الجمعة، 8 أبريل 2016

هل كان الانقلاب قدرا مقدورا؟ ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا


الانقلاب كان مخططا له في وزارة الدفاع مبكرا

ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا!


ورد في الأمثال أن "المكتوب على الجبين ستراه العين"
 فهل كان الانقلاب الذي وقع في مصر على السلطة المنتخبة مكتوبا على جبين الثورة لا فكاك منه،
 سواء حكم الدكتور محمد مرسي، أوالبرادعي، أو غيرهما؟!

اللافت أن هناك أمورا يجري التعامل معها على أنها من المسلمات، وكما تحولت مقولة "الجيش الذي حمى الثورة"، إلى حكمة يجري ترديدها دون نقاش، فإن مثلها القول بأن الانقلاب العسكري كان مخططا له سلفا، منذ بداية الثورة، وهناك من يتمادون إلى حد القول أن ثورة يناير كانت انقلابا عسكريا على حكم مبارك، وإذا كانت قد تجاوزت حدودها بانخراط الجماهير فيها، فقد كان لازما أن يعاد ضبط الإيقاع بما جرى في (3 يوليو)، لنقف على ما جناه الجدل السياسي على الحقيقة، وما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا!...ففي السجال التلفزيوني، بين من أيدوا الانقلاب ومن رفضوه، كان كل طرف في مهمة حسم النقاش لصالحه، لا يلتزم كثيرا بقواعد الموضوعية، وإذا كنت أشهد أن الجناح الرافض للانقلاب كان هو الأقل من حيث الخروج على هذه القواعد، فإني لا أبرئ هذا الفريق من الترويج لمقولة أن الانقلاب كان مخططا له، سواء نجح الرئيس المنتخب أو فشل، ليتلقف هذه المقولة من يبحثون عن ما يدرؤون به شبهة فشل الرئيس، كمبرر للانقلاب عليه، فهذا الانقلاب كان مخططا له في وزارة الدفاع مبكرا، وإذا كان القادة العسكريون انصاعوا لعملية تسليم السلطة للرئيس محمد مرسي، لأنه لم يكن أمامهم غير هذا الانصياع، فقد وضعوا منذ هذا اليوم سيناريو الانقلاب، وظلوا يمهدون له وينتظرون الفرصة!
كنت أناقش أحد الأصدقاء الذين ينحازون لشرعية الرئيس، عندما فاجأني بقوله إن المؤامرة كانت كبيرة، وبدا مستسلما لفكرة أن الإعلام أدخل الغش والتدليس على الإخوان، عندما روج لأكذوبة أن وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" إخواني وأن زوجته لفرط تدينها ترتدي النقاب، وكأن القوم كانوا يشاهدون الإعلامي الهزلي "توفيق عكاشة"، ويصدقون دعايته؛ فهو من روج لذلك وتبناه. في وقت لاحق قال "عكاشة" إن ما قاله كان جزءا من "الخطة الموضوعة" لكي يبتلع الإخوان الطعم، ويصدقوا أن "السيسي" من الإخوان، وأن زوجته منتقبة!


كلام كثير عن نفاق "السيسي" لرجال الدين الذين كانوا يأتون للقصر الرئاسي، لإثبات تدينه وورعه، لكن هذا الكلام، إذا انطلى على "الدراويش"، فإن انطلاءه على رئيس الدولة، يفقده مقومات شغل هذا المنصب السياسي الرفيع؛ ذلك بأن "السيسي" ترقى عسكريا إلى درجة "اللواء"، وفق المعايير الدقيقة التي كان يضعها جهاز مباحث أمن الدولة للترقي في المؤسسة العسكرية، إذ كانت تقارير الجهاز هي المعتمدة عند "حسني مبارك"، وهو جهاز يرى "التدين" صفة لا يرتاح لها في من يعملون بالقرب من مؤسسة الرئاسة، هذا فضلا عن أن "مبارك" اصطفى السيسي وصنعه على عينه، والمخلوع كان يحمل عداوة لمظاهر التدين لا حدود لها، يكفي انزعاجه وانزعاج زوجته، من ارتداء زوجة ابنه "علاء" للحجاب. ومبارك هو الذي عين "السيسي" مديرا للمخابرات الحربية، جلبا من سلاح المشاة، ومن "المقولات" التي تتردد على أنها بديهية أو مسلمة، مقولة أن "السيسي" رجل مخابرات، والبعض يقول هذا للتدليل على ذكائه، والبعض الآخر يردده لتأكيد أن خطأ الرئيس أنه اختار "ضابط مخابرات" لمنصب وزير الدفاع، وإن كان من الفطنة ألا يتولى هذا المنصب، لأنه قادم من جهاز يعرف تفاصيل الأشخاص داخل المؤسسة العسكرية، ليس لكونه رجل مخابرات كما يقول كثيرون، ولكن بحكم موقعه الذي عينه فيه مبارك!
وإذا كان من الجائز لمجموعة "الدراويش" أن يصدقوا أن السيسي من الإخوان، وأن زوجته منتقبة، وربما يرضي هذا غرور الرئيس لأنه أحسن الاختيار، فاختار "عبد الله الصالح" وزيرا للدفاع، فإن الرئيس يعلم كما تعلم جماعة الإخوان، أن دعاية "السيسي إخوان" هذه أكذوبة، فالعضوية في الجماعة منضبطة، فضلا عن أنهم يعرفون أن ما تردد من أن زوجته منتقبة أكذوبة أيضا، وهي التي كانت تشارك بالحضور في دروس المساجد التي كانت تلقيها "حرم الرئيس"!
إن شئت فقل إن الرئيس ومن معه لم يقعوا ضحية للدعاية التي تقول إن وزير دفاعه من الإخوان وأن زوجته ترتدي النقاب، وعلى قاعدة "من خدعنا بالله خدعنا به"، فما أعجبهم في "السيسي" أنه موظف يلتزم بقواعد الانضباط الوظيفي عند تعامله مع من فوقه، وهذا الخضوع المبالغ فيه عند تعامله مع الرئيس، هو ما جعله يطمئن له، ويأمن بوائقه، ولا يصدق أي كلام نقل عنه، أو أي تفسير لبعض تصرفاته ومنها دعوة القوى السياسية للقاء به بعد أن رفضت مقابلة رئيس الدولة، وهناك من طالبوه بألا يتعامل مع هذه الدعوة بحسن نية وسلامة طوية، ودفعوا ثمن هذا بعد الانقلاب!
أعلم أن كثيرين يمكن أن يستريحوا لفكرة أن الانقلاب تم التخطيط له منذ بداية الثورة، أو منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، فيقوموا بإعفاء الرئيس وجماعته من أي مسؤولية باعتبار أن الانقلاب العسكري قدرا مقدورا، ويؤسفني أن أزعزع "يقين العوام"، و"إيمان العجائز"!
فالتسليم بفكرة الانقلاب المخطط له سلفا، تستدعي الإقرار بأن المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة هي التي وضعت خطة الانقلاب وسهرت على تنفيذها، فهل حدث هذا فعلا؟!
هذا الكلام يدفعنا للوقوف على تشكيل المجلس العسكري، الذي كان تشكيله غير مكتمل عندما تنحى مبارك، فاستكمل وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي تشكيله، ليس إعمالا للقانون، وإنما لأن غالبيته كانت منحازة لرئيس الأركان الفريق سامي عنان، الذي وإن كان يبدو في وجود "طنطاوي" بعد الثورة مثالا للعسكري المطيع لقيادته، فقد كان معروفا أنه قبل رحيل مبارك ليس على وفاق مع وزير الدفاع، وهذه قواعد الاختيار المعتمدة لدى مبارك، إذ كان يطربه الصراع بين أركان حكمه، ويتلذذ بسماع تفاصيل المشاحنات بينهم!
لقد استدعى "طنطاوي" عددا من العسكريين المتقاعدين، ليرتفع عدد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى (22) ضابطا برتبة لواء هم قادة الجيش وأولى الأمر منه، وإذا كانت هناك خطة للانقلاب، فهم من يضعونها ويقومون بتنفيذها.
حسنا، بل ليس حسنا على الإطلاق، فالمشير "طنطاوي" أخرج من المجلس العسكري ثلاثة، أحدهم أحاله للتقاعد لبلوغه السن القانوني وهو "إسماعيل عتمان" والثاني تمت إقالته وهو "نبيل فهمي" والثالث انطلق للعمل في السلطة التنفيذية وتنقل في وظيفة "المحافظ" من محافظة إلى أخرى وهو "طارق المهداوي"!
وقد يفاجأ المستسلم لفكرة المخطط العسكري المعد سلفا إذا علم أن من أطيح بهم من المجلس العسكري في عهد الرئيس محمد مرسي، سواء لحساباته هو، أو لحسابات صفيه "السيسي"، بلغ اثنا عشر عضوا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على رأسه وزير الدفاع ورئيس الأركان، وذلك في الشهور الثلاثة الأولى لتوليه الحكم، وما تبقى من المجلس الذي حكم مصر هم سبعة فقط، كان بإمكان الرئيس أن يطيح بهم، فمن وضع الخطة إذن، ومتى وضعها؟!
كان يمكن النظر بعين التقدير لإخراج هذا العدد من أعضاء المجلس العسكري الذي حكموا مصر بعد الثورة فأوردوا البلاد مورد التهلكة، لكن لأن "الحلو لا يكتمل" كما يقال، فإن الرئيس لم يختر من يحل محلهم، وإنما "السيسي" هو من اختار، تماما كما تركه يختار وزير الداخلية، وقائد الحرس الجمهوري الذي يرأس جيشا الأصل في ولائه أنه ليس لوزير الدفاع ولكن لرئيس الدولة. واختيار السيسي له سهل من عملية اختطاف الرئيس في وقت لاحق، وهو تصرف أنتجه "طيبة قلب" إن كانت أمرا محمودا في إدارة أعمال البر والتقوى، فإنها "الطيبة" لا تخرج إلا نكدا عندما يكون الأمر متعلقا بإدارة الدول.
أعلم أن المستسلمين لفكرة الانقلاب "المكتوب على الجبين"، قد يرضيهم تقديم الرئيس محمد مرسي على أنه كان مسلوب الإرادة ولا حيلة له، على أن يكون مسؤولا بدرجة أو بأخرى عن وقوع الانقلاب، لكن هذا التقديم يسيء للرئيس إساءة بالغة، ويدفع لسؤال آخر حول قبوله لهذا الوضع؟
إن الانقلاب العسكري، فكرة استدعى لها السيسي ولم تكن وليدة تخطيط، وقد راقت له، لتحقيق "مناماته" في حكم مصر، وقد وجد المؤسسة العسكرية معه لأن الرئيس محمد مرسي من مكنه من اختيار من لهم فيها "عقدة الأمر" بطيبة قلب هذه المرة!





ليست هناك تعليقات: