الجمعة، 27 يناير 2012

دماء الثوار سجادة الأمان لانتخابات البرلمان حصد الإخوان الأغلبية



الإخوان سعوا لإعلان وفاة الميادين وانتهاء القوى الثورية
بــ «الاحتفال بالثورة» عندما كان الآلاف
 في شوارع مصر يطالبون مبارك بالرحيل..
وكان المرشد يطالبه بالإصلاح!
 الجماعة فصلت عشرات الشباب من القيادات الميدانية 
خشية وصول الثورة إلى التنظيم نفسه


لماذا لم ينزل مرشد الإخوان إلى ميدان التحرير
.. لا أثناء الثورة ولا بعدها؟ ..
 «مواقف رمادية» تبناها الإخوان طوال 18 يوما للثورة
 الإخوان تركوا الثوار فريسة للعسكري 
 في أحداث محمـد محمــود ومجلس الـوزراء

دعوة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، إلى الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير، التى أطاحت بالرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومكّنت الإخوان من الجلوس على مقعد فتحى سرور فى البرلمان، كانت بمثابة الأمر الذى يجب أن يطاع، فنزل الآلاف من شباب وقواعد الجماعة فى المحافظات إلى ميدان التحرير، منذ مساء أول من أمس (الثلاثاء)، وشيدوا منصة ضخمة حماها من شباب الإخوان ما لا يقل عن ثلاثة آلاف.
وبطبيعة الحال، فإن القائد عندما يأمر جنوده، يُطاع على الفور، لا سيما إذا كان القائد هو مرشد الإخوان، والتابعون هم أعضاء الجماعة الأكثر تنظيما فى مصر. لكن القائد عندما يأمر يكون على رأس جنوده، إلا أن الدكتور بديع لم يكن على رأس هؤلاء الجنود، ولم ينزل إلى ميدان التحرير، لا فى هذا الحشد الذى جاء يحتفل بذكرى الثورة، ولا فى أى جمعة أو فاعلية انطلقت من التحرير، أو أىٍّ من ميادين مصر.
لم يخرج علينا الدكتور بديع، فى العام الماضى كله، عام الثورة، إلا بتصريحات صحفية، وكلمات رنانة، سواء فى أثناء الثورة، من مقره فى مكتب الإرشاد القديم فى منطقة منيل الروضة، أو بعد نجاحها، من قصره المشيد فى منطقة المقطم.
ولعل عدم مشاركة مرشد الإخوان فى الميدان تعبر عن مواقف الإخوان من الثورة والتيار الثورى والفكرة الثورية بشكل عام. فبعد قيام الثورة التونسية ونجاحها فى 14 يناير من العام الماضى بهروب الرئيس التونسى زين العابدين بن علِى دعت جماعة الإخوان المسلمين عددا من القوى السياسية فى مصر وصاغت ورقة مهمة بعنوان من أجل مصر قدمت فيها عشرة مطالب إصلاحية بين يدى النظام الحاكم لتهدئة حالة الاحتقان فى الشارع المصرى مطالبين بضرورة تنفيذ هذه المطالب على وجه السرعة حتى تتقى مصر ثورة شعبية ستكون أكثر ضراوة وأوسع أثرا مما حدث فى تونس -على حد وصفها- فى ذلك الحين.
وعندما انطلقت الدعوة لمظاهرات 25 يناير أعلنت الجماعة فى البداية عدم مشاركتها الرسمية فى هذه الاحتجاجات، وذلك على لسان الدكتور عصام العريان المتحدث باسم الجماعة حينها، قائلا: لن نشارك فى احتجاجات 25 يناير لأن الدعوة لتلك المظاهرة دعوة عامة خارجة من الفضاء الإلكترونى وبالتالى فهى موجهة إلى كل مواطن فى هذا المجتمع.. وإن أفراد الإخوان جزء من الشارع المصرى ولهم حق المشاركة من عدمه وفق ما يرونه ولكن فى الوقت ذاته لن تشارك الجماعة كقوة سياسية أو هيئة سياسية لأن المشاركة تحتاج إلى تخطيط واتفاق بين جميع القوى السياسية قبل النزول إلى الشارع.
ومع بداية يوم 25 يناير نزل عدد من نواب الجماعة فى برلمان 2010 على رأسهم العريان والدكتور محمد البلتاجى فى وقفة رمزية أمام دار القضاء العالى بعيدا عن تحركات الشباب التى بدأت فى هذا اليوم من إمبابة وشبرا وناهيا والتى كان من بين محركيها وقياداتها عدد من شباب الإخوان الذين فصلتهم الجماعة بعد فترة من نجاح الثورة.
ولما انطلقت شرارة الثورة فى يومى 26 و27 يناير أجرت قناة فرانس 24 مقابلة مع الدكتور بديع مرشد الجماعة، من مكتبه فى المنيل فى عصر 27 يناير قال فيها إنه يدعو مبارك للإصلاح والتغيير وإعادة إجراء انتخابات مجلس الشعب، فما كان من موفد القناة وقتها إلا مقاطعة المرشد قائلا له: إن الشارع الآن يطالب مبارك بالرحيل وأنتم ما زلتم تطالبونه بالإصلاح السياسى؟.
ودارت رحا الثورة الشعبية حتى بدأت الجماعة فى ضخ شبابها تدريجيا مع أواخر يناير وبداية فبراير ومشاركة هذا الشباب بقوة فى معركة الجمل يوم 2 فبراير، بينما يدور فى كواليس الجماعة شىء آخر يخشى من أن يعود نظام مبارك إلى قوته فيطيح بالجماعة، فطلبت قيادات من مكتب الإرشاد من القيادات الميدانية الانسحاب مساء يوم 2 فبراير، بينما واجه هذا الطلب السلبى عدد من القيادات الشابة الميدانية الحقيقية والتى شاركت فى الثورة دون تكليف أو أمر من المرشد حتى استطاعوا تغيير دفة هذا القرار السلبى ودفع هؤلاء الشباب ثمن هذه المواجهة بعد نجاح الثورة. حيث عندما تمكنت الجماعة قلّمت أظافرها وقطعت أصابعها بالإعلان بداية أن ليس لها ممثلون فى ائتلاف شباب الثورة الذى أسسه عدد من الشباب الفاعلين من التيارات المختلفة وكان بينهم آنذاك وما زالوا: محمد القصاص وإسلام لطفى وأحمد عبد الجواد وهانى محمود وعبد الرحمن هريدى، وعدد كبير من شباب الإخوان حتى انتهى الأمر بفصلهم من الجماعة نهائيا.
الإخوان ليس فى منهجهم الثورة، فالجماعة تقوم فلسفتها على منهج التغيير المتدرج لا المواجهة مع النظم. الجماعة أول ما وجدت طريقا للحوار للابتعاد عن النهج الثورى سلكته فورا، فحين دعا عمر سليمان الذى عينه المخلوع مبارك وقتها نائبا له، لحوار وطنى، لبّت الجماعة هى والأحزاب الكرتونية، ولم تزد نتائج هذا الحوار على وعود بإصلاحات سياسية جديدة بينما دماء الشهداء تسيل فى التحرير والسويس والإسكندرية وميادين مصر الثائرة.
مواقف الإخوان دومًا فى أثناء الثمانية عشر يوما للثورة وبقية العام الغاضب كانت مواقف رمادية، فمع بزوغ سلطة العسكر مالت الجماعة إليهم ورفضت السير وراء الظهير الثورى الذى رأى مبكرا فى المجلس العسكرى ديكتاتورا جديدا خلفا للمخلوع ورفضت الجماعة المشاركة فى أىًّ من المظاهرات التى تدعو لإسقاط المجلس العسكرى بل ساهمت الجماعة فى حملة تشويه الثائرين فى مظاهرة 27 مايو، وعندما نزلت الجماعة هى وعدد من الحركات والجماعة الإسلامية فى ما عرف بمظاهرات جمعة الهُوية فى 29 يوليو الماضى كانت عناصر الجماعة تهتف عنادا فى شباب الثورة الجيش والشعب إيد واحدة رغم أن الجماعة نزلت الشارع فى هذا اليوم رفضا لما حاول المجلس العسكرى فرضه من مبادئ فوق دستورية.
كل هذه الأحداث ولم ينزل مرشد الجماعة مرة واحدة إلى ميدان التحرير لا فرحا بثورة ولا طلبا لإصلاح ولا ضغطا على أحد.
ولما اشتدت المواجهة بين الثوار والمجلس العسكرى فى ما عُرف بأحداث ماسبيرو ومن بعدها محمد محمود وأخيرا أحداث مجلس الوزراء التى سقط فيها عشرات الشهداء وآلاف المصابين أخذت الجماعة موقفا سلبيا تماما ورفضت المشاركة فى أىًّ من هذه الأحداث تاركة الثوار فريسة للمجلس العسكرى، وكانت دماء هؤلاء الثوار سجادة الأمان لانتخابات مجلس الشعب التى حصد فيها الإخوان الأغلبية.
رغم هذه الصورة أختلف تماما مع من يخونون الإخوان لعدم المشاركة فى هذه الأحداث فهذا اجتهادهم السياسى وإن رأيت أنهم مخطئون فيه، كما أختلف مع مَن يرون أن الإخوان يقبلون بحكم العسكر، ولكن هم يظنون أن المواجهة المطلوبة من خلال الشرعية التى نتجت بانتخاب مجلس الشعب الذى سيأتى بكل الحقوق والإصلاحات السياسية وحتى مواجهة العسكر ولكن بمرونة السياسة، بينما يرون فى الوقت نفسه أن دور الميادين قد انتهى وحان تسليم هذا الدور للقوى التى انتخبها الشعب، فعدم نزول مرشد الجماعة إلى الميدان ودعوته للاحتفال بالثورة لا استكمال مطالبها إشارة هامة تؤكد أن الإخوان يريدون إعلان وفاة الميادين وانتهاء دور القوى الثورية حتى تقوم القوى الشرعية المتمثلة فى البرلمان بدورها واستكمال هذه المطالب.
ولعل فصل جماعة الإخوان عشرات الشباب الفاعلين فيها والذين كانوا قيادات ميدانية تشرّف أى تنظيم هو إعلان موقف من الثوار أنفسهم وخشية من وصول الثورة إلى التنظيم نفسه.
الحشد الضخم للإخوان فى ميدان التحرير أمس وإعلانهم الاستمرار فى البقاء حتى الجمعة حمايةً للمنشآت العامة هى محاولة سيطرة على صورة الميدان بلغة الجماعة لا بلغة الثورة والثوار، صورة الفرح والأغانى والأناشيد الإخوانية أمس هى محاولة لتغطية الصورة الثورية للميدان. فالجماعة تخاطب ملايين المصريين الذين شاركوا فى الثورة ثم عادوا إلى منازلهم بعد نجاحها لأن استكمال هذه الثورة سيكون من خلال البرلمان لا الميدان.


ليست هناك تعليقات: