الجمعة، 11 مايو 2012

سوزان مبارك وبراءة أحلام المراهقات وحلم أن تكون ممثلة سينما


سيدة الشاشة سوزان ثابت مبارك


ندين بالشكر إلى تلك الصدفة التى قادتنا إلى العثور على هذه الوثيقة المهمة المنشورة بجوار هذه السطور تماما مثلما تدين السيدة سوزان مبارك بشكر مضاعف إلى مصادفات أخرى أخذت بيدها ومستقبلها متخطية بها سقف أحلام الفتاة المراهقة ذات الخمسة عشر عاما التى توقفت عند حدود أن تكون مضيفة جوية أو راقصة باليه حتى عندما تخطت هذا السقف بعد عامين.. فإنه لم يتجاوز بسوزان حلم أن تكون ممثلة سينما ربما تفنى عشرات السنين من عمرها قبل أن يسبق اسمها على تترات الشاشة عبارة «بالاشتراك مع الممثلة القديرة سوزان ثابت».
 قبل أن يمر ربع قرن على هذه الأحلام المتواضعة التى لا تليق سوى بعموم وعوام المراهقات، تحولت الآنسة سوزان ثابت إلى السيدة سوزان مبارك سيدة القصر الأولى وشهبانو عرش مصر، ذلك العرش الذى هبط إليها وانحنى حتى تعتليه قبل أن يلقى بها وأسرتها بعد ثلاثين عاما إلى قيعان الحياة ولكن من غير صدفة هذه المرة .. اللهم لا تستدرجنا لما عملته فينا من شر بعروش حرام تنزعها منا الدنيا بغير رضا وأمنن علينا بمقعد حلال نبقى فوقه آمنين.. حتى نلقاك.
 يخطئ من يظن أن الغرض من هذا العرض والاستعراض السريعين لوثيقة نادرة تخص السيدة سوزان مبارك هو هجوم عليها أو محاولة للنيل منها، فالفن ليس سبة، بل هو معهد مقدس يخرج من أبوابه دعاة تنوير وإصلاح وربما لو كان لسوزان ما تمنت قبل 55 عاما والتحقت بالعمل الفنى لتغير مستقبلها ومستقبلنا جميعا معها ولوجدت فى نفسها المقدرة على كبح جماح أصدقاء ابنها وحاشيته الذين أوردوها ونحن جميعا معهم موارد الهلاك والفوضى ومنعوا عن المقاتل محمد حسنى مبارك أن ينهى حياته بشموخ وأن يموت بشرف تودعه دموع ودعوات كل المخلصين الذين يقدرون دوره فى الدفاع عن تراب هذا الوطن ويستحضرون دوره الشريف والمشرف طوال أكثر من عشر سنوات الأولى فى حكمه عاملا على الإصلاح قبل أن ينزلق إلى التستر على الفساد والسكوت عن المفسدين.. ليت كان لها ما تمنت عندما خرجت ذات صبح قائظ فى يوليو من عام 1957 من منزل أسرتها بمصر الجديدة فى خطى مهرولة لا يدانيها فى سرعتها سوى دقات قلبها وتتابع أحلامها مستقلة المترو متجهة إلى العقار رقم 71 شارع عماد الدين بوسط القاهرة حيث مقر شركة الصقر لإنتاج وتوزيع الأفلام السينمائية بعد أن قرأت قبل أيام إعلانا صغيرا من بضعة سطور يعلن فيه المخرج إلهامى حسن صاحب الشركة عن حاجته لوجوه جديدة، كان إلهامى -رحمه الله - واحدا من أنقى رجال جيل الوسط فى السينما المصرية، ولكنه لم يحصد نصيبا يذكر من الشهرة والنجاح خارج دائرة المؤرخين والأكاديميين، سافر إلى إنجلترا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لدراسة السينما والإخراج وعاد فى نهاية الأربعينيات - نفس توقيت عودة يوسف شاهين من أمريكا - ليقدم عددا محدودا من الأفلام كان أولها «إوعى تفكر» ويذكر للرجل أنه أول من اكتشف واستحضر وقدم لنا ساحرة الصوت فايزة أحمد قبل قرابة 60 عاما وقد كفل الستر الحالى للرجل أن ينزلق إلى أفلام السوق والمقاولات، حيث ينتمى إلى عائلة أرستقراطية من الشرقية تمت بصلة مصاهرة مع الأسرة العلوية، وقد أنهى الرجل حياته محاضرا أكاديميا فى العديد من المعاهد المتخصصة تاركا خلفه عددا لابأس به من المؤلفات المتخصصة شديدة الأهمية.
** عودة إلى الآنسة سوزان
التى تزاحمت مع عشرات الواقفين على باب الشركة لتحصل على طلب التقديم الخاص بها الذى لا ندرى هل كتبته بنفسها أم أملت بياناتها على موظف مختص بذلك، ذلك لتشابه الخط فى طلبها مع العديد من الطلبات الأخرى وإن كان من المؤكد أنها وقعت بنفسها على الطلب الذى كانت ببياناته المتعلقة بالاسم والسن هى «سوزان صالح ثابت» 17 سنة، أما عن الوظيفة والمؤهلات فقد كتبت «طالبة بمدرسة سانت كلير. تلميذة بالثانوى بمصر الجديدة، «فى حين قالت عن خبراتها والمعلومات العامة المتعلقة بها فى مجال الفن»:القيام بأدوار بفريق التمثيل المسرحى بالمدرسة وعضو بفريق الخطابة المدرسية.


 لغات أجنبية فرنسية وإنجليزية، نشاط رياضى وتصوير فوتوغرافى «وأخيرا وقبل أن توقع فقد كتبت أمام خانة متعلقة بالتزكية اسم شخص يدعى «الأستاذ أحمد وجدى من طرف أستاذ إلهامى» ولانستطيع أن نجزم على وجه الدقة من هو الأستاذ أحمد وجدى، ولكن يبدو أنه كان أحد معارف الأسرة الذى تربطه صلة ما بالمخرج إلهامى حسن.
 انتهت بيانات الطلب الذى حمل كما هائلا من براءة وأحلام المراهقات ذوات السبعة عشر ربيعا، حيث يحمل الغلاف الكرتونى للملف الذى يضم نحو عشرين طلبا رقم 6 من ملفات مشابهة مع تاريخ يوليو 57 بدون تحديد اليوم.
كانت سوزان مبارك فخورة أنها عضو بفريق التمثيل المسرحى وجمعية الخطابة بمدرستها الأجنبية الراقية وتتباهى أنها تعرف الإنجليزية ولغة أمها الأصلية - وقدراً من الفرنسية التى درستها وتحاول أن تدعم طلبها وحلمها بنشاطها فى الرياضة والتصوير الفوتوغرافى آملة أن تكون كل هذه الصفات شفيعا لها فى الحصول على فرصة الظهور على الشاشة، وربما لو كنا حسنى الحظ لتقدمت سوزان إلى شركة نشيطة ذات عمل واسع على العكس من شركة الصقر، ربما كانت تنجح حينذاك فى الظهور بالسينما مثلما سبقها عدد غير قليل من حكام مصر وأسرهم، حيث افتتحت الأميرة جويدان هانم التركية مطلقة الخديو عباس حلمى هذا الأمر عندما عملت فى بعض الأفلام الألمانية وهو ما أثار ضجة فى مصر وقتها باعتبارها وعلى الرغم من طلاقها من عباس حلمى الذى رحل عن الحكم، أميرة مصرية ثم اشترك الرئيس عبدالناصر فى مسرحية مدرسية قدمتها مدرسته - النهضة- على مسرح الأزبكية فى دور يوليوس قيصر وكذلك الرئيس السادات الذى كان له تجربة مطابقة لتجربة سوزان مبارك، حيث استجاب لإعلان نشرته شركة أفلام السيدة عزيزة أمير تطلب فيه وجوها جديدة وكان طلب السادات مبعث خلاف استراتيجى لم ينته بينه وبين الراحل الكبير محمود السعدنى الذى شهر بالسادات ليس بسبب طلبه العمل فى السينما، ولكن لأنه قال فى مؤهلاته وبدلا من خبراته فى جمعية الخطابة وفريق المسرح المدرسى كما فعلت سوزان، قال إنه بارع فى تقليد أصوات.. الحيوانات!
مبارك وسوزان من هوس التمثيل على الشاشة إلى التمثيل على الشعب
 أما آخر حكام مصر وأكثرهم التصاقا بسوزان وهو الرئيس مبارك فقد ظهر بدوره فى السينما فى فيلمين هما «وداع فى الفجر» مع كمال الشناوى وظهر فى لقطة كثر تداول المواقع الإلكترونية لها فى العامين الأخيرين.. وكذلك فى فيلم إسماعيل يس فى الطيران وكل هذا يؤكد من جديد أننا لا نحاول أن نهين الفتاة الحالمة سوزان ثابت ولا حتي أن ندين السيدة الأولي سوزان مبارك، بل كل ما فى الأمر أننا استرجعنا محطة مهمة فى حياتها لم يكن أحد يدرى عنها شيئا وما أكثر المحطات لو كان فى العمر بقية.

ليست هناك تعليقات: