الاثنين، 30 سبتمبر 2013

ما عادت القاهرة عاصمة لأم الدنيا. فيديو


ليســت مدينتـــي


ما عادت القاهرة عاصمة لأم الدنيا. ولكنها أصبحت وصمة في جبينها وإهانة لها، وأسوأ دعاية لها. ولا أخفى أنني صرت أنصح الذين تعلقوا بالمدينة وأحبوها ألا يفكروا في رؤيتها في الوقت الراهن، بعدما أصبحت بلدة ريفية تعج بالقمامة ومسكونة بالفوضى، انقض عليها العاطلون والباعة الجائلون والمستثمرون الجشعون.
فأشاعوا فيها القبح وفساد الذوق. وفي وضعها الراهن فإنها ما عادت تعبر عن مصر الجديدة بعد الثورة بل إنها ما عادت تمثل شيئا في مصر القديمة، واستحقت أن يتبرأ منها الماضي والمستقبل، وأرجو ألا تتدهور الأوضاع في مصر حتى لا يصبح حاضر المدينة تعبيرا عنها. هذه الانطباعات تلازمني كلما قدر لي أن أمشى في أحيائها التي أعرفها، غير مصدق ما أراه في الشوارع والأرصفة والمباني والمحال التجارية وسلوك الأهالي.
 ولأنني ابن للمدينة لم يتخل عن افتتانه بها منذ اكتحلت عيناه برؤيتها في طور عزها وبهائها، فإنني صرت أبرأ مما أراه، بعدما تبددت آثار الافتتان وحلت محلها مشاعر الرثاء والحزن، الأمر الذي جعلني أردد طول الوقت إن هذه ليست مدينتي. لقد ظللت أختزن تلك المشاعر طوال الأشهر التي خلت وأقاوم البوح بها، لأسباب عدة، منها أن الوطن كانت تتناوشه العواصف، وتتردد في جنباته أصوات الاضطرابات والفوضى، التي لا يزال بعضها مستمرا إلى الآن. وأقنعت نفسي بأنه ليس من اللائق أن تكون سفينة الوطن كله معرضة للغرق في حين أشغل الناس ببهاء غرفة القيادة واستعادتها لشبابها ورونقها.
 ثم إنني كنت أقول إنه إذا كان ذلك حال العاصمة والمدينة الأولى في مصر، فلابد أن تكون أحوال غيرها من المدن والقرى أسوأ وأكثر مدعاة للحزن. خصوصا أنني كثيرا ما انتقدت سكان القاهرة الذين ما برحوا يملأون الدنيا ضجيجا إذا انقطع التيار الكهربائي أو المياه لبعض الوقت، أو إذا سقطت الأمطار وامتلأت الشوارع بالأوحال، في حين أن هناك بلدات أخرى في مصر لا يسمع لها صوت رغم أنها لم يصلها التيار الكهربائي أو لم تمر بها شبكات مياه الشرب وتنهار بيوتها المبنية بالطين على رؤوس سكانها كل شتاء.
 لا أخفي أن استعلاء أهل العاصمة كان يتسلل إليّ في بعض الأحيان، حتى تراودني الوساوس قائلة إن ذلك قدر البلدات المصرية الأخرى وشأنها طول الوقت، بالتالي فسوء أحوالها ليس جديدا عليها. أما القاهرة فهي مثل عزيز قوم ذل، لأنها ما كانت كذلك أبدا. فضلا على أنها واجهة البلد التي تستحق اهتماما خاصا وتميزا مشروعا.
إن لم يكن لأجل أهلها فعلى الأقل لأجل زوارها ومحبيها الذين ينبغي أن تتوافر لهم أسباب الجذب بدلا من رسائل الطرد، التي تنتظرهم حيثما يذهبون في أرجاء المدينة. قاومت هذه الرغبة في البوح طويلا، إلى أن قرأت حوارا مع محافظ القاهرة الجديد نشرته صحيفة الأهرام في 24/9 فلم أطق صبرا. وقررت أن أفرغ ما في صدري. إذ تحدث الرجل عن المشكلات الجسيمة، التي تعانى منها القاهرة. التي عانت من القذارة والتخريب، فضلا على الفساد الذي كان سببا رئيسا في إشاعة الفوضى العمرانية التي فتحت الأبواب للأبراج السكنية المخالفة للارتفاعات المقررة، كما حولت الأحياء السكانية إلى مناطق اكتظت بالمقاهي والمحال التجارية، بحيث لم يعد في المدينة شارع لم يشوه ولا حي سكني احتفظ بسمته وهدوئه. قال المحافظ إن في القاهرة 36 حيا جميعها إلى إصلاح وترميم، كما أن بها 122 منطقة عشوائية. منها 24 منطقة شديدة الخطورة ويتعين إزالتها تماما.
 وهي تحتاج إلى 26 ألف وحدة سكنية لاستيعاب سكانها. قال أيضا إنه بدأ رفع المخلفات وتلال القمامة من شوارع القاهرة. وفي يوم واحد تم رفع نحو ستة آلاف متر مكعب من مخلفات المباني ونحو 2600 طن من القمامة، وسيتم رفع ربع مليون طن من المخلفات خلال شهر. أراحني كلام المحافظ حين قال إن قضية النظافة تحتل المراكز الثلاثة الأولى في هموم العاصمة.
التي تحتاج إلى اعتمادات تقدر بنصف مليار جنيه لإزالة ما أصابها من تشوهات وقبح. وأرجو أن يصدق في وعده أن وجه المدينة سيتغير خلال شهر، وأن سكانها سيشعرون بالتحسن النسبي خلال أسبوع.
شجعني ما قاله المحافظ الدكتور جلال مصطفى، وتمنيت أن يتمكن من الوفاء بوعده، خصوصا أننا سمعنا كلاما مماثلا قبل ذلك عن حل مشكلات العاصمة المعقدة، ولم نر الأثر الذي تمنيناه مترجما على أرض الواقع.
إذ أشد على يد الرجل وأتمنى له التوفيق فإنني أزعم أن حماسه ونواياه لا تكفي مهما بذل من جهد لأنه إذا حل مشاكل التمويل والإمكانات الأخرى سيواجه مشكلتين كبيرتين، واحدة تتعلق ببلادة رؤساء الأحياء الذين يجلسون في مكاتبهم طول الوقت شأن كل كبار الموظفين، الذين لا يسائلهم ولا يحاسبهم أحد.
ولا علاقة لهم بما يجري في أحيائهم التي أصبح صغار الموظفين يتحكمون في مصيرها. والأخرى تتعلق بسلوك السكان الذين سرت بينهم الفوضى وأصبحوا مصدرا دائما لتراكم القمامة ومخلفات المباني في الشوارخ. وتقويم ذلك السلوك يحتاج إلى وقت طويل. وتلك مهمة أشك في أن بمقدور المحافظ الحالي أن ينجح فيها. لكنه ينبغي ألا ييأس وأن يحاول.


Incredible ‘Garbage City’ Rises Outside of Cairo

 SXSW FILM: Garbage Dreams

افكار كبيرة لعالم صغير عالم بلا قمامة



ليست هناك تعليقات: