دعـــوة لفـــك الارتبــاط بين المعـــاهدة والتواطـــؤ
بعد الثورة المصرية ينبغى أن نفرق بين معاهدة السلام مع إسرائيل وبين الشراكة والتواطؤ معها ضد الفلسطينيين، فنفهم الأولى بحكم الضرورة، ونعتبر الثانية عارا يتعين التبرؤ منه.
(1) الملاحظة من وحى زيارة السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء المنتخب فى غزة للقاهرة واستقباله فيها رسميا لأول مرة، بعدما ظل محظورا على أى مسئول حكومى فى مصر طوال الثلاثين سنة الماضية أن يلتقى احدا من وزراء حكومة غزة، وخلال تلك الفترة كان ملف قطاع غزة خارج السياسة وتابعا للأمن.
إذ كان القرار الاسرائيلى والامريكى الذى التزمت به مصر أن معارضى اتفاقية السلام من الفلسطينيين ينبغى نبذهم واقصاؤهم، رغم أن الاسرائيليين الذين عارضوا المعاهدة ومزقها احدهم فى «الكنيست» كانوا ممثلين فى الحكومة والبرلمان. ولم يكن الأمر مقصورا على مصر وانما ظل ممنوعا على المسئولين فى حكومة غزة أو فى حركتى حماس والجهاد أن يدخلوا بعض الاقطار العربية، وحين زار هؤلاء تونس والمغرب خلال الاسابيع الماضية مدعوين الى مؤتمرى الحزبين الحاكمين فى البلدين، فقد كانت تلك سابقة تحدث لأول مرة، فى حين أن السياح الإسرائيليين يترددون على شواطئ وملاهى البلدين طوال العقود الثلاثة الماضية. التواطؤ قرائنه عديدة، وما تسرب من معلومات عن تنسيق امنى بين البلدين «شاهد ملك» على ذلك.
وكان الاستاذ محمد حسنين هيكل من دعا صراحة الى وقف ذلك التنسيق الأمنى بين مصر واسرائيل، الذى لم يكن موجها ضد الفلسطينيين فحسب، ولكنه كان أهم مصدر للمعلومات المتعلقة بالعالم العربى، والكلام للاستاذ هيكل الذى اعلنه فى حوار تليفزيونى جرى بثه فى القاهرة على قناة الحياة بتاريخ 21/5 الماضى. ولأن الملف الفلسطينى ظل أمنيا بالدرجة الأولى فى مصر، فإن اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة طوال العشرين سنة التى خلت كان مهندس التنسيق مع الاسرائىليين. وقد سبق أن اشرت الى الشهادات الإسرائىلية التى تحدثت عن دوره فى اجتياح غزة وحصارها.
(2) خلال السنوات الماضية، بل منذ عصر السادات الذى وقع معاهدة السلام مع اسرائيل جرى الترويج لأمرين، أولهما أن العدو هو ايران وليس اسرائىل، ،والثانى أن الفلسطينيين لا يضمرون خيرا لمصر، ويرغبون فى التمدد فى شبه جزيرة سيناء.
كنت افهم أن تلح اسرائيل على اقناع المصريين بأنه بعد معاهدة «السلام» فلم تعد لها مشكلة معهم، وأن مشكلتهم صارت مع إيران الشيعية والطامعة فى الخليج، لكننى لم افهم أن يردد الاعلام المصرى هذا الكلام رغم انه لا توجد مشكلة حقيقية بين مصر وإيران. ورغم ان المشكلة الحقيقية التى تهدد امن مصر القومى هى ما تمثله اسرائىل فى المنطقة، ولكن مقتضيات الشراكة والتواطؤ أيضا اقحمت مصر فى المعسكر المخاصم لإيران، حتى كانت القاهرة فى الثمانينيات مقرا لاثنتين من الاذاعات الموجهة ضد الثورة الإسلامية، وظلت مصر عضوا فى معسكر الخصومة مع ايران التى اقامت علاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم، فى حين قاطعتها ثلاث دول فقط هى الولايات المتحدة واسرائيل ومصر! وفى حين اقامت دول الخليج جميعها علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران التى يفترض انها طامعة فى اراضيها، فإن مصر لم يسمح لها بذلك رغم انه لا توجد ازمة اطماع لإيران فيها. توتير العلاقة مع الفلسطينيين بعد معاهدة السلام لا تخلو من مفارقة، كأن المعاهدة حولت الاعداء الى اصدقاء والاشقاء إلى اعداء، وقد بات ميسورا على الافواج الاسرائىلية أن تزور مصر التى يدخلها الامريكيون بلا تأشيرة، أما دخول الفلسطينيين فهو بمثابة رحلة عذاب كثيرا ما تنتهى بالفشل وخيبة الامل، وما يحدث فى معبر رفح يجسد تلك المعاناة التى لا تفسر الا بكونها من اصداء الشراكة والتواطؤ مع الاسرائيليين التى لا علاقة لها باستحقاقات معاهدة السلام. فى هذا السياق يروج البعض لشائعة رغبة الفلسطينيين فى التمدد فى سيناء، وهو ما يدهش النخبة الفلسطينية التى تعتبر أن الاسرائيليين هم من اطلقوا الشائعة وسعوا الى الترويج لها، وهو ما علق عليه الباحث والقيادى الفلسطينى عبدالقادر ياسين بقوله إن سيناء كانت تحت الاحتلال الاسرائيلى طوال عشرين عاما، ولو كانت لدى الفلسطينيين فكرة للتمدد فى اراضيها لكانت تلك فرصتهم التاريخية التى لاشك أن الاسرائىليين كانوا سيرحبون بها، لكنهم لم يفعلوها..
وأضاف أن اهل غزة حين اجتازوا الحدود فى عام 2008 ودخلوا الى رفح والعريش، فإنهم لجأوا الى ذلك ضيقا بالحصار وسعيا لتوفير احتياجاتهم ولم يخطر على بالهم شىء اكثر من ذلك، بدليل انهم استوفوا حاجياتهم ثم عادوا ثانية الى القطاع. لم يعد سرا أن بعض الابواق الاعلامية والجهات الامنية ضالعة فى حملة تشويه الفلسطينيين والايقاع بينهم وبين جماهير الشعب المصرى. فقد نشرت الصحف المصرية قبل اسابيع قليلة انه تم إلقاء القبض على 13 «إرهابيا» من حماس تسللوا الى مصر لإحداث اضطرابات فيها، وحقيقة الامر أن هولاء كانوا مجموعة من الفلسطينيين الذين انتهت مدة اقامتهم فى مصر، فقفلوا راجعين الى غزة، وعند منطقة كوبرى «الفردان» ألقى القبض عليهم، واودعوا احد السجون. وبعد 18 يوما اطلق سراحهم بعدما تبين انهم لا علاقة لهم بحماس وان بعضهم من أعضاء حركة فتح. وهو ما يثير أكثر من سؤال حول الهدف من تسريب الخبر بالصورة التى نشر بها واتهامهم بأنهم «إرهابيون» تماما كما تتحدث الصحف الاسرائىلية عن الفلسطينيين.
تتصل بذلك الشائعات غير البريئة التى تحدثت عن مساهمة عناصر من حماس فى التظاهرات التى انطلقت بعد الثورة واشتراكهم فى قتل بعض المتظاهرين وهى الاكذوبة التى اطلقها بعض مسئولى الامن للإيحاء بأن عناصر خارجية هى التى أشعلت الموقف وتسببت فى قتل المتظاهرين لتبرئة ساحة الشرطة وقناصتها.
كثيرة هى القرائن الدالة على تعميق الفجوة بين المصريين والفلسطينيين واشاعة ثقافة الحساسية ازاءهم والنفور منهم، لكى يصب ذلك فى صالح زيادة رصيد «الاصدقاء» الاسرائيليين.
(3) معهم حق الاسرائيليون حين وصفوا الرئيس السابق بأنه «كنز استراتيجى» لهم. ذلك انه فى ظل معاهدة السلام ألحقت مصر بالقاطرة الاسرائيلية، ووقفت ضد المقاومة وتعاملت مع الفلسطينيين بدرجات مختلفة من الاستياء والنفور. وصارت فى نهاية المطاف ظهيرا للإسرائيليين بأكثر منها عونا للفلسطينيين. فى مقابل ذلك استعلى الإسرائيليون وضربوا بالمعاهدة وكل اتفاقات السلام عرض الحائط. وكان ذلك أوضح ما يكون فى أمرين هما:
* اندفعت إسرائيل منذ عام 2002 فى بناء سور الفصل العنصرى الذى يبتلع نحو 25٪ من أراضى الضفة الغربية.
وسارعت فى تنفيذ المشروعات الاستيطانية حتى بلغ عدد المستوطنين فى الضفة ـ عدا شرقى القدس ـ نحو 343 ألف مستوطن. أما فى شرقى القدس فهناك 200 ألف مستوطن. وحسب التقرير الاستراتيجى الفلسطينى لعام 2011 فإنه خلال ذلك العام وحده كانت هناك 3500 وحدة استيطانية فى طور البناء أو تحت التشييد، كما أقيمت 142 مستعمرة وبؤرة استيطانية فى الضفة الغربية. وسجل التقرير أنه خلال ذلك العام تم هدم 200 مسكن وتهديد أكثر من 500 مسكن آخر بالهدم فى الضفة الغربية. وبلغت مساحة الأراضى المعتدى عليها بالمصادرة نحو 11 ألف دونم إضافة إلى تجريف وحرق وتخريب ما يزيد على 2000 دونم أخرى، كما تم الإضرار بما يزيد على 20 ألف شجرة، 50٪ منها تم اقتلاعها أو حرقها بالكامل. إلى غير ذلك من التفاصيل التى ترسم صورة بشعة للعربدة ونهم الاستيطان والتهويد ومحو كل أثر للفلسطينيين على أرض بلادهم.
* أجهضت إسرائيل مشروع حل الدولتين الذى تم تخدير العرب به منذ عام 1988 حين أعلنت القيادة الفلسطينية انحيازها الاستراتيجى إلى جانبه. الأمر الذى يعنى نسف فكرة الدولة الفلسطينية التى مازالت تدغدغ مشاعر الجميع ويلوح بها فى مختلف المحافل الدولية.
فى هذا المعنى نشرت مجلة «فورين بوليسى» عدد 12/7/2012 مقالا لها للبروفيسور ستيفن م.والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، دلل فيه على أن حلم الدولة الفلسطينية صار بعيد المنال ونقل عن عكيف إلدار المحرر الرئيسى لصحيفة هاآرتس قوله إن حل الدولتين فى أفضل أحواله أصبح فى غرفة الإنعاش، ومن غير المرجح أن يخرج منها يوما ما. كما نقل كلاما أكثر صراحة على لسان مساعد نتنياهو السابق مايكل فروند قال فيه «إن الخط الأخضر ـ حدود ما قبل 1968 التى يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية الموعودة، مات ودفن ولم يعد له أى معنى سياسى أو غيره».
أضاف أن الشعب الإسرائيلى وجد فى يهودا والسامرة «الضفة الغربية» لكى يبقى. وعلق البرفيسور والت على ذلك بقوله إن ما يجرى الآن فى الأرض المحتلة هو تطهير عرقى. وبدلا من أن يتم طرد الفلسطينيين بالقوة على غرار ما جرى عام 1948، فالسياسة المتبعة الآن هى مواصلة الضغط على الفلسطينيين ليصبح استمرارهم مستحيلا فى بلادهم، الأمر الذى يضطرهم إلى المغادرة تدريجيا برضاهم.
(4) لسنا فى وارد الحديث عن معاهدة السلام الآن. التى نعلم أن استمرارها يشكل محور وجوهر السياسة الأمريكية، فضلا عن أن فتح ذلك الملف يتطلب توافر شروط معينة فى موازين قوة أطراف المعاهدة، وتلك الشروط ليست متوفرة فى الوقت الراهن.
لكن دول الربيع العربى وفى مقدمتها مصر مطالبة بأن تنتهج سياسة تجاه إسرائيل مغايرة لتلك التى اتبعتها الأنظمة التى أسقطتها. فكرامتها الوطنية التى استردتها تفرض عليها أن تخرج من نادى الشراكة والتواطؤ مع إسرائيل ضد الفلسطينيين.
كما أن تلك الدول مدعوة لأن تعيد النظر فى نهج التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم أشقاء لهم الحق فى الكرامة والاحترام. إلا أن الدكتور موسى أبومرزوق نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس يذهب إلى أبعد، حيث يطالب دول الربيع العربى بوضع نظرية جديدة للتعامل مع إسرائيل بعد انهيار مشروع التسوية السياسية باعتراف الرئيس محمود عباس.
وبعد إجهاض مشروع الدولتين كما اعترف بذلك الإسرائيليون. الأمر الذى يستدعى سحب المبادرة العربية التى أعلنتها القمة العربية فى بيروت عام 2002.
وإذا أضفنا إلى ذلك سقوط فكرة محور الاعتدال الذى كان النظام المصرى السابق بمثابة الرافعة الأساسية له، فإن هذه الخلفية تستدعى إعادة النظر فيما تبقى من خيارات شريفة لمواجهة الاحتلال، تنتزع الحق وتحفظ الكرامة وتصحح أخطاء التاريخ.
(1) الملاحظة من وحى زيارة السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء المنتخب فى غزة للقاهرة واستقباله فيها رسميا لأول مرة، بعدما ظل محظورا على أى مسئول حكومى فى مصر طوال الثلاثين سنة الماضية أن يلتقى احدا من وزراء حكومة غزة، وخلال تلك الفترة كان ملف قطاع غزة خارج السياسة وتابعا للأمن.
إذ كان القرار الاسرائيلى والامريكى الذى التزمت به مصر أن معارضى اتفاقية السلام من الفلسطينيين ينبغى نبذهم واقصاؤهم، رغم أن الاسرائيليين الذين عارضوا المعاهدة ومزقها احدهم فى «الكنيست» كانوا ممثلين فى الحكومة والبرلمان. ولم يكن الأمر مقصورا على مصر وانما ظل ممنوعا على المسئولين فى حكومة غزة أو فى حركتى حماس والجهاد أن يدخلوا بعض الاقطار العربية، وحين زار هؤلاء تونس والمغرب خلال الاسابيع الماضية مدعوين الى مؤتمرى الحزبين الحاكمين فى البلدين، فقد كانت تلك سابقة تحدث لأول مرة، فى حين أن السياح الإسرائيليين يترددون على شواطئ وملاهى البلدين طوال العقود الثلاثة الماضية. التواطؤ قرائنه عديدة، وما تسرب من معلومات عن تنسيق امنى بين البلدين «شاهد ملك» على ذلك.
وكان الاستاذ محمد حسنين هيكل من دعا صراحة الى وقف ذلك التنسيق الأمنى بين مصر واسرائيل، الذى لم يكن موجها ضد الفلسطينيين فحسب، ولكنه كان أهم مصدر للمعلومات المتعلقة بالعالم العربى، والكلام للاستاذ هيكل الذى اعلنه فى حوار تليفزيونى جرى بثه فى القاهرة على قناة الحياة بتاريخ 21/5 الماضى. ولأن الملف الفلسطينى ظل أمنيا بالدرجة الأولى فى مصر، فإن اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة طوال العشرين سنة التى خلت كان مهندس التنسيق مع الاسرائىليين. وقد سبق أن اشرت الى الشهادات الإسرائىلية التى تحدثت عن دوره فى اجتياح غزة وحصارها.
(2) خلال السنوات الماضية، بل منذ عصر السادات الذى وقع معاهدة السلام مع اسرائيل جرى الترويج لأمرين، أولهما أن العدو هو ايران وليس اسرائىل، ،والثانى أن الفلسطينيين لا يضمرون خيرا لمصر، ويرغبون فى التمدد فى شبه جزيرة سيناء.
كنت افهم أن تلح اسرائيل على اقناع المصريين بأنه بعد معاهدة «السلام» فلم تعد لها مشكلة معهم، وأن مشكلتهم صارت مع إيران الشيعية والطامعة فى الخليج، لكننى لم افهم أن يردد الاعلام المصرى هذا الكلام رغم انه لا توجد مشكلة حقيقية بين مصر وإيران. ورغم ان المشكلة الحقيقية التى تهدد امن مصر القومى هى ما تمثله اسرائىل فى المنطقة، ولكن مقتضيات الشراكة والتواطؤ أيضا اقحمت مصر فى المعسكر المخاصم لإيران، حتى كانت القاهرة فى الثمانينيات مقرا لاثنتين من الاذاعات الموجهة ضد الثورة الإسلامية، وظلت مصر عضوا فى معسكر الخصومة مع ايران التى اقامت علاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم، فى حين قاطعتها ثلاث دول فقط هى الولايات المتحدة واسرائيل ومصر! وفى حين اقامت دول الخليج جميعها علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران التى يفترض انها طامعة فى اراضيها، فإن مصر لم يسمح لها بذلك رغم انه لا توجد ازمة اطماع لإيران فيها. توتير العلاقة مع الفلسطينيين بعد معاهدة السلام لا تخلو من مفارقة، كأن المعاهدة حولت الاعداء الى اصدقاء والاشقاء إلى اعداء، وقد بات ميسورا على الافواج الاسرائىلية أن تزور مصر التى يدخلها الامريكيون بلا تأشيرة، أما دخول الفلسطينيين فهو بمثابة رحلة عذاب كثيرا ما تنتهى بالفشل وخيبة الامل، وما يحدث فى معبر رفح يجسد تلك المعاناة التى لا تفسر الا بكونها من اصداء الشراكة والتواطؤ مع الاسرائيليين التى لا علاقة لها باستحقاقات معاهدة السلام. فى هذا السياق يروج البعض لشائعة رغبة الفلسطينيين فى التمدد فى سيناء، وهو ما يدهش النخبة الفلسطينية التى تعتبر أن الاسرائيليين هم من اطلقوا الشائعة وسعوا الى الترويج لها، وهو ما علق عليه الباحث والقيادى الفلسطينى عبدالقادر ياسين بقوله إن سيناء كانت تحت الاحتلال الاسرائيلى طوال عشرين عاما، ولو كانت لدى الفلسطينيين فكرة للتمدد فى اراضيها لكانت تلك فرصتهم التاريخية التى لاشك أن الاسرائىليين كانوا سيرحبون بها، لكنهم لم يفعلوها..
وأضاف أن اهل غزة حين اجتازوا الحدود فى عام 2008 ودخلوا الى رفح والعريش، فإنهم لجأوا الى ذلك ضيقا بالحصار وسعيا لتوفير احتياجاتهم ولم يخطر على بالهم شىء اكثر من ذلك، بدليل انهم استوفوا حاجياتهم ثم عادوا ثانية الى القطاع. لم يعد سرا أن بعض الابواق الاعلامية والجهات الامنية ضالعة فى حملة تشويه الفلسطينيين والايقاع بينهم وبين جماهير الشعب المصرى. فقد نشرت الصحف المصرية قبل اسابيع قليلة انه تم إلقاء القبض على 13 «إرهابيا» من حماس تسللوا الى مصر لإحداث اضطرابات فيها، وحقيقة الامر أن هولاء كانوا مجموعة من الفلسطينيين الذين انتهت مدة اقامتهم فى مصر، فقفلوا راجعين الى غزة، وعند منطقة كوبرى «الفردان» ألقى القبض عليهم، واودعوا احد السجون. وبعد 18 يوما اطلق سراحهم بعدما تبين انهم لا علاقة لهم بحماس وان بعضهم من أعضاء حركة فتح. وهو ما يثير أكثر من سؤال حول الهدف من تسريب الخبر بالصورة التى نشر بها واتهامهم بأنهم «إرهابيون» تماما كما تتحدث الصحف الاسرائىلية عن الفلسطينيين.
تتصل بذلك الشائعات غير البريئة التى تحدثت عن مساهمة عناصر من حماس فى التظاهرات التى انطلقت بعد الثورة واشتراكهم فى قتل بعض المتظاهرين وهى الاكذوبة التى اطلقها بعض مسئولى الامن للإيحاء بأن عناصر خارجية هى التى أشعلت الموقف وتسببت فى قتل المتظاهرين لتبرئة ساحة الشرطة وقناصتها.
كثيرة هى القرائن الدالة على تعميق الفجوة بين المصريين والفلسطينيين واشاعة ثقافة الحساسية ازاءهم والنفور منهم، لكى يصب ذلك فى صالح زيادة رصيد «الاصدقاء» الاسرائيليين.
(3) معهم حق الاسرائيليون حين وصفوا الرئيس السابق بأنه «كنز استراتيجى» لهم. ذلك انه فى ظل معاهدة السلام ألحقت مصر بالقاطرة الاسرائيلية، ووقفت ضد المقاومة وتعاملت مع الفلسطينيين بدرجات مختلفة من الاستياء والنفور. وصارت فى نهاية المطاف ظهيرا للإسرائيليين بأكثر منها عونا للفلسطينيين. فى مقابل ذلك استعلى الإسرائيليون وضربوا بالمعاهدة وكل اتفاقات السلام عرض الحائط. وكان ذلك أوضح ما يكون فى أمرين هما:
* اندفعت إسرائيل منذ عام 2002 فى بناء سور الفصل العنصرى الذى يبتلع نحو 25٪ من أراضى الضفة الغربية.
وسارعت فى تنفيذ المشروعات الاستيطانية حتى بلغ عدد المستوطنين فى الضفة ـ عدا شرقى القدس ـ نحو 343 ألف مستوطن. أما فى شرقى القدس فهناك 200 ألف مستوطن. وحسب التقرير الاستراتيجى الفلسطينى لعام 2011 فإنه خلال ذلك العام وحده كانت هناك 3500 وحدة استيطانية فى طور البناء أو تحت التشييد، كما أقيمت 142 مستعمرة وبؤرة استيطانية فى الضفة الغربية. وسجل التقرير أنه خلال ذلك العام تم هدم 200 مسكن وتهديد أكثر من 500 مسكن آخر بالهدم فى الضفة الغربية. وبلغت مساحة الأراضى المعتدى عليها بالمصادرة نحو 11 ألف دونم إضافة إلى تجريف وحرق وتخريب ما يزيد على 2000 دونم أخرى، كما تم الإضرار بما يزيد على 20 ألف شجرة، 50٪ منها تم اقتلاعها أو حرقها بالكامل. إلى غير ذلك من التفاصيل التى ترسم صورة بشعة للعربدة ونهم الاستيطان والتهويد ومحو كل أثر للفلسطينيين على أرض بلادهم.
* أجهضت إسرائيل مشروع حل الدولتين الذى تم تخدير العرب به منذ عام 1988 حين أعلنت القيادة الفلسطينية انحيازها الاستراتيجى إلى جانبه. الأمر الذى يعنى نسف فكرة الدولة الفلسطينية التى مازالت تدغدغ مشاعر الجميع ويلوح بها فى مختلف المحافل الدولية.
فى هذا المعنى نشرت مجلة «فورين بوليسى» عدد 12/7/2012 مقالا لها للبروفيسور ستيفن م.والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، دلل فيه على أن حلم الدولة الفلسطينية صار بعيد المنال ونقل عن عكيف إلدار المحرر الرئيسى لصحيفة هاآرتس قوله إن حل الدولتين فى أفضل أحواله أصبح فى غرفة الإنعاش، ومن غير المرجح أن يخرج منها يوما ما. كما نقل كلاما أكثر صراحة على لسان مساعد نتنياهو السابق مايكل فروند قال فيه «إن الخط الأخضر ـ حدود ما قبل 1968 التى يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية الموعودة، مات ودفن ولم يعد له أى معنى سياسى أو غيره».
أضاف أن الشعب الإسرائيلى وجد فى يهودا والسامرة «الضفة الغربية» لكى يبقى. وعلق البرفيسور والت على ذلك بقوله إن ما يجرى الآن فى الأرض المحتلة هو تطهير عرقى. وبدلا من أن يتم طرد الفلسطينيين بالقوة على غرار ما جرى عام 1948، فالسياسة المتبعة الآن هى مواصلة الضغط على الفلسطينيين ليصبح استمرارهم مستحيلا فى بلادهم، الأمر الذى يضطرهم إلى المغادرة تدريجيا برضاهم.
(4) لسنا فى وارد الحديث عن معاهدة السلام الآن. التى نعلم أن استمرارها يشكل محور وجوهر السياسة الأمريكية، فضلا عن أن فتح ذلك الملف يتطلب توافر شروط معينة فى موازين قوة أطراف المعاهدة، وتلك الشروط ليست متوفرة فى الوقت الراهن.
لكن دول الربيع العربى وفى مقدمتها مصر مطالبة بأن تنتهج سياسة تجاه إسرائيل مغايرة لتلك التى اتبعتها الأنظمة التى أسقطتها. فكرامتها الوطنية التى استردتها تفرض عليها أن تخرج من نادى الشراكة والتواطؤ مع إسرائيل ضد الفلسطينيين.
كما أن تلك الدول مدعوة لأن تعيد النظر فى نهج التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم أشقاء لهم الحق فى الكرامة والاحترام. إلا أن الدكتور موسى أبومرزوق نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس يذهب إلى أبعد، حيث يطالب دول الربيع العربى بوضع نظرية جديدة للتعامل مع إسرائيل بعد انهيار مشروع التسوية السياسية باعتراف الرئيس محمود عباس.
وبعد إجهاض مشروع الدولتين كما اعترف بذلك الإسرائيليون. الأمر الذى يستدعى سحب المبادرة العربية التى أعلنتها القمة العربية فى بيروت عام 2002.
وإذا أضفنا إلى ذلك سقوط فكرة محور الاعتدال الذى كان النظام المصرى السابق بمثابة الرافعة الأساسية له، فإن هذه الخلفية تستدعى إعادة النظر فيما تبقى من خيارات شريفة لمواجهة الاحتلال، تنتزع الحق وتحفظ الكرامة وتصحح أخطاء التاريخ.
فهمي هويدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق