الخميس، 18 أكتوبر 2012

قرارات مبارك لإفساد البرلمان وإفقار الشعب



الفساد فى مصر أصبح محاطا بغطاء قانوني
 يحميه أصحابه من أي جزاء مدني أو جنائي
 عبر قوانين سرية الحسابات وغسيل الأموال وغيرها
• عضوية البرلمان .. للمحظوظين حقا
• ملايين الأمتار حازها رجال الأعمال .. بالأمر المباشر
• "الوليد" أخذ 100 ألف فدان صحراء .. فزرع ألفين!
 • رشيد أنصف المحتكرين على صغار المنتجين




في عصر مبارك أحكمت طبقة رجال الأعمال المقربين من السلطة سيطرتها على ثروة مصر ، وتحررت السلطة التنفيذية بما فيها الرئاسة والحكومة من أية قيود للرقابة عليها وتقنين صلاحياتها فأصبح كل شيء مباحا ، وعملت على إفساد سلطات القضاء ومجلس الشعب . ولهذا وصلنا لإهدار أكثر من 400 مليار جنيه خارج موازنة الدولة المنهكة تحت مسمى "الصناديق الخاصة" ، ووصلت مصر للمرتبة 115 على مستوى العالم ، وكل الفساد أصبح محاطا بغطاء قانوني يحميه أصحابه من أي جزاء مدني أو جنائي عبر قوانين سرية الحسابات وغسيل الأموال وغيرها . 
 وقد أعلن عبدالخالق فاروق في مؤتمر مساء أمس عن كراسة جديدة تشمل 19 قانونا اقتصاديا مفسدا ، وقد أعدها بالتعاون مع الباحثين رضا عيسى وسيد عابدين ، برعاية مركز النيل للدراسات الذي يتولى إدارته . 
 وأشار فاروق إلى أن عمليات إفساد المؤسسة التشريعية في مصر بدأت في مرحلة مبكرة ، ربما قبل الانتخاب الصوري لهؤلاء الأعضاء ، وذلك عبر اختيار المقربين بالحزب الوطني والأجهزة الأمنية إلى قيادات الحكم ، بغض النظر عن الكفاءة ، ثم التدخل البوليسي المباشر في التلاعب بالنتائج، وأخيرا منح أعضاء البرلمان عطايا هائلة من النظام مثل إعطائه القدرة على التوظيف أو الحصول على المواد الخام والأراضي بأسعار بخسة والرحلات للخارج والشقق والفيلات بأسعار رمزية . 
 ولعل ذلك يكشف أول القوانين المفسدة ، فقد كان نصت المادة الدستورية 95 على أنه لا يجوز للعضو بالبرلمان البيع أو الشراء للدولة ولا مزاولة الأعمال التجارية أو الصناعية باسمه خلال مدة عضويته ، ولم يكن جائزا أيضا لعضو مجلس الشعب التعيين في وظائف القطاع العام أو الشركات الأجنبية أثناء مدة عضويته ، لكن السادات فتح باب الثغرات حين أضاف "إلا إذا كان التعيين نتيجة ترقية أو بناء على قانون"! ثم أضيفت مواد تسمح لعضو المجلس أن يكون وكيلا للوزارة لشئون مجلس الشعب بنص المادة 34 مكرر من القرار الجمهوري ، ومن هنا تم تعيين العشرات من أعضاء مجلس الشعب كأعضاء مجالس إدارة منتدبين في شركات قطاع الأعمال الذي كان يجري بيعه على طاولة التصفية ، وأخيرا تمت إضافة تعديل "سفاح" على مادة القانون التي تحظر على عضو البرلمان ممارسة التجارة بنفسه خلال عضويته، بأن ذكرت "لا يسري الحظر على التعاقد الذي يتم طبقا لقواعد عامة تسري على الكافة " وبذلك صار كل شيء مباحا من هذه الثغرة. ويعد قانون مكتبة الإسكندرية رقم 1 لسنة 2001 ، نموذجا على إدارة مؤسسات مصر كما لو كانت عزبة، يملكها شخص واحد هو رئيس الجمهورية ويملك وحده حق إضافة مراكز ثقافية تابعة للمكتبة ، بدون حتى استشارة وزير التعليم العالي، ويسمح القانون بإصدار موازنة مستقلة وبفتح حسابات في البنوك التجارية وهو ما يفسر وجود 145 مليون دولار باسم المكتبة وبإدارة الرئيس المخلوع في أحد البنوك التجارية بمصر الجديدة . 
 وبقراءة عاجلة للدراسة ، سنجد أن قانون "المناقصات والمزايدات 1998 وتعديلاته ، والذي يتعلق بمشروعات الحكومة الكبرى من طرق ومحطات مياه وكهرباء ومشترياتها من سلع وخدمات ، وتبلغ قيمة تلك المشاريع عشرات المليارات من الجنيهات ، فهو يترك القرار الفعلي بيد رئيسي الجمهورية والحكومة واللذان يأمران بالمشاريع العامة بالأمر المباشر ، من دون اللجوء إلى الأصول المتبعة في المناقصات والمزايدات، وبعيدا عن رقابة السلطتين التشريعية والقضائية، ومن هنا حصل رجال أعمال "محظوظين" كما يصف الدكتور عبدالخالق، على ملايين الأمتار المربعة من الأراضي بـ"الأمر المباشر" في المدن الجديدة وعلى الشواطئ. وعبر هذا القانون استفادت شركة " أوراسكوم" المملوكة لعائلة ساويرس الشهيرة، من مشروع محطة الصرف الصحي في القاهرة الجديدة..! 
أما قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية رقم 67 لسنة 2010 وتعديلاته ، فيمنح امتيازات لتعاقدات مشروعات مؤقتة في مجالات البنية التحتية كالكهرباء ومحطات المياه والصرف ، ويرسي عطاءات على شركات بعينها مقربة للوزير بغير معيار والغريبة أن وحدة الشئون المركزية بالوزارة تحولت لدولة داخل الدولة ، وهي التي تملك اختيار المتعاقدين مع الحكومة ولها نسبة من قيمة التعاقد بلغت 75 مليون جنيه لا نعرف كيف توزعت على أعضائها !. 
 وإذا انتقلنا لقانون شركات قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991 وتعديلاته، فقد استبعد كل من هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وجهاز المخابرات من التحري داخل شركات قطاع الأعمال قبل الرجوع للوزير الذي ثبت في كثير من الحالات مشاركته بالفساد وكذا رؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة . 
وقد حفل قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 بمخالفات صارخة ، حيث اقتطع نصيبا من دخل من يزيد عن خمسة آلاف جنيه ، بواقع 10% ، وحفل بتسهيلات لرجال الأعمال والسماسرة ومن ذلك السماح بترحيل خسائر الشركات لخمس سنوات مالية ، وفتح أبواب التهرب الضريبي ، عبر تغيير الشكل القانوني للشركات . 
 أما قانون إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979 وتعديلاته فقد أعفى الشركات والجهات المتعاقدة مع هيئة المجتمعات العمرانية من الرسوم الجمركية والضرائب، وهو ما فتح الباب واسعا لاستيراد سلع وآلات وسيارات بزعم استخدامها في المشروعات بالمدن الجديدة بلا دفع ضرائب لخزانة الدولة ، ما أضاع نحو 120 مليار جنيه ، علاوة على التسهيلات البنكية لمشاريع الإنشاء على حساب المشروعات الإنتاجية الأخرى، وأعفى القانون شاغلي العقارات من الضرائب وكذلك أصحاب الأراضي، وقد استغل معظم رجال المال ورجال الحكم وأقربائهم في عهد مبارك هذا النص للاستحواذ على مساحات شاسعة من أراضي المدن الجديدة . 
 وجرى عبر هذا القانون تهريب أموال الهيئة للزمام الخاص عبر إنشاء شركات متعاونة مع هيئة المجتمعات، كما حصلت الهيئة على عدة مليارات من خزانة الدولة حتى قيام الثورة، برغم افتراض تمويلها من حصيلة بيع وإيجار الأراضي والعقارات والهبات . 
 وعبر قانون الأراضي الصحراوية رقم 143 لسنة 1981 وتعديلاته، أصبح لوزير الزراعة وحده كيوسف والي وأحمد الليثي وأمين أباظة سلطة تحديد أوجه الانتفاع بالأراضي، ونصت مادة على أن تتحمل الدولة تكاليف إقامة البنية الأساسية لمشروعات استصلاح الأراضي وقد استغل ذلك أسوأ استغلال من قبل المرتبطين بنظام الحكم ، سواء في المنتجعات السياحية أو غيرها، والذين اتخذوا من تلك المواد ذريعة للنهب من خزينة الدولة ، ولم يستفد من الإعفاءات الحائزين للأراضي بالصحراء بوجه عام ، ناهيك عن المزايا لرجال الأعمال عبر المادة 9 التي تتيح المبادلة ، كما يحدد مجلس إدارة الهيئة أثمان الأراضي التي يتم التصرف فيها ، وتودع الحصيلة بصندوق خاص ، أي خارج موازنة الدولة ! 
وجعلت المادة 17 مدة خمس سنوات أجلا زمنيا من أجل استصلاح الأراضي للمستثمرين ولكن ذلك لم يطبق على رجال الأعمال الكبار أمثال الوليد بن طلال في أراضي توشكي التي امتدت ملكيته فيها لأكثر من مائة ألف فدان لأكثر من 12 سنة دون أن يستزرع منها سوى ألفي فدان . أما قانون البنك المركزي رقم 88 لسنة 2003 وتعديلاته، فقد ظهر بعد أزمة المتعثرين بالبنوك التي قادها رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، وفقد خلالها الجهاز المصرفي 40 مليار جنيه خسائر، وهروب عشرات كبار رجال الأعمال المقترضين خارج البلاد ، والقانون يجعل أموال البنك المركزي أموالا خاصة ، وهو بذلك يخرجه من رقابه جهاز المحاسبات، وفي موضع آخر يقول القانون أنها أموال عامة في تناقض كبير ، كما يقر القانون اقتطاع مجلس إدارة البنك جزء من أرباح البنك المركزي لصالح العاملين ، ما أدى لحرمان خزينة الدولة من مبالغ كبيرة تمثل فوائض مالية لدى البنوك ، وحجم الموارد صندوق البنك المركزي يتجاوز 400 مليون جنيه ، وهي فائض بنوك حكومية في معظمها من المفترض أن تؤول للخزانة العامة . 
وقد جرى تعديل القانون سنة 2004 لحماية لصوص البنوك من رجال الأعمال عبر إتاحة التصالح معهم في جرائمهم . وبموجب قانون "المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة» للعام 2002، فقد اقتُطعت عشرات الملايين من الأمتار المربعة في شمال غرب خليج السويس، ومُنحت لبعض رجال الأعمال المقرّبين من النظام. 
 ومن آثار هذا القانون أنه تم إعفاء هذه المنطقة الشاسعة من تطبيق الكثير من القوانين المصرية وتم إرضاء رجال الأعمال بشكل مذهل، فخفضت الضريبة على أرباح الشركات العاملة في هذه المناطق الخاصة لتصبح 10 في المئة فقط بدلاً من 32 في المئة. 
 وعبر تعديلات قانون "فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب" لعام 2000، شهدنا قضايا توزيع الأموال المصادرة من تهريب المخدرات على وزارتين فقط من وزارات الدولة (الداخلية والدفاع)، مع منع أي رقابة للسلطات التشريعية على هذا التوزيع. 
 كذلك حال تعديل "قانون مكافحة غسل الأموال" للعام 2002 الذي حصر أيضاً صلاحية تأليف وحدة مكافحة غسيل الأموال ونظام إدارتها والعاملين فيها بيد الرئيس وحده، بعيداً عن موازنة الدولة وأجهزتها. 
 وبخصوص قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار رقم 3 لسنة 2005 وتعديلاته ، فلم يتصدى مطلقا للرفع العشوائي لنار الأسعار التي ألهبت حياة المستهلكين ، كما أنه لم يقر مصادرة الأرباح المتحصلة نتيجة مخالفة القانون، وقصر العقوبات على مبالغ هزيلة ، كما ترك أمر المعاملة المالية لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الجهاز في يد الوزير المختص الذي كان هو نفسه أحد أبرز رجال الأعمال في عصر حسني مبارك ، ويستأثر الجهاز بفوائضه المالية بدلا من أن يودعها خزانة الدولة . ولا يجوز بغير إذن الوزير أن ترفع دعوى جنائية ضد ممارسة احتكارية من قبل أي من المواطنين . 
ودوما كان رئيس الجهاز وزير التجارة والصناعة الذي يتم اختياره من بين أكبر رجال الاعمال في مصر فكيف ستكون انحيازاته ضد مصالحه بالسوق ، وخير دليل على ذلك موقف وزير الصناعة رشيد محمد رشيد في عهد مبارك من ممارسات شركات الألبان الكبرى ضد صغار منتجي الألبان .! ويكشف قانون تنمية التصدير رقم 155 لسنة 2002 عن صندوق خصصت موارده التي تبلغ 4200 مليون جنيه سنويا من الموازنة العامة ويخضع للوزير مباشرة ويحصل على كل تعويض يحكم به لحماية الاقتصاد القومي من الممارسات الضارة في التجارة الدولية بدلا من توريدها للموازنة العامة للدولة .


ليست هناك تعليقات: