لما عرف الصحابة الكرام ربهم
فتحوا أطراف الدنيا ، وكانت كلمتهم هي العليا
فتحوا أطراف الدنيا ، وكانت كلمتهم هي العليا
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ))
[المائدة:54]
ما معنى أن يحبك الله ؟
وما هو الامتياز الذي أحصل عليه إن أحبني الله ؟
إذا كان الله معك فمن عليك ؟
وإذا كان عليك فمن معك ؟
وإذا نلت محبة الله ماذا فقدت ؟
لم تفقد شيئاً ،
وإذا غابت عنك محبة الله ، ماذا وجدت ؟
لم تجد شيئاً ، النتائج ، والثمار ، والخصائص ، والآثار التي تترتب على محبة الله لك لا تعد ولا تحصى .
منها : إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق ، وإذا أحبك الخلق فهذا رأسمال لا يقدر بثمن ، أن يحبك الناس ، أن يحبك من حولك .
إذا أحبك الله منحك الحكمة .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الإنسان إذا أوتي الحكمة يسعد بدخل محدود ، والذي لم يؤتَ الحكمة يشقى بدخل غير محدود ، الإنسان إذا أوتي الحكمة يسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، والذي لم يؤتَ الحكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، الإنسان إذا أوتي الحكمة يجعل من العدو صديقاً ، والذي لم يؤتَ الحكمة يجعل من الصديق عدواً ، يعني عطاؤه لا يقدر بثمن إذا منحك الله الحكمة ، والحكمة تؤتى من الله مكافأة على إيمان المؤمن ، وعلى استقامته على أمر الله وهي من ثمار محبة الله أن تؤتى الحكمة .
إذا آتاك الله الحكمة أعطاك السكينة ، السكينة حالة من الرضا ، من السعادة ، من التفاؤل ، من القوة ، من الثقة بالنفس ، من سلام الرأي ، من صحة الرؤيا ، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، سعد بها أهل الكهف وهم بالكهف ، وشقي بفقدها من كان في القصور ، سعد بالسكينة سيدنا إبراهيم وهو في النار .
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هذه السكينة سعد بها سيدنا يونس وهو في بطن الحوت ، هذه السكينة سعد بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، والإنسان قد يؤتى مالاً وفيراً ، وصحة ، وقوة ، وذكاءً ، ولا يؤتى الحكمة ، فهو أشقى الأشقياء .
لذلك قيل : إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين
السكينة أحد أكبر أسباب سعادة الإنسان ، هي ثمرة من ثمار محبة الله ، يعني إذا أحبك الله شيء لا يتصور ، أن يحبك خالق السماوات والأرض ، الذي بيده كل شيء ، الذي بيده من هم فوقك ، ومن هم تحتك ، ومن هم حولك ، الذي بيده صحتك ، وأهلك ، وأولادك ، ومن يلوذ بك كلهم بيده ، الذي بيده حياتك ، و موتك ، ورزقك .
لذلك الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء ، وإذا فاتته معرفة الله فاته كل شيء .
ـ إذا أحبك الله منحك الرضا :
من معاني محبة الله لك أن يلهمك الرضا ، ترضى أنت ، ترضى عن وجودك ، وترضى عن وضعك ، وترضى عن دخلك ، وترضى عن أهلك وأولادك ، الرضا أحد أسباب السعادة ، فالمؤمن راضٍ .
هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا فليس لي عنهم معدلٌ وإن عدلوا
والله وإن فتتوا في حبهم كبدي باقٍ على حبهم راض بمـا فعلوا* * * والله الذي لا إله إلا هو لو شققت على صدر مؤمن عرف الله لرأيت فيه من السعادة ما لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، الله عز وجل يقول : ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ ( سورة العنكبوت الآية : 45 ) قال علماء التفسير : ذكر الله أكبر ما في الصلاة ، لكن بعضهم قال : ذكر الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إن ذكرك منحك الرضا ، منحك السكينة ، منحك الحكمة ، منحك نعمة عزت على معظم الناس ، منحك نعمة الأمن ، نعمة الأمن شيء لا يقدر بثمن ، قد ينجو الإنسان من آلاف المصائب ، لكنه خائف ، وأنت من خوف الفقر في فقر ، وأنت من خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، الآن عندنا أزمات قلبية سببها الخوف من أزمات القلب .
من وصل إلى الله وصل إلى كل شيء : لذلك حينما أُلِّف كتاب دع القلق وابدأ الحياة ، طُبع منه خمسة ملايين نسخة هناك قلق في العالم سببه البعد عن الله . ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ ( سورة الرعد ) فأن يحبك الله لا يعلم هذه النعم إلا من عرفها ، ولا يعرف حقيقتها إلا من فقدها فلذلك إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق ، إذا أحبك الله خدمك عدوك من دون أن يشعر ، وإذا لم يحبك الله لا سمح الله ولا قدر تطاول عليك أقرب الناس إليك ، فإذا رضي الله عنك انتهى كل شيء ، وصلت إلى كل شيء ، ما فاتك شيء .
لذلك مما أُثر عن الصديق رضي الله عنه أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط ، أحياناً الإنسان تفوته امرأة أراد أن يتزوجها فلم يوفق ، يبقى طوال حياته نادماً ، يفوته شراء بيت يبقى طوال حياته نادماً ، أما المؤمن إذا وصل إلى الله وصل إلى كل شيء ، وإذا قصر في معرفة الله ما أصابه شيئاً ، بل فاته كل شيء . فلذلك أن يحبك الله شيء كبيرٌ كبير ، يعني الصحابة كانوا عشرة آلاف ، وصلوا إلى أطراف الدنيا ، والمسلمون اليوم مليار وخمسمئة مليون ، ليست كلمتهم هي العليا وليس أمرهم بيدهم . سيدنا خالد لن الوليد طلب من سيدنا الصديق مدداً ، كان في معركة يواجه ثلاثمئة ألف مقاتل ، معه ثلاثون ألفاً ، طلب مدداً خمسون ألفاً ، أرسل له المدد سيدنا الصديق كم ؟ واحد ، صحابي اسمه القعقاع بن عمرو ، فلما وصل إليه قال له : أين المدد ؟ قال له : أنا المدد ، قال له : أنت ؟! قال له : أنا ، معه كتاب من سيدنا الصديق ، قرأ الكتاب يقول سيدنا الصديق : يا خالد ! والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم . كان الصحابة واحد بمليون ، الآن المليون بأف ، وليس بواحد ، كلمة أف تضجر ، فلما عرف الصحابة الكرام ربهم فتحوا أطراف الدنيا ، وكانت كلمتهم هي العليا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق