.. "ســراب وعــد ويلسون"..
كيف خيّبت أميركا آمال سعد زغلول وثورة 1919؟
وصل الوفــد المصـري إلى باريس في 18 إبريل،
كيف خيّبت أميركا آمال سعد زغلول وثورة 1919؟
وصل الوفــد المصـري إلى باريس في 18 إبريل،
وأُعلنت شروط الصلح التي قررها الحُلفاء
... مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر ...
... مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر ...
تمتلئ كتب التاريخ بمسار ثورة 1919 بدءا من محطة الأسباب إلى نهاية خط المآلات، وتعرج بعضها إلى المواقف الأوروبية منها، غير أن أحد المؤرخين لم تأخذه سفن الفضول لعبور المحيط الأطلسي للبحث عن الموقف الأميركي من ثورة المصريين ضد الاحتلال البريطاني.
ثورة 1919 كانت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسين المصريين، كنتيجة لتذمّر الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي وتغلغله في شؤون الدولة بالإضافة إلى إلغاء الدستور وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية وطغيان المصالح الأجنبية على الاقتصاد. بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والأسكندرية والمدن الإقليمية.
تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت في أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام 1923 بإعلان الدستور والبرلمان.
كان لتأليف الوفد المصري المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة. فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفيهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذي أدى إلى بداية الاحتجاجات في مارس 1919.
تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت في أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام 1923 بإعلان الدستور والبرلمان.
كان لتأليف الوفد المصري المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة. فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفيهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذي أدى إلى بداية الاحتجاجات في مارس 1919.
انطلقت تظاهرات في العديد من المدن والأقاليم المصرية وكانت القاهرة والأسكندرية وطنطا من أكثر تلك المدن اضطرابًا، الأمر الذي أدى السلطات البريطانية إلى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس.
وصل الوفد المصري إلى باريس في 18 إبريل، وأُعلنت شروط الصلح التي قررها الحُلفاء، مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر.
وصل الوفد المصري إلى باريس في 18 إبريل، وأُعلنت شروط الصلح التي قررها الحُلفاء، مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر.
ولم يكن الفضول يثير السياسي والطبيب المصري محمد أبو الغار، حول الموقف الأميركي من الثورة، إلا أن سطرين ضمن كتاب "ثورة 1919 تاريخ مصر القومي" للكاتب عبد الرحمن الرافعي قدما له شرارة النور ليضاء له طريق البحث.
رحلة البحث والاستقصاء التي استلزمت التفرغ التام من أبو الغار انتهت بوصوله إلى وثائق نادرة قدمها عبر كتابه "أميركا وثورة 1919 سراب وعد ويلسون" الصادر مؤخرا عن دار الشروق ضمن سلسلة كتب احتفالا بمرور مئة عام على الثورة.
آلاف الوثائق
في مقدمة الكتاب يشرح المؤلف كيف لعبت الصدف دورها سواء في اختيار موضوع البحث أو الوثائق التي وقعت بين يديه لتكون هي أساس منتجه التاريخي.
في كتابه عن ثورة 1919 ذكر الرافعي أن الزعيم الوطني سعد زغلول أرسل رفيقه محمد محمود من باريس إلى واشنطن للدفاع عن القضية المصرية بمجلس الشيوخ الأميركي، وأنه اتفق مع محام أميركي للدفاع عن حق القاهرة في الاستقلال.
لم يستطرد الرافعي عما حدث بدقة في واشنطن، مما دفع أبو الغار للبحث عن مزيد من المعلومات، فحاول الوصول إلى مسؤولي مكتبة الكونغرس بأكثر من وسيلة، لكنه فشل إلى أن التقى مصادفة برئيس الجامعة الأميركية بالقاهرة فرانسيس ريتشاردوني.
وبعد 72 ساعة من لقائه ريتشاردوني، تلقى أبو الغار رسالة من وليم موبيكي المسؤول عن مكتبة الكونغرس بالسفارة الأميركية، واستطاع الحصول على آلاف الوثائق عن الثورة وصلت إلى مئة ألف صفحة، تحتوي على مناقشات لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ومناقشاته فيما يخص المسألة المصرية.
"يحيا ويلسون"
بدايات القرن الماضي كانت الولايات المتحدة تقدم نفسها كقوة جديدة تستعد لأن تأخذ نصيبها من ميزان السيطرة على العالم، وهو ما لم يكن خافيا على زعماء الحركة الوطنية في مصر.هذا الإدراك من جانب الزعماء الوطنيين ومن منطلق دعوة الرئيس الأميركي ويلسون لحق الشعوب في تقرير مصيرها، أقدم سعد على مراسلته.
واهتم الكتاب بنشر نص أربع برقيات أرسلها سعد قبل الثورة إلى الرئيس الأميركي يطالبه باستخدام وساطته من أجل السماح لممثلي مصر بالسفر إلى أوروبا لعرض قضية استقلال بلدهم خلال مؤتمر الصلح، وذلك بعد أن منعتهم بريطانيا من ذلك.
ومن خلال برقية تم إرسالها يوم 17 يناير/كانون الثاني 1919 -حجزتها الرقابة الإنجليزية- يمكن أن نفهم النبرة الاستعطافية التي استخدمها سعد في مخاطبة الأميركيين.
وجاء فيها "من أعضاء الجمعية التشريعية للرئيس العظيم الموقر الذي قاد الولايات المتحدة إلى إنقاذ الإنسانية من ويلات الحرب نقدم له ولأميركا العظيمة الديمقراطية كل التهاني والإعجاب وطلب تبني مبادئ العدالة والإنسانية والمساواة بالنسبة للقضية المصرية.. تحيا الولايات المتحدة.. يحيا ويلسون".
وكان سعد يرسل نسخة من برقياته لويلسون إلى القنصل الأميركي في مصر تحسبا لمنع الرقابة البريطانية من وصولها إلى واشنطن.
"سراب وعد ويلسون" ضمن سلسلة كتب صدرت بمناسبة مئوية ثورة 1919 (الجزيرة)..
... انـدلاع الثـورة ...
بعد ما يقارب الأربعين سنة من الاحتلال البريطاني لمصر، عانى فيها المصريون من سلب المحتل ثروات بلدهم في حين غرقوا هم في بحر الفقر، واندلعت الحرب العالمية الأولى والتي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر الشعب.مع بداية الحرب أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وعزلت الخديوي عباس حلمي المحبوب من قبل الشعب كما أعلنت الأحكام العرفية، وجندت مئات الآلاف من المصريين للمشاركة في المعارك على الحدود الليبية أو استخدمتهم في أعمال مدنية.
مع ذلك تحمل المصريون كل الإجراءات الإنجليزية على أمل حصولهم على الاستقلال كجزاء لهم على المساعدات التي قدموها خلال الحرب، إلا أن ذلك لم يحدث.
وحاول الزعماء الوطنيون تجاوز صدمة الخروج من الحرب دون استقلال بلدهم، ليطالبوا بسفر وفد منهم إلى مؤتمر الصلح في باريس ليعرضوا القضية المصرية على الدول المجتمعة هناك، وهو ما قوبل برفض إنجليزي وتم نفي سعد واثنين من رفاقه خارج البلاد.
لم يتحمل المصريون أكثر، فخرجوا إلى ثورتهم في 9 مارس/آذار 1919 لتتمثل كل الفئات الشعبية في الشارع المحتج، حتى تراجعت بريطانيا وأطلقت سراح الزعيم الوطني ورفاقه وسمح لهم بالسفر إلى باريس.
وخلال أحداث الثورة، أرسل عدد من أعضاء الهيئات المختلفة والمهنيين المصريين بالخارج برقيات ورسائل احتجاج إلى الوكالة الدبلوماسية بالقاهرة، وجميعها يعترض على سياسة بريطانيا القهرية في مصر ويطالب بالمساعدة في قضية الاستقلال.
ولم تحرك الخارجية الأميركية ساكنا أمام نداءات المصريين، بل وزادت واشنطن في توجيه تعليماتها لممثليها في مصر بتفادي أية تصرفات يمكن تفسيرها على أنها داعمة للثوار.
ومن ضمن المراسلات التي نشرها أبو الغار في كتابه تلغرافات بين الخارجية الأميركية والقنصل الأميركي حول المراسل الصحفي الأميركي ويليم أليس الذي أبدى تعاطفه مع الثوار المصريين، وطلبت خارجية بلاده عدم تجديد جواز سفره ومنعه زيارته المستعمرات البريطانية، ووصل الأمر إلى تحديد إقامته في منزله بواسطة قوات إنجليزية.
... صــدمة صــاعقة ...
كان ويلسون يقدم نفسه باعتباره راعيا للسلام خاصة بعد إعلانه المبادئ 14 التي حملت وعدا بنظام عالمي جديد قد يحقق تقرير المصير لكل الشعوب، وهو ما زاد من تعلق آمال المصريين على أميركا لنيل استقلالهم.غير أن الصدمة نزلت على المصريين كالصاعقة حين أيد الرئيس الأميركي إعلان الحماية البريطانية على مصر بعد انتهاء الحرب العالمية، بموافقته على معاهدة فرساي في يونيو/حزيران 1919.
ورغم ذلك استمر المصريون في محاولات كسب دعم الولايات المتحدة، فخلال الأشهر التالية أرسل سعد ورفاقه سيلا من الرسائل للرئيس الأميركي لمحاولة استعطافه ولكنهم لم يتلقوا أي رد منه باستثناء إقرار سكرتيره بأن الرسائل وصلت.
ولم يكتف سعد بذلك بل حاول كسب اهتمام مجلس الشيوخ الأميركي فأرسل برقية في 16 مايو/أيار 1919 إلى المجلس يطلب منه إنصاف الشعب المصري لنيل أمانيه الوطنية.
ووصل الأمر إلى ترويج خبر كاذب بالصحف المصرية يفيد بأن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أقرت بأن القاهرة ليست تحت السلطة التركية أو البريطانية وإنما تتمتع بالحكم الذاتي، وسارع القنصل الأميركي بنفي الخبر.
... وفـــد إلى أميركـا ...
عندما سافر سعد بصحبة وفد ممثل عن الشعب المصري إلى باريس لعرض قضية استقلال بلدهم لم يجد اهتماما من جانب ممثلي الدول المجتمعة لحضور مؤتمر الصلح، وهو ما دعا لظهور فكرة سفر وفد إلى أميركا لطرح القضية المصرية.ورفضت بريطانيا سفر وفد مصري إلى واشنطن فوقع الاختيار على محمد محمود باشا وهو أحد الزعماء الوطنيين للسفر وحده ليقوم بتوكيل محام أميركي ليدافع عن القضية المصرية أمام مجلس الشيوخ الأميركي.
ويخصص الفصل الخامس من كتاب "سراب وعد ويلسون" لنص دفاع المستشار القضائي للوفد المصري جوزيف فولك أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي.
وذكر الكتاب أن فولك كان يتقاضى ألف جنيه شهريا، ما يعادل خمسة آلاف دولار آنذاك، نظير خدماته القانونية للوفد المصري. واستعرض المحامي المعاناة التي يعيشها الشعب المصري تحت حكم الاحتلال البريطاني ذاكرا العنف الذي تعرض له خلال أحداث الثورة وطالب بأن تكون المسألة المصرية ضمن قواعد تحكيم مجلس عصبة الأمم والذي نصت على تأسيسها اتفاقية السلام "فرساي".
وقدم الفصل السادس من الكتاب نص محضر اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 25 أغسطس/آب 1919 برئاسة السيناتور هنري كابوت لودج.
وبحسب أبو الغار، تُظهر وثائق اجتماعات لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ أن الأعضاء طلبوا معلومات دقيقة عن تفاصيل القوانين والقواعد التي تحكم مصر، وموقف القاهرة قبل الاحتلال البريطاني والموقف القانوني للحماية.
وأبدى عدد من أعضاء اللجنة تفهما لموقف مصر وحقها في تقرير المصير، وطالبوا بإضافة نقاط محددة في اتفاقية فرساي تعطي مصر الحق في دخول عصبة الأمم وتمنع بريطانيا من التحكم في مستقبلها.
في حين كان موقف بعض الأعضاء غير مؤيد للمسألة المصرية لمنع تورط أميركا في مشاكل بعيدة عنها، أو لعدم تعقيد أمور اتفاقية السلام بإضافة تحفظات، أو بسبب تعاطف بعضهم مع لندن واعتبارها الحليف الأساسي لواشنطن.
وعرض الكتاب في الفصل السابع محضر اجتماع مجلس الشيوخ الخاص بالمسألة المصرية والذي انعقد في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1919.
ورغم الاستفاضة من جانب أعضاء المجلس في مناقشة المسألة المصرية بين مؤيد ومعارض للتدخل، فإن ما انتهوا إليه بخصوص اتفاقية فرساي نفسها لم يقدم شيئا لاستقلال مصر.
ورفض مجلس الشيوخ الاتفاقية مرتين عامي 1919 و1920، ولم تشارك أميركا في عصبة الأمم التي كانت بمثابة الأمل للمصريين للخلاص من الاحتلال.
ورأى أبو الغار أن كفاح الوفد المصري بأميركا كانت له نتائج ايجابية بعيدة المدى، فقد تعرف مجلس الشيوخ على المسألة المصرية وتكون رأي عام مساند لها، واستفادت القاهرة إيجابيا حين بدأت المناقشة بين لندن وواشنطن على قيادة العالم لاحقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق