الخميس، 20 سبتمبر 2018

أسرة «فى العراء»: الرصيف أحنّ علينا من الحكومة


أسرة من 5 أفراد 
تفترش رصيف كوبرى الجلاء فى البرد


على رصيف كوبرى الجلاء تفترش أسرة مكونة من أب وأربعة أطفال الأرض، الأب يجلس ملتحفاً بطانية قديمة، يتشبث بكوب شاى دافئ، بجواره ينام ابنه «محمد»، الذى لم يتجاوز 10 سنوات، يغطى جسده بالكامل ببطانية قديمة، لا يظهر منه شىء كأنه ينام فى مكانه جثة هامدة. يقول سعيد عوض، رجل تجاوز الخمسين من عمره، إنه كان يعمل «سايس» فى الشارع المقابل، لكنه فقد وظيفته المؤقتة بعد مرض زوجته «كريمة» منذ 3 سنوات، حيث تم تشخيص مرضها بأنه سرطان، مضيفاً: «لما عرفت أن مراتى عندها سرطان كان أسوأ خبر فى حياتى، عرفت إنها هتموت وتسيب لى العيال».
الأب: مراتى ماتت بالسرطان والبيت ضاع فى علاجها.. والابنة: «بياخدونا الإصلاحية ويضربونا»
يحكى «سعيد» عن المعاناة التى عاشها من أجل توفير العلاج لزوجته، حيث اضطر لبيع كل ما يملك، حتى بيته القديم فى إحدى المناطق العشوائية بالجيزة، وأن زوجته تعرضت لإهمال طبى جسيم فى المستشفيات الحكومية، يقول: «رهنت البيت الأول، وقلت يمكن أقدر أعوض الفلوس، لكن المصاريف كترت، واضطريت أبيعه وأصرف تمنه بالكامل على العلاج». وعن مصدر دخله يقول إنه بمجرد تغيبه عدة أسابيع، حيث كان يضطر للبقاء مع زوجته أثناء رحلة مرضها، جاء أشخاص آخرون، وأصبحوا مسئولين عن الموقف، ورفضوا تماماً عودته لنفس المنطقة لممارسة عمله.
«الأسرة كلها فى الشارع، بنام فى البرد، واللى بتعمله الحكومة إنها بتيجى تاخد منى العيال توديهم الإصلاحية فى المنيل وبيضربوهم هناك»، يقول الأب إنه بعد ظهوره فى بعض القنوات التليفزيونية، وخاصة فى أحد البرامج الشهيرة، وعدته المذيعة بتوفير شقة أو «كشك» ليكون مصدر دخل له من خلال التبرعات التى يتقدم بها رجال أعمال، ولكن ما حدث بعد إذاعة الحلقة غير ذلك، حيث فوجئ بقوة من الشرطة يهجمون عليه، ويأخذون أطفاله منه ليودعوهم فى أحد بيوت الرعاية.
«رُحت لوكيل النيابة، وقدمت له شهادات ميلاد الأطفال، وبطاقتى، وقلت له أنا أبوهم، وفضلت أتعذب فترة طويلة لحد ما قدرت أرجّع عيالى». يقول سعيد إنه تم اتهامه باستغلال الأطفال بغرض التسول، بعد ظهوره إعلامياً، وعقب على ذلك بقوله: «الحكومة بدل ما تحل المشكلة وتساعدنا عذبتنى أكتر لما أخدت منى العيال، بصراحة الرصيف أحنّ علينا من الحكومة»، يقول إن الأسرة فقدت أم الأطفال منذ عامين ونصف، كما فقدوا بيتهم، ومصدر الدخل، وبظهوره إعلامياً كان يتمنى أن يحصل على ترخيص «كشك» حتى يتمكن من الوقوف على قدميه، وهو ما لم يحدث، على حد قوله.
تقوم «زينة»، الطفلة الصغيرة التى لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، من نومها، ترتجف من شدة البرد، يحضر لها أبوها علبة شعيرية صغيرة سهلة التحضير، يضع عليها ماء ساخناً بعدما يحضره من بائعة الشاى القريبة منهم، تلتف الصغيرة بالبطانية وتتناول الطعام. بينما تقول «دهب»، الابنة الأكبر ذات الأربعة عشر عاماً، إنها تخاف من العودة للإصلاحية، وإنها شعرت بالنجاة عندما تمكن أبوها من استعادتها مرة أخرى، هى وأخواتها، قائلة: «الإصلاحية اللى فى المنيل كانوا بيضربونا هناك كل يوم، أسوأ معاملة شفتها، برد الشارع أهون من هناك، كل لما تعدى عربية شرطة أخاف ياخدونا تانى».
«دهب» هى الشقيقة الكبرى التى تلعب دور الأم لتلك الأسرة، حيث ترعى بقية إخوتها، وتذهب بنفسها لإحضار الطعام، وتقوم بغسل الملابس على شاطئ النيل، وتتركها على السور حتى تجف، تقوم بمهام الأمهات فى ظروف غير اعتيادية. تحكى «دهب» عن بكائها الشديد، عند منعها من رؤية شقيقتها الأصغر زينة، بعد دخولهم أحد بيوت الرعاية، وأنها تفضل البقاء مع والدها وإخوتها، قائلة: «الحكومة لو عايزة تساعدنا، تجيب لأبويا كشك نعيش منه».
الأسرة المشردة تقضى ليلتها فى مكانها، يشتد البرد على الكوبرى مع اشتداد تيار الهواء، ومن ورائهم تطل بنايات الفنادق الفخمة التى تضىء أنوارها احتفالاً ببداية عام جديد، بينما يقول «سعيد»، رب الأسرة: «السنة الجديدة بتاعة الناس اللى عايشة، إحنا أيامنا كلها زى بعضها، صيف شتا مرميين على الأرض..




ليست هناك تعليقات: