الخميس، 28 نوفمبر 2013

واقعنـا المـرير؛ جســدٌ بلا كرامة



شباك ضــابط الجــوازات واقعنــا المرير؛
 الذي عجــز الخيـــال عن منافستـــه





جررت حقيبتي خلفي وأنا أعرف ما ينتظرني، أقف في الطابور الطويل عند شباك ضابط الجوازات؛ يأتي دوري بعد الكثير من دفع التزاحم وسماع عبارات لا داع لها، أقف أمامه:
 ● - باسبورك
 ●● مددت يدي إليه بجواز السفر الأخضر ذو النسر الذهبي الشامخ
 ●-اتفضل..
 ●- جاية منين؟
 ●- من قطر.
 ●- فلانة الفلاني... امممم
 ●● نطق اسمي بشيء من التوجس أثار الخيفة في نفسي ...
 - أيوة. - كنتِ بتعملي ايه في قطر؟
- أنا طالبة يا فندم - طالبة هه؟
 - معلش استني ع الكراسي الي هناك جررت أمتعتي وجلست على الكراسي الرديئة الصنع أرقب المنظر .... أمم من البشر تمر لتأخذ ختمًا يشهد أنهم مقبولون لدخول هذا البلد الذي أعلم أنه لا يحترم أهله... لماذا تعودون ؟ لماذا عدت أنا؟ لماذا أجلس هنا في ركن قصي كالقمامة في انتظار أن يتكرم شخص يملك سلطة بحكم سلاحه، بطبع بقعة حبر على بضعة أوراق ثبوتية لي؛ ختم الدخول؟!
 ● - فلانة الفلانية
 ●● جاء الصوت جهوري من فوقي
● - أيوة أنا
● - تعالي معايا
● - خير؟
● - أنا قلت تعالي معايا
● - أجي فين وليه؟
 ●● جذبني من حجابي وقال
● - لما اقولك تيجي معايا تيجي بالذوق
● - سيبني صرخت فيه وكان جزائي لطمة على وجهي لازال صداها يدوي في اذني إلى اللحظة. تسمرت في مكاني من هول الصدمة ولم اتحرك إلا جرًا من جنديي أمن مركزي من ذوي اللباس الأسود ورؤوس الغربان.
 ●● 10 ساعات من التحقيق في غرفة في القبو.
رائحة العفن ودخان سجائرهم والسواد.
لماذا عاندتي؟
ماذا تخفين؟
ماذا تدرسين؟
ماذا تكتبين؟
لماذا تنطقين؟
انتي فاكرة نفسك حرة يا روح امك؟!
حرية دي عند امك!!!
 ● - اكتب يا ابني، وقرر وكيل النيابة "فلان العلاني" حبس المتهمة "فلانة الفلاني" 15 يومًا على ذمة التحقيق بتهمة تكدير السلم العام والتحريض على قلب نظام الحكم
 ●● ضحكت، رغم كل ما مررت به وما نالني وما انتهيت عليه من الاعياء ضحكت. اغتاظ الضابط فلطمني على وجهي مرة ثانية اشد من الضربة الأولى وما تلاها وصرخ:
 ● - في ايه يضحك يا بنت (كذا وكذا)
 ●● رددت بابتسامة رغم العصابة على عيني
 ● - مفيش
 ● - يعني ايه مفيش يا روح امك؟!
 ● - مفيش.. بس الحمد لله، أنا حرة لا اذكر ما تم بعدها، لا اذكر رده، اذكر فقط الالم. بعد ذلك، جروني على عربة الترحيلات دون أمتعتي، دون أموالي، سمعت صوت الضابط الذي تولى ضربي واهانتي والتحقيق معي "عدوها على قسم من اقسام حبايبنا عشان يستقبلوها وبعدين ودوها القناطر؛ ووصي فلان بيه يحطها مع الجنائيات .. خليها تتربى" لا اذكر هل ارتعدت لسماع الكلمة أم لا، تبادرت إلى ذهني كل شهادات المعتقلات السياسيات عن التعذيب وعربة الترحيلات الخانقة تتحرك في شوارع القاهرة...
 ●المـــاء ......
 ●السيــــاط ...
 ●التعـــرية ...
 ●خلع الأظافر
 ●التحـــــرش
 ●الشـــــــتم .
 ●الـــــكـلاب ..
 كل الصور تتبادر إلى ذهني وعربة الترحيلات تهتز على أرض غير ممهدة للحياة الآدمية ... قلبي يكاد يقتلني وصوته بدأ يعلو على صوت صرير العجلات، أشعر بالنار تخرج مع أنفاسي البطيئة... لا أستطيع أن أتنفس... رفعت اصبع السبابة وبكيت.... صرخت.... "كرامتـــــــــــــي" "كرامتــــــــــــي" "كرامتــــــــــــي" توقفت العربة اثر الصراخ، وجدت الباب يفتح وثلاثة اشباح تتوجه نحوي... جسدي صار كرة تتلقفها الأيدي والهروات... وجهي تلقى اللطمة تلو اللطمة ... حجابي تمزق .. دمائي انفجرت... جسدي الذي بلا كرامة تم تصفيته... مسجاة في دمي؛ القيت على الطريق وبجانبي أوراق ثبوتية يضمها غلاف أخضر عليه نسر ذهبي شامخ لا يعبر عن شيء من شعبنا؛ مختومة ببقعة حمراء، من دمي!
 ●●عنواين الأخبار: 
 ●الصحف المصرية:
"الشرطة المصرية تنجح في القضاء على ارهابية في العشرينات سعت إلى تكدير الامن العام وقلب نظام الحكم، خلال مقاومتها"
 ●الصحف الأخرى:
"ضحية جديدة للشرطة المصرية، فتاة في العشرينات تلقى حتفها اثر ضرب مبرح في عربة ترحيلات خرجت من المطار" في صندوق في ركن قصي من غرفة "فلانة"، غرفة لازال يتردد في صداها دعاء مغطى بالدموع "اللهم شهادة وليس اعتقال"، وضعت شهادات التفوق الأكاديمي وأوراق العمل ونماذج من الأبحاث والدروع ورسائل التكريم والثناء وصور مع أهلٍ وأصدقاء وغيرها الكثير. وفوق الصندوق وضعت عائلة "فلانة" صورة مقتطعة من جريدة: جسدٌ بلا كرامة؛ لفتاة مسجاة في دمها، ملقاة على الطريق، بجانبها أوراق ثبوتية يضمها غلاف أخضر، عليه نسر ذهبي مختوم ببقع حمراء، من الدم!
 ●●● أي تشابه بين هذه القصة وأحداث حقيقية هو من محض واقعنا المرير؛ الذي عجز الخيال عن منافسته.