الأحد، 21 فبراير 2016

عصر محمد مرسي الثاني ..وخفة يد لصوص التاريخ




العمى السياسي، والعته التأريخي


يرتدي أحدهم مسوح المؤرخين، ويتقعّر مثل خبير، ثم يحدثك عن "عصر محمد مرسي" مساوياً، لعصر الملك فاروق، والعصر الناصري، والعصر الساداتي، وعصر حسني مبارك الممتد، وأخيراً العصر السيسي الذي بلغ شهره الثاني والثلاثين.
هل هي أمية سياسية وإفلاس معرفي، أو وضاعة أيديولوجية وخفة يد لصوص التاريخ، حين يعتبر بعضهم اللحظة الخاطفة التي أقام فيها الرئيس المخطوف محمد مرسي في قصر الاتحادية عصراً أو حقبة زمنية، تجوز مقارنتها بعقود الملكية الطويلة، وأعوام الناصرية الثمانية عشر، وسنوات السادات العشر، وعقود مبارك الثلاثة، وسنوات عبد الفتاح السيسي؟
محمد مرسي وصل إلى القصر، رئيساً، في مفتتح يوليو/ تموز 2012، وبدأت حفريات الثورة المضادة العميقة ضده بعد 54 يوماً، فقط، حيث كانت المليونية الفقيرة التي رعاها العسكر والداخلية والقضاء، في الرابع والعشرين من أغسطس/ آب من العام نفسه، لتتطور القصة سريعاً إلى عملية قرصنة على السلطة المنتخبة، طالت من خريف 2012 وتمت في صيف 2013.
وطوال تلك الفترة، كان حكم محمد مرسي محاصراً في القصر، ومحارَباً في كل مساحة تبزغ فيها ملامح إنجاز حقيقي، مثل طفرة محصول القمح، أو النجاح في حل معضلة الخبز المزمنة، ومخنوقاً بأزمات اقتصادية واجتماعية، مصنوعة في مطابخ الدولة العميقة، بأضلاعها الثلاثة "جيش- شرطة- قضاء".
قبل أن يتسلم محمد مرسي منصبه الرئاسي، كمرحلة متممةً لبناء مؤسسات الدولة، كان العسكر والقضاة قد كسروا جناح الدولة التشريعي، إذ قرّرت المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب، وإزالته من الوجود.
كان جميع الممتعضين من وصول رئيس مدني، فلاح، بسيط من عامة الشعب، إلى الحكم، يسكبون زيتاً ويجمعون حطباً، ويشعلون الحرائق في التجربة، حتى إن قيادات ما تسمى "جبهة الإنقاذ" التي قبرت إلى الأبد بعد استعمالها جسراً لوصول السيسي إلى الحكم، اشترطوا للدخول في حوار وطني، دعا إليه الرئيس المنتخب، إقالة الوزراء الناجحين في الحكومة، وعلى رأسهم وزير التموين باسم عودة، حتى يتنازلوا ويشاركوا في حوارٍ بشأن إعداد قانون لانتخابات تشريعية جديدة.
التفاصيل كثيرة، ويحفظها كل مراقب منصف، وكلها تؤشر، بوضوح، إلى أنه من العمى السياسي، والعته التأريخي، أن يتحدث أحد عن الفترة الخاطفة التي احتفظ فيها الدكتور محمد مرسي بلقب "الرئيس" باعتبارها عصراً أو زمناً أو حقبة، أو مرحلة، ومن ثم تصبح مقارنتها بعصور فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي نوعاً من حيل الحواة، وقفزات اللاعبين على كل الحبال، أو في أفضل الفروض لوناً من ألوان "الاستعاذة" اللازمة، قبل توجيه كلمة انتقاد إلى مرحلة عبد الفتاح السيسي التي تستحق، عن جدارة، وصف "أزهى عصور الفشل والانهيار".
 مثلا، عندما يتحدث القاصي والداني عن أن مفتاح تشغيل عبد الفتاح السيسي بيد إسرائيل، وتنزل الاعترافات والتصريحات والشهادات والتصريحات تترى، عن انتقال العلاقة بين السيسي والكيان الصهيوني، من التنسيق والتعاون والتخندق، إلى الإملاء والإذعان، يستدعي بعضهم تلك النكتة السخيفة التي تحدّث، بركاكتها وضحالتها الركبان، عن نموذج الخطاب الثابت منذ عقود، من دون تغيير، في المراسلات الدبلوماسية، والذي حمل عبارة "عزيزي بيريز"، ولا يكلف نفسه مشقة التفكير في أن الرئيس محمد مرسي يحاكم الآن بأتفه تهمةٍ في تاريخ مصر الحديث، وهي "التخابر مع المقاومة الفلسطينية" عدو إسرائيل.
يمكنك أن تقيس على ذلك الكثير مما يذهب إليه فريق من السياسيين الظرفاء، لن يكون مستغرباً أن يقسموا الشهور التي تولى فيها الدكتور محمد مرسي الرئاسة إلى عصور، فيؤرخون عن "عصر مرسي الأول" الممتد من يوليو/ تموز إلى أغسطس/ آب 2012، ثم ينتقلون إلى "عصر مرسي الثاني" شتاء 2013، وصولاً إلى "العصر الأخير للفرعون مرسي" صيف العام نفسه، وذلك قبل أن يتواضعوا وينتقدوا نكتة التنمية التي سيحققها عبد الفتاح السيسي للقارة الإفريقية، بعد 47 عاما، فقط، من الآن.





؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: