الاثنين، 26 يناير 2015

المهام الملحة للثورة المصرية..كيف تنتصر؟


عاشت مصر العربية الإسلامية حرة مستقلة
 والله أكبـــــر ويحيــــا الشــــعب


تقرير سياسي 
المهام الملحة للثورة المصرية
تخضع مصر للسيطرة الأمريكية التي بدأت منذ أعلن أنور السادات أن 99% من الأوراق في يد أمريكا ثم توج تنازلاته باتفاقية كامب دايفيد وملاحقها السرية، وأضاف إليها حسني مبارك تنازلات وإتفاقيات أخرى، وتزخر أدبيات حزبنا بشرح لأدوات هذه السيطرة ومظاهرها ونتائجها، ولا داعي لإعادة الشرح فهو موجود لمن شاء أن يرجع إليه.
النقطة المهمة هي التأكيد على أن السياسة الأمريكية وحليفها الأوروبي وتابعهما الصهيوني عملت وستعمل على استمرار تبعية مصر وضمان بقاءها ضعيفة  وفقيرة، لأن قيامها وقوتها سيؤدي إلى قيادتها لأمتها العربية والإسلامية للتحرر من استغلال الغرب، فاستمرار حال مصر على ما هو عليه الآن هدف استراتيجي لضمان السيطرة على المنطقة وكل ثرواتها، وإذا اتضح لهم في أي لحظة أن نظامهم في مصر على شفا الإنهيار فسيحاولون استبداله بآخر قد يختلف في شكله لكنهم سيحرصون على بقاء مضمونه الذي يحافظ على مصر ضعيفة وفقيرة وتابعة.
          إن أول مهام الثورة هو أن تدرك الجماهير أن فقرها وسوء أحوالها لم ينجم عن نقص الموارد، إنما جاء نتيجة سياسات متعمدة انتهجتها الحكومات المتعاقبة في ظل التبعية، وذلك حتى تتمكن الاحتكارات الغربية متعددة الجنسية من نهب ثروات منطقتنا كلها، وأن تغيير أحوالنا لن يتم إلا في ظل حكومة ترفض هذه السياسات، ولن تستطيع أي حكومة رفضها إلا إذا كانت غير تابعة للغرب.
القوى الداخلية التي تكون منها نظام مبارك
تكون جسم نظام التبعية لأمريكا من المجموعات الداخلية المعروفة للجميع، وهي:
القيادات العليا والوسطى للجيش: تدريب 70 ألف ضابط في أمريكا ليتم: 1) التأثير على فكرهم، و2) تقييمهم من حيث التكوين النفسي والفكري، و3) توريط كل من يمكن توريطه منهم لضمان السيطرة عليه .. يضاف إلى ذلك بالطبع عملية الإنتقاء والإختيار للمناصب الحساسة بعد رجوعهم لعملهم.
الشرطة: يبدأ اختيارهم من لحظة القبول بكلية الشرطة، ثم العمل على إفسادهم بطرق مختلفة خلال فترة عملهم ثم الترقية على أساس الولاء للنظام والعداء للقوى الوطنية.
القضاء: عدم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية يتيح التأثير على القضاة من خلال المزايا المادية والإنتدابات والإعارات لأجهزة الدولة أو للخارج، ومع الإقرار بأن الإفساد لم يطل الجميع، فإن نسبة لا بأس بها قد تم إفسادها بوسائل الترغيب والترهيب، بل من لحظة الإختيار للتعيين في سلك النيابة.
وقد خضعت الفئات الثلاثة لإغراء تعيين الموالين منهم في المناصب العليا في الدولة بعد التقاعد.
الجهاز الإداري: سيطر على كل مناصبه العليا الفاسدون من رجال الحزب الوطني والمتقاعدون من رجال الجيش والشرطة والقضاء، ولاحظ أن المرء مهما بدأ حياته شريفا فلن يستطيع الحفاظ على نزاهته واستقامته داخل نظام فاسد وإلا تم استبعاده وتخطيه عند الإختيار للمناصب العليا.
كبار رجال الأعمال: لم يكن من الممكن تجاوز حجم عمل معين في ظل نظام حسني مبارك ما لم تكن جزءا من شبكة الفساد، وقد كون كل مليارديرات مصر ثرواتهم بالإستفادة من آليات الفساد المختلفة (تخصيص الأراضي بأسعار متدنية – نهب أموال البنوك بدون ضمانات جدية – إعفاءات ضريبية وإمتيازات مختلفة .. الخ)، ولا ننسى مشروعات المعونة الأمريكية التي فاز أبناء النظام بنصيب الأسد منها بأسعار حققت أرباح هي أقرب إلى الرشوة، فكل كبار رجال الأعمال ارتبطوا بالنظام وبالإحتكارات الدولية رباطا لا يمكنهم الفكاك منه.
رجال الإعلام: لفترة طويلة لم يكن هناك إلا إعلام الدولة، ثم دخل كبار رجال الأعمال على الخط ، فكل رجال الإعلام المشهورين صنعوا على عين النظام، وهناك من يقول أن لكل منهم ملف يجعله تحت السيطرة.
النخبة السياسية المصرح لها بالعمل: إما تم تدجينهم أو شراؤهم أو السيطرة عليهم بوسيلة أو بأخرى، ومن تأبى لم يصرح له بالعمل من الأصل، أو تم إختراقه أو تجميد كيانه القانوني.
ثورة 25 يناير المجيدة
          تجمعت الضغوط التي نعرفها على الشعب المصري حتى بدأ ثورته في 25 يناير 2011 في صورة احتجاجات عفوية أخذ نطاقها في الإتساع، وبدأت أعداد جديدة من المواطنين في الإنضمام إليها واستمر زخمها في الإزدياد كل يوم.
          لكن الثورة لم يكن لها قيادة معروفة تتحدث باسمها، ولم تمتلك التنظيم الذي يضم قواها المختلفة وينسق بينها ويضبط إيقاع فاعليتها على مستوى الوطن كله، والأهم: يحدد الأهداف العملية التي لا يجب أن يتوقف الفعل الثوري قبل تحقيقها، فلم يتم ترجمة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى مطلب عملي واضح، حتى استقر في وعي الجماهير أن رحيل مبارك هو السقوط المطلوب للنظام.
          وقبل أن تتمكن الثورة من إنجاز المهام التي تمثل شروطا لنجاح أي ثورة واستلام الشعب وقيادته الحقيقية للسلطة إستلاما فعليا (تشكيل تنظيم الثورة – إعلان القيادة – تحديد الأهداف العملية)، أدرك المسيطرين على النظام من الخارج أن العملية الثورية يجب إيقافها قبل أن تنضج وتتحقق سلطة الشعب التي تخرج مصر من أسر التبعية لتعمل على تقوية نفسها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وتقود منطقتها، فتم التضحية برأس النظام وبعض من أبرز رموزه وتسليم السلطة للمجلس العسكري الذي كان في الواقع جزءا عضويا من النظام واستمرارا له.
          في ظل العفوية وغياب التنظيم وعدم وجود قيادة يعترف بها الجميع، اعتبرت الجماهير أن الثورة قد انتصرت بتنازل حسني مبارك، ولم يدرك الثوار الفخ الذي نصب لهم، وحتى لو أدركوا، فإن جماهيرهم كانت قد استكانت لوعود المجلس العسكري الذي زعم أنه حمى الثورة - لا ندري مِن مَن حماها والشرطة كانت قد إنفرط عقدها - وبدلا من أن يستمر الضغط الثوري حتى إسقاط جسم النظام وتسلم الشعب السلطة ليبني نظامه الذي يحقق مصالحه وأمانيه، قبل الجميع أن يكون المجلس العسكري الذي هو جوهر نظام التبعية هو الذي يقود عملية التغيير على طريقته.
          وصل الدكتور محمد مرسي إلى سدة الرئاسة، وحاول أن يحدث التغيير باستخدام نفس رجال وأدوات النظام المطلوب تغييره من غير أن يقطع الحبل السري الذي يصل هذا النظام بسادته ومشغليه الحقيقيين، ولم يكن إعتماده على الشعب صاحب المصلحة في التغيير بل على ذات الأجهزة التي ورثها عن حسني مبارك من جيش وشرطة وإعلام وقضاء، كان هذا خطأ الدكتور مرسي القاتل، وليس خطأه الوحيد .. فك الله أسره.
الإنقــــــــلاب
          مخطئ من يتصور أن عبد الفتاح السيسي وزمرة المجلس العسكري كان في إمكانهم وحدهم تخطيط وتنفيذ إنقلاب ناجح، فهم لا يملكون القوة ولا الأدوات، فقد إحتاج نجاح الإنقلاب إلى تضافر وتعاون قادة الجيش والشرطة والإعلام ورجال الأعمال وبقايا تنظيم الحزب الوطني وبعض النخب السياسية التي لعبت دور المعارضة المدجنة لحسني مبارك، ودعم من حكام الخليج وتأييد من القوى العالمية .. هذا كله من المستحيل أن يتمكن المجلس العسكري من ضمه في فريق واحد والتنسيق بين أطرافه وتوزيع المهام ووضع الخطط التفصيلية لكل طرف، هذا لا يستطيعه إلا أجهزة مخابرات دولية عتيدة تملك خبرة عقود طويلة من القيام بمثل هذه الإنقلابات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية (راجع ملفات المخابرات الأمريكية والبريطانية التي رفعت عنها السرية لتعرف أن ما تم عندنا هو بالضبط وبحذافيره تقريبا ما تم مع مصدق في إيران الخمسينات والليندي في شيلي السبعينات وما حاولوه مع شافيز في فينزويلا التسعينات وغيرهم) .. هذا الإنقلاب يجب التعامل معه كواجهة للقابض الحقيقي على زمام القوى التي يتكون منها النظام المصري .. أمريكا وتابعها الصهيوني .. إذا لم تدرك هذا فأنت لم تعرف عدوك، وإذا لم تعرف عدوك فكيف ستنازله؟ .. إذا وجهت السهام إلى قادة الإنقلاب وحسب ففي اللحظات الحرجة سيتم استبدالهم بواجهة أخرى لذات النظام، أو بنظام معدل لكنه يظل مجرد واجهة .
    التنظيمات السياسية
للعمل السباسي الجماعي أربعة مستويات،
 تدرج تصاعديا في دقة التنظيم ودرجة الإلتزام، هي:
الحركة السياسية: مجموعة من الأفراد تشترك في الرغبة في تحقيق هدف محدد، ويجوز أن تكون لكل منهم خلفيتة الفكرية المختلفة التي قادته لتبني هذا الهدف، ويختارون فرد أو مجموعة للتنسيق بينهم دون إلتزام تنظيمي (مثال: حركة كفاية)
التحالف السياسي: مجموعة من الأحزاب والحركات، لكل منها فكره وبرنامجه وما يريده على المدى الطويل، لكنهم في ظرف معين يجمعهم هدف مشترك، يكونون تحالفا ويختارون لجنة لتنسيق جهودهم بشأن الهدف المشترك، بينما يحتفظ كل منهم بكيانه المستقل وسعية لتنفيذ برنامجه (مثال: التحالف الإسلامي في الثمانينات والتحالف الوطني الآن)
الجبهة السياسية: مجموعة من الأحزاب المختلفة تريد إحداث تغيير عميق لوضع يرفضونه جميعا، وقد يكونون مختلفين على الوضع الجديد المرغوب فيه، فيتفقون على مجموعة من الأهداف العملية المحددة التي تؤدي لإنهاء الوضع الحالي، ويختارون قيادة مشتركة يلتزم كل الأحزاب بتنفيذ قراراتها، ويوقفون كل عمل سياسي آخر حتى تحقق الجبهة أهدافها (عدا ضم أضاء جدد، فهذا في صالح الجبهة ككل)، وبعد تحقيق الهدف تنحل الجبهة ويعودون للعمل المستقل.
الحزب السياسي: مجموعة أفراد متفقون فكريا ولهم تصور مشترك عن المستقبل وطريقة الوصول إلية، ويختارون قيادنهم التي يلتزمون بقراراتها ماداموا أغضاء في الحزب.
إن الحزب هو أفضل قيادة ثورية، لكن إذا لم يمكن لكل الثوار تكوين حزب واحد بسبب عدم إتفاقهم على شكل النظام البديل، فلا أقل من تكوين جبهة ثورية لا تنحل إلا بعد نجاح الثورة وإقرار دستورها.
القوى السياسية غير الاسلامية في الشارع المصري:
        تتكون القوى السياسية من مجموعات الأفراد الذين يحملون فكرا سياسيا ولديهم تصور عن النظام الذي يريدونه لمصر، وهؤلاء لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من عدد المواطنين، أما المواطنون غير الراضين عن الوضع والمستعدون لبذل جهد في سبيل تغييره دون أن يكون لهم تصور عن الوضع الجديد فهم الغالبية، ونطلق عليهم تعبير "جماهير الثورة"، وتتنافس القوى السياسية على حذب هذه الجماهير (لذلك يجب أن تنضم كل الأحزاب الثورية في جبهة واحدة كي تتراجع الاختلافات الفكرية بينهم للخلف ولا يبقى إلا إزالة العقية التي يتفقون على أنها تعوقهم كلهم).
رجال الأعمال ممولي الأحزاب وأصحاب الفضائيات: وهم مجموعة المليارديرات صنائع نظام مبارك ووكلاء الإحتكارات العالمية، مصالحهم هي التي تحركهم ولن يتخلوا عن الإنقلاب إلا لصالح واجهة أخرى تضمن استمرار التبعية.
السياسيين الليبراليين المخضرمين: في مجملهم لا تزعجهم التبعية، ويعتبرون أنفسهم الوكلاء الحقيقيين للنظام العالمي في حكم مصر وليس العسكر، لكنهم على استعداد تام لتقاسم السلطة مع العسكر أو حتى لمجرد العمل كواجهة مدنية لهم.
الليبراليون من شباب الثورة: لا شك أن منهم من يسعى لاستقلال الوطن وعزته، لكنهم عاجزون عن صياغة أهداف للثورة يمكنها تحريك رجل الشارع العادي خلفهم في ثورة يقودونها، وهم في نفس الوقت لا يعرفون كيف يعملون مع الإسلاميين، وماذا سيكون وضعهم في نظام يقوده الإسلاميون .. لو أمكن حل هذه المعضلة فربما – ربما وليس من المؤكد – أن يجدوا وسيلة للعمل كتفا إلى كتف مع الإسلاميين.
اليسار: لا شك أن اليسار بكل فرقه – وهو يعاني من تشرذم شديد – هو عدو للتبعية للغرب، وهو ضد الفاشية العسكرية بحكم تكوينه الأيديولوجي، لكنه في نفس الوقت يرى في التيار الإسلامي خطرا كبيرا على الحركة اليسارية .. عين في الجنة وعين في النار .. فهو يعلم أن الحكم العسكري سيقمعه قمعا مباشرا، لكنه يقدر أيضا أن نجاح التيار الإسلامي – وإن كان سيسمح له بالعمل السياسي – فسيسحقه فكريا.
القوميون: التيار القومي العروبي من حيث المبدأ هو أقرب التيارات فكريا إلى الإسلاميين، لكن المشكلة الحالية هي أن أغلب رموز هذا التيار – خاصة من الناصريين – تناصب الإسلاميين العداء لأسباب تاريخية وليست عقائدية أو فكرية، وحتى الآن لم يتمكن التيار الإسلامي من صياغة خطاب موجه إلى جماهير القوميين وقواعدهم الشابة يقنعهم أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما نختلف حوله في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا العربية الإسلامية، وأن العمل المشترك هو الوضع الطبيعي لنا حتى نتجاوز هذا الظرف الخطر، وانه على المدى البعيد يمكننا الوصول إلى صيغة للتعايش والتعاون بدلا من التنافس والصراع.
مهمــــة الثــــورة:
          إن وضع هدف إسقاط الإنقلاب كغاية للعمل الثوري إنما يعني أننا لم نستفد من دروس 25 يناير، والنجاح في هذه الحالة سيؤدي فقط لاستبدال واجهة نظام التبعية بواجهة أخرى، علينا أن نتذكر خبرة ثورة 1919 العظيمة عندما قبلت قيادتها بدستور 1923 وتقليص الوجود الإنجليزي في منطقة القناة على أن يتم التفاوض لإنهاء الإحتلال من خلال العمل السياسي .. فتراجع الزخم الثوري وأصبحنا ندور في دائرة مفرغة لم نخرج منها إلا بحركة 23 يوليو 1952 التي أسقطت النظام.
          يجب أن يكون الهدف الواضح هو إسقاط نظام التبعية نفسه بكل رجاله وأجهزته، واستبداله بنظام آخر يبنيه الشعب المصري بنفسه .. لو إقتصرت مطالب الثورة على إسقاط الإنقلاب فسيسقط الإنقلاب بإذن الله، لكن نظام التبعية سيستمر بواجهة أخرى ترسخ ضعف مصر وفقرها، وسيخبو زخم الثورة ويكون علينا الإنتظار لجيل آخر قبل أن يقوم الشعب المصري بثورته الحقيقية.
كيف تنتصر الثورة؟
          لا تنتصر الثورات السلمية إلا من خلال السعي لتحقيق عصيان مدني شامل، أي أن يرفض المواطنون طاعة السلطة ويرفض الموظفون العمل تحت إمرتها (ليس من المحتم أن تضطر الجماهير للوصول إلى العصيان الكامل، لكن الثوار يجب أن يعدوا العدة للوصول إليه إذا اقتضى الأمر)، فتصاب السلطة بالشلل، ثم يبدأ الشعب بتسيير أموره العاجلة بالاعتماد على نفسه وعلى تنظيمه الثوري (كما قامت اللجان الشعبية بتوفير الأمن بعد انهيار الشرطة في يناير 2011) .. لا يحتاج الأمر بعدها إلا لأيام قليلة كي ينهار النظام وتعترف أجهزة الدولة بتنظيم الثورة وتعمل تحت إمرة قيادته لمرحلة إنتقالية يعاد خلالها تنظيم الأمور وتشغل المناصب بالانتخاب ونعود لحالة الاستقرار .. ولذلك نقول بضرورة وجود تنظيم للثورة يتولى الزمام عقب انهيار النظام، ووجود قيادة معترف بها تتولى السلطة في تلك الحالة.
          ولم تبدأ أي ثورة بالعصيان المدني، لكنها تبدأ بحركات احتجاجية يتشكل من خلالها تنظيم الثورة وتتبلور قيادته وتلتف حوله بعض الجماهير، وإذا أحسن الثوار تشكيل تنظيمهم وصياغة أهدافه فيزداد مع الزمن إلتفاف الجماهير حولهم وينضم بعضهم إلى التنظيم، وعندما يصل حجم المشاركين إلى المستوى المناسب تبدأ التجارب الأولى للعصيان بالامتناع عن العمل لعدد محدود من الساعات ليوم واحد (عرفت مصر تجربة الاضراب عن العمل التي شارك فيها القطاع الخاص بقوة قبل يوليو 1952)، وبالتدريج نصل ليوم كامل في الأسبوع، ثم أكثر حتى نصل إلى العصيان شبه الكامل (دائما ما يظل للسلطة بعض المواقع التي تأبى الانخراط في الثورة) ثم تعلن الجماهير قيام نظامها الجمهوري الحقيقي وتبدأ المرحلة الانتقالية الحقيقية.
          هذا طريق طويل يتطلب جهود مضنية وتضحيات جسام، لكن شعبنا ليس أقل صبرا وقدرة من شعب الجزائر الذي استمرت ثورته سبع سنوات وقدمت مليون شهيد، وإذا كان الجزائريون قد هبوا دفاعا عن هويتهم التي أريد استئصالها، فإن شعبنا لابد أن يهب دفاعا عن هويته التي يراد مسخها وإصابتها بالشلل (وقد بدت بوادر ذلك بالفعل)، فلا يمكن أن تستمر سياسة الإفقار والتبعية إلا إذا فقد الشعب شعوره بهويته المستقلة، فما بالك بشعب هويته هي دينه؟
          قد تحقق ثورتنا الشعبية انتصارها بطرق مختلفة، لكن كلها تشترط أن نصل أولا إلى وجود تنظيم ثوري يغطي أغلب البلاد وله قيادة صلبة معترف بها وأهداف واضحة تعلن جماهير الثورة تبنيها لها واستعدادها للتضحية من أجلها، وأن يزداد زخم الثورة باستمرار، فمهما كان معدل إزدياده بطيئا فإن استمراره يعني أننا سنصل إلى الوضع الذي تنتقل فيه السلطة للشعب إن آجلا أو عاجلا .. إذا تحققت هذه الشروط فقد لا نكون مضطرين للإنتظار حتى نصل للعصيان الكامل، يمكننا تصور حالات تختصر لنا الطريق.
حالة أن يدرك قطاع من النظام القائم، وهو القطاع الذي يتكون من أفراد لم يتلوثوا بالفساد ولم يشاركوا في ارتكاب الجرائم، لكنهم يعملون في وظائف مهمة في النظام ويحتفظون بها لأنها تحقق لهم مزايا شخصية يريدون استمرارها (ضباط في الشرطة والجيش وقضاة وإعلاميين وموظفين في الجهاز الإداري لم يفسدوا ولم تضطرهم وظائفهم للمشاركة في الجرائم بحق الثورة)، هؤلاء سيعتريهم الخوف من أن يعاملوا بعد نجاح الثورة كجزء من النظام ويطالهم العقاب، فيلجأون للمصالحة مع الثورة على شروط الثوار كي يحتفظوا بمناصبهم في النظام الجديد .. هذا يعني فتح الأبواب من الداخل.
حالة أن يدرك عدونا الحقيقي – أمريكا وحلفائها – أن مسار الثورة حتمي وأن الشعب إن آجلا أو عاجلا سيحقق أهدافه، فيقرر أن ينسحب من مصر إنسحابا منظما بطريقة تحفظ له مصالحه الطبيعية، ويقبل أن يدخل معنا في علاقة متكافئة تحفظ مصالح الطرفين بدلا من أن يخسر المنطقة كلها ولو بعد جيل كامل (كما حدث في إيران) فيدخل مع قيادة الثورة في مفاوضات لتحقيق ذلك (كما حدث في فيتنام).
ما هو السيناريو الذي نختاره ؟
          ليس لنا إختيار ، فليس أمامنا إلا العمل لتوفير ما يحقق نجاح العصيان المدني الكامل، والخصوم هم الذين سيختارون بناء على جديتنا ومعدل تقدمنا نحو بناء هيكل الثورة (توعية الجماهير بالعدو وبالهدف – بناء التنظيم الثوري – بلورة القيادة الثورية) .. إن التفكير من جانبنا في المصالحة أو التفاوض قبل إثبات قدرتنا على القيام بثورة ناجحة هو عين الفشل، ومحاولة الخصوم جرنا إلى التهدئة بحجة تهيئة الجو الملائم للحوار والوصول إلى حل سياسي هو مجرد حيلة لإخراج الجماهير من الحالة الثورية التي لن نستطيع إعادتها إليها في المدى القريب إذا خرجت منها .. ثم إن نتيجة أي حوار أو مفاوضات لا يمكن إلا أن تعكس موازيين القوى الفعلية على الأرض، علينا أن نسعى ليكون وضعنا أقرب ما يمكن لتحقيق الهدف، حتى لو كنا نتصور أن النهاية قد تأتي من خلال أحد السيناريوهين الأخيرين.
          والخلاصة أن المهام الملحة للثورة هي:
تعريف الجماهير بعدوها الحقيقي .. على من تثور ولماذا تثور .. تثور من أجل انهاء نظام التبعية للحلف الأمريكي الصهيوني، وتثور من أجل حياة كريمة في الدنيا ونعيم مقيم في الآخرة.
تكوين تنظيم الجبهة الثورية وتحديد قيادتها الجماعية.
تحديد أهداف المرحلة الانتقالية للثورة والعمل خلالها بروح الثورة.
عاشت مصر العربية الإسلامية حرة مستقلة .. والله أكبر ويحيا الشعب
[1]  الليبرالية مذهب فردي يؤمن بالحرية الفردية التي لا نحدها إلا حرية الأفراد الآخرين، ويرفض أي تدخل من الفرد أو المجتمع للتأثير على هذه الحرية، فلا يجب أن نقول شواذ لأن هذا معناه أننا نحدد ما نفعله بأنه هو الطبيعي وغيره شاذ، بل نقول مثليين، فهي تفضيلات مختلفة كل واخد حر فيما يختاره منها.
في السياسة تتبنى الليبرالية الديمقراطية بدون أي قيود أو شروط، وفي الاقتصاد تتبنى سوق المنافسة الحرة وترفض أي تدخل للدولة في توجيه الاقتصاد أو في توزيع الناتج، فالفقير لا يجب أن يتحمل الآخرون مسئولية فقره .. ولا يجب توفير أي حماية جمركية للصناعات الوطنية الناشئة، بل يجب أن يكون العالم كله سوقا واحدة يتنافس فيها الجميع لمصلحة المستهلك.
في مصر يفهم البعض أن الليبرالية هي مجرد الحرية السياسية (لو كانت كذلك لأمكن اعتبارنا حزبا ليبراليا)، لكن الفكر الليبرالي في الواقع لا يملك أي مبرر فلسفي لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبرامج الرعاية الاجتماعية التي تقدمها النظم الليبرالية لا تبرر إلا على خلفية تجنب ثورة الجياع.
ونحن نقصد بالمخضرمين: السياسيين القدامى اللذين تم تدجينهم، أما الشباب فمنهم النقي الذي يتصور أن الليبرالية هي مجرد الحرية والتسامح، ولا يعرف شيئا عن الوجه الأسود للفكر الليبرالي في مجال العدالة الاجتماعية.
[2] اليسار: وأحيانا يطلق عليه الاشنراكية، ويضم طائفة واسعة من الاتجاهات الفكرية التي تشترك في أنها ترى الفرد جزءا من المجتمع ولا يمكنه تحقيق مصالحة بمعزل عن المصلحة العامة ولا في تعارض معها، ويرى البعض أن النظام الإقتصادي الإسلامي يمكن إعتباره اشتراكيا بهذا المعنى، غير أننا في مصر درجنا على استخدام تعبير اليسار للدلالة على الماركسيين، وهم أكثر الإشتراكيين تطرفا لدرجة رفض الملكية الخاصة تماما، والأساس الفلسفي للماركسية ينكر الألوهية، والأديان بالتبعية، لكن من التنظيمات الماركسية المصرية من يعلن – ونحن لا نعرف الحقيقة – أنهم يعتبرون التدين مسألة شخصية ولا يشترطون إلحاد الأعضاء طالما التزموا ببرناج التنظيم.


ليست هناك تعليقات: