الخميس، 28 يونيو 2012

بعد انتهاء الفرح والزهو بالانتصار، الآن يأتى وقت النقد الذاتى


غـــرور السلطـــــة 
 نرجو أن تكون الجماعة قد تعلمت من أخطائها التاريخية والحالية. 
وتتجاوز نفسية السجين إلى العمل الوطنى،
 تعمل مع الآخرين وليس بمعزل عنهم أو ضدهم.


فقد كانت نتيجة انتخابات الإعادة متقاربة، وكان يمكن بمزيد من التزوير الناعم تغيير هذه النسبة البسيطة ٣% من مرشح الجماعة إلى مرشح الفلول، بالطعن فى النتائج، واللجوء إلى القضاء، خاصة أن جهاز الدولة مازال مع مرشح الفلول، وهوى المجلس العسكرى معه وليس مع مرشح الجماعة. فالعسكرى يدين بالولاء للعسكرى مهما كانت نتائج الديمقراطية معه أو ضده. 
وكثير من الأصوات التى ذهبت لصالح مرشح الجماعة لم تكن حبا فى الجماعة ولكن كراهية للفلول أو رفضا للمقاطعة أو إبطال الصوت حتى لا يكون ذلك فى صالح مرشح الفلول الذى يجند كل ما يستطيع من أصوات لصالحه. وأول تساؤل حول النتيجة هو لِمَ لم تصوّت محافظة القاهرة لمرشح الجماعة وهى أكبر المحافظات؟ هل لأن بها أكبر قدر من المتعلمين والمثقفين والأدباء والفنانين الذين مازالوا يتخوفون من التيار الدينى، رابطين بينه وبين القهر والمنع وتقييد الحريات الضرورية للإبداع؟ 
ولماذا لم تصوت محافظة الغربية وبها المحلة الكبرى، عاصمة الغزل والنسيج وقد كان عمالها من أوائل الثوار ضد النظام السابق ومن داخلها تكونت حركة ٦ إبريل، وكان أول الشهداء منها؟ صحيح أن الجيزة والإسكندرية عوضتا القاهرة ولكن يظل التساؤل قائما: ألا تحتاج الجماعة إلى مزيد من الحوار مع المثقفين حول الحرية، ومع العمال حول الحقوق؟ 
 والأهم الآن هو التعلم من تاريخ الممارسة السياسية على مدى عام ونصف، وعدم الوقوع فى الأخطاء السابقة. 
 وقد كان إحساس الناس أنه لو نجح مرشح الفلول فإن الفضل فى ذلك يرجع إلى أخطاء الجماعة أولا التى كرّهت الناس فيهم. وهى ليست أخطاء عن قصد بل هى قصر نظر فى الممارسة السياسية التى يمكن تجاوزها بمزيد من الخبرة. ويمكن إيجاز هذه الأخطاء فى سبعة: 
 ١- لم يكن الأداء للنواب فى مجلس الشعب جديرا بالتقدير: صراخ، مقاطعة، موضوعات ليست لها الأولوية. 
وأكدت إذاعة الجلسات على الهواء هذا الانطباع كل يوم، ربما لنقص فى الخبرة السياسية أو طلبا للشهرة أو حبا للزعامة. وتحملت الجماعة وزر سلوك بعض النواب مثل من قام برفع الأذان فى المجلس أو من كذب لتبرير التغييرات فى وجهه من التجميل إلى العدوان أو من ضبط مع فتاة فى عربة فى وضع غير أخلاقى أو فى بعض المعاملات المالية. 
 ٢- الرغبة فى الاستحواذ على كل شىء كرد فعل على نفسية السجين، من اللاشىء إلى كل شىء، ومن السجين إلى السجان، ومن المقهور إلى القاهر، ومن المحكوم إلى الحاكم. فأخذت الجماعة الأغلبية فى مجلس الشعب ثم فى مجلس الشورى ثم فى اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ثم الرئاسة. والطريق قادم إلى المجالس المحلية والاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى. فهى الأكثر تنظيما وتجنيدا للشعب، والأكثر تعاطفا من الشعب بعد أن عذبت واعتقلت على مدى ستين عاما. وقد اتحدت بالإسلام، والإسلام مازال هو الموجه الأول فى الثقافة الشعبية أكثر من الأيديولوجيات العلمانية للتحديث: الليبرالية، والقومية، والاشتراكية، والماركسية التى تجذب النخبة. والسلطة أكثر إغراء. كل سلطة يتم الاستحواذ عليها تطلب المزيد: من بعض مقاعد مجلس الشعب إلى كله، من الامتناع عن ترشيح أحد للرئاسة إلى ترشيح أحدهم واحتياطى له وقد أصبح رئيس الجمهورية القادم. وبدلا من أن يكونوا قوة سياسية فى الدولة أصبحت الدولة قوة سياسية منهم. 
 ٣- نسيان فرقاء النضال، وعمل الجماعة بمفردها. شاركت فى الثورة بصرف النظر عن متى، فى أولها أم فى منتصفها أم عندما قاربت على النجاح. ثم عملت بعد ذلك بمفردها فى تأييد التعديل الدستورى الأول. فشق صف العمل الوطنى. وبدأت فرق اليسار تهاجم الجماعة، ونسى الطرفان الأرضية المشتركة والأهداف الواحدة التى يعملون من أجلها. فمازالت السلطة بعيدة. 
ولا يستطيع أن يستحوذ عليها فريق واحد. ظلت فى يد المجلس العسكرى مهما كان هناك من ديكور ديمقراطى انتخابى لمجالس نيابية. 
 ٤- الانتهازية السياسية وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. لم تنضم إلى لجنة الطلبة والعمال فى ١٩٤٦ بل غازلت القصر، وقتئذ، خوفا من الاضطهاد. وغازلت رئيس الجمهورية الثانية لاتحاد المصالح فى الهجوم على الناصريين واليسار. ثم انقلبت عليه بعد كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. لا تستطيع أن تكون بوتقة للنضال الوطنى أو رأس رمح له. انعكست عزلة السجن على العمل السياسى. ولم يكن الوقت كافيا للتحول من «المحظورة» إلى «الشرعية» على المستوى النفسى والعمل السياسى الطبيعى. 
 ٥- سيطرة الاتجاه المحافظ على الجماعة واستبعاد كل تطور طبيعى لبعض أجنحة اليسار الليبرالى فيها مما جعل الحركة باستمرار نحو اليمين، لذلك مازالت صورة الجماعة المنع والقهر والتحريم والقمع والعقاب وتكفير المخالفين، كل ذلك باسم الدين حتى شوهت صورتهم وصورة الدين فى مقولات الدولة الدينية والخلافة والحدود. وكان التطور نحو اليسار جزاؤه الفصل أو الخروج الطوعى، فسيطر اليمين على الجماعة، واتجه الوسط نحو اليمين طالما كان التطور نحو اليسار مسدودا. 
 ٦- اعتماد الجماعة لاشعوريا على الموروث الثقافى الذى يعطى القمة أكثر مما يعطى القاعدة مثل «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، والذى مازال يرى أن هناك فرقة واحدة ناجية تمثلها الجماعة، والأخرى ضالة هالكة. 
ومازالت روح «معالم على الطريق» هى المسيطرة فى الصراع بين الإسلام والجاهلية، بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل، واستحالة أن يتعايش الطرفان، وضرورة قضاء طرف على آخر بفضل جيل قرآنى فريد، ونخبة مؤمنة طاهرة تبغى الشهادة. مازال الناس متخوفين من مثل هذا الفكر الاستبعادى الذى لا يساوى بين مجموع المواطنين فى الحقوق والواجبات. مازال الناس يتخوفون من تكفير العلمانية والعقلانية والليبرالية والدولة المدنية. والقتل هو جزاء الكافر والمرتد. 
 ٧- ويؤدى غرور السلطة إلى الصدام مع باقى السلطات فى المجتمع، وعلى رأسها سلطة المؤسسة العسكرية، حين تصبح المؤسسة الدينية جزءا من الدولة. أما سلطة القضاء فإنها تخضع أحيانا للمواءمات السياسية مثل إبطال دستورية مجلس الشعب، وإلغاء قانون العزل السياسى، والتعديل الدستورى الأول، وقد ألغى المجلس العسكرى اللجنة التأسيسية المنتخبة لوضع الدستور ووضع لجنة تأسيسية أخرى. فالقوات المسلحة هى العمود الفقرى للدولة، والحريصة على الأمن والاستقرار الداخلى، والحافظة للأمن القومى فى مصر الحديثة منذ محمد على حتى عبدالناصر. والجيش هو عماد التحديث والتنمية وليس فقط المدافع عن الأمن القومى. مهمته مدنية وعسكرية فى آن واحد. البديل إذن عن غرور السلطة هو التواضع الشعبى، والاجتهاد مع فرق النضال، والتعبير عن وجهة نظر فى مقابل وجهات نظر أخرى. السلطة للشعب. لم يكن الأفغانى فى السلطة، وأراد الإنجليز تعيينه ملكاً على السودان فرفض، وكان له أبلغ الأثر فى الحركة الوطنية لالتحامه بالشعب وقواه. فالسلطة من أسفل وليست من أعلى. وقد قامت معظم الثورات من أسفل بفضل التنظيمات الشعبية ضد السلطة من أعلى. وإذا تغيرت السلطة بسلطة أخرى من أعلى فذلك انقلاب وليس ثورة. والسلطة من أسفل بطبيعتها ائتلافية لأنها تجميع لقوى الشعب المتعددة. وقد كانت معظم الثورات الوطنية فى الجزائر وفيتنام وكوبا وإيران ثورات ائتلافية تجمع الوطنيين والماركسيين والإصلاحيين والإسلاميين الثوريين. 
 نرجو أن تكون الجماعة قد تعلمت من أخطائها التاريخية والحالية. وتتجاوز نفسية السجين إلى العمل الوطنى، تعمل مع الآخرين وليس بمعزل عنهم أو ضدهم. الإسلام بوتقة واسعة يستطيع أن ينصهر فيها الليبراليون والقوميون والاشتراكيون والماركسيون. هكذا بدأ الإسلام بالتوحيد بين الأوس والخزرج، بين المهاجرين والأنصار. يجمع بين القبائل، عندما تمسك كل قبيلة بطرف العباءة لوضع الحجر الأسود عليها لإعادة وضعه فى مكانه بدلا من الاقتتال بين القبائل. الإسلام مجموعة من المبادئ الإنسانية العامة فى مقدمتها العدل ضد الظلم، المبدأ الذى قام عليه حلف الفضول والذى لو كان الرسول حاضرا لكان أحد الموقعين عليه. .

ليست هناك تعليقات: