الخميس، 28 يونيو 2012

اتفاقية سايكس بيكو ثانية لاقتسام ثروات العرب القديم


هل فعلا أفرز «الربيع العربي» تهديدا إرهابيا جديدا؟  مؤشرات كثيرة تشير إلى أن اللعاب يسيل الآن على كعكة النفط الجزائري.



في محاضرة لجوناثان ايفينس، المدير العام للجهاز البريطاني لمكافحة التجسس "أم آي ـ 5" الاثنين الماضي في لندن، قال فيها إن الفوضى التي خلفها انهيار الأنظمة التي أطاحت بها "انتفاضات" ما يسمى "الربيع العربي" خلق "مناخًا متسامحًا" لتنظيم القاعدة، مؤكدًا أن جهازه يمتلك أدلة عن "مرشحين بريطانيين للجهاد" قاموا برحلات إلى الخارج سعيًا لتدريبات والقيام بأعمال قتالية، "بعضهم يعودون إلى المملكة المتحدة ويشكلون تهديدًا هنا بالذات"، مضيفًا أن الأمر يتعلق بـ"تطور جديد ومقلق وقد يتفاقم أيضًا". إن مثل هذه التصريحات والاستنتاجات بالنظر إلى التعامل الغربي بصورة عامة والتعامل البريطاني نفسه بصورة خاصة مع فوضى ما يسمى "الربيع العربي"، تضع علامات استفهام كثيرة من بينها عنوان المقال، فرغم أن واقع الحال يؤكد ما استنتجه جوناثان، وأن ما يجري في حقيقة الأمر هو موسم حصاد بجني ثمار ما يسمى "الربيع العربي"؛ من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الذين في مقدمتهم الكيان الإسرائيلي المحتل، ولكن ما ذهب إليه الجهاز البريطاني لمكافحة التجسس لا ينفي، بل يؤكد الحقائق التالية: 
أولًا: إن تنظيم القاعدة تاريخيًّا معروف عنه أنه صناعة أمريكية شكلت نواته الولايات المتحدة لمجابهة غريمها الاتحاد السوفييتي السابق لاستنزاف قدراته في أفغانستان، وقد شجعت الكثير من المقاتلين العرب تحت اسم "الجهاد" ونيل الشهادة والفوز بالجنة، ومنذ خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وإلى اليوم أخذ التنظيم يقوى ويتوسع انتشاره، فكل عملياته التي قام بها تؤكد أنه لا يزال الذراع الأمريكية التي تحركها واشنطن في أي اتجاه تريد لتحقيق هدف ما تريده، والأدلة على ذلك كثيرة، ولعل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما سبقها من استعدادات وإعدادات وما تلاها من نتائج أبرز دليل، فضلًا عن وجود التنظيم في المكان الذي يتجه إليه مستشارون أمريكيون أو أعضاء في الـ"سي آي إيه"، وغيرها من الأدلة التي لا يتسع المقام لذكرها. 
ثانيًا: إن القوى الغربية التي تتباكى كذبًا وتذرف دموع التماسيح بسبب زيادة عناصر تنظيم القاعدة وازدياد رقعة انتشاره، هي من سهلت وحرضت وشجعت على ذلك، فهي من أعطت الضوء الأخضر للتجنيد في ليبيا لمقاتلة كتائب القذافي، حيث وجد مقاتلو القاعدة فرصة المشاركة وقيادة العمليات، وهناك تمكَّن التنظيم من تجنيد الكثير من العناصر والاستيلاء على الكثير من الأسلحة، ولعل ما يجري في مالي المجاورة لليبيا أبرز دليل. 
كما أصبح لتنظيم القاعدة الفضل بسبب التحريض والتشجيع الغربي في مد المعارضة السورية المسلحة بالسلاح، وتسهيل دخول عناصر التنظيم إلى سوريا لقتل المدنيين السوريين واستهداف قوات حفظ النظام، وإلصاق تهمة القتل بالحكومة السورية وبقواتها.
 ثالثًا: إن ما يجري في الوطن العربي هو ما أكده الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل أن الوطن العربي يشهد اتفاقية سايكس بيكو ثانية تقوم على اقتسام الثروات بين دول الاستعمار القديم- الجديد، وتعد كعكة النفط الليبي أحد أقوى الأدلة على ذلك، فنصيب بريطانيا من الكعكة هو "20 بالمئة" تضاف إلى نصيبها من الكعكة العراقية المقدرة بـ"10 بالمئة"، إلى جانب رفاق درب الاستعمار الجديد "فرنسا 30 بالمئة، إيطاليا 10 بالمئة"، وهناك مؤشرات كثيرة تشير إلى أن اللعاب يسيل الآن على كعكة النفط الجزائري. أما بالنسبة لسوريا، فصحيح أنها لا تملك ثروات نفطية وغازية، إلا أن تغيير نظام الحكم فيها بحكم موقفه الداعم لقوى المقاومة والمضادة للاحتلال الإسرائيلي، وبحكم العقيدة القومية والنزعة العروبية للجيش السوري، أمر يفرضه التوجه الغربي القائم على ضرورة تمكين الكيان الإسرائيلي المحتل في المنطقة وضمان بقائه القوة الوحيدة، ولذلك فالعمل جارٍ لفتح الطرق للإتيان بالقوى التي يمكن أن تضمن للغرب عامة والولايات المتحدة خاصة الأهداف المتوخاة.!!!!!!!!!!! فضلًا عن أن الكيان الإسرائيلي المحتل منذ بدء "الربيع العربي" لم يتوقف عن جني ثماره "آلة استيطان تقضم وتهضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية، آلة قتل وحشية تواصل إبادتها للشعب الفلسطيني، تهويد مستمر للقدس المحتلة، حصار وعدوان على غزة لم يتوقفا، سلطة فلسطينية تمارس دور الشرطي لحماية قطعان المستوطنين في الضفة". 
 ترى ماذا يقول جوناثان ايفينس عن دور بلاده المحرض للتدخل العسكري في سوريا ووضع طائرات مقاتلة لمساعدة تركيا إذا ما حاولت الاعتداء على سوريا بزعم الانتقام من دمشق على إسقاط طائرتها؟
وما رده على مشاركة جهاز الأمن الخارجي البريطاني "إم آي 6" ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في الإشراف على تهريب الأسلحة داخل سوريا، وإيصالها إلى الجماعات المسلحة بما فيها تنظيم القاعدة؟ ولماذا لم يأتِ على ذكر هذا الدور؟ في تقديري، بغض النظر عن مدى مطابقة ما استنتجه المدير العام للجهاز البريطاني لمكافحة التجسس "أم آي ـ 5" للواقع أو مخالفته، فإن كل ذلك يبقى نتيجة للسياسة الغربية ذات الطبيعة الاستعمارية، وللأسف التي تجد من العرب من يهيئ لها الأرضية الخصبة للبقاء والانتشار والتمدد. الحقيقة المؤكدة أن الغرب وحليفه الاحتلال الإسرائيلي يتمنيان استمرار ما يسمى "الربيع العربي"، وسيعمل على ذلك، فهو موسم قدم له المنطقة كلها على طبق من ذهب.


ليست هناك تعليقات: