الجمعة، 11 مايو 2012

أحداث العباسية والخلافات بين السلفيين والإخوان


 المفاجآت والأسرار التى كشفتها أحداث العباسية التى راح ضحيتها شباب فى الغالب لا يعرفون تفاصيل ما يحدث فى الغرف المغلقة!


 عاد نزيف الدم إلى الشوارع.. وعادت رائحة الغاز وأصوات القذائف وصرخات الضحايا.. وتابعنا ما حدث فى العباسية - الأسبوع الماضى - من اعتصام أولاد أبوإسماعيل الذى تحول إلى حرب شوارع وصفها البعض بالمجزرة.. وانتهى الأسبوع الدامى بالحشد لمليونية «النهاية».. ووسط صخب الأحداث كانت الأسئلة الحائرة تغطى على كل شىء.. وكانت الإجابة عنها تكشف بعض أسرار الإسلاميين وبعض ما يدور فى الغرف المغلقة.
 صحيح لماذا لم يساند السلفيون أولاد أبوإسماعيل فى اعتصامهم.. ولماذا اكتفى الإخوان بإصدار البيانات السياسية.. ولماذا فوجئنا بمشاركة بعض شباب الثورة فى أحداث العباسية.. وكان أغلبهم يشكون من تخلى الإسلاميين عنهم وقت الشدة.. فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرهما.. ولماذا وقفت أغلب القوى السياسية الليبرالية والإسلامية فى صف المجلس العسكرى.. بل طالب البعض منها بسرعة إنهاء الأزمة.. واكتفت أغلب هذه القوى بالإعلان عن مشاركتها فى مليونية جمعة النهاية بميدان التحرير.. وغالبا ما ستكون مليونية سياسية يعاد فيها طرح مطالب المحتجين من كل الفصائل.. والهدف منها فيما يبدو محاولة احتواء تداعيات أحداث العباسية المرشحة للانفجار من جديد.
 «هى إيه الحكاية».. سؤال سمعته كثيرا تعبيرا عن رغبة حقيقية لدى الناس لفهم ما يحدث.. والحكاية فيما يبدو وفقا لما فهمته من متابعتى لما يحدث.. ومن روايات بعض المقربين من قادة القوى السياسية.. مليئة بالأسرار.. والتفاهمات.. وبعض تفاصيل ما يدور فى الغرف المغلقة.. فمن الواضح أن أغلب التيارات الإسلامية كانت قد شاركت فى تفاهمات مع المجلس العسكرى عقب تنحى الرئيس السابق مبارك.. وذلك نظرا لحاجة كل منهما للآخر.. وساعد على ذلك تمتع جماعات الإسلام السياسى بالسيطرة على أفرادها وفقا لمبدأ السمع والطاعة.. بالإضافة إلى تمتع هذه الجماعات بالتواجد بين الجماهير.. بينما لم ينجح شباب الثورة فى توحيد صفوفهم أو التواجد بين الجماهير.. ومفهوم أن وجود هذه التفاهمات أمر لا يمنع الاختلاف فيما بينهما.. من هنا كان تخلى الإسلاميين عن فصائل شباب الثورة وقت الأزمات، مما سبب وقيعة بين الطرفين.. فقيادات شباب الثورة لن ينسوا للإخوان وبعض فصائل القوى الإسلامية انحيازهم ضد شباب الثورة خاصة مظاهرات يوم الجمعة 27/5/,2011 ويومها لم يكتف الإسلاميون بعدم المشاركة فى هذه المليونية.. وهذا شأنهم.. بل زادوا على ذلك بإصدار بيان اتهم القوى الثورية بالبلطجة والوقيعة بين المجلس العسكرى والشعب.. وكان هذا البيان من أعظم أخطائهم.
كما كشفت أحداث العباسية ضخامة الخلافات بين السلفيين والإخوان.. ففى الوقت الذى شهدت فيه الأسابيع القليلة الماضية اهتزاز العلاقة بين المجلس العسكرى والإخوان إلى درجة تبادل البيانات الحادة بين الطرفين.. ويرجع ذلك إلى إحساس الإخوان بأن هناك من يسعى لإظهارهم بمظهر العاجز المحتال.. الذى وعد الجماهير بالإنجازات ولم يحقق شيئا بعد أن نجح بأصواتهم.. لذلك طالب الإخوان بإقالة حكومة الجنزورى وسعوا للسيطرة على اللجنة الدستورية.. وقدموا مرشحا للرئاسة خلافا لما التزموا به.. وعندما فشلوا فى كل هذا عادوا لإرضاء المجلس العسكرى بأى شكل.. خصوصا بعد التلويح بحل البرلمان لعدم دستوريته.. ربما لذلك لم يظهر الإخوان فى أحداث العباسية إلا فى دور الواعظ الحكيم.. أو كما قال المرشد العام: «إن بين الجماعة والجيش شعرة لن تقطعها الجماعة»، ومن ناحية أخرى سعت بعض فصائل شباب الثورة للمشاركة فى أحداث العباسية لتأكيد موقفها المعارض لتيارات الإسلام السياسى التى تركت أولاد أبوإسماعيل وحدهم فى الميدان.. كما حدث معهم من قبل.. وأيضا لتأكيد معارضتهم أيضا لسياسات المجلس العسكرى.
 وكشفت أحداث أيضا.. أن علاقة المجلس العسكرى بالسلفيين أكثر قوة وتماسكا من علاقته بالإخوان بعد أن أثبت السلفيون أنهم أكثر استجابة للتعاون مع المجلس العسكرى سواء فيما يتعلق بإعادة تشكيل اللجنة الدستورية أو الإبقاء على حكومة الجنزورى أو غيرهما من القضايا.. مما دعا المجلس إلى الاتفاق مع السلفيين فى كثير من القضايا قبل عرضها على الإخوان.. بحيث لا يجد الإخوان مفرا من الموافقة عليها عندما تعرض عليهم.. ويرجع تأزم العلاقة بين الفصيلين الإسلاميين الأقوى إلى العديد من العوامل بعضها تكتيكى.. وبعضها فكرى.. وبعضها بسبب تباين المواقف والمصالح.. وكلها عوامل أدت إلى ضياع حلم الإخوان فى جعل السلفيين سندا وعمقا استراتيجيا لهم.. وظهر كل هذا واضحا فى تسابق الفصيلين الإسلاميين الأكبر على احتواء أحداث العباسية بكل الوسائل، مما أعطى انطباعا بأن مسرح العباسية يشهد دراما الصراع على السلطة والمناصب بشكل أو بآخر.
أما سبب عدم مساندة السلفيين لأولاد أبوإسماعيل فى اعتصامهم بالعباسية.. فيرجع لالتزامهم بعدم تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة.. وعندما فوجئوا بإعلان أبوإسماعيل ترشيح نفسه اضطروا لتأييده حتى لا يخسروا مؤيديه فى الشارع السلفى خاصة من الشباب.. عندما جاء قرار استبعاد الشاطر وأبوإسماعيل من الانتخابات الرئاسية وجد فيه السلفيون حلا لأزمتهم وتأكيدا لالتزامهم المسبق بعدم تقديم مرشح للرئاسة.. لكل هذا كان من الطبيعى ألا يساندوا أولاد أبوإسماعيل فى اعتصامهم بالعباسية. .. وهكذا تتوالى المفاجآت والأسرار التى كشفتها أحداث العباسية التى راح ضحيتها شباب فى الغالب لا يعرفون تفاصيل ما يحدث فى الغرف المغلقة!


ليست هناك تعليقات: