الصراع السني - الشيعي
الخطـوط العامة لمصـالح السعودية الإقليميـة
إيران العـــدو رقــم واحـــــد
تنظر السعودية إلى التوازن الراهن بالشرق الأوسط بين القوى الدولية، والذي يعرف نفوذاً واضحاً للولايات المتحدة الأميركية مقابل الأقطاب الدولية الأخرى، باعتباره مؤاتياً لمصالحها فتعمل على تثبيته بكل الوسائل. ويظهر ذلك في سعيها لمنع أطراف دولية، مثل روسيا أو الصين، من إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، إلا بقدر ما تسمح به موازين القوى بين الأقطاب الدولية.
ويعد الإعلام جوهر «القوة الناعمة» السعودية في الإقليم، إذ تسيطر المملكة على وسائل الإعلام النافذة عربياً، بغرض وضع أولويات السعودية وخياراتها السياسية في مقام الخطوط العامة للسياسة العربية. وبالإضافة إلى ذلك تعمل السعودية على نشر المناخ المحافظ، دينياً وسياسياً وإعلامياً وثقافياً، في المنطقة، بما لا يتناقض مع أطروحاتها أو نظامها السياسي. ويتم ذلك عبر تثبيت قيم «الربيع العربي» المناسبة لها والمؤاتية لمصالحها، في مقابل أفكار التغيير الليبرالية في الأربعينيات أو القومية واليسارية في الخمسينيات والستينيات، أو تلك الأفكار التي ظهرت مؤخراً في سياق «الربيع العربي».
برعت السعودية في الأغلب - في اختيار وتعميم الاصطفاف الإقليمي المؤاتي لمصالحها، وهو راهناً الاصطفاف «السني - الشيعي»، حيث تملك الأدوات اللازمة لإدارة هذا الاصطفاف:
الفوائض المالية، وجود المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة ضمن حدودها السياسية، السيطرة الإعلامية، التحالفات الإقليمية مع الأطراف المحلية في بلدان المشرق.
باختصار تكمن المصالح الإقليمية للسعودية في معاداة التغيير وتفضيل إبقاء التوازنات العربية والإقليمية على حالها، أو بعبارة أخرى تدافع السعودية بضراوة عن استمرار الوضع القائم (status quo)، ما يمثل نقطة ضعفها الأساسية. ويعود السبب في ذلك إلى اضطرارها للتموضع في موقع الدفاع أمام أية قوة في المنطقة، تطرح مشروعاً إقليمياً يتجاوز حدودها، بغض النظر عن محتواه. لكل ذلك تعمل السعودية بدأب على تعزيز ورعاية الاتجاهات المحافظة السياسية والدينية في المنطقة، فتفلح من ناحية في كبح الاتجاهات الليبرالية، إلا أنها من ناحية أخرى تدفع ثمناً سياسياً كبيراً لظهور اتجاهات راديكالية ومغرقة في المحافظة خلال العقدين الأخيرين (حالة تنظيم القاعدة مثالاً).
مخاوف السعودية من الوضع المصري الجديد
تحيط مصادر التهديد بالسعودية من كل اتجاهات جوارها الجغرافي، سواء من أقصى الشمال حيث الوضع في سورية المتحالفة مع إيران، أو من الشمال الشرقي حيث العراق بتركيبته السياسية الجديدة، أو من الشرق في الخليج عموماً والبحرين خصوصاً، إذ أن تغير المعادلات الداخلية في البحرين سيعني خسارة مباشرة للسعودية. ومن الجنوب الغربي، حيث عدم الاستقرار في اليمن والمعارك الطاحنة التي دارت مع الحوثيين فيه خلال الأعوام القليلة الماضية، كل مصادر التهديد هذه تحمل - من المنظور السعودي - طابعاً يتعلق بالصراع السني - الشيعي، الذي تراه المملكة الصراع الأساسي الدائر في المنطقة.
وتأسيساً على ذلك تعد إيران من المنظور السعودي - التهديد الرقم الواحد لأمنها القومي، وبسبب موازين القوى الراهنة في المنطقة وعدم قدرة التحالف الذي تقوده السعودية على تعديل هذه الموازين من دون إسناد إقليمي، تحتاج السعودية إلى حلفاء ينضوون في معسكرها من داخل الإقليم. هنا بالتحديد تكمن مخاوف السعودية من محاولة القاهرة الجديدة توسيع هامش مناورتها الإقليمية؛ عبر مد جسور التواصل إلى طهران. ستشكل إعادة العلاقات المصرية - الإيرانية، ضغطاً كبيراً على السعودية التي ستكون متعرضة وقتها للضغط عبر سواحلها الشرقية من إيران، أو من سواحلها الغربية من مصر، وهو تهديد مزدوج لم تتعرض له المملكة في تاريخها حتى الآن. ومع انسحاب القوات الأميركية من العراق، ومحاولة واشنطن اجتراح توازنات جديدة للقوى في المنطقة، بحيث تؤمن مصالحها من جهة، ولكنها لا تضطر إلى التوسع في قواعدها العسكرية فيها من ناحية أخرى. هنا ستلعب التحالفات الجديدة في المنطقة الحجر الزاوية في السياسة الأميركية الجديدة، وبالتالي يعد المحور المصري - التركي نظرياً- أحد أضلاع التوازن الأميركي الجديد.
ومن شأن تطوير العلاقات المصرية - التركية إلى مرتبة «التحالف الاستراتيجي» كما تدعو أنقره إليه، أن يضعف الرقم السعودي أكثر في المعادلة الإقليمية، خصوصاً أن القاهرة وأنقره تتحالفان أيضاً مع الولايات المتحدة الأميركية، وكلتاهما له حيثية طائفية سنية قادرة على التنافس مع مثيلتها السعودية. مثلت «القضية الفلسطينية» وعدم القدرة على تسويتها، سلمياً او عسكرياً، نقطة الضعف الأبرز في التحالف الذي قادته السعودية في العقود الأخيرة. ومن شأن محاولة النظام الجديد في مصر أن تعزل إسرائيل سياسياً واقتصادياً فينفتح على قطاع غزة، ويتبنى مطالب الشعب الفلسطيني، أن يكتسب مشروعية عربية وإسلامية جديدة، ويجبر السعودية على مسايرته حفاظاً على شرعيتها العربية والإسلامية.
ستؤدي المسايرة إلى خلق مشاكل للسعودية وإلى إجراء تبديلات لا تريدها في أولوياتها الاستراتيجية (إيران العدو الرقم الواحد)، ما يجعلها أيضاً تدفع كلفة سياسية كبيرة في واشنطن وعند مجموعات الضغط المؤثرة هناك، مع العلم أن تحالف الرياض الخارجي الأساسي يقع وراء المحيط وليس داخل المنطقة، كما سبق شرحه. تعني عودة مصر إلى المعادلات الإقليمية اكتسابها رصيداً كبيراً في العالم العربي، بما تملكه من مقومات القوة الناعمة، وبالرصيد التاريخي الذي راكمته في عقود خلت، ما يفقد السعودية موقع القيادة الذي تولته خلال العقود الثلاثة الماضية بموافقة ومبايعة «مباركية» واضحة. عند تبني القاهرة الجديدة لفكرة «تصدير ثورتها» إلى العالم العربي، عبر ظهور خطاب سياسي مصري يدعو إلى التغيير، لن تكون السعودية في منأى من انتقال «الربيع العربي» إليها. وازدادت المشكلة مع ظهور «الإخوان المسلمين» على الساحة السياسية المصرية والعربية بعد «الربيع العربي»، وهو ما يهدد بسحب الشرعية الدينية السنية التي تلتحف بها السعودية، عبر تقديم نموذج إسلامي سني مغاير وأكثر تناغماً مع العصر.
;ومن نافلة القول أن محاولة «الإخوان المسلمين» لتفعيل تنظيمهم في السعودية ستعقد التوازنات الداخلية السعودية بشكل كبير.
** أوراق السعودية حيال مصر..
تحتفظ السعودية بعلاقات وثيقة مع أجهزة ومؤسسات ورموز الدولة المصرية، منذ أيام الرئيس المخلوع مبارك، وهو ما يسمح لها بتأثير لا يستهان به على عملية صنع القرار في مصر. كما تتحالف السعودية مع التيار السلفي وترعاه)يملك 25% من مقاعد البرلمان المنحل(، بغرض تحجيم «الإخوان المسلمين» وكبح قدرتهم على المناورة في الداخل أمام القوى الليبرالية واليسارية من ناحية، والمؤسسة العسكرية من ناحية أخرى.
** أوراق السعودية حيال مصر..
تحتفظ السعودية بعلاقات وثيقة مع أجهزة ومؤسسات ورموز الدولة المصرية، منذ أيام الرئيس المخلوع مبارك، وهو ما يسمح لها بتأثير لا يستهان به على عملية صنع القرار في مصر. كما تتحالف السعودية مع التيار السلفي وترعاه)يملك 25% من مقاعد البرلمان المنحل(، بغرض تحجيم «الإخوان المسلمين» وكبح قدرتهم على المناورة في الداخل أمام القوى الليبرالية واليسارية من ناحية، والمؤسسة العسكرية من ناحية أخرى.
وتمتلك السعودية وسائل إعلام نافذة عربية ومصرية، حيث تعد المالك الأكبر للصحف والفضائيات العربية، وبدورها تتحالف أغلبية الصحف والفضائيات «المستقلة» في مصر )زاد عددها بعد 25 يناير/كانون الاول 2011 بوضوح( مع السعودية عبر طرق وأساليب شتى، ما يؤثر بشدة على أجندة السياسة الداخلية المصرية. ويعرف العالمون ببواطن الأمور أن القيادة السعودية تعد خطاً أحمر في الغالبية الكاسحة من وسائل الإعلام المصرية، سواء قبل الثورة أو بعدها، في حين لم يكن المخلوع مبارك أو المنتخب مرسي كذلك بأي حال وحتى الآن.
كما برعت السعودية في استمالة النخبة العربية والمصرية الإعلامية والسياسية، بطرق وميكانيزمات لا تحتاج إلى كثير من الشرح، وهو ما يضمن لها وسيلة ممتازة للتأثير في التوازنات الداخلية المصرية. جرت مياه كثيرة في نهر النيل منذ زيارة الاقتصادي المصري الكبير طلعت باشا حرب إلى السعودية عام 1933، التي دشن خلالها عدداً من المشاريع الاقتصادية المصرية مثل إنشاء فرع لبنك مصر في السعودية، وافتتاح خط طيران تجاري بين جدّة والقاهرة، كما نفذت مصر وقتها عدداً من المشروعات العمرانية في السعودية.
قامت مصر خلال تلك الفترة وما تلاها بمساعدة السعودية، عبر تقديم المساعدات المصرية الاقتصادية والتنموية. وتصادم البلدان - كما هو معروف - في الخمسينيات والستينيات وتواجها في حروب بالوكالة. ومع تقلب الأيام والفورة النفطية في سبعينيات القرن الماضي خلال وبعد حرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة (1973)، فقد انقلبت المعادلة تماماً. خرجت السعودية ودول الخليج رابحة سياسياً من التحولات الدولية والإقليمية التي تلت الحرب، إذ مالت الموارد المالية، المتحققة للرياض من ارتفاع أسعار النفط، ميزان القوى العربي والإقليمي لمصلحتها. وفي الوقت نفسه خرجت مصر منهكة من حروبها مع إسرائيل، وهي تعاني من ضائقة اقتصادية. ومع التحولات السياسية الكبرى لمصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أصبحت ورقة «المساعدات المالية» السعودية ورقة هامة للأخيرة في إدارة علاقاتها مع مصر.
وتفاقم الوضع في عصر الرئيس المخلوع مبارك، الذي كان أول حاكم مصري يسلم للسعودية بزعامة العالم العربي. وتظهر هذه الحقيقة باستعراض مواقف الراحلين: الملك فؤاد، والملك فاروق، والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات، حيال أحقية مصر في قيادة المنطقة. تمثل حجر زاوية السياسة السعودية في عصر مبارك في منع مصر، منافسها التقليدي على الزعامة العربية، من امتلاك هامش مناورة خاص بها، بحيث لا تتمكن من تغيير التوازنات الإقليمية الراهنة، ومن ثم مقايضة هذا الهامش بما يسمى «المساعدات المالية السعودية». استمرت سياسة توظيف «المساعدات المالية السعودية» للتأثير على القرار السياسي المصري بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، عبر وعود بمساعدات تبلغ أربعة مليارات دولار لم يصل منها مصر إلا حوالي نصف مليار دولار فقط، مقابل ستة تريليونات دولار (ستة آلاف مليار) تستثمرها السعودية في الدول الغربية عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، أي أن مصر حصلت عام 2011 من السعودية على «مساعدات مالية» تمثل واحد من اثني عشر ألفاً من مجموع الاستثمارات السعودية بالخارج.
وإذ يحلو لبعض المحللين السعوديين التذكير بحجم العمالة المصرية في السعودية التي تزيد عن مليون شخص، إلا أن هناك بالمقابل 400 ألف سعودي يعيشون في مصر. تعد السعودية أكبر شريك عربي تجاري لمصر، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2010 حوالي مليارين ونصف مليار دولار، ولكن مع عجز في الميزان لصالح السعودية ناهز المليار دولار. كما تأتي السعودية كثاني أكبر مستثمر في مصر، حيث يقدر حجم الاستثمارات السعودية في مصر بعدة مليارات من الدولارات، إلا أن أغلب هذه الاستثمارات يتموضع في الأنشطة الخدمية والتجارية، التي لا تطور هيكلية الاقتصاد المصري بقدر ما تعيده على السعودية من فوائد مالية كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك يمول الرأسمال المصري - وفقا لأرقام هيئة الاستثمار السعودية - أكثر من ألف مشروع في السعودية، بإجمالي تمويل قدره ثلاثة أرباع مليار دولار (750 مليون دولار). ويبلغ الإنفاق السعودي في السياحة المصرية نصف مليار دولار سنوياً، ولكن في مقابل مبالغ أكبر يدفعها المصريون سنوياً إلى السعودية لقاء زيارتهم الأماكن الإسلامية المقدسة (مكة والمدينة المنورة) في مواسم الحج والعمرة.
لكل هذه الأسباب تحتاج مقولة «المساعدات المالية» السعودية لمصر إلى تروٍ وتمحيص كبيرين؛ وإذ ترددت أقاويل بشأن هروب قسم من أموال الرئيس المخلوع مبارك إلى السعودية، تصبح مقولة «المساعدات المالية المصرية» إلى السعودية مشروعة ومبررة إلى حد كبير.
لكل هذه الأسباب تحتاج مقولة «المساعدات المالية» السعودية لمصر إلى تروٍ وتمحيص كبيرين؛ وإذ ترددت أقاويل بشأن هروب قسم من أموال الرئيس المخلوع مبارك إلى السعودية، تصبح مقولة «المساعدات المالية المصرية» إلى السعودية مشروعة ومبررة إلى حد كبير.
** هل نجحت زيارة مرسي؟
تعاني العلاقات المصرية ـ السعودية من عطب أساسي، مفاده أن التلويح بما يسمى «المساعدات المالية السعودية» لانتزاع انصياع مصري كامل للشروط والرغبات السعودية، قد أصبح المعلم الأساسي لهذه العلاقات في العقود الثلاثة الماضية. من ناحية أخرى تدفع الامكانات الاقتصادية لكلا الطرفين المصري والسعودي إلى الدخول نظرياً في علاقة تكاملية، بحيث تتضافر الفوائض المالية السعودية، مع الأيدي العاملة المصرية والموقع الجغرافي المتميز، لخلق فوائد متبادلة للطرفين، وهو ما لم يحدث بالقدر الكافي حتى الآن. فلا مبارك كان قادراً على خلق تنمية اقتصادية في مصر، ولا السعودية كانت راغبة في ذلك للأسباب التي شرحناها. والدليل على ذلك أن الاستثمارات السعودية في مصر تمثل أقل من كسور ضئيلة (أقل من واحد بالعشرة آلاف) من مجمل استثماراتها في العالم. وقد استمرأ مبارك مقايضة الدور بالعطايا، وفاته أن العطايا لا تؤسس لأدوار، وإنما تلغيها بمرور الوقت. قد لا يعيب السعودية أنها تستخدم فوائضها المالية للتأثير على القرار السياسي للدول الأخرى، ولا يعدّ هذا الأمر حكراً على تعاملها مع مصر، إذ تقوم السعودية عبر وسائل متنوعة، بالتأثير على قرارات الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأميركية.
تعاني العلاقات المصرية ـ السعودية من عطب أساسي، مفاده أن التلويح بما يسمى «المساعدات المالية السعودية» لانتزاع انصياع مصري كامل للشروط والرغبات السعودية، قد أصبح المعلم الأساسي لهذه العلاقات في العقود الثلاثة الماضية. من ناحية أخرى تدفع الامكانات الاقتصادية لكلا الطرفين المصري والسعودي إلى الدخول نظرياً في علاقة تكاملية، بحيث تتضافر الفوائض المالية السعودية، مع الأيدي العاملة المصرية والموقع الجغرافي المتميز، لخلق فوائد متبادلة للطرفين، وهو ما لم يحدث بالقدر الكافي حتى الآن. فلا مبارك كان قادراً على خلق تنمية اقتصادية في مصر، ولا السعودية كانت راغبة في ذلك للأسباب التي شرحناها. والدليل على ذلك أن الاستثمارات السعودية في مصر تمثل أقل من كسور ضئيلة (أقل من واحد بالعشرة آلاف) من مجمل استثماراتها في العالم. وقد استمرأ مبارك مقايضة الدور بالعطايا، وفاته أن العطايا لا تؤسس لأدوار، وإنما تلغيها بمرور الوقت. قد لا يعيب السعودية أنها تستخدم فوائضها المالية للتأثير على القرار السياسي للدول الأخرى، ولا يعدّ هذا الأمر حكراً على تعاملها مع مصر، إذ تقوم السعودية عبر وسائل متنوعة، بالتأثير على قرارات الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن العيب، كل العيب، يتمثل في الاستمرار بذات السياسات مصرياً، من دون القدرة على اجتراح واقع مغاير يترجم موازين القوى العربية والإقليمية بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011 خصوصاً، و«الربيع العربي» عموماً. أثبتت السياسة السعودية تجاه مصر أن الأولى لاعب عقلاني يعرف حدود قوته ومواضع استخدامها، في حين أن الثانية قد فرّطت، تحت حكم مبارك وهيمنة نخبته الفاسدة، في مصالحها الوطنية من هذه العلاقة. لا تلام السعودية هنا، ولا يتحمل الرئيس المنتخب محمد مرسي وزر ذلك بأية حال. ربما يكون إعادة تقييم مصر لتوجهها الاستراتيجي هدفاً بعيد المنال راهناً، في ضوء عدم استقرار التوازنات الداخلية المصرية، ولكن يتوجب على مصر الآن أن تعمل على توسيع هامش مناورتها الإقليمية كهدف مرحلي. ويمكن الوصول إلى هذا الهدف المرحلي عبر الوقوف على مسافات بعينها من مختلف القوى الإقليمية؛ بحيث تسقط في يدها أوراق جديدة لمساومة اللاعبين الآخرين في لعبة التوازنات الإقليمية. وضع الأخير مصر مجدداً في الاصطفاف المذهبي الذي تفضله السعودية - لأسبابها ومبرراتها التي أتينا عليها سابقاً -، مقدماً بذلك هدية كبرى لم تدفع السعودية ثمناً سياسياً أو اقتصادياً لها. وغاب عن الرئيس المصري المنتخب أن الهوية الطائفية لمسلمي مصر ليست في حاجة إلى إثبات من أحد، مثلما لا يتطلب تظهيرها مواجهة مذهبية مع أحد.
سيؤدي وضع الأمور في هذا السياق المذهبي الصرف، إلى أن تتصارع مصر مع تركيا على المركز الثالث في «المعسكر السني»، بعد السعودية وباكستان. بالمقابل سيقود توجه مصر نحو مشروع وسطي، ولعب أدوار إقليمية متدرجة مع حالتها الراهنة؛ عبر قيادتها لعملية الحوار السني -الشيعي، إلى نتيجة مختلفة تماماً. ستضع هذه العملية - إن حدثت - مصر في الصف الإقليمي الأول مباشرة، وتكسبها قوة ناعمة جديدة، ولن تكلفها أثماناً باهظة لقاء ذلك. هنا بالتحديد مكمن الخلل بالأداء المصري، فالرئيس محمد مرسي، زار السعودية في ظرف دقيق وحساس مصرياً وعربياً، في زيارة تطمين ليس من المهم كثيراً الاستغراق في مناقشة مبرراتها. شد مرسي الرحال إلى السعودية وهو رئيس منتخب لأكبر دولة عربية، في ظروف سعودية معقدة بعد وفاة وليي العهد، الأميرين سلطان ونايف، وقلق يتعلق بالخلافة وميكانيزمات انتقالها بين أكبر أعضاء العائلة الحاكمة سناً، وهو ما أعطاه مزية سياسية فريدة. ولكن مرسي أضاع - بتصريحاته حول هوية مصر المذهبية - الفرصة على بلاده لتوسيع هامش مناورتها الإقليمية، فاقترف بذلك خطأ استراتيجياً فادحاً يتجاوز بكثير الجدل حول توقيت الزيارة ورمزيتها وملابساتها.
وإذ يقوم المنتظم الإقليمي الراهن على جثة مصر- مبارك التاريخية، يتوجب من أجل تحقيق طموحات المصريين وحقهم الطبيعي والمشروع في المشاركة بتقرير مصير الإقليم، إزاحة منتظم كهذا. ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة تشكيل علاقات مصر الإقليمية والدولية، مع تلافي أوجه القصور التي شابتها في العقود الثلاثة الماضية، واستعادة هامش المناورة الإقليمية لمصر بكل الطرق والوسائل، وعدم التفريط به سواء تحت الضغط أو الترغيب بأي وسيلة حتى ولو كانت «المساعدات المالية السعودية».
وإذ يقوم المنتظم الإقليمي الراهن على جثة مصر- مبارك التاريخية، يتوجب من أجل تحقيق طموحات المصريين وحقهم الطبيعي والمشروع في المشاركة بتقرير مصير الإقليم، إزاحة منتظم كهذا. ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة تشكيل علاقات مصر الإقليمية والدولية، مع تلافي أوجه القصور التي شابتها في العقود الثلاثة الماضية، واستعادة هامش المناورة الإقليمية لمصر بكل الطرق والوسائل، وعدم التفريط به سواء تحت الضغط أو الترغيب بأي وسيلة حتى ولو كانت «المساعدات المالية السعودية».
لا يريد أحد قطيعة مع السعودية أو تردياً في العلاقات معها، فذلك لا يخدم بالضرورة المصالح الوطنية المصرية، ولكن من غير المقبول وطنياً في مصر، خصوصاً بعد انتفاضتها الشعبية الباسلة، أن تستمر العلاقات الثنائية مع السعودية سائرة بذات الآليات والمنوال الذي سارت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة؛ بحيث تخصم من مكانة مصر وقدرتها على المناورة الإقليمية بعد أن تؤبدها في موقع المستجدي لما يسمى «المساعدات المالية السعودية». ربما يكون الأوفق للمصالح العربية العليا أن يصار إلى إعادة تركيب العلاقة الثنائية المصرية - السعودية على أساس الندية والمنافع المتكافئة، وبما يعكس ثقل مصر الحضاري والتاريخي.
ولا يعقل أن تستمر العلاقات المصرية - السعودية سائرة في مباراة صفرية، فيها فائز بكل شيء وخاسر لكل شيء، بل يجب العمل على تبديل إطارها ليصبح تنافسياً - تعاونياً لمصلحة الطرفين. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف الكبير، ينبغي أن يتحاور البلدان الكبيران بهذه الروحية، وأن يديرا خلافاتهما على هذه الأرضية.
رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة حديث بتاريخ يوليو 1980 للرئيس السادات يرد على تطاولات الكويت على مصر و يذكرها بفضل مصر عليها وعلى غيرها من دول الخليج الصغيرة ... هدية للمحامين الكويتيين المتطوعين للدفاع عن الرئيس المخلوع مبارك..
الرئيس السادات يرد على الكويت و الشيخ جابر - 1980
عبد الناصر يتحدث عن المؤامره الوهابيه السعوديه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق