم ينته الحديث عن البعد الاقتصادي عند هذا الدفاع، إذ قال الشماع: "يمكن إعادة مومياوات ملوك الفراعنة إلى مقابرهم بوادي الملوك في احتفالية عالمية، ستدرّ دخلا كبيرا إذا أمكن تسويقها جيدا". ولأن الاعتقاد السائد لدى بعض المعنيين بالعمل الأثري، هو أن المتاحف أكثر أمنا من أي مكان آخر للحفاظ على هذه المومياوات، لم يجد الشماع صعوبة في الرد عليهم، وكانت ردوده منطلقة من أحداث الانفلات الأمني، التي صاحبت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وقال الشماع: "في هذه الأحداث سرقت الكثير من المتاحف بينها المتحف المصري، بينما لم يشهد وادي الملوك، والذي من المفترض أن تنتقل إليه المومياوات، أي حادث سرقة".
واعتبر الشماع أن "كل هذه الأبعاد كفيلة بأن تعجل بإصدار قرار سيادي بنقل المومياوات إلى مقابرها بوادي الملوك، للإعراب عن التقدير، والاحترام للأجداد، إضافة إلى البعد الديني أيضا، إذ أن عرض المومياوات، إضافة إلى أنه إهانة للأجداد، فإنه حرام شرعا"، كما يقول. وتقدم الشماع بطلب إلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، للمطالبة بإصدار فتوى بهذا الصدد، وضّمن طلبه الذي حصلت الأناضول على نسخة منه، بالعديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، التي تدفع في اتجاه إصدارها.
ورغم مرور أكثر من شهر على التقدم بالطلب، إلا أنه لم يتلق ردا حتى الآن، وإن كان أحد أعضاء المجلس، وهو القصبي زلط، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، قال للأناضول ، إن رأيه سيكون "في اتجاه الإبقاء على عرضها في المتاحف".
وربط "زلط" رأيه بموقف المجمع من النحت، والتجسيد، وأضاف: "كانت العلة من تحريم أحاديث نبوية كثيرة للنحت، أو التجسيد، سواء كان لبشر ، أو حيوان لقرب العهد بعبادة الاصنام، لكن الآن زالت العلة، والحكم يدور مع العلة إباحة، وتحريما، وحيث إنه لا يوجد أحد يعبد صورة مجسدة، أو تمثال، فأصبح عرض ما هو منحوت، أو مجسد ليس حراما".
وقال إن "عرض المومياء ينطبق عليه نفس الحكم، بل إن عرضها مباح، لكون أن المومياء بها إشارة إلى التدين، الذي كان موجودا عند قدماء المصريين، لإيمانهم بأن الإنسان سيبعث مرة ثانية، وسيعاد، فلا توجد حرمة في عرض مومياء محنطة لإنسان حيث لا توجد علة للتحريم". وأضاف أن "عرض المومياء من وجهة نظري لا يدخل تحت قضية التمثيل بالجثث؛ لأن الأمر مختلف تماما".
وأوضح أن "التمثيل بالجثة يقصد بها إهانة حرمة الميت، أما عرض المومياء، فيقصد به الحديث عن علم القدماء، والاتعاظ بما كانوا عليه من إيمان بالبعث مرة أخرى".
الشماع من جانبه، قال من جانبه إنه "مستعد" أن يتخلى عن هذا الهدف، "إن قال لي أحد المسؤولين بشكل واضح أنه لا يعترض على عرض جثمانه في فاترينة بعد وفاته".
وأضاف مختتما حديثه: "تلك المرأة، التي عرضت عارية في فاترينة بعد آلاف السنين من موتها.. هل ترضى هذا على أمك أو أختك أو زوجتك".
ويرفض أثريون دعوة الشماع، الذي استقبل على صفحة الحملة بالفيس بوك، انتقادات منها أن إعادة المومياوات لمقابرها هو دفنا لعلم التحنيط، الذى برع فيه المصريون القدماء، وأن عرض المومياوات الفرعونية كما هي عليه لا يعد انتهاكا لحرمة الموتى، إنما جاء تنفيذا لديانتهم الوضعية، التي تؤمن بالبعث من جديد، بالإضافة إلى أن وجود المومياوات على الشكل، الذى توجد عليه حاليا يستخدمه العلماء للدراسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق