أم فقدت نجليها بأحداث حلوان والفض
والابنه مصابه بخرطوش فى الرأس
“إنا لله وإنا اليه راجعون.. حسبي الله ونعم والوكيل”.
شهداء حلوانوكأن وجيعتها الأولى في فقد نجلها الأول طالب الإعلام “عبد الرحمن” (21 عامًا حين استشهد فى فض “رابعة) تركت بقية من صبر وأمل، لتأتي مصيبتها في ابنها الثاني طالب الحقوق “حذيفة” (21 عاما أيضا حين استشهد) لتقضي على تلك البقية، بعد ارتقائه شهيدًا الجمعة الماضية فى أحداث حلوان.
ضربتان في الرأس، بل في القلب، تلقتهما أم عبد الرحمن وحذيفة واحدة تلو الأخرى، عبر رصاصتين اخترقتا قلبها بعد مرورهما بجسدي ابنيها، لتزفهما إلى القبر بعد أن كانت تأمل أن تزفهما إلى عروسيهما.
رغم الحزن الذي يعتصر قلبها على نجليها، إلا أنها بدت صلبة ثابتة، بعد أن تلقت نبأ استشهاد الابن الثاني “حذيفة” بعبارتين لا غير: “إنا لله وإنا اليه راجعون.. حسبي الله ونعم والوكيل”.
لا تعرف أم الشهيدين على أي حبيب تبكي.. هل على عبد الرحمن أم على حذيفة، أم على زوجها ووالديها الذين رحلوا أيضاً قبل استشهاد نجليها بفترة قصيرة، أم على ابنتها الصغرى الطالبة في جامعة الأزهر، والتي أصيبت في رأسها بخرطوش الداخلية، لذا قررت الصبر بعد أن احتسبت نجليها شهيدين عند الله.
* “الحمد لله”.
عدسات “مصر العربية” انتقلت إلى المجاورة الثالثة بحلوان حيث تقطن السيدة المكلومة، المنزل متشح بالسواد، من أثر تدفق لابسي الأسود من الأهل والأصدقاء، وأشخاص تراهم الأم لأول مرة جاءوا من أجل مواساتها في مصائبها المتعددة في ولديها وابنتها وزوجها ووالديها. بدت أم الشهيدين وسط هذه الجموع وكأنها هي التي تواسيهم وتسري عنهم باسترجاع ذكرياتها مع “عبد الرحمن” تارة ومع “حذيفة” تارة أخرى، وما بين عبارة وأخرى تردد: “الحمد لله”، حتى إذا فاض بها الوجد حاولت الخروج من هذه الحالة إلى دعوة ضيوفها لتناول ما قامت بتحضيره مما لذ وطاب من أطعمة ومشروبات، حيث قررت الأم الصابرة ألا تقبل عزاء إلا بعد القصاص لولديها.
* الجدار الذي انهار.
من ذكرياتها عن “عبد الرحمن” و”حذيفة” أنهما كانا بالنسبة لها جدارها الصلب الذي تأوي وترتكن إليه كلما ألم بها تعب أو مرض، لتفاجأ بين عشية وضحاها أن هذا الجدار قد انهار، ينتفض قلبها ألما كلما تردد في أذنيها صوت الرصاص، حيث تتخيله وهو يخترق جسدي صغيريها. وفي تماسك وثبات تحاول الأم الحفاظ عليهما أمام زائريها، أخذت تسترجع لحظة استشهاد “حذيفة” الجمعة الماضية كما أخبروها، ململمة ما تبقى لديها من قوة، قائلة: “أثناء مشاركته في تظاهرات حلوان الجمعة الماضية شاهد “حذيفة” شابا مرتميا على شريط القطار بعد إصابته برصاص الشرطة، فقرر الصعود إليه لإسعافه أو حتى يلقنه الشهادة إن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، إلا أن حذيفة بمجرد أن انحنى نحو الشاب اخترقت رصاصة قادمة من جهة الشرطة المحيطة بالمكان قلبه، سببت له تهتكا فى الرئة والقلب، وسقط جثة هامدة إلى جوار الشاب الذي كان يحاول إسعافه، وترتطم جبهته بقوة على القضبان”.
وتتابع أم حذيفة: “لم ينته المشهد عند هذا الحد، بل إن صديقا لحذيفة حينما رآه يسقط مصابا، قرر الصعود إليه علَّه يتمكن من إسعافه، ولكن بعد وصوله إليه كانت هناك رصاصة أولى في استقباله اخترقت رقبته، ثم رصاصة ثانية اخترقت صدره، ثم أتت الثالثة في ساقه لتسقطه إلى جوار رفيقيه جثة هامدة في الحال، لتمتزج دماءهم سويا، ثم انهمر الرصاص حولهم كالمطر ليمنع أي متظاهر آخر من الاقتراب منهم”. “ربنا يحرق قلبهم” “أستيقظ كل يوم فجراً لأدعو لكل المسلمين وأدعو على قتلة أولادي، ربنا يحرق قلبهم على أولادهم زي ما حرقوا قلبي على أولادي”.. هكذا سردت لنا الأم الدعوات التي ترفعها فجر كل يوم على قاتلي ولديها.
التقطت ابنتها “إيمان” أطراف الحديث حاملة نفس ملامح صبر والدتها وثباتها، رغم اعتصار قلبها ألمًا على شقيقيها، قائلة: “أنا مش عارفة هما عايزين مننا إيه؟ قتلوا إخواتي الولاد، ومش باقي لنا غير عبد الله، وأختي الصغيرة بجامعة الأزهر أصيبت بخرطوش في الرأس، أما والدي فتوفي قبل استشهاد شقيقي الأول بفترة ليست بالبعيدة”.
* سلاحه “أحبال صوتية”!
وأضافت إيمان: “كان شقيقاي يعشقان بعضهما البعض، وكان حذيفة يشارك في التظاهرات السلمية حتى يأتي حق أخيه، فكان ينزل من البيت وليس معه سوى أحباله الصوتية التي كان يهتف بها، مطالباً برجوع حق عبد الرحمن وكل الشهداء”. حكت لنا إيمان ما فعله “حذيفة” صباح يوم استشهاده، من تقبيله إياها و”طبطبته” على أخته الصغرى ثم خروجه للصلاة والتظاهر، ثم متابعتها مع والدتها وشقيقتها الأخبار، وعلمهن بقيام قوات الشرطة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وسقوط شهداء، ولم تكن أسماؤهم قد أعلنت بعد، قالت إيمان: “في تلك اللحظة خفق قلب أمي بقوة وقالت: أنا حاسة إن ابني في اللي ماتوا”، فحاولت الاتصال بحذيفة فلم يرد، فهاتفت عبد الله، فرد عليها وهو يبكي ويصرخ قائلا: “حذيفة مات يا أمي.. قتلوا حذيفة”! وأضافت: “ما كان يزيد حرقة قلب عبد الله أنه رأى أخاه يسقط أمامه ولم يتمكن من الوصول إليه وإسعافه بعدما منعه الأهالي والمتظاهرون من الصعود خوفا عليه من الرصاص المنهمر من حولهم”.
* آلام فوق آلام.
وتابعت إيمان:
“بعد مصابنا في استشهاد حذيفة، تتابعت الآلام والمتاعب، حيث كان استشهاد شقيقي مساء يوم الجمعة، لكنه لم يدفن إلا فجر يوم الأحد بسبب التعنت في الإجراءات”.
وأضافت: “بعد توقف إطلاق النيران تمكن المتظاهرون من نقل جثمان شقيقي إلى البيت، ثم فوجئنا ليلاً بقوة مسلحة من ضباط وأفراد الشرطة يقتحمون المنزل دون مراعاة لحرمته، ولا لحرمة الموت، ولم نعترض خشية قيامهم باختطاف الجثمان، ثم دونوا أن سبب الوفاة طلق ناري في الصدر أدى إلى تهتك في الرئة تسبب في نزيف حاد أدى إلى حدوث هبوط في الدورة الدموية، ثم ذهب ابن عمي في اليوم التالي ليأخذ تصريحا بالدفن من قسم شرطة حلوان، فتم تحويله لنيابة حلوان، ومنها لنيابة زينهم، وفي المساء علمنا أن ابن عمي تم التحفظ عليه والتحقيق معه، ثم تركوه، وتم الدفن فجر يوم الأحد الماضي”. أم فقدت نجليها بأحداث حلوان والفض والابنه مصابه بخرطوش فى الرأس...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق