. خطوط على الرمال .. مئة عام على سايكس بيكو .
"سايكس بيكو".. من خطط التقسيم إلى حروب التفتيت
في جزئه الثاني قراءة تاريخ المنطقة التي رسم حدودها موظفان بريطاني وفرنسي ضمن التنافس على النفوذ الاستعماري. تتناول سلسلة وثائقيات "خطوط على الرمال.. مئة عام على سايكس بيكو" اتفاقية سايكس بيكو التي تقاسمت فيها بريطانيا وفرنسا أملاك الدولة العثمانية، وما صاحبها من أحداث..اتفاقية سايكس بيكو في 1916 هي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى.
اعتمدت الاتفاقية على فرضية أن الوفاق الثلاثي سينجح في هزيمة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ويشكل جزءًا من سلسلة من الاتفاقات السرية التي تأمل في تقسيمها.
وقد جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23 نوفمبر 1915 و 3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 مايو 1916.
اتفقت بريطانيا وفرنسا، ومعهما روسيا القيصرية على مخطط سري لتقاسم غنائم الانهيار العثماني وإعادة رسم الخريطة العربية بما يضمن نفوذ ومصالح العواصم الثلاث.. وعلى امتداد قرن كامل، ظل التاريخ يكرر نفسه كل مرة، فتطورت مخططات التقسيم القديمة إلى حروب جديدة، عنوانها - كما في سوريا والعراق وليبيا- تجزئة المجزء، وتفتيت المقسّم.
واجهت بريطانيا موقفًا عصيبًا في المنطقة العربية منذ بداية عام 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى، بعد أن فشلت حملتها العسكرية في العراق، وزاد ضغط القوات التركية على منطقة قناة السويس، وكذلك فشلت الحملة البريطانية ضد منطقة المضايق التركية؛ هذا الأمر جعل تعاون العرب مع القوات البريطانية أمرًا حيويًا للغاية؛ لذا عملت بريطانيا على استمالة الشريف حسين، حاكم الحجاز، إليها، وبدأت بين الجانبين مكاتبات ومراسلات استمرت 18 شهرًا، عُرفت باسم مراسلات حسين مكماهون، كانت بريطانيا تهدف من ورائها إلى دفع العرب إلى الثورة على الأتراك، أما الحسين فكان يهدف إلى إقامة دولة عربية تشمل العراق والشام والحجاز يتولى هو حكمها.
وكان تضارب مصالح الدول الأوروبية الحليفة في المنطقة العربية سببا قويًا في إيجاد الشكوك وعدم الثقة بين هؤلاء الحلفاء، وهو ما يؤثر سلبًا على موقفهم في الحرب، فروسيا تطمع في إدخال القدس وفلسطين ضمن نفوذها؛ نظرًا لوجود رجال الدين والكنائس الأرثوذكسية بها، بينما فرنسا تسعى نحو تثبيت نفوذها في منطقة بلاد الشام خاصة سوريا، وكان ذلك باعثًا لتخوف الحكومة البريطانية؛ إذ إن الوجود الفرنسي والروسي على هذا النحو يحرمها من خليج (عكا-حيفا) المنفذ الرئيسي للعراق على البحر المتوسط، كما أن بريطانيا لن ترضى أن ترى فرنسا أو روسيا على مقربة من قناة السويس؛ لأن ذلك يهدد طرق مواصلاتها مع الهند.
وكان تضارب مصالح الدول الأوروبية الحليفة في المنطقة العربية سببا قويًا في إيجاد الشكوك وعدم الثقة بين هؤلاء الحلفاء، وهو ما يؤثر سلبًا على موقفهم في الحرب، فروسيا تطمع في إدخال القدس وفلسطين ضمن نفوذها؛ نظرًا لوجود رجال الدين والكنائس الأرثوذكسية بها، بينما فرنسا تسعى نحو تثبيت نفوذها في منطقة بلاد الشام خاصة سوريا، وكان ذلك باعثًا لتخوف الحكومة البريطانية؛ إذ إن الوجود الفرنسي والروسي على هذا النحو يحرمها من خليج (عكا-حيفا) المنفذ الرئيسي للعراق على البحر المتوسط، كما أن بريطانيا لن ترضى أن ترى فرنسا أو روسيا على مقربة من قناة السويس؛ لأن ذلك يهدد طرق مواصلاتها مع الهند.
أما فرنسا فقد جاءت ظروف الحرب العالمية الأولى لتزيد مخاوفها من السياسة البريطانية؛ ذلك أنه بعد فشل حملة "الدردنيل" رأى القائد الإنجليزي كتشنر أنه لكي يستطيع الحلفاء إرجاع جزيرة گاليپولي، فإنه لا بد من إنزال 100.000 جندي في ميناء الإسكندرونة، ثم تبدأ قوات الحلفاء التغلغل من هناك نحو الأراضي التركية؛ لأن ذلك يضمن قطع طريق المواصلات التركية من وسطها، فيحدث ارتباك في عمليات الإمداد والتموين للجيش التركي الذي سيضطر للتسليم بعد محاصرته، إلا أن فرنسا نظرًا لعجزها عن تنظيم مثل هذه الحملة الكبيرة رفضت الموافقة على هذه العملية التي سيكون عمادها الجيش والأسطول البريطانيَّين؛ لأن ذلك سيعرض المصالح الفرنسية في سوريا للخطر، إلا أن احتلال الجيش البريطاني لسوريا سيعمل على تقليل النفوذ بها، ويدفع السوريين إلى التحالف مع الإنجليز ظنًا منهم أن نجم فرنسا قد أفل. والمعروف أن فرنسا لها أطماع قديمة في سوريا، منذ عام 1860 حيث عملت على التغلغل المالي والثقافي في هذه المنطقة، وكانت مدارسها في لبنان وحده لا تقل عن 300 مدرسة فلما جاءت الحرب العالمية الأولى، وجدت فرنسا فيها فرصة لإقامة إمبراطورية فرنسية في آسيا تكون قاعدتها بلاد الشام. وأمام هذا التعارض في المصالح لم تجد هذه الدول الاستعمارية أمامها من سبيل إلا التباحث فيما بينها، وتحديد مناطق نفوذ كل دولة حتى تزول أسباب الشكوك والخلافات؛ لتسير المعارك الحربية على الوجه الذي ترغب فيه هذه الدول.
تقسيم الدولة العثمانية
تقسيم الدولة العثمانية
وبينما العرب يسعون بكل قوتهم للحصول على اعتراف بحقهم في تأسيس دولة عربية، كانت تُجرى –سرًا- مفاوضات بين دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا) حول اقتسام الدولة العثمانية بما فيها البلاد العربية، ومما يلفت النظر أن هذه الدول كانت تنتقد ألمانيا صباح مساء لخرقها حرمة المعاهدات والعقود الدولية، وتعلن أنها لن تلقي السلاح حتى تعيد ألمانيا إلى رشدها، وتحملها على احترام المواثيق الدولية.
وفي أبريل 1915 تم التوقيع على اتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا وروسيا نصّ على حق روسيا في الاستيلاء على المضايق التركية والمناطق المجاورة لها، وهي بحراً مرمرة والدردنيل، وجزء من شاطئ آسيا الصغرى، مقابل أن تصبح القسطنطينية مدينة حرة، وضمان حرية الملاحة في منطقة المضايق، وأن تعترف روسيا بحقوق بريطانيا وفرنسا الخاصة في أقاليم تركيا الآسيوية، على أن تُحدّد هذه الحقوق فيما بينهما بمقتضى اتفاق خاص، كذلك أن تخضع الأماكن المقدسة وشبه الجزيرة العربية لحكم إسلامي مستقل، وأن يُضمّ جزء من إيران إلى منطقة النفوذ البريطانية.
وبينما كانت المفاوضات تجرى على هذا المنوال بين العواصم الثلاث، تم توقيع اتفاق آخر سري ضم هذه الدول بالإضافة إلى إيطاليا، وكان الهدف منه إغراء إيطاليا على الدخول في الحرب إلى جانب دول الوفاق.
المعاهدة
في نوفمبر 1915، عينت الحكومة الفرنسية المسيو فرانسوا جورج-پيكو، قنصلها العام السابق في بيروت، مندوباً ساميًا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، ولم يلبث أن سافر إلى القاهرة، واجتمع بالسير مارك سايكس المندوب السامي البريطاني لشئون الشرق الأدنى، بإشراف مندوب روسيا، أسفرت عن اتفاقية عُرفت باسم اتفاقية القاهرة السرية، ثم انتقلوا إلى مدينة سانت پطرسبورگ الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على النحو التالي:
استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة.
استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.
استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان. واعترفت المعاهدة كذلك بحق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين.
المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دول عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق سوريا وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية.
يخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية.
يصبح ميناء الإسكندرونة حرًا.
وهكذا تم تقسيم المنطقة العربية بين الدول الاستعمارية الكبرى، بمقتضى هذه الاتفاقية التي وصفها بعض المؤرخين الأوروبيين بأنها "ليست صورة للجشع فحسب، بل صورة مرعبة للمخادعة"؛ إذ عملت على تفتيت رقعة المنطقة العربية وتقسيمها، كما أنها حوت على متناقضات بين مختلف المعاهدات السرية التي أُبرمت في ذلك الوقت، فمثلا اتفاق "الحسين – مكماهون" الذي تعهدت بريطانيا فيه بجعل فلسطين جزءًا من الدول العربية أهمل وأغفل، وأصبحت فلسطين بمقتضى "سايكس – بيكو" تحت إدارة دولية، وإمعانًا في التناقض وعدت بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهذا يؤكد أن الحكومة البريطانية لم تكن جادة في التقيد بهذه الوعود، فهي لم تقدم عليها إلا كجزء من مجهودها الحربي ضد الدولة العثمانية، ولكن هدفها الحقيقي هو فرض سيطرتها التامة على المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق