الأحد، 11 أكتوبر 2015

كيف غيّرت الثورة العلاقات الأسرية في مصر؟



ثورة 25 ينـاير 
كانت بمثابة انتصار للشباب على النظام السياسي الأبوي 
ونظـــام العواجيز وصبغـــة الشعر



"الثورة لم تطح بجميع الطغاة، إن شر القوى الاستبدادية التي يلومها الناس، موجود في العائلات، والتي تعدّ مصدر أزمات لأولئك الذين يؤمنون بالثورة". بهذه الكلمات، عبر الفيلسوف الألماني كارل ماركس، عن العائلات في صوّرتها البرجوازية كتمثيل للقمع والظلم، الأمر الذي يرى وجوب تغييره في أي مجتمع مستقبلي.
في بيان الحزب الشيوعي، ادعى ماركس ومواطنه فريدريك انجلز، أن الأسرة البرجوازية التي تعتمد في الأساس على الإدارة وتناقل الثروة، مصيرها الزوال، فالظروف المادية التي أدت للشكل التقليدي للأسرة، كانت تختفي وسط الطبقات الكادحة، حيث لا توجد ثروة يمكن توريثها للأبناء. بحسب ماركس، فإن زوال إمكانية توريث الأبناء بعد وفاة الأب، سبب في تضاءل سلطته مع الوقت. 
 قد لا يشابه شكل الأسرة الحالي شكل الأسرة أيام الفيلسوف الألماني، لكن هذا لا يمنع وجود عوامل مشتركة متجذرة بين النموذجين، فالقدرة الاقتصادية للأب، تعد الركيزة الأساسية التي يستند عليها في سلطته على الأبناء، إلى جانب عوامل أخرى، كالدين، إلا أن هذه السلطة يرى كثيرون أنها تضاءلت في المجتمع المصري عقب ثورة “25 يناير” التي اندلعت مطلع العام 2011.
أثر الثورة لم يقتصر على الشق السياسي، 
بل اتسع ليشمل جوانب اجتماعية وثقافية أخرى. 
وبما أن العمود الفقري للثورة المصرية هو الطبقة الوسطى،
 فكان التأثير الأكبر من نصيبها.

من ضمن التأثيرات الاجتماعية الحاصلة في الطبقة الوسطى المصرية، هو اهتزاز القيم الأسرية المحافظة، والتي اعتبرها البعض نتيجةً وتطوراً طبيعياً يحدث في كل مجتمعات العالم، بينما رآها آخرون انسلاخاً من القيم المجتمعية الراسخة والتعاليم الدينية، إلا أن الأثر الواضح الذي لم ينكره أحد، هو تخلخل وضعف سلطة الأهل على الأبناء، الأمر الذي أدى إلى مظاهر جديدة يشهدها المجتمع المصري لأول مرة، كالاستقلال الفكري والمعيشي. 
 *"قيودٌ مصيرها الزوال" 
 جهاد عادل فتاة عشرينية قررت البحث عن عمل بعد أن تم حرمانها من مصروفها بسبب خلعها للحجاب وسط معارضة الأهل، ومع زيادة الضغط من جانبهم، قررت ترك المنزل والاستقلال معيشياً في القاهرة بعيداً عنهم. تحكي جهاد قصتها لـ “هافينغتون بوست عربي” قائلةً، "تأزم الوضع بيني وبين أهلي بسبب مجال عملي، حيث كنت أعمل في مجال المجتمع المدني، هذا المجال الذي رأوا فيه تخريباً للبلد، متأثرين في ذلك بوسائل الإعلام المصري، في النهاية قررت الاستقلال والعيش في القاهرة". 
 ترجع جهاد بداية الأزمة مع والديها إلى أحداث يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن تم منعها من المشاركة فيها،"شعرت حينها أني أعيش في سجن، وأني متأخرة كثيراً عن فتياة أخريات، وأحتاج إلى التحرك وأن أدافع عن حريتي في الحركة والتجربة والاختيار بكل الطرق، حينها قررت إنهاء حالة الوصاية هذه التي تقتل طموحي".   
جهاد ترى أن الثورة كان لها دورٌ هام في عملية تطور المجتمع، وأن التجارب التي يمر بها هذا الجيل، دفعت أبناءه للتمرد على الأسرة، "أتوقع ظهور أشكال متطورة من الحريات، غير مقصروة فقط على الاستقلال الاجتماعي". 
 الشابة المصرية اختتمت حديثها قائلةً، "بلا شك أن القيود الأسرية المحافظة مصيرها الزوال مع مرور الوقت، فبجانب الانفتاح الثقافي، فإن كل فرد في الأسرة أصبح مسؤولاً عن نفسه الآن، بسبب الظروف الاقتصادية" 
*ضعف سلطة الأهل بين الاقتصاد والثورة 
 يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة د. سعيد صادق، إن “ثورة 25 يناير” كانت بمثابة انتصار للشباب على النظام السياسي الأبوي ونظام العواجيز وصبغة الشعر، رافق هذا الانتصار الشبابي نوعٌ من الاعتداد بالنفس، خصوصاً تجاه الأهل، الذين دائماً ما طالبوا بإثارة السلامة فوق أي اعتبارات أخرى، خصوصاً السياسية.
 ويضيف د. صادق، أن ضعف سلطة الأهل على الأبناء، لم يبدأ مع الثورة، وإنما سبقها بفترة ليست قصيرة، ومن ضمن الأسباب التي أدت إلى ذلك، هو الحالة الاقتصادية للبلاد، “فالابن غير قادر على شراء شقة للزواج، فكان الأب يساعده على تحقيق ذلك، ولكن مع تدهور الحالة الاقتصادية للبلاد وتأثر الطبقة المتوسطة بها على وجه الخصوص، صعب على الأب تحقيق هذه المهمة، ما أدى إلى ضعف سلطة الأب على الأبناء نتيجة عدم مقدرته على تحقيق طموحاتهم، وبلا شك أن سلطة الوالد انهارت بعد الثورة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقة المتوسطة عن أي وقت مضى”.
 ووفقاً لدراسة لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، فإن حوالي 57،5% من الأسر المصرية لا يكفي دخلها الاحتياجات الشهرية خلال شهر مايو/آيار 2012، مقارنة بحوالي 45،1% من الأسر خلال شهر مايو/آيار 2010.
 *هل الاستقلال حل؟ 
 هاجر، شابةٌ مطلقة في منتصف العشرينات، عملت بالسياسة منذ العام 2009، رغم اعتراض أهلها، تقول هاجر لـ “هافينغتون بوست عربي”، إنها بدأت العمل السياسي “بعد مقتل خالد سعيد، فنزلت العديد من المظاهرات والوقفات الصامتة، انهاءاً بمشاركتي في ثورة 25 يناير 2011 دون علم أهلي، لكن رغم هذا لم يحدث مشكلة بيننا، حتى جاء موعد تخرجي من الجامعة في 2012". 
 تتابع هاجر، "بعد تخرجي بفترة، دخلت في نوبة اكتئاب، فالعمل غير متوفر، رغم بحثي في كل مكان داخل مدينتي، عندها أتخذت قراراً بالانتقال إلى القاهرة، والاستقلال معيشياً، إلا إنني ووجهت بمعارضة شديدة من جانب الأهل، رغم هذا قررت المضي قدماً والذهاب إلى القاهرة، فالقوة والجرأة التي تحصلت عليها من مشاركتي في الثورة، جعلتني قادرة على العيش وحدي دون مساعدة أحد". 
توضح هاجر مكتسباتها من الثورة قائلة، "استطعت السفر وحدي خلال الثورة، ومواجهة عساكر الأمن المركزي، والدفاع عن نفسي من المتحرشين، وأشياء أخرى يخاف الرجال فعلها، لذا لا يوجد شئ مقنع يمنعني من السفر إلى القاهرة والعيش وحدي". 
 "تخيل لو كنت وافقت رأي أهلي في البقاء بجانبهم دون عمل، خصوصاً بعد الطلاق، أعتقد أنني كنت سأموت قهراً"، تختم هاجر لـ “هافينغتون بوست عربي”. 
 *عـدوى الثورة 
 الناشطة السياسية والباحثة في علم الاجتماع وفاء محمد .. كان لها رأيٌ آخر تقول وفاء أن هناك العديد من المدخلات التي تتحكم في علاقة الآباء والأبناء عامة، عقب الثورة وقبلها، “فهناك مدخلات تتعلق بمراحل النمو الخاصة بكل جيل، والتي تختلف من جيل لآخر، وهو ما يؤدي بالضرورة لتباين في التركيبة النفسية لكل جيل، وهو ما قد يتسبب في ما يعرف بصراع الأجيال”.
 إلى جانب ذلك، فإن هناك تغييرات في الجانب النفسي والفكري لدى الثائرين والمتأثرين بالثورة، ومن ضمن ما أشارت له النظريات النفسية، هي أن السلوكيات تنتقل بين الفئات التي يربطها عوامل مشتركة أكثر منها بين الفئات التي لا تربطها عوامل مشتركة، أي أن السلوكيات تنتقل من الشاب إلى مثيله في العمر أسرع مما تنتقل لمن هو أكبر منه أو أصغر منه سناً، يأتي هذا بجانب التسلط الشديد من قبل الآباء تجاه أبناءهم في سن الشباب، والذي في غالب الأمر يؤدي إلى رد فعل، وهو التمرد.  
  تختم وفاء بالإشارة إلى إن حالة السعي وراء الاستقلال الفكري والمعيشي للشباب التي أعقبت الثورة، يمكن تفسيرها تحت نظرية عالم النفس، جاك بريم، والتي تفترض أن السلوك إذا ما تم تقليصه سوف يؤدي إلى ظهوره بشكل أكبر، خاصة وإن كان الحرية، فالضغط الدائم من جانب الأهل والتسلط، لا مناص أنه سيؤدي في النهاية إلى نتيجة عكسية تماماً، وهي الاستقلال، سواءً كان فكرياً أو معيشياً.





ليست هناك تعليقات: