الأحد، 22 يوليو 2012

زمان الجبرتي وسيطرة العسكر..فيديو



فى مصر  المحتسب وشيوخ الحرف يبحثون ليلا عن الهلال
 عسكر المماليك اتخذوا مخازنهم من قوت الفلاحين 
الكنافة والرقاق والكعك أبرز حلوي المصريين
 نصيحة الجبرتي للحكام 
"من رأس العيـــن يأتي الكـــدر"



اتسم كتاب تاريخ الجبرتي ( 1167 هـ ــ 1237هـ ) المعنون " عجائب الآثار في التراجم والأخبار" بالغوص في أعماق الشخصية المصرية ، بل والغوص في الأحداث والوقائع والأخبار . والتاريخ يقسم إلي تاريخ الأخبار، وتاريخ الوقائع ، وتاريخ الوقائع والأخبار معاً ، والأخيرة هي المفسرة لها وتحمل رؤية خاصة لمفرداتها العامة ، إلا أن كتاب الجبرتي يجمع بين تاريخ الأخبار والوقائع ويقدم لنا رؤية مجتمعية لأحوال المصرين عن قرب وما حدث في هذا العصر . 
ولقد امتد عصر الجبرتي بأحداث تاريخية هامة كان لها التأثير القوي علي مصر وربوع العالم الإسلامي حيث التغلغل الأوروبي علي العالم الإسلامي ، وبداية تدهورالدولة العثمانية وظهور حكام المماليك الذين كانوا يظلمون أبناء الشعب مسلمين ومسيحيين، باعتبارهم حكام وأمراء المسلمين. كذلك شهد الجبري ظهور الفساد الإداري واستغلال ذوي النفوذ لشعب لدفع الضرائب وحملهم علي طاعة ولاة الأمور ، لقد تعمق الجبرتي في رصد أحوال الناس الحياتية بكل جوانبها حتي انه استخدم ألفاظا عامية دارجة في المجتمع المصري عابها عليه بعض المؤرخين والمفكرين بعد ذلك . 
وفيما يلي بعض اللقطات التي نلتقطها بعين الجبرتي في تاريخه عن شهر رمضان المبارك سنة 1223هـ الموافق 1808م .
 *رؤية هلال رمضان 
 يقول الجبرتي وكأنه يعيش في عصرنا " واستهل شهر رمضان بيوم الثلاثاء سنة 1232 وعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب وكذا مشايخ الحرف كعادتهم وأثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة وكان عسر الرؤية جدًا‏.‏ " يبدو ان أمر الرؤية(رؤية هلال رمضان ) في زمانه كما في زماننا عسيرة رغم وجود المناظير والحاسبات التكنولوجيا الحديثة كانت في زمانه يستطلعها المشايخ وأرباب الحرف بجانب المحتسب المنوط به معرفة أهلة الأشهر العربية مثل دار الإفتاء في العصر الحديث .
 * سيطرة العسكر
 كما نري الآن من سيطرة العسكر علي أحوال الناس نجد ذلك ايام الجبرتي إذ يقول الرجل " وفي صبح ذلك اليوم (اول ايام رمضان )عزل عثمان آغا الورداني من الحسبة وتقلدها مصطفى كاشف كرد وذلك لما تكرر على سمع الباشا أفعال الوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذاء وخزم الأنوف والتجريس .. قال في مجلس خاصته لقد سرى حكمي في الأقاليم البعيدة فضلًا عن القريبة وخافني العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقة مصر فإنهم لا يرتدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الإهانة والإيذاء فلا بد لهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم ولا يهملهم فوقع اختياره على مصطفى كاشف كرد هذا فقلده ذلك. وأطلق له الإذن فعند ذلك ركب في (كبكبة) وخلفه عدة من الخيالة ترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه وكذلك الذي أمامه بالميزان ومن بأيديهم الكرابيج لضرب المستحق والمنقص في الوزن وبات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس هشمًا بأدنى سبب ويعاقب بقطع شحمة الأذن فأغلقوا الحوانيت ومنعوا وجود الأشياء .
 حتى ما جرت العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق المعروف( بالسحير) وغيره فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد في التعسف ولم يرجع عن سعيه واجتهاده ولازم على السعي والطواف ليلًا ونهارًا لا ينام الليل بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون في (الحواصل) ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض ويوزعه لأرباب الحوانيت ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين في كل رطل وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج منها سمنًا كثيرًا .
 ومعظم ذلك في مخازن للعسكر فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذونه منهم بالسعر المفروض وهو مائتان وأربعون في العشرة منه ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما أحبوا من الزيادة الفاحشة فلم يراع جانبهم واستخرج مخبآتهم قهرًا عنهم ومن خالف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به وذهب في بعض الأوقات إلى بولاق فأخرج من حاصل ببعض (الوكائل( ثلاثمائة وخمسين ماعونًا لكبير من العسكر فحضر إليه بطائفته فلم يلتفت إليه ووبخه . وقال له أنتم عساكر ولكم رواتب والعلائف واللحوم والأسمان وخلافها ثم تحتكرون أيضًا أقوات الناس وتبيعونها عليهم بالثمن الزائد وإعطاء الثمن المفروض وحمل المواعين على الجمال إلى الأمكنة التي أعدها لها عند باب الفتوح وعندما رأى أرباب الحوانيت الجد وعدم الإهمال والتشديد عليهم فتح المغلق منهم حانوته وأظهروا مخبآتهم أمامهم وملؤا السدريات والطسوت من السمن وأنواع الجبن خوفًا من بطش المحتسب وعدم رحمته بهم ويقف بنفسه  على باعة البطيخ والقاوون‏.‏
 ** وفاء النيل وفانوس رمضان والكنافة..
 كعادة أبناء مصر بالاحتفال بعيد وفاء النيل حيث يرتفع منسوب النيل ويعم الرخاء والنماء علي أهل الحضر والريف حدث هذا العام أمر مختلف يقول الجبرتي عن ذلك في رمضان من نفس العام " وفي يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان الموافق السادس مسرى (البطي (أوفى النيل أذرعه فنودي بالوفاء وكسر السد صبح يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والقاضي وغيره وجرى الماء في الخليج ولم يقع فيه مهرجان مثل العادة هذا والمحتسب مواظب على) السروح) ليلاً ونهارًا ويعاقب بجرح الآذان والضرب بالدبوس . وأقعد بعض صناع (الكنافة( على صوانيهم التي على النار وأمر بكنس الأسواق ومواظبة رشها بالماء ووقود القناديل على أبواب الدور وعلى كل ثلاثة من الحوانيت قنديل ويركب آخر الليل ثم يذهب إلى بولاق ليتلقى الواردين بالبطيخ الأخضر والأصفر ويعرف عدة الشروات ويأمرهم بدفع مكوسها المفروضة ثم يأمرهم بالذهاب إلى مراكز بيعهم ولا يبيعون شيئًا حتى يأتيهم بنفسه أو بحضرة من يرسله من طرفه ثم يعود طائفًا عليهم فيحصي ما في فرش أحدهم عددًا ويميز الكبير بثمن والصغير بثمن ويترك عند البائع من يباشره أو يقف هو بنفسه ويبيع على الناس بما فرضه ويعطي لصاحبه الثمن والربح فيراه قد ربح العشرة قروش وأكثر بعد مكسه ومصارفه. فيقول له أما يكفي مثلك ربح هذا القدر حتى تطمع أيضًا في الزيادة عليه وهو مع ذلك يكر ويطوف على غيرهم ويحلق على ما يرد من السمن الوارد الذي تقرر على المزارعين فيزنه منهم بالسعر المفروض وهو أربعة وعشرون نصفًا الرطل ويرد عليهم الفوارغ ويعطيه للبائع بالثمن المقرر وهو ستة وعشرون وهو يبيعونه بزيادة نصفين في كل رطل وهو ثمانية وعشرون ويناله الناس بأسهل وجدان سالمًا من الخلط والغش ويأمرهم بإعادة ما عسى يوجد فيه من المرتة والعكار إلى مواعينه ليوزن مع فوارغه .
ورصد الجبرتي أيضًا ما يرد للناس ولو لأكابر الدولة من السمن فيطلق البعض ويأخذ الباقي بالثمن وكذلك ما يأتيهم من البطيخ والدجاج ولو كان لصاحب الدولة حسب إذنه له بذلك كل ذلك للحرص على كثرة وجدان الأشياء وتعدت أحكامه إلى بضائع التجار والأقمشة الهندية وأهل مرجوش والمحلاوية وخلافهم وطلب قوائم مشترواتهم والنظر في مكايلهم فضاق خناق أكثر الناس لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة وأحكامهم في الدلو المصرية القديمة . فإن وظيفة أمين الاحتساب وظيفة قضاء وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الأشياء وكان لا يتولاها إلا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة حتى على من يتصدر لتقرير العلوم فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه أهلية للإلقاء أذن له بالتصدر أو منعه حتى يستكمل وكذلك الأطباء والجراحية حتى البيطارية والبزدرية ومعلموا الأطفال في المكاتب ومعلموا السابحة في الماء والنظر في وسق المراكب في الأسفار وأحمال الدواب في نقل الأشياء ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه وفي ذلك مؤلف للشيخ بن الرفعة وقد يسهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي وتطلعه لما في أديد الناس وأرزاقهم‏.‏

  ** نصيحة الجبرتي القديمة لأهل مصر 
 يقول الجبرتي مقدما النصح لأهل مصر وحكامها " ومما يحكي أن الرشيد سأل الليث بن سعد فقال له يا أبا الحرث ما صلاح بلدكم يعني مصر فقال له أما صلاح أمرها ومزارعها فبالنيل وأما أحكامها فمن رأس العين يأتي الكدر‏" يعني انه إذا صفا رأس العين التي تدر الماء صفت السواقي التي تدفع بالماء إلي الأرض الزراعية ، في أشارة إلي ان الحكام وإذا لم يبلغوا من الفساد مبلغا سوف تصفي السواقي أي بقية المؤسسات .
  ** النصارى يشكون الظلم للوالي 
 نأتي إلي تعامل المماليك مع الرعاية وكما اشرنا إلي ظلمهم للمسلمين نجد الأمر خص النصاري ايضا حيث يقول الجبرتي " وفي أواخر رمضان زاد المحتسب في نغمات الطنبور وهو أنه أرسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بإنشاء والملك والمؤاجرة المطلة على النيل وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهونات الفارهة واستخدامهم المسلمين فتقدم أعاظمهم إلى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة‏" .‏
 ** ويتضح من ذلك مدي مبلغهم ومقدرتهم وفاعليتهم لدي الأمراء والولاة والسلاطين .
 - إطلاق اللحية في رمضان مثل الحاكم بأمر الله الفاطمي نجد ان المماليك في عصر الجبرتي يأمرون الناس بإطلاق لحاهم وترك ذقونهم وكانت العادة هي حلق اللحي مما يدل علي تغولهم ومقدرتهم في التعامل مع المجتمع والشعب يقول الجرتي قاصا هذا الامر " " نادى مناديه على المردان ومحلقي اللحى بأنهم يتركونها ولا يحلقونها وجميع العسكر وغالب الأتراك سنتهم حلق اللحى ولو طعن في السن فأشيع فيهم أن يأمرهم بترك لحاهم وذلك خرم لقواعدهم بل يرونه من الكبائر وكذلك السيد محمد المحروقي بسبب تعرضه إلى بضائع التجار" . 
وهكذا وصف لنا الجبرتي أحد الأعوام التي عشها المصريون في القرن الثامن عشر ، وما كان يحدث في رمضان وما أشبه الليلة بالبارحة فهل يمكن ان نقول ان التاريخ يحاكي نفسه ، او نستطيع ان نقول انه من المحتمل ان تتكرر ظواهر معينة رغم تغير العصر والزمان ، هذا ما يصوره لنا الجبرتي في لقطات من رمضان هذا العام . والحقيقة لقد قدم المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي في كتابه ما يمكن تسميته بأول مدونة كيوميات وحوليات التاريخ المصري حيث أرخ فيه لدخول الفرنسيين مصر وثورات المصريين المتعاقبة وأبرزها ثورتي القاهرة الأولى والثانية ثم خروج الفرنسيين من مصر وثورة المصريين على الوالي العثماني ثم تولي محمد على وبداية عصر النهضة المصرية






؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: