الأربعاء، 30 مايو 2012

ميادين الجهاد في داخل المجتمع ومراتبه .. فيديو


جهاد الظلم والفساد في الداخل مقدم على جهاد الكفر في الخارج  
يقاوَم ويجاهَد، بما يقدر عليه الإنسان من اليد، واللسان، والقلب



أفرد فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي الباب الثاني من كتابه فقه الجهاد للحديث عن أنواع الجهاد ومراتبه. وقد قسمه إلى سبعة فصول، وهي:
بين الجهاد والقتال، ومرتبة جهاد النفس، ومرتبة جهاد الشيطان، ومرتبة جهاد الظلم والمنكر في الداخل، ومواقف الناس أمام جهاد الداخل، ومرتبة جهاد اللسان والبيان (الجهاد الدعوي والإعلامي)، ومرتبة الجهاد المدني، ومرتبة الجهاد العسكري، أو (تطور الجهاد من الدعوة إلى القتال). في دلالة لفظة "الجهاد" ففي أول هذه الفصول يؤكد على حقيقة ذكرها من قبل، وهي أن الجهاد أعم وأشمل من القتال، ويؤكد على هذا بذكر آيات كريمات من القرآن المكي الذي نزل ولم يكن ثمّ جهاد في هذا الوقت. ويقول الشيخ : ومن الدلائل على أن الجهاد غير القتال:
أن الجهاد ذُكر في آيات القرآن المكي، قبل أن يشرع القتال في المدينة. ومن الآيات التي ذكرت الجهاد في القرآن المكي: قوله تعالى في سورة النحل: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:110]. وليست هذه الآية الوحيدة في سورة النحل، التي ذكرت الهجرة والمهاجرين، فقد جاء ذلك في آية أخرى سبقت في السورة، هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:42،41]. ومن الدلائل على أن (الجهاد) لا يعني (القتال) دائما: قوله تعالى لرسوله في آيتين من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73، التحريم:9].
 في مراتب الجهاد ثم ينقل الشيخ القرضاوي عن ابن القيم ـ رحمه الله ـ كيف توسع في مراتب الجهاد، ولم يجعله محصورا في القتال وحده، فقال:"لَمَّا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذُِّروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلِّها: فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب والجَنان، والدعوة والبيان، والسيف والسنان. وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده. ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا"، ويوضح الإمام ابن القيم ببيانه المشرق، الموثق بأدلة الشرع: مراتب الجهاد، التي أوصلها إلى ثلاث عشرة مرتبة، فيقول رحمه الله: (إذا عُرِف هذا، فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
وجهاد النفس أربع مراتب:إحداهــــــا:
أن يجاهدها على تعلُّم الهدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه، شقيت في الدارين. والثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّد العلم بلا عمل إن لم يضرَّها لم ينفعها. أما الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه مَن لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجِّيه من عذاب الله. والرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحقُّ أن يُسمَّى (ربانيا) حتى يعرف الحق، ويعمل به، ويعلمه، فمَن علم وعمل وعلَّم، فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
وجهاد الشيطان مرتبتان:
إحداهما: جهاده على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان. أما الثانية: جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات. وجهاد الكفار والمنافقين أربع مراتب: وأما جهاد الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس. وجهاد الكفار أخصُّ باليد، وجهاد المنافقين أخصُّ باللسان. وجهاد الظلمة والفسّاق ثلاث مراتب: أما جهاد أرباب الظلم، والبدع، والمنكرات، فثلاث مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز، انتقل إلى اللسان، فإن عجز، جاهد بقلبه، فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و"مَن مات ولم يغزُ، ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق. وبعد أن يتحدث الشيخ عن مراتب جهاد النفس، وجهاد الشيطان، يصل إلى مرتبة جهاد الظلم والمنكر في الداخل فيقول: ومن مراتب الجهاد الذي جاء به الإسلام: مرتبة جهاد الشرِّ والفساد في الداخل. وهذا الجهاد في غاية الأهمية لحماية المجتمع من الضياع والانهيار والتفكُّك، لأن المجتمع المسلم له أسس ومقوِّمات وخصائص تميِّزه وتشخِّصه، فإذا ضُيِّعت أو نُسيت أو حُوربت هذه الأسس والمقوِّمات لم يبقَ مجتمعا مسلما.
ميادين الجهاد في داخل المجتمع 
وهذا هو الجهاد الواجب في داخل المجتمع، وهو يشمل جملة ميادين. وقد رأى فضيلة الدكتور القرضاوي أن أهم هذه الميادين هو ميدان مقاومة الظلم والظالمين، والأخذ على أيديهم، وعدم الركون إليهم، كما قال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113].
والإسلام يطلب هنا من المسلم أمرين أساسيين: أولهما: ألا يظلم. وثانيهما: ألا يكون عونا لظالم، فإن أعوان الظالم معه في جهنم. ولهذا يَدين القرآن جنود الطغاة كما يَدين الطغاة أنفسهم، كما في قوله سبحانه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:8]، وقال عن فرعون: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص:40]، فاعتبر الطاغية والجنود جميعا من الظالمين، ونزلت نقمة الله فشملتهم جميعا، وأخذتهم جميعا بما قدمت أيديهم. وذلك أن الجبار المستكبر في الأرض لا ينفذ ظلمه بنفسه، ولكن بوساطة هذه الآلات البشرية التي يستخدمها في قهر العباد، وإفساد البلاد، وهي تكون له عادة أطوع من الخاتم في أصبعه! ..


وسواء كان الظلم من الأغنياء للفقراء، أم من الملاَّك للمستأجرين، أم من أرباب العمل للعمال، أم من القادة للجنود، أم من الرؤساء للمرؤوسين، أم من الرجال للنساء، أم من الكبار للصغار، أم من الحكام وأولي الأمر للرعية والشعوب، فكله حرام ومنكر يجب أن يقاوَم ويجاهَد، بما يقدر عليه الإنسان من اليد، واللسان، والقلب، كما جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". 

ليست هناك تعليقات: