السبت، 10 سبتمبر 2011

البنوك الكبري والوطنية كانت باباً آمناً لصنع مليارديرات



كيف أدار الجهاز المصرفي البنوك طوال عهد مبارك.
 خاصــة منح القـروض ولغــز تهريب الأمــوال للخــارج


القروض.. من أخذها؟
 ومن استفاد منها؟ وبأية ضمانات؟
 وكيف كانت البنوك الكبري والوطنية باباً آمناً لصنع مليارديرات جدد أمثال: أحمد عز وزهير جرانة وأحمد المغربي خلال سنوات معدودات في ظل إفقار شعب كامل.
مشيرين إلي ضرورة فتح ملفاتهم التأمينية، وحساب عشرات المليارات التي خسرها القطاع المصرفي جراء إدماج البنوك الخاسرة في البنوك الوطنية مثل العملية التي تمت لبنكي المهندس والتجاريين اللذين أدمجا في البنك الأهلي وتحمل ديونهما والتي بلغت في بنك المهندس فقط نحو خمسة مليارات جنيه، وعملية دمج بنك مصر - إكستريور في بنك مصر، والمحفظة الخاسرة لبنك القاهرة التي تحملها بنك مصر جراء عشرات القروض التي منحها الجهاز المصرفي لرجال أعمال عصر مبارك ولم يقوموا بسدادها. الخبراء أكدوا أيضاً ضرورة فتح مختلف التقارير الرقابية وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الأداء المالي والمصرفي للبنوك طوال عهد مبارك، وقالوا لـ «الوفد الأسبوعي» إن الأب الشرعي لفساد عصر مبارك هو البنوك. فمنها خرج نواب القروض واستطاع أعضاء مجلس الشعب عن «الوطني المنحل» في هذه القضية التي عرفت بهذا الاسم وغيرها من عشرات القضايا التي تم التعتيم عليها أن يحصلوا علي عشرات الملايين من الدولارات تحت حماية نفوذهم ليحققوا ثروات باهظة بغير طريق مشروع.
 ومن خلال العلاقة الفاحشة بين رجال السلطة والثروة وقيادات تلك البنوك ظهرت طبقة رجال الأعمال الجدد فجأة علي سطح الحياة السياسية والاجتماعية في السنوات العشر الأخيرة لينجحوا في تجريف الثروة المصرفية وتكوين ثروات محصنة جري تهريبها إلي الخارج منذ سنوات لدرجة أن أحدهم (أحمد عز) استطاع تكوين ثروة تزيد علي 05 مليار جنيه في أقل من ثماني سنوات ومثله أكثر من 0001 ملياردير وعشرات الألوف من المليونيرات الذين استطاعوا تكوين ثروات ضخمة دون أي جهد.

والسؤال: لماذا تتأخر عملية تطهير الجهاز المصرفي والبنوك بعد ثورة يناير؟
ولماذا يتم الإبقاء علي جميع قيادات البنوك الذين تم تدريبهم وتسكينهم في مناصبهم قبل سنوات ليكونوا بمثابة الخط الاقتصادي الأول لدعم مشروع التوريث؟
من جانبه يشير محمد نور الدين - مدير البحوث الاقتصادية بالبنك العربي سابقاً وصاحب الدراسة الشهيرة حول الشفافية والفساد في البنوك قبل عامين - إلي أنه ومع تحول الدولة لسياسة الانفتاح الاقتصادي والسماح لرأس المال المحلي والأجنبي بممارسة النشاط في جميع القطاعات الاقتصادية تقريباً والتقليص التدريجي لدور القطاع العام والحكومي المباشر في العملية الاقتصادية ظهر رأس المال المحلي كعنصر نشط في الحياة الاقتصادية وبدأ يمارس دوراً متزايداً في قطاعات التجارة الداخلية والخارجية والمقاولات والصناعة والبنوك، وفي هذه الحالة سادت درجة عالية من الفساد بمختلف أشكاله والمعاملات البنكية لتمويل بعض الصناعات والمشاريع، وتمكن البعض من الاستيلاء علي أموال البنوك دون وجه حق بمساعدة من مسئولين علي قمة عدد من البنوك الخاصة أو تسهيل شخصيات عامة لها وزنها وثقلها.
وزراء سابقون ورؤساء مجالس إدارات بنوك ونواب لهذه العملية فظهرت قضايا فساد مصرفية ضخمة، أبرزها أو ما تكشف منها، قضية نواب القروض وقضية بنك مصر - اكستريور وقضية بنك المهندس. ويؤكد «نور الدين» أن الفساد يتخلل إحدي مراحل الإقراض من البنك سواء مرحلة دراسة الحالة الائتمانية والاستعلام عن العميل، أو مرحلة الموافقة علي القروض عبر شخصيات ذات نفوذ، أو مرحلة استخدام القرض ومتابعة التسهيلات الممنوحة لصاحبه عند السداد، مشيراً إلي حاجة الجهاز المصرفي إلي عملية تطهير حقيقية وضوابط يمكن من خلالها توجيه أموال الجهاز المصرفي لخدمة الاستثمار الحقيقي والمساهمة في التشغيل والقضاء علي البطالة والبعد عن المساهمة في صنع المليارديرات وبناء ثرواتهم المشبوهة علي حساب الوطن. فيما يقول الخبير الاقتصادي شريف قاسم الأستاذ بأكاديمية السادات: من المعروف أن كل القيادات البنكية من أعلاها إلي أسفلها قد جري تسكينها وإعدادها وتدريجها حتي تكون خط الدفاع المالي والاقتصادي الأول لمشروع التوريث ولا أحد يعرف سر تأخر عملية التطهير داخل الجهاز المصرفي من جميع هذه العناصر التي عملت لجمال مبارك ولصالح مقعده!! مشيراً إلي حدوث حالات تجريف رهيبة لكفاءات مصرفية وإحلالها بعناصر منتمية للجنة السياسات، بعضها يفتقد الخبرة المصرفية، حيث جاءوا من بنوك عربية وأمريكية أفلست في الخارج، وتم استدعاؤهم للعمل في مصر لخدمة مشروع التوريث فقط فكيف يتم الإبقاء عليهم بعد الثورة في ذات الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء بتنفيذ سياسة البنك المركزي الذي يديره فاروق العقدة وتنصب كل ملامحها الأساسية علي تجريف مدخرات الطبقة المتوسطة لإقراض عجز الميزانية في شكل أذونات خزانة، لذلك أصبح الاهتمام الرئيسي لجميع البنوك هو تمويل عجز الميزانية والمشاركة في شراء أذونات الخزانة بفائدة من 8 إلي 9٪ في حين أن سعر الفائدة علي الودائع طوال 5 سنوات مضت لم يتعد 7٪ وهو الذي يعتبر أقل من نصف معدل التضخم الذي يصل رسمياً إلي 21٪ مما يؤدي إلي تآكل أموال المودعين والتي لا يتم تشغيلها في مشاريع حقيقية تحصل علي زيادة الإنتاجية والقضاء علي البطالة، مؤكداً أنها جريمة مصرفية متكاملة تقتضي التحقيق. ويلفت «قاسم» إلي غياب البعد الاقتصادي بالكامل بعد الثورة نتيجة الخلافات الشديدة بين الأحزاب والقوي السياسية حول الانتخابات والدستور وغيرها من القضايا الفرعية وصرف النظر عن ضرورة وجود منهج اقتصادي جديد للثورة فيما يتعلق بالدعم والعدالة الاجتماعية والأجور بعدما كفرنا باقتصاد السوق الجشع الذي لا يمكن أن يستمر، ومع ذلك تؤكد حكومة عصام شرف أنها لن تغيره وستسير عليه، معلقاً: إذن لماذا قامت الثورة؟
 وتري سلوي العنتري - مدير عام البحوث بالبنك الأهلي سابقاً - أنه ينبغي البدء بتطهير الجهاز المصرفي والبنوك فوراً اعتماداً علي الحرفية المهنية للقيادة البنكية وأدائها داخل المؤسسة، وكذلك التوجه السياسي لها، والسؤال عن نوعية قراراتها ولصالح من بالضبط تصدر هذه القرارات وأشارت «العنتري» إلي أنها تفهم أن التباطؤ في تنفيذ عملية التطهير حتي اللحظة يرجع إلي حساسية ما يتعلق بالجهاز المصرفي والحاجة الشديدة لضمان الاستقرار المالي وعدم حدوث قفزات في تمويل الاستثمار أو تمويل الدولة باعتبارها أكبر مقترض وعدم الرغبة في فتح كل الدفاتر مرة واحدة لكن هذا لا ينبغي أن يستمر طويلاً.
ولفتت إلي ضرورة فتح مختلف التقارير الرقابية وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن أداء البنوك خلال السنوات العشر الماضية علي الأقل والتحقيق في مصادر تمويل رجال الأعمال الظاهرة؟
أمثال أحمد عز ورفاقه لمعرفة عما إذا كان هناك فساد في عمليات منح هؤلاء مليارات البنوك المصرية لتمويل مشاريعهم وتكوين ثرواتهم، وحقيقة ما تم تسديده منها والتحقيق في خسارة عشرات المليارات من أموال دافعي الضرائب لتغطية خسائر بعض البنوك، التي تم تصفيتها أو إدماجه بعدما خرجت أموالها كلها في شكل قروض لم ترد
أو ما جري قبل ذلك من منتصف التسعينيات حتي بداية الألفية وسمي بالتعثر المصرفي وأهدرت فيه مئات المليارات من الجنيهات حتي عام 3002 مع وضع القانون رقم 88 لسنة 3002 لوضع ضوابط علي عملية منح القروض والتسهيلات. محمد النجار - أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة بنها - يؤكد أن الثورة لم تبدأ بعد أي عملية تطهير ويبدو أنها تعطلت لنزاعات هنا أو ظروف هناك - علي حد قوله - مشيراً إلي وجود العديد من أوجه الفساد داخل الجهاز المصرفي والتي تقتضي حلاً عاجلاً وأولها بقاء الأطقم المصرفية التي جاء بها جمال مبارك من هنا وهناك في أماكنها بعد الثورة بذات السياسات المالية وذات الرواتب، مشيراً إلي أنه ورغم الدور الكبير الذي قام به محافظ البنك المركزي علي مدار السنوات السبع الماضية من وضع ضوابط في الجهاز المصرفي حتي لا يترك الائتمان «علي حل شعره» - حسب قوله - إلا أن الفساد سيظل موجوداً في الجهاز المصرفي طالما بقيت مصر تسير في طريق الاقتصاد الحر ولم تغير طريقها للنهضة باقتصاد مخطط علي الطريقة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية يعلم بالضبط ما يريد وكيفية تنفيذه. وأضاف: هذا الفساد سمح بتهريب ما بين 08 إلي 021 مليار دولار من الثروة المصرية إلي الخارج طوال 02 سنة في عهد مبارك لتأتي مصر في المركز الثاني علي مستوي الشرق الأوسط في ظاهرة هروب الأموال. وينتقد «النجار» الأداء المالي للبنك المركزي أثناء الثورة والذي تدخل لمنع انهيار سعر صرف الجنيه فأدي إلي انخفاض الاحتياطي من 5.63 مليار دولار إلي 62 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط من قيام الثورة وكان هذا مهماً من ناحية للحفاظ علي سعر الجنيه، لكن في الوقت نفسه تسبب في قيام رجال الأعمال بتكوين «حقائب دولارية» من مليارات المركزي بعد التخلص من الجنيهات والقيام بتهريبها للخارج خلال أسبوع التنحي.
فيما تؤكد فائقة الرفاعي - وكيل محافظ البنك المركزي سابقاً - ثقتها الكبيرة بالقيادات المصرفية الحالية التي لا تعتقد بوجود أي ولاء لها للنظام السابق وانضباط جميع فروع الجهاز المصرفي طوال سنوات تولي «العقدة» مهام منصبه كمحافظ للبنك المركزي وتطبيق مختلف النظم والقواعد الخاصة بالشفافية وقيام المعهد المصرفي بلعب دور في تطبيق الحوكمة إلا أنها تعود وتقول: التسيب في الجهاز المصرفي كان سابقاً علي هذا التاريخ، لذا هناك حاجة ملحة لدراسة الأسواق ودراسة العملاء، ووضع قواعد داخلية للائتمان والعمل في البورصة من جانب البنوك وعمل إدارة جيدة لمحافظ الاستثمارات فيما يتعلق بمنح الائتمان ووضع نظم رقابية وتحوطية تحتاط للمستقبل ولمفاجآته في القطاع المصرفي.
واعتبرت «الرفاعي» قيام البنك المركزي بسحب العديد من المليارات من الاحتياطي النقدي لدعم الجنيه المصري لتلبية الطلب علي الدولار عملاً بطولياً أمام ظرف استثنائي مشيرة إلي إمكانية تعويض هذا الاحتياطي خلال 3 سنوات بشرط عودة السياحة والاستثمار المباشر. وأضافت: رغم نجاحنا في استقطاب كثير من الاستثمارات الأجنبية إلا أننا لم نستفد منها، ولم تساعد في القضاء علي البطالة أو بناء قاعدة صناعية حقيقية أو القضاء علي التضخم وهو ما يحتاج منا إلي عملية مسح شامل للاستثمارات الأجنبية علي مدي الـ 02 سنة الماضية لمعرفة الرصيد التراكمي لها، أين ذهبت وفيم تمت الاستفادة منها. ومضت تقول: إذا كنا بحاجة لإقالة بعض القيادات فإن ذلك ينبغي أن يكون بصورة متدرجة، مشيرة إلي أن تطبيق حد أقصي للأجور في هذا القطاع قد سيؤدي إلي هروب كفاءات بنكية كبيرة ويكون له تأثير سلبي علي القطاع المصرفي.


ليست هناك تعليقات: