الخميس، 13 ديسمبر 2018

الأقرع والنُزَهى والعجوز المتصابى .نظرة جاهلة يشوبها التعصب..فيديو


عريان «التيت»
 يتأمز تأميز ويقول باب الخمارة منين
... أقـرع ونزهـى أرحـم! ...



كنت مدعواً لعُرس فى واحد من فنادق الخمس نجوم عندما تنامى إلى سمعى حديث نسائى .. كانت تقف خلفى فى الطابور المزدحم بعد فتح بوفيه العشاء امرأتان تلوكان سيرة العريس والعروس وتبديان الملاحظات الفارغة التى تليق بحيزبونتين ممن درجنا على تسميتهن «عجائز الفرح». 
لفت نظرى من ضمن انتقاداتهما للعرس أنْ أبدت إحداهما دهشتها من حالة الفرحة التى كان عليها العريس حتى إنه لم يكّف عن الرقص منذ أن دخل إلى القاعة وفى يده عروسه. 
ظننت لوهلة أنها تعترض على مبدأ الرقص من منظور محافظ، لكنها فاجأتنى عندما قالت لرفيقتها: حاجة غريبة.. العريس أقرع وبيرقص!



التفت خلفى أنظر إليهما فشعرتا بالخجل ومضتا مبتعدتين.
بعد أن عدت إلى القاعة نظرتُ للعريس متفحصاً فوجدته شاباً بهى الطلعة وقد زادته الفرحة ألقاً، وبدا لى أنه يعيش لحظات سعيدة، وكذلك بدت عروسه فى ثوبها الأبيض الأنيق. صحيح أنه كان أصلع الرأس لكن ملامحه المتناسقة جعلت وسامته لا تخطئها عين.. فما الذى جعل المرأة تستكثر عليه التعبير عن الفرحة لمجرد أن الصلع زحف إلى رأسه مبكراً؟.. 
أنا أعلم بطبيعة الحال المثل القائل «أقرع ونزهى» الذى أطلقه العامة على الشخص السفيه الذى لا يعرف حدود مقدرته فتراه ينفق ببذخ وهو مفلس، ومن الممكن أن يكون مقتراً على أهل بيته بينما ينفق فى الأشياء غير الضرورية.. وهذا المثل ينطبق أيضاً على العجوز المتصابى الذى يرتدى ملابس الشباب المزركشة بينما لا تقوى ركبتاه على حمله. 
وربما أن هذا المثل يدخل ضمن الأمثال الفجة التى تخلو من الكياسة فى التعبير رغم قدرتها على الإضحاك، ولدينا من هذا النوع زاد وافر يغطى كل أحوال الحياة، لكن هذه الأمثال، على أى حال، لا تصمد للتحليل المنطقى، إذ ما الذى يمنع الأصلع من أن يفعل ما يفعله أصحاب الشعر الكثيف؟ ولماذا يقدمون الأعذار لصاحب الشعر إذا ما ارتكب حماقة بينما يأتى تسامحهم عند الأصلع ويتوقف؟ 
هل يظنون أن من طار شعر رأسه لابد أن يتلبس دور الشخص الوقور، وأن يعيش عُمراً لم يصل إليه بعد فيتصرف تصرفات الآباء المخضرمين الذين يتسمون بالهيبة والوقار، وأن يتوارى عن الأعين إذا أراد أن يستجيب لمشاعره ويفعل ما يسعده.. 
هل يريدون كل هذا من شخص صغير له مشاعر شابة وقلب غض ولم يدخل دنيا بعد!. 
إنى أرى هذا المثل تعبيراً عن عدوانية صارخة ونظرة جاهلة يشوبها التعصب.. فإذا كانت الأديان قد نهت عن أن يسخر قوم من قوم، وكذلك الدساتير نصت على تجريم التمييز بسبب الدين والجنس والعرق واللون فإن شكل الرأس مفترَض بالتأكيد ضمن منظومة حقوق الإنسان! ولئن قال البعض إن الشخص الأصلع هو الذى يغريهم بالسخرية عندما يخجل من شكله ويسارع إلى محاولة استجلاب أدوية لإنبات الشعر أو القيام بعملية زرع شعر أو فى القليل يقوم بوضع باروكة، فإن هذا ليس مبرراً لإطلاق قوى التهكم الشرير على خلق الله، ذلك أن صاحبنا ما كان له أن يفكر فى الحصول على شعر لولا معرفته بأن الذوق الشعبى يعلى من قيمة الشعر ويطلق ألسنة العامة للنيل من أصحاب الرؤوس الصلعاء فيستكثر عليهم الفرح.
على أى الأحوال فإن هذا المثل أرحم من المثل الآخر المشابه له فى المعنى والذى يقول: عريان «التيت» يتأمز تأميز ويقول باب الخمارة منين.. أقرع ونزهى أرحم!


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: