الخميس، 27 ديسمبر 2012

فَتَحَ الحلم بالحرية باب الجحيم وصارت سوريا مسرحاً للشياطين - فيديو


السخرية السوداء : عندما يفتح الحلم بالحرية باب الجحيم
 حياة السوريين التي باتت كل لحظة منها قطعة من الجحيم
 . القتلى أرقام . المهجرون أرقام . اللاجئون أرقام .
 الجرحى والمعاقون أرقام . اليتامى والأرامل أرقام . 
.. المجازر الجماعية أرقام ..


لن ينصت أحد إلى ما يقوله الموفد العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي. لا المعارضة ولا النظام. خطته السابقة فشلت. لم تصمد هدنة العيد. خطته الحالية ستفشل. لا يزال الطرفان المتحاربان غير مستعدين للقبول بالحل الذي من شأنه أن يفضي إلى أن يعترف الطرفان بأن الصراع الدموي الذي تشهده سوريا منذ حوالي سنتين يمكن أن ينتهي لكن بطريقة لا غالب ولا مغلوب. تعتقد المعارضة أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة "هي مسألة وقت ليس إلا" فيما يظن النظام من جهته أن ساعة الحسم تقترب. سيدير العالم ظهره للشعب السوري تعبيرا عن شعوره باللاجدوى. الطرفان يلعبان ويراهنان على الوقت. 
في الوقت نفسه يستمر العنف بكل أشكاله، ملقياً بظلاله الكئيبة على حياة السوريين التي باتت كل لحظة منها قطعة من الجحيم. القتلى أرقام. المهجرون أرقام. اللاجئون أرقام. الجرحى والمعاقون أرقام. اليتامى والأرامل أرقام. المجازر الجماعية أرقام. وسط ذلك الهوس الإخباري بالأرقام المجردة هناك حياة كاملة تتوارى، تختفي ويتلاشى معناها. 
 الوقت الذي يراهن عليه المتحاربون هو جزء عزيز مستقطع من عمر الشعب السوري. ذلك الوقت صار يلتهم بفكي وحش حياة السوريين بكل تفاصيلها. لا أقصد التذكير هنا بأن الوقت صار يُهدر بطريقة مجانية، فذلك حديث يبدو على شيء من الرخاء والدعة، ولكن علينا أن نتخيل حياة تخلو من الأمان والطمأنينة، حياة مشحونة بالرعب والخوف يخرج المرء فيها ليجلب خبزاً لأطفاله فيتحول إلى رقم يشير إلى عدد ضحايا مجزرة وقعت عند شباك المخبز. حياة لا يذهب فيها الأطفال إلى المدارس فيكون لديهم وقت فائض للحقد والكراهية. حياة يتلوى فيها المريض وجعا من غير أن يتوقع وصول سيارة الإسعاف لتنقله إلى المشفى. 
حياة لا يخرج فيها الناس إلى أعمالهم من أجل أن يحصلوا على رزقهم اليومي. حياة ليست فيها أسواق ولا مكتبات ولا حدائق للعب الأطفال والنزهات ولا مساجد أو كنائس للصلاة ولا مقاه ولا مطاعم ولا هدايا ولا قبلات. 
تلك هي حياة السوريين اليوم. الرماد الذي يخلفه لهب الموقد. لقد فتح الحلم بالحرية باب الجحيم. صارت سوريا مسرحاً للشياطين بعد أن اختفت رائحة الياسمين من الشوارع لتحل محلها رائحة الدخان وأخبار القتلى. لم يعد هناك من أحد يستمع إلى أحد. الصورة التي انتهى إليها الحراك الشعبي المناهض للسلطة بكل ما تميز به من سلوك سلمي تبدو اليوم قاتمة. 
 وما من أمل لكي تشف تلك الصورة عن ضوء في إمكانه أن يشير إلى طريق واضحة للخروج من المحنة. كان المأزق ولا يزال أكبر من الأطراف الداخلية كلها. صار كذلك بعد أن تعددت الأطراف الخارجية التي وجدت في ذلك الصراع المروع فرصة لها للتدخل في الشأن السوري. بالنسبة لتلك الأطراف فإن الأخضر الإبراهيمي يمثل آخر الحلول، من بعده يأتي الطوفان. بالنسبة للسوريين فإنهم ومنذ وقت مبكر قد تجاوزوا مرحلة انتظار الطوفان. 
لقد حل الطوفان بهم وانتهى الأمر. سوريا القديمة، التي نعرفها انتهت. سوريا الجديدة لم تبدأ بعد. تجربة العراق تجعلنا نضع الجملة على أطراف ألسنتنا. ربما لن تكون هناك سوريا جديدة، مثلما لم يكن هناك عراق جديد. هذا ما يخيف السوريين حقاً. بعد كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب السوري سيكون الشعور باليأس مدمراً. غير أن ذلك الشعور لن يكون في إمكانه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. إن فكرة التغيير عن طريق الحوار مضى أوانها بالنسبة للأطراف المتحاربة جميعها. المعادلة صارت ضيقة: إما أن تقتلع المعارضة النظام من جذوره أو يحل بها الدمار. إما أن يقضي النظام على معارضيه أو تبتلعه الأرض. 
لذلك فإن أية خطة لا تتضمن إقصاء أحد الطرفين المتحاربين بعيدا عن الملعب لن يكتب لها النجاح. فمن غير المعقول أن يكون المقابل لكل ما جرى من فظائع ومجازر وانتهاكات صريحة لحق الإنسان في العيش وخراب أعاد الحياة في سوريا إلى أزمنة الصيد أن تتم إعادة تشكيل مجلس للوزراء، كان في الإمكان تشكيله من غير إراقة قطرة دم واحدة. تنطوي الخطة الأممية التي حملها الإبراهيمي على نوع مرير من السخرية السوداء. فبعد أن خسر الشعب السوري حقه في التغيير السلمي عن طريق التعبير الحر والكريم عن معارضته ها هو اليوم يقف أمام اقتراحات للتهدئة، خالية من أي معنى، بسبب عدم تطابقها مع ما شهدته سوريا من تحولات جذرية خلال عامين من الاقتتال.

وثائقي كل شي أو لاشي عن ثورة سورية 

(مصـر اليـوم)


ليست هناك تعليقات: