السبت، 10 سبتمبر 2011

الحدود المصرية خط النار تحت مرمي رصاص جنود صهيون


.. الحدود المصرية مع إسرائيل ..
قطاع طرق، إرهابيون، عناصر أجنبية متسللة
جنود وحراس مصريون



لم يكن الطريق الذي سلكته باتجاه الحدود المصرية مع إسرائيل لتقضي يوما كاملا علي خط النار تحت مرمي رصاص جنود صهيون .- 24ساعة في مرمي الرصاص الإسرائيلي. بالمسلك الصعب قبل عدة أشهر. 
إلا انه صار اليوم طريقا لموت محقق، يقترب منك في كل لحظة دون ان تدري له سببا او مصدرا .. قطاع طرق، إرهابيون، عناصر أجنبية متسللة،جنود وحراس مصريون يمنعون الاقتراب من منطقة الحدود لأي سبب،وأخيرا جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين ملتهم النشوة لعدة ساعات قبل أسبوعين بالتواجد العسكري علي جزء من أرض مصرية منذ عام82.


الساعة تشير إلي العاشرة صباحاً..السيارة تتحرك بي من مدينة العريش باتجاه خط النار وبصحبتي صديقي مصطفي عودة الذي يعرف عن ظهر قلب كل شبر بطول الحدود المصرية الاسرائيلية من قرية المهدية حتي الكنتلا جنوب معبر العوجة البري بطول أكثر من 130 كيلو متراً.
بلهجته البدوية قال: المسافة بعيدة جداً وما في طريق موازي للحدود غير الطريق المخصص للقوات المسلحة..
قلت:كيف سنصل للحدود؟ أجاب : حندور عالسهل ونلجي عليه ( أي نسير عليه) ولكن ممكن يكون مصيرنا مصير جنودنا.
هنا انطلق دليلي باتجاه طريق العريش-رفح ، وعند وصولنا مدينة الشيخ زويد سلك جنوباً إلي طريق قرية البرث ومنها شمالاً إلي قرية المهدية..وهناك التقينا أبو سالمان الذي يبعد منزله عن الشريط الحدودي مسافة 100 متر..والقرية ذات طابع مميز بين قري الشريط الحدودي حيث يشتهر سكانها بزراعة أشجار الزيتون..وبسؤاله عن قلق الإقامة علي الحدود قال : بالطبع المكان غير آمن بالمرة ، ونحن معرضون للموت كل دقيقة ، ولكن هذه بلادنا آلت إلينا عن طريق أجدادنا ولا يمكن التفريط فيها حتي وإن كان الثمن حياتنا.. 
قلت: هل تعرض أحد سكان القرية للإصابة أو الموت نتيجة اقترابه من الحدود ؟ 
قال: نعم ولكن لا أذكر منهم أحدا الآن ولكني رأيت ابني ذات مرة وهو يجري ناحية الحدود ووصل بي الأمر أنني لم أستطع النداء عليه بعد أن رأيته يمسك بيده السلك الشائك وكاد أن يغشي عليّ وفجأة رأيته وهو عائد بسرعة ولهفة نحوي فاحتضنته ووجهت له لوماً شديداً وقمت بتحذير أمه من تركه، فما زالت صورة استشهاد الطفل محمد الدرة في أحضان والده لا تفارق خيالي رغم مرور أكثر من عشر سنوات.



بنظرة سريعة علي الشريط الحدودي تتأكد أن الأجواء ملتهبة ، وأن جنودنا في حالة استنفار قصوي رغم الهدوء الرسمي علي الجانبين، كما قام عدد من سكان المنطقة بمنعي عن التصوير.
وعلي بعد عدة كيلومترات تقع قرية نجع شبانة التي لا تختلف كثيراً عن قرية المهدية من حيث اعتماد السكان علي زراعة أشجار الزيتون ولكن بمجرد وصولنا إلي الطريق الرئيسي المتفرع من قرية البرث لاحظنا أن «الناضورجية» ينتشرون في كل مكان ويتعقبون السيارة بأعينهم، وكلما اتجهنا إلي ناحية الشرق باتجاه الحدود تقل الكثافة السكانية وكذلك المساحات المزروعة.

 ويؤكد أيمن الذقن أن القرية تشتهر بتهريب الوقود إلي قطاع غزة حيث يتم حفر آبار لتخزينه ثم يتم ضخه إلي غزة عبر شبكة مواسير أرضية باستخدام مواتير الشفط..وهناك لفت انتباهي برج المراقبة المصري..ارتفاعه لا يتجاوز ثلاثة أمتار وهو مصنوع من الحديد ويطلق البدو عليه «صفيح» وكأنه لم يتم تطويره منذ الثمانينيات، بينما برج المراقبة الاسرائيلي مرتفع لأكثر من 12 مترا ومصنوع من الأسمنت والفولاذ في سياج اليكتروني مكهرب..وأكد لنا أبناء القرية أنه مزود بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار عن بعد ويليه شريط رملي لتعقب الأثر. واصلنا حركة السير في اتجاه الجنوب وقطعنا مسافة50 كيلو نحو قرية وادي العمرو الواقعة بين منفذ كرم أبوسالم والعوجة وتضم عشرات المنازل المتناثرة، حيث شاهدت ڤيلات وقصورا فخمة. قال دليلي إن الحدود الاسرائيلية تبعد عن الأسفلت مسافة 3 كيلومترات ويوجد درب غير ممهد للوصول إلي الحدود..وبالفعل اتخذ دليلي هذا الدرب للوصول إلي الحدود. وأثناء السير لاحظنا قدوم 5 سيارات تابعة لقوات حفظ السلام عائدة من الشريط الحدودي وأشار دليلي إلي معسكر قوات حفظ السلام الذي يبعد عن الشريط الحدودي 300 متر فقط وهذا المعسكر أقرب معسكر لقوات حفظ السلام علي الحدود المصرية.وحيث لا يمكن اجتياز معسكر قوات حفظ السلام بالسيارة فلم يكن أمامي سوي السير علي الأقدام باتجاه الشمال لمسافة 500 متر. وعلي بعد 200 متر من خط النار تختفي معالم الحدود تماماً وهي مسافة خالية من الأسلاك تستغلها عصابات تهريب المخدرات والأفارقة في ممارسة نشاطها في هدوء تام بعيداً عن أعين أجهزة الأمن في الوقت الذي يتجاهل فيه الجانب الاسرائيلي مواجهة عمليات التهريب..وهناك حذرني أحد سكان المنطقة ويدعي محمد جدوع من الاقتراب للشريط الحدودي بسبب توتر الأجواء بعد الأحداث الأخيرة. المنطقة تعاني من ندرة في المياه ومعظم سكانها تركوا أراضيهم وذهبوا إلي العريش والسويس والشرقية بحثاً عن حياة أفضل، والجانب المصري صار خاليا تماماً من السكان والمساحات المزروعة بينما الجانب الاسرائيلي علي بعد خطوات نري المزارع الواسعة ومساحات شاسعة من الخضر والفاكهة.

 جدوع قال:أحياناً نقوم بجني وجلب ثمار المزارع الاسرائيلية لسد جوعنا ولو كان الوضع الآن يسمح لقمت باصطحابكما لمشاهدة الجانب الاسرائيلي عن قرب وأضاف أننا نقوم أحياناً بجلب مياه الشرب أيضاً من هذه المزارع ومع حلول الظلام استقر بنا الحال في قرية وادي الأزارق وكان في استضافتنا خليل الأطرش وزارع الأطرش ورمضان الأطرش وهم أولاد عم الدليل وينتمون إلي قبيلة الترابين ، فوجئت بأن القرية في ظلام دامس وغالبية السكان يعتمدون علي المولدات الكهربائية ، فيما رأيت مكانا مرتفعا يتلألأبالأنوار وعرفت أنه معسكر للجيش الإسرائيلي. هناك أكد لي خليل الأطرش أن الحدود الاسرائيلية تبعد مسافة 2 كيلو متر وحذرنا من السير إلي هناك في الظلام لأن القوات المصرية تقوم بإطلاق النار علي أي شئ يتحرك..وأشار شقيقه رمضان إلي أن الجيشين المصري والاسرائيلي في حالة تأهب وحذر، حتي عمليات التهريب توقفت تماماً نتيجة الأحداث الأخيرة قال: أصوات طلقات النار والقذائف لا تهدأ أبداً مما يسبب لنا حالة من الخوف والذعر خاصةً لدي الأطفال حيث إن الجانب الاسرائيلي استغل هذه المنطقة الخالية من المستعمرات لتدريب أفراد الجيش عن طريق زرع أهداف وهمية ثم يقوم بضربها بالطائرات والمدافع والرشاشات ومن هنا تخترق طائراته المجال الجوي المصري باستمرار وكان آخر هذه الاختراقات منذ 3 أيام. في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي سرت مع الدليل باتجاه الحدود وهناك رأيت عن قرب اسلاكا شائكة متهالكة فوق أرض بدا أنها واحدة لا يفصلها شئ ، فلا يميز الجانبين عن بعضهما سوي المساحات الخضراء التي تغطي الجانب الاسرائيلي دون الجانب المصري.

قال صاحبي هنا وبعد عدة أمتار من الحدود يقع معسكر خاص بالجيش الاسرائيلي..وعند عودتنا إلي رمضان الأطرش..قال لنا: إن معظم الشريط الحدودي لا يوجد به سكان في الجانب الآخر باستثناء المنطقة الموازية لمدينة طابا التي استغلتها العناصر التي تسمي نفسها (الحركة الوهابية) وأن المخابرات المصرية تعرف جيداً ما يدور علي هذا الشريط بل إنها تعرف عن طريق أبناء المنطقة أسماء وعناوين ضباط الجيش الاسرائيلي المكلفين بحراسة الحدود..ولكن سر عمار سيناء وخرابها وتأمين الحدود الشرقية يكمن في السيطرة علي تلك المجموعات المتطرفة. اتجه بنا مصطفي إلي قرية القسيمة علي بعد 35 كيلو مترا من وادي الأزارقة وبمجرد الوصول إلي القسيمة تكتشف أن سكانها يعيشون حياة بدائية وأن معظم عششها يظهر عليها حالات الفقر والتقشف. حاولنا الاقتراب من الحدود المصرية الحصينة وفشلنا نتيجة التواجد الأمني المكثف ورأيت عن بعد برج مراقبة مصري بارتفاع 10 أمتار وبالقرب منه يوجد 6 جنود وسيارة جيب و استراحتان تابعتيان لقوات الأمن المصرية، ولم نر الأسلاك الشائكة التي تفصل بين الجانبين، فسألنا أبو مرعي التيهي احد السكان عن سر هذه التعزيزات فأجاب لأن هذه القرية تتميز بكثرة الجنود بها مقر للمخابرات المصرية. سألته: هل يعتبر سكان القرية من محدودي الدخل؟ فقال: لا ، بل من معدومي الدخل وهذا حسب تقرير منظمة الغذاء العالمية التي صنفت هذه القرية من ضمن أفقر عشر قري علي مستوي العالم.سألته : وعلي أي شئ يعتمدون لمواصلة حياتهم؟ فأجاب: علي الزراعة والوجبات البدائية مثل اللبة وهي عبارة عن عجينة مكونة من الدقيق يتم طرحها علي الرمال الساخنة والحطب وبعد نضجها يتم تقطيعها وخلطها بالطماطم والملح وزيت الزيتون. 
 فيما أشار سالمان أبو فارس إلي أن الظروف الاقتصادية السيئة الناتجة عن عدم وجود وظائف أو تنمية أدت إلي تفشي الأمراض والأوبئة مثل فقر الدم وحالات إجهاض بسبب تناول السكان الوجبات الغير صحية لعدم توفر الوعي الكافي..أبو فارس يتهم دولة مبارك طوال الثلاثين عاماً الماضية بالاستحواذ علي المعونات المخصصة لتنمية سيناء قائلا: هي مساعدات تقدمها بعض الدول الكبري ولكن لا تصل إلينا. كلما اتجهنا نحو الجنوب تزداد الارتفاعات والانخفاضات نتيجة الطبيعة الجغرافية..وبعد قطع مسافة 25 كيلو مترا وصلنا إلي قرية العزازمة حيث الجبال واضحة وكأنها حدود طبيعية تفصل بين مصر وإسرائيل لكني فوجئت بأن هذه القرية خارج نطاق تغطية شركات المحمول المصرية.

علمت بعد بحث أن غالبية السكان هنا يعتمدون علي شركات الهواتف الاسرائيلية ( أورانچ وسيلكوم وبيلفون ومارس ) وجميعها تعمل بكفاءة عالية لأكثر من 50 كيلو مترا داخل الأراضي المصرية في حين أن شبكات شركات الاتصالات المصرية لا تعمل داخل وسط سيناء بسبب عدم توفير أبراج عالية وإن وجدت تكون في أماكن منخفضة بينما الشبكات الاسرائيلية تضع أبراجها في أماكن عالية..والصادم أيضاً أن أسعار مكالمات وإنترنت الشبكات الاسرائيلية رخيصة جداً مقارنة بالمصرية. الآن وصل بنا المطاف إلي قرية الكنتلا وهي منطقة صحراوية لا زرع فيها ولا ماء ، خالية من السكان باستثناء عدد من المنازل والكهوف ، وهي كباقي القري الحدودية تفتقر إلي أبسط الخدمات..أما الجانب الآخر فقام بزراعة الصحراء والاستفادة منها بطول الحدود..ويقول صبّاح سلامة أحد أبناء القرية إن إسرائيل أنهت المسح الچيولوچي للمنطقة وقامت بشفط المياه الجوفية المصرية في أعوام الثمانينيات. 
 علي بعد أمتار تستطيع أن تري الشريط الحدودي بين الجانبين المصري والاسرائيلي حيث ترتفع الأسلاك الشائكة الإسرائيلية بينما تختفي معالم الحدود المصرية ثم تظهر مرة اخري بعد 200 متر تقريباً..ورغم ضعف هذه النقطة الحدودية إلا ان وجود الجندي المصري فوق البرج يسبب لنا الخوف من الاقتراب من الشريط الحدودي لمسافة أكبر، فهنا تتم عمليات تهريب الأفارقة تحت مطاردة رصاص الجندي المصري ، بين مصير الموت المحقق أو النجاح النادر في التسلل والنجاة بأعجوبة . 
 صبّاح يؤكد أن جميع سكان المنطقة لا يقتربون من الحدود خاصةً بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت علي مقربة من هذه المنطقة فهناك تعليمات أمنية مشددة تحذر من الاقتراب من الشريط الحدودي لأي سبب كان..ولا يكاد يمر ثلاث ساعات حتي تسمع أصوات الطلقات النارية التي لا تعرف مصدرها أو الشخص أو المكان المستهدف بها ، ما يسبب حالة من الذعر طوال الوقت للأهالي. في أثناء عودتنا إلي مدينة العريش التقيت سعيد عتيق عضو ائتلاف الثورة وأحد سكان قري الشريط الحدودي الذي أكد لنا أن ما يحدث علي الحدود من توتر وعمليات تهريب يتعلق بغياب رمز من رموز الدولة وهو الجيش نتيجة اتفاقية كامب ديفيد التي قسمت سيناء إلي ثلاث مناطق ( أ و ب و ج ) والأخيرة محاذية للشريط الحدودي..
وأضاف عتيق: اتفاقية كامب ديفيد فرضت علي الجانب المصري عدم وجود الجيش بها باستثناء عدد قليل من قوات الأمن المركزي المزودة بالأسلحة الخفيفة،كما نصت علي منع الأسلحة الثقيلة داخل المنطقة ( د ) وهي داخل إسرئيل..إلا أن دبابات ومدرعات العدو تتمركز علي بعد بضعة كيلو مترات قليلة وأحياناً تصل إلي الشريط الحدودي مباشرةً ولم نسمع المجتمع الدولي يندد بخرق الاتفاق.
في نهاية الرحلة تكشفت لنا مأساة سكان الحدود كاملةً وتجاهل المسئولين طوال العقود الماضية توفير أبسط الحقوق المشروعة لهؤلاء المصريين..والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلي متي ستظل هذه المأساة التي يعيش فيها هؤلاء المواطنون الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن الوطن؟

ليست هناك تعليقات: