نقاط تماس هامة في مسار العلاقة بين القاهرة والرياض
خلافات مبكرة بين السيسي وسلمان؟
الأولى:
صمت من الملك سلمان ومنظومة الحكم السديرية الصاعدة من جديد في السعودية له ما يبرره، تجاه ما يتعلق بسياسات الرياض الخارجية، التي أبرزها دعم مصر تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وناهيك عن تأخر الأخير عن جنازة وعزاء الملك الراحل، سبقها زيارة سريعة عند عودته من الإمارات للقاهرة، تم التعتيم عليها إعلامياً وسياسياً في كل من البلدين، وهي الزيارة التي استغرقت ساعات عشية الإعلان عن وفاة الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز. وأمام الصمت السابق، سارعت وسائل إعلام مصرية، وخليجية مقربة من النظام المصري، على تأكيد استمرار دعم السعودية لمصر، سواء الدعم السياسي أو الدعم الاقتصادي، وهو الأهم.
بيان الرئاسة المصرية الصادر بخصوص زيارة السيسي إلى الرياض أكد على أن الزيارة “لتقديم العزاء أولاً في وفاة الملك عبد الله، وثانيا لتعزيز التعاون في المرحلة المقبلة بين البلدين خاصة للدور الهام الذي يلعبه البلدين في محيطهما الإقليمي وعلى الصعيد العالمي”، فيما نشرت وسائل إعلام مصرية خاصة مرتبطة بأحد الدول الخليجية عن زيارة السيسي أنها اقتصرت فقط على تقديم العزاء، ونقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة في مؤسسة الرئاسة أن “الموقف لا يحتمل ان يناقش السيسي اي ابعاد سياسيه، نظرا لوفاه عاهل السعوديه ولكثرة المعزيين في الرياض (..) السيسي ابدي ثقته في ملك السعوديه الجديد ونقل إلى قاده السعوديه عزاء الشعب المصري، وأكد أن المصريين لن ينسوا مطلقا المواقف الشجاعة والمضيئة للملك عبدالله”.
أتبع ذلك بتصريحات لرئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية، أحمد الجارالله، المعروف عنه قربه من النظام المصري الجديد، أن وصية الملك عبدالله تضمنت تأكيد على استكمال دعم السعودية لمصر، وأن الزيارة السابقة عن زيارة أمس حصل فيها السيسي على تأكيدات أن الملك سلمان- كان ولي للعهد وقتها- سيسير على نهج الملك عبدالله في دعم مصر ومساندة حربها ضد الإرهاب.
• دوافع تغير الموقف السعودي تجاه الإخوان
التضارب في التصريحات السابقة حول إذا ما كان السيسي ذهب متأخراً للسعودية للقيام بواجب العزاء فقط، أو للحصول على تأكيد استمرار دعم السعودية لمصر من الملك ووليِّ العهد ووليُّ وليِّ العهد، يشي في ظل الصمت السعودي المستجد تجاه دعم الحليف المصري، بضبابية في مشهد العلاقات بين القاهرة والرياض بخصوص العديد من القضايا وعلى رأسها استمرار التوافق بين البلدين على الخط السياسي نفسه، القائم منذ عام ونصف، حيث مواجهة نفوذ الإسلام السياسي في المنطقة، ودعم مصر اقتصادياً. وقد يكون هذا المشهد الضبابي متسقاً في ضوء أنها الأيام الأولى لانتقال السلطة في بلد محوري وهام مثل السعودية، وخاصة مع اجراءات الملك الجديدة التي وصفتها بعض وسائل الإعلام بأنها انقلاب على سياسات الملك عبدالله، لكن إذا وضّع إلى جانب هذه الدلالات السابقة ما نشرته مراكز أبحاث سياسة وأمنية أميركية، مرتبطة بمراكز اتخاذ القرار وأجهزة الاستخبارات، كمركزي “ستراتفور” و “سي إس آي إس“، اللذان نشرا دراسات وأوراق بحثية تتناول في مجملها الاستراتيجيات الجديدة للدول المحورية في المنطقة وعلى رأسها السعودية، والتي تطرقت إلى حتمية تحول السعودية إلى التعاطي مع تيارات الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، استناداً على عدد من المتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال العام الماضي، والتي بموجبها يُحبذ أن تدير السعودية زوايا تعاملها مع جماعة الإخوان في المنطقة استناداً لجدلية طائفية جوهرها وجود معسكرين سياسيين رئيسيين في المنطقة: الأول سُنيّ بقيادة السعودية والأخر شيعي بقيادة إيران؛ وهو ما يتطلب إنهاء الخلاف ما بين الأنظمة السُنية في السعودية ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي وما بين تيار الإسلام السياسي السُني المتمثل في جماعة الإخوان، للوقوف أمام التحديات الراهنة التي تتمثل أولاً في مواجهة الجماعات الدينية المتطرفة متمثلة في داعش وأخواتها، وثانياً لمواجهة نفوذ المعسكر الشيعي.
وتتسق هذه الجدلية التي طرحتها المراكز الأمنية والبحثية الأميركية مع الرؤية الأميركية - السعودية الخاصة بالأزمة السورية التي طرحها أوباما قبل في سبتمبر الماضي، ودشنها الملك سلمان ووزير الخارجية الأميركي جون كيري باجتماع جدة الثاني في الشهر نفسه، وهي الرؤية التي تعتمد على ركيزتين هي محاربة وإسقاط نظام الأسد بموازرة تحجيم التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وأحدى خطوات تنفيذ هذه الرؤية هي تدريب قوات “معارضة معتدلة” يشترك مع الولايات المتحدة في تدريبها وتنظيمها وتمويلها السعودية وتركيا وقطر. وهو ما يتسق أيضاً مع رؤية السعودية خلال السنوات الأخير الخاصة بتخفيض وتيرة الصراع مع إيران لحساب مواجهة خطر الإسلام السياسي على عروش الخليج، على اعتبار أن الأول خصم بينما الثاني عدو، ولكن ما تكشف عن ناتج هذه الرؤية السعودية هو تعزيز قوة إيران الإقليمية، سواء في سوريا أو العراق ووصولاً إلى اليمن، ناهيك عن التقدم الحثيث في المفاوضات النووية الإيرانية، والتي إذا نجحت حسب رؤية ومصلحة طهران، ستعزز من قوتها بمراحل خاصة مع إسقاط العقوبات الاقتصادية عليها. ويرتبط ما سبق أيضاً بالحماسة والمثابرة التي أبرزتهما الرياض بمشاركة واشنطن في شن حرب أسعار النفط موجهة ضد طهران وموسكو.
يتبقى في هذا السياق نقطتين متداخلتين،
هي صعود الجناح المهادن والمتفق مع السياسيات الأميركية لسدة الحكم في السعودية بشكل رسمي ومطلق، وهو ما أنهى التجاذبات ما بين رياض الملك عبدالله وجناح التويجري وبندر بن سلطان، والإدارة الأميركية فيما يتعلق بعدد من الملفات الإقليمية منذ 2013، وعلى رأسها الأزمة السورية والخصومة والموقف من الإخوان المسلمين على حساب دعم نظام 30 يونيو في مصر.
والثانية: تتعلق بأوضاع منظومة مجلس التعاون الخليجي، والخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، والتي كان في القلب منها موقف الدوحة الداعم لجماعة الإخوان المسلمين، وهي الخلافات التي انتهت في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي فيما عرف إعلامياً بالمصالحة الخليجية.
إذن يمكن القول أن أسباب العداء السعودي للمحور الإخواني الموالي للولايات المتحدة، والممتد من تركيا إلى قطر-وهي الأسباب التي دعت الرياض لدعم النظام المصري الجديد- قد تقلصت، وإرهاصات هذا التقلص قد تجلت في تمهيد استدارة الرياض للتعامل مع الإخوان مرة أخرى، وبالحد الأدنى في المشتركات المتعلقة بتقاطع المصلحة إزاء التحديات المرتبطة بالأصل بالسياسة الأميركية في المنطقة.
• السعودية تفتح قنوات اتصال مع إخوان مصر
أولى هذه الإرهاصات تمثلت في معلومات سربتها بعض الدوائر السياسية المقربة من السعودية في لبنان، حول لقاء عقده مسئولين سعوديين نافذين، في نوفمبر الماضي، مع معارض ليبرالي مصري مقرب من جماعة الإخوان وكان من ضمن إدارة الرئيس السابق محمد مرسي، يقيم في بيروت منذ ما يربو عن العام، وأن هذه اللقاءات تمت بناء على طلب الأخير.
فيما أكد الكاتب والصحفي البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال له قبل يومين نشره موقع “هفينتجون بوست” وحمل عنوان “انقلاب داخل القصر السعودي” أن هذا اللقاء سعى له كبار مستشاري ولي العهد –وقتها- سلمان بن عبدالعزيز، وأن هذا اللقاء ضمن محاولتين رئيسيتين من جانب مسئولين سعوديين للاتصال وإقامة روابط برموز في المعارضة المصرية لبحث مبادرة مصالحة مع الإخوان.
هيرست أكد على المعلومة السابقة في سياق تطرقه لسيناريوهات تبدل الموقف السعودي تجاه عدد من قضايا المنطقة، معتبراً أن اللقاء سابق الذكر يعد مؤشراً هاماً على أن المنظومة السعودية الجديدة المنتمية للجناح السديري، تفكر في مبادرة مصالحة مع الإخوان المسلمين، لمواجهة الأخطار التي تهدد المملكة وعلى رأسها تعاظم النفوذ الإيراني في باحتها الخلفية، اليمن، التي سيطر الحوثيين فيها مؤخراً على الحكم. وأعتبر هيرست أن هذه الخطوات هي انعكاس للصراع بين الجناحين الرئيسيين في البيت السعودي، الأول الجناح السديري –الذي سيطر مؤخراً بعد وفاة الملك- وبين جناح نجل الملك عبدالله ورئيس الديوان الملكي، خالد التويجري -أطيح به من منصبه قبل ثلاثة أيام- والذي برأي هيرست كان مسئول مع عدد من أمراء آل سعود البارزين مثل بندر بن سلطان –رافق الملك في لقاءه الأول بالسيسي بقمة الطائرة - عن ما أسماه بـ”تورط في نسج المؤامرات خارجية كارثية في اليمن وسوريا ومصر”.
• دوافع أخرى للتغير في الموقف السعودي؟
وطبقاً للسابق، يمكن القول أن الدعم السعودي لمصر عقب الثلاثين من يونيو، وتوجه المملكة المعادي للإخوان والمضاد للرغبة الأميركية، كان يستند بشكل رئيسي على شخص الملك عبد الله، والجناح المناهض للسديريين الذي ينتمي لهم الملك سلمان ووليُّ وليِّ العهد الأمير محمد بن نايف ومعظم المسئولين البارزين في المنظومة السعودية الجديدة في مناصب الدفاع والداخلية والاستخبارات حتى شهور قليلة مضت. وهو ما يطرح تساؤل حول أسباب ارهاصات تحول دفة الموقف السعودي السابق ذكرها، ومدى توافقها مع نية النظام المصري للمصالحة مع الإخوان التي قال السيسي أنها مؤجله لما بعد الانتخابات البرلمانية، أم أن هناك أسباب سعودية أخرى لتعديل أسس المعادلة الحاكمة للعلاقات بين مصر والسعودية؛ والتي كانت بُنيت وأرتبطت بأشخاص في البيت السعودي انتهى دورهم بالوفاة أو بالخروج من المشهد، كرد فعل من جانب الرياض على خطوات القاهرة الأخيرة فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث تسعى مصر لحل سياسي للأزمة يتضمن بقاء الدولة السورية والجيش السوري ومحاربة الإرهاب هناك، وهو ما استتبع استضافة القاهرة للقاءات بين فصائل من المعارضة السورية، كللت أمس بمؤتمر أعلنت فيه هذه الفصائل عن ورقة أساسية تتضمن خطوات أولى في مسار حل سياسي للأزمة المندلعة منذ أربعة أعوام، وهي الخطوات التي تتعارض مع المساعي السعودية المرتبطة بحل عسكري يتضمن تدريب ما يسمى “بالمعارضة المعتدلة”، يعوض تراجع دور الرياض في الأزمة السورية، سواء على الأرض بعد رفع يدها ودعمها للمقاتلين المرتبطين بداعش أو جبهة النصرة وما شابه، أو سياسيا بتراجع دور معارضين سياسيين سوريين مرتبطين بالسعودية وتوجهها الرئيسي بإسقاط نظام الأسد.
سواء كانت الإجابة تتعلق بأي من الدوافع والأسباب سابقة الذكر، أو مزيج منهم، فذلك سوف توضحه الأيام القادمة التي ستشهد نقاط تماس هامة في مسار العلاقة بين القاهرة والرياض، أقربها بطبيعة الحال مؤتمر المانحين الذي تأجل عقده أكثر من مرة، ارتباطاً بالأوضاع السعودية، سواء الداخلية، أو المتعلقة بسياستها الخارجية في حرب أسعار النفط التي تقلل من فرصة جدية توجيه دعم مادي خارجي لأي جهة بما فيها مصر...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق