لا يوجد حل للمحنة المصرية سوى وضع نهاية لهذا النظام

المحنــــــة المصــــــرية!
 زمن الطهــاره إنتهــى وبدأ زمــان القــذاره
 لا عهـــــــد نافــــــع ولا كلمـــه الحــق منصــــــانه
 تكلـــم النـــــاس تلاقيهـــــا غفلانــــه

طبعا، كان لا بد أن يسخر حسني مبارك من ذلك الرجل الشجاع، وكيف لا يفعل وقد جمع له فاروق حسني يومها عددا من كبار المثقفين في الحظيرة متزلفين مهللين أو حتى صامتين موالسين، وبدلا من أن يستغل هؤلاء الفرصة في مواجهته بحقائق ما يدور في البلاد قضوا وقتهم في الإستماع لهرائه، ثم قالوا له كل شيئ إلا الحقيقة، وحده الدكتور محمد السيد سعيد الذي قرر يومها أن يكون رجلا حرا مستقلا، وأن يجسد المعنى الحقيقي للمثقف، فحدث مبارك عن ضرورة البدء الفوري في إصلاح سياسي ودستوري ينقذ البلاد، ولم ييأس عندما تجاهل مبارك ما قاله، بل أصر على أن يذهب إليه عقب الجلسة ليسلمه أوراقا تحمل مشروعا يخرج البلاد من مواتها السياسي، كان يمكن لمبارك أن يأخذ منه الأوراق ويعطيها لمساعديه ليضموها إلى ركام المشاريع التي أماتها طيلة سنوات حكمه المديدة، لكن مبارك اختار أن يضع بصمته الخاصة فقال له بصلف الديكتاتور «الأوراق دي تحطها..»، ثم سكت على طريقة استيفان روستي وأضاف «في جيبك»، ليضحك من حوله معبرين عن انبهارهم بخفة ظل القائد وسرعة بديهته، دون أن يدروا هم وقائدهم أن محمد السيد سعيد سينتصر حتى بعد رحيله على حسني مبارك الذي لم تنفعه عنجهيته كثيرا عندما أطاح به أحرار شعبه وأحالوه من فرعون متطاوس إلى مخلوع بائس يحاول ألاضيشه الآن جاهدين غسيل سمعته الملوثة بدماء المصريين ودموعهم وفقرهم وأمراضهم.. 

مع أنه كان يمكن أن يجنب نفسه وبلاده الكثير لو كان على سبيل المثال لا الحصر تعامل مع أوراق ذلك المفكر المحترم بجدية، ولو قرر أن يدرسها ويأخذ ولو ببعض ما فيها بدلا من أن يكتفي بالإستماع دائما وأبدا إلى أصوات المصفقين والمهللين والمطبلين.الآن، ومع الصدمات التي تتوالى علينا في كثير من مثقفينا الذين يتضح أن مشكلتهم لم تكن مع حكم الفرد، بل كانت مع حكم الفرد الذي يستعين بغيرهم في التبرير والتنظير، يظل الدكتور محمد السيد سعيد واحدا من الأسماء القليلة التي تمنحك الثقة في أنها كانت ستنجو من اختبارات الزمان المريرة لتظل متسقة مع مبادئها التي دفعت ثمنها غاليا، وهي ثقة ستجددها بإعادة قراءة كتابات الراحل الكبير في ذكراه التي مرت مؤخرا في صمت، مع أننا كنا بحاجة ماسة إلى استعادة كتاباته ليس فقط لإحياء ذكراه العطرة، وإنما لتساهم كما فعلت خلال حياته في فضح ركام الأكاذيب التي يتم ترويجها متخفية تحت أقنعة التحليل السياسي والوطنية الحقة والدولة القوية.

لم أجد أفضل ولا أجمل كنموذج لتلك الكتابات الرائعة من مقال يحمل عنوان (مشكلة مصر ليست السلطة وإنما معناها) نشرته صحيفة (البديل) ـ التي كانت تشبهه وكان يشبهها ـ بتاريخ 21 سبتمبر 2008، يبدو كأنه كتبه للتو واللحظة حين قال: «لا يوجد حل للمحنة المصرية سوى وضع نهاية لهذا النظام السياسي المتقادم، فكما قلنا لم يشغل التفكير في هندسة هذا النظام ولا حتى دقائق من عقل مهندسيه وإلا أدركوا كم يُعرِّض مصر للخطر ويعرض المجتمع للإنهيار، ولا يزال هناك قبس ضئيل جدا من الأمل في تدارك قمة السلطة لهذه الحقيقة، أما الأمل الحقيقي فهو أن يفرض المجتمع الواسع الحل السليم الوحيد لمعضلات تطور مصر السياسي. 

إن الحل السليم يكمن في الإنتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية أو ما سميناه مرارا وتكرارا (دولة العدل والقانون) ففي ظل هذه الدولة يجب أن تتمتع مختلف مؤسسات الدولة باستقلالية وأن تقوم على التوازن فيما بينها، وفوق كل شيئ فهي يجب أن تقوم على اختصاصات واضحة يحددها الدستور والقانون، كما يجب أن تتوافر لها أنظمتها الداخلية التي تضمن استمراريتها واضطلاعها بوظائفها دون تدخلات شخصية ولو من جانب أعلى سلطة في البلاد، وفي الدولة الديمقراطية تتوافر للمؤسسات العسكرية والشرطية أطر قانونية تحدد سلطاتها وتفويضها على نحو دقيق، وفي نفس الوقت يرعى هذا التفويض استمرارية المؤسسة كسلك له تقاليده وقوانينه ومواثيقه أو تقاليده الخاصة، ولكنها يجب أيضا أن تخضع لسلطة مدنية هي استمرار لسلطة الشعب التي يمنحها لحكومة تنتخبها بحرية، وما نزعمه أن هذا الحل الديمقراطي هو وحده الذي يضمن استمرارية الدولة والمجتمع ففي ظل الغموض يؤدي أي صراع ولو غير مقصود إلى نتائج وخيمة على أجهزة الدولة، وحتى وإن استمرت بحكم ضعف المجتمع فهي تتحول إلى سلطة معلقة وسريعا ما تصبح معزولة فتصبح شيئا أشبه بالاستعمار أو جيتو أو معزل اجتماعي مهني شبه عنصري. ورغم أن الديمقراطية هي الحل الوحيد الممكن لإشكالية تقادم واستبداد النظام السياسي وما أدى إليه من دمار المجتمع فسوف تبقى ناقصة لسبب جوهري فالديمقراطية نظام رائع عندما يعمل بصورة جيدة، وواقع الأمر أنه يعمل بصورة جيدة عندما يتوافق مع نهوض حقيقي للمجتمع...

 وفي نفس الوقت فالديمقراطية يمكن أن تأتي بحكومة ذات اختيارات وتفضيلات معادية أو غير مواتية للنهوض السريع، وعلينا ان نسوي هذا التناقض بصورة خلاقة وأن نفتح مجالات واسعة للغاية للتجربة وللتوافق الوطني على ضرورات بعينها. رحم الله المثقف الحر الشجاع المستقل الجدع الدكتور محمد السيد سعيد، وأعاننا جميعا على إدراك ما لا زلنا نعيشه من محنة لن تحلها وصفات الماضي الإستبدادي التي كانت سببا لهذه المحنة ولن تكون أبدا علاجا لها، حتى لو توهمت الملايين ذلك كما توهمته من قبل .

مطعم جميع موظفيه من التوائم 
افتتح في موسكو مطعم هو الأول من نوعه، فكل عامليه من التوائم.

 ويسعى هذا المطعم إلى جذب الزبائن بطريقة مبتكرة،
حيث أن معظم رواده، يأتون لمشاهدة هذا العدد الكبير من التوائم.