عبد الرحمن يوسف يكتب: «الطريق إلى المشنقة»
الإسلاميون دائما تحت مقصلة اللوم، فهم مخطئون إذا استولوا على الحكم بالصندوق، ومخطئون إذا شاركوا الحكم مع الآخرين، ومخطئون حتى إذا تعففوا عن الحكم رغم انتخاب الناس لهم، وهذا ما حدث مع حزب النهضة، فقد تعففت عن الحكم في بعض المراحل لكي يتم إنجاز التحول الديمقراطي بنجاح
يحاول البعض أن يلوم حركة النهضة على ما حدث منذ أيام من إجراءات استثنائية اتخذها مخبر قصر قرطاج.. يقولون ببساطة “الغنوشي هو السبب.. الإخوان لا فائدة معهم أبدا”!
الغريب أن غالبية هؤلاء كانوا يقولون “إخوان مصر أغبياء.. استأثروا بالحكم، لو أنهم فعلوا كما فعل إخوان تونس”!
الإسلاميون دائما تحت مقصلة اللوم، فهم مخطئون إذا استولوا على الحكم بالصندوق، ومخطئون إذا شاركوا الحكم مع الآخرين، ومخطئون حتى إذا تعففوا عن الحكم رغم انتخاب الناس لهم، وهذا ما حدث مع حزب النهضة، فقد تعفف عن الحكم في بعض المراحل لكي يتم إنجاز التحول الديمقراطي بنجاح.. يبدو أن خطيئة الإسلاميين الحقيقية أن لهم ظهيرا شعبيا ينتخبهم.. مأزومة أمتنا العربية بين تيارين، أحدهما مشكلته أن الناس تنتخبه، والثاني مشكلته أن الناس لا تنتخبه، والعسكر يلعب بالفريقين مرارا وتكرارا، وكلاهما لا يريد أن يتعلم..
لهذا السبب – أعني تعفف حزب النهضة عن الحكم في كثير من المراحل – تمكنت تونس من كتابة دستور حظي بنسبة توافق من التونسيين تجاوزت تسعين في المائة من عدد النوّاب المصوّتين، وهي نسبة لا أدري كيف يتجاهلها اليوم هؤلاء الذين يبررون تصرفات مخبر قصر قرطاج.. هذا الرجل يدوس على دستور لم تحظ دولة في العالم – تقريبا – بتوافق مثله، ورغم ذلك نجد من يبرر انقلابه على الديمقراطية.
وحين نقول إنه يدوس على الدستور فإننا نعني ذلك حرفيا، لأن ما يحدث الآن لا علاقة له لا بالمادة 80، ولا بأي شيء في الدستور، لقد تم إلقاء الدستور (كله) في سلة المهملات، والمخبر يمارس سلطات ليست من حقه أصلا، فلا هو من حقه تعيين وزارة، ولا الوزارة ينبغي أن تكون مسؤولة أمامه (لأن الدستور يقول إن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وينبغي أن تحصل على ثقة البرلمان).. وقس على ذلك كل الإجراءات والقرارات التي يصدرها، إنه يخترع وضعا جديدا لا علاقة له بالدستور من قريب أو بعيد!
الحل لن يكون إلا بالمقاومة.. وإلا فليجهز كل من هو ضد مشروع نادي الديكتاتورية العربية نفسه للمشنقة، أو المعتقل، أو المنفى!
يتساءل البعض ما الحل؟
الحقيقة أن الحل لن يكون إلا بالمقاومة.. وإلا فليجهز كل من هو ضد مشروع نادي الديكتاتورية العربية نفسه للمشنقة، أو المعتقل، أو المنفى!
لم يتصرف بشكل صحيح رئيس حركة النهضة المنتخبة، ورئيس البرلمان الشرعي المنتخب، حين وقف أمام البرلمان عاجزا عن دخوله، وكان ينبغي أن يدخله بقوة الجماهير، وبقوة سلاح الدولة التي يمثلها، سلاح الشرطة..
الدولة هي “الغنوشي، والمشيشي”، والخارج عن الدولة والدستور هو رئيس الجمهورية الذي يقود تمردا مسلحا مدعوما من قوى أجنبية وإقليمية.. إنه رئيس متلبس بحالة خيانة عظمى..
السيد “المشيشي” هو رئيس الوزراء الشرعي، وهو وزير الداخلية، وتأمين البرلمان من مهام وزارة الداخلية، ولا يحق لأي ضابط أن يضربه مستقويا بضابط أجنبي يقف إلى جواره لكي يجبره على الاستقالة.. وأتعجب من بعض الأصدقاء التونسيين الذين يقبلون بتدخل سافر لأجهزة أمن إماراتية ومصرية في الشأن التونسي.. وفي الوقت نفسه يتحدثون عن “إرادة الشعب” في معاقبة حركة النهضة.. أي شعب ذاك الذي يقبل بأن يضرب رئيس وزرائه المنتخب بإشراف من عصابات أجنبية، أمام رئيس مخبر، يعمل لحساب الخارج!؟
كان على الدولة التونسية متمثلة في رئيس الوزراء ورئيس البرلمان مقاومة محاولة الانقلاب على دستور مرّ بنسبة نادرة من التوافق، بقوة سلاح الدولة.. تماما كما حدث في ليلة انقلاب تركيا الفاشل في الخامس عشر من يوليو 2016، حين تضافرت تضحيات الجماهير، مع سلاح الدولة الشرعي، في منع بعض المتمردين الذي استغلوا سلاح الدولة ضد الشعب.
أما سؤال السلمية.. فلا مجال لطرحه أصلا.. الجماهير ستزحف للبرلمان بشكل سلمي، وسلمية الحراك الجماهيري لا تمنع من أن الدولة يجب عليها حماية مؤسساتها من التدخل الأجنبي، ومن بعض المسؤولين الذين باعوا ولاءهم لقوى أجنبية أو إقليمية.
الجماهير ستزحف للبرلمان بشكل سلمي، وسلمية الحراك الجماهيري لا تمنع من أن الدولة يجب عليها حماية مؤسساتها من التدخل الأجنبي، ومن بعض المسؤولين الذين باعوا ولاءهم لقوى أجنبية أو إقليمية
قد يقول قائل: “هذه هي الذريعة التي ينتظرونها لكي يبطشوا بهم”.. والحقيقة أن الذين تحركوا بشكل سلمي دون استخدام سلاح الدولة الشرعي (أعني إخوان مصر).. هم الذين ينتظرون المشانق اليوم.. وإذا لم يتحرك التونسيون من أجل الخلاص من هذه المحاولة الانقلابية الواضحة وضوح الشمس.. فليتأكدوا أنهم في انتظار المصير نفسه.. أولاد زايد لا يجرون انتخابات، بل يعدمون كل من يطمح للحرية، ويبنون السجون لكل من يختلف معهم..
المسألة مسألة وقت، وإما أن تنتصر الثورة المضادة ونادي الديكتاتورية العربي، أو تنتصر الحرية.. ولا حلّ وسطا في هذا الأمر.
* * *
بقي أن يعرف القارئ الكريم أن كل ما يقال عن “تدهور شعبية النهضة” مجرد افتراضات ودعايات مصرية إماراتية، وإثبات الأمر غاية في الصعوبة.. شعبية أي حزب سياسي تتحدد بالانتخابات، وليس بالتوك شوهات!
وأحيل القارئ الكريم إلى تجربة مشابهة، وهي تجربة الرئيس البوليفي “إيفو موراليس”، حين جرى الانقلاب عليه برعاية أمريكية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019م، وفي ذلك الوقت قيل عن حزبه كل ما يقال اليوم عن النهضة، حتى شك أنصاره في أنفسهم، ولكن ما حدث أنهم تمكنوا من إجبار المنقلبين على الدخول إلى انتخابات بعد حوالي عام من الانقلاب، فماذا كانت النتيجة؟
لقد اكتسح حزب الرئيس “المخلوع” الانتخابات، وأصبحت له الغالبية في البرلمان بغرفتيه، وفوق ذلك.. تمكن أحد وزرائه المقربين من كسب الانتخابات الرئاسية.. وتبيّن أن كل ما قيل عن تدهور شعبيته، وشعبية حزبه ليس إلا دعاية أمريكية هدفها تمرير الانقلاب من أجل الاستيلاء على البلاد التي تعد أكبر منجم لمعدن “الليثيوم” في العالم.
ليس معنى ذلك أن حركة النهضة بلا أخطاء، ولكن تأكد أن غالبية الفشل الحادث اليوم في تونس ليس بسبب أخطاء النهضة، بل هو بسبب مؤامرة إقليمية دولية على البلاد، وهو ما جعل حزب الأغلبية عاجزا عن الحكم، بل جعل كل من هم في السلطة عاجزين عن أي تصريف للأمور.
ليس معنى ذلك أن حركة النهضة بلا أخطاء، ولكن تأكد أن غالبية الفشل الحادث اليوم في تونس ليس بسبب أخطاء النهضة، بل هو بسبب مؤامرة إقليمية دولية على البلاد، وهو ما جعل حزب الأغلبية عاجزا عن الحكم، بل جعل كل من هم في السلطة عاجزين عن أي تصريف للأمور
* * *
إن تونس اليوم تمر بمنعطف خطير، وقد يكون الهدف من كل ما يجري أمامنا هو أن تدخل البلاد في حالة فوضى، وفي سبيل حدوث تلك الفوضى يمكن صناعة أحداث، واغتيالات لشخصيات سياسية كبيرة (وهو أمر لا نتمناه له ولا لغيره)، وبعد أن تبدأ الفوضى.. يظهر الجنرال “المنقذ”.. الذي تم الاتفاق معه ليكون منقذ البلاد من الشر المستطير!..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق