الثلاثاء، 15 مايو 2012

تبادل الاتهامات بالعمالة لأمن الدولة وجهاز أمن الدولة هو «الدولة» نفسها



حضرتك عميل أمن دولة 
جهاز أمن الدولة لم يكن جهازاً أمنياً تابعاً للدولة 
ولكنه كان هو «الدولة» نفسها 
فى السياسة وفى الحكم وفى كل شىء



فهم الفريق أحمد شفيق اللعبة السياسية بنفس المنطق الذى يلعب به من كانوا رموزا بالمعارضة فى الأمس، ثم صاروا صناع القرار السياسى، وحكام البلد بعد الثورة، فالفريق تعلم بسرعة أن تهمة العمالة لأمن الدولة هى اللغة التى يتكلم بها عادة أبناء التنظيمات السرية، عندما يقع بينهم الشقاق، أوتتفجر بين قياداتهم الخلافات السياسية، فأسهل وسائل تبرير الانشقاقات فى التنظيمات السرية، هو تبادل الاتهامات بالعمالة لأمن الدولة، المجموعة المنشقة تتهم قيادة التنظيم بالعمالة، والمجموعة الموالية لقيادة التنظيم، تتهم المجموعة المنشقة بالعمالة أيضا. فى العادة لا أحد يتحدث فى المضمون، فلا توجد قيادة سياسية تنظيمية يمكن أن تعترف بفشلها أمام مجموعة منشقة، وبالتالى يصبح من الأسهل اتهامها بالعمالة، ولا توجد قيادة منشقة يمكنها أن تفتح حوارا حول الخلافات السياسية، ومن ثم يكون الطريق الأقصر هو تخوين قيادة التنظيم، وأظن أن كل من عملوا فى الساحة السياسية بتنظيماتها السرية والعلنية، يعرفون هذه الظاهرة البائسة التى قضت على كل سبل التوافق، وأدت إلى تفتيت التنظيمات والأحزاب قبل الثورة، دون أن يكون لأمن الدولة أو ضباطها أى دور فى الانشقاقات.  «الفريق» فهم اللعبة، ووجه التهمة نفسها للنائب البرلمانى عصام سلطان فى رده على البلاغات التى قدمها سلطان للنيابة العامة ضد أحمد شفيق، لم يتمهل الفريق حتى يقول كلمته أمام النيابة فى طبيعة البلاغ، أو فى دقة ومصداقية المستندات التى قدمها سلطان، لكنه قرر أن يلعب بقواعد «التصنيف المبكر للخصم»، والضرب الاستباقى فى النوايا، والاغتيال الاحتياطى لاسم عصام سلطان، للرد على نشاط عصام سلطان المكثف فى مواجهة شفيق.  لم أكن أتمنى أن يلعب «الفريق» اللعبة نفسها التى كانت سببا فى ضرب كل المشروعات النضالية فى الحركة السياسية المصرية، وكانت عنواناً لمرحلة اللا حوار بين التيارات السياسية التى ربما ندفع ثمنها الآن، إذ لا أحد يتكلم فى المضمون، ولا أحد يرد على المعلومة بمعلومة، نحن نتراشق ونلجأ للتخوين المبكر، ولكننا لا نتكلم فى التفاصيل والمعلومات والوثائق والمستندات، الأسهل دائما أن تقتل خصمك بتهمة استباقية جاهزة، فهذا عميل لأمن الدولة، وهذا خائن، وهذا حليف للمخابرات، وذاك ممول من الخارج، وهؤلاء يتلقون تعليمات من المجلس العسكرى، الاتهامات الاستباقية والتخوين المبكر أولا، ثم لا شىء فى المضمون. لم أكن أحب أن يلعب «الفريق» بنفس المنطق، أو يتبنى نفس قواعد الضرب تحت الحزام، ولكننى أحب أن أؤكد لك معلومة ربما تغيب عن مئات الآلاف من الشباب الذين قاموا بالثورة ويتصورون، حلما، أن الدنيا كانت بريئة بنفس براءتهم، وطاهرة بنفس طهارتهم حين تحركوا يوم 25 يناير .. أقول لك يا أخى إن: أمن الدولة كان على علاقة مباشرة.. أكرر مباشرة، بكل من تراهم أنت على الساحة الآن، لا أحد كان بعيدا عن العلاقة مع هذا الجهاز، سياسيين، وإعلاميين، وإسلاميين، وليبراليين، ورجال أعمال، ورجال قبائل، ورجال عائلات، ورؤساء تحرير برامج فى الفضائيات، ورؤساء تحرير صحف خاصة ومستقلة، ونقابات ونقابيين، وعمال وعماليين، ولم يكن ذلك من قبيل العمالة، ولكن كان جهاز أمن الدولة يعمل كذراع سياسية للدولة، وكان الجهاز يعمل كواجهة للتفاوض باسم الحزب الوطنى أحيانا، وباسم الرئيس مبارك فى أحيان أخرى، أو باسم أجهزة أخرى لا تعلمها أنت من الأجهزة الأمنية الأعلى فى الترتيب داخل منظومة الحكم فى البلاد، وكان هذا «الكل السياسى» يتكلم أو يصرخ، أو يطلب، أو يفاوض، أو يهدد، فى مكاتب أمن الدولة . أمن الدولة كان حاضرا فى كل شىء، وفى أى شىء، وكل اللاعبين على الساحة كانوا يلعبون فى رحاب هذا الجهاز بطريقتهم الخاصة، كل له منهج فى التفاوض، أو المواجهة، أو الاشتباك، ولم تكن هناك خصومة دائمة أو صداقة دائمة، فالأهواء بين الطرفين، والمصالح بين الجانبين، كانت تحكم المشهد بين وقت وآخر، فجهاز أمن الدولة لم يكن جهازاً أمنياً تابعاً للدولة، ولكنه كان هو «الدولة» نفسها فى السياسة وفى الحكم وفى كل شىء ....


لا تصدق من يقسمون لك على غير ذلك.. فلا مجال هنا لاستعادة هذا النوع من الاتهامات الرخيصة أو الضرب تحت الحزام.. حرام .. لازم نتكلم شوية فى المضمون.
 مصر من وراء القصد.


خالد صلاح

ليست هناك تعليقات: