.. من «مراتي مدير عــام» إلى «تيمـور وشفيقــة»..
كيف تحولت نظرة المجتمع المصري للمرأة؟
كيف تحولت نظرة المجتمع المصري للمرأة؟
على الرغم من محاولات بعض المشرعين المصريين تطوير قوانين العمل الخاصة بالمرأة وتطوير قوانين الأحوال الشخصية ولو بنسبة ضئيلة، وبالرغم من تضاعف أعداد النساء العاملات، حتى باتت أغلب بيوت الطبقة المتوسطة لا تقوم إلا بمساهمة المرأة المادية، إلا أن تراجعا ملحوظا في وضع المرأة في المجتمع وفي نظرته اليها، قد حدث خلال العقود الأربعة الماضية.
هناك تعبير يبدو «كليشيه» يقرر بأن السينما مرآة المجتمع. ووفقا لذك يمكننا في هذا الصدد رصد التدهور الذي حدث في نظرة المجتمع المصري للمرأة العاملة، عبر المقارنة بين فيلمين شهيرين وناجحين، أحدهما أنتج في العام 1966، والثاني تم إنتاجه في عام 2007. واحد وأربعون عاما بالتمام والكمال هي الفارق الزمني بين نموذجين متباينين لنظرة المجتمع للمرأة وعملها وتحقيقها لذاتها.
البطل، أو الجان برمير بلغة أهل السينما، في العمل الأول هو النجم الراحل صلاح ذو الفقار، بما عرف عنه من خفة ظل، ولطف، ورقي، أما بطل الفيلم الثاني فهو الفنان أحمد السقا، الشهير بتجسيد أدوار الفحولة والأكشن. أما البطلتان، فالأولى هي الفنانة شادية في فيلم «مراتي مدير عام»، والثانية هي الفنانة منى زكي في فيلم «تيمور وشفيقة». ويناقش الفيلمان قضية عمل المرأة وبلوغها أعلى المناصب التي أحيانا تفوق منصب الرجل.
في فيلم «مراتي مدير عام»، وهو من إخراج المبدع فطين عبد الوهاب، نرى علاقة بين رجل وزوجته، مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون، والتكافؤ، وبينما تحرص هذه المرأة – عصمت – على الترقي الوظيفي والعلمي، بتشجيع من زوجها، يميل حسين إلى الشجار مع رؤسائه، ويبدي عدم رغبته في تولي مناصب قيادية تتسبب له في الارهاق والانشغال الدائم.
تترقى عصمت لتصبح مديرا عاما لأحدى المصالح التي يعمل بها زوجها، ومن ثم تصبح هي مديرة عليه وتتوالى الأحداث في قالتب كوميدي، حيث يجد حسين نفسه مجبرا على مواجهة الزملاء الذين يقللون من قيمته كزوج للمديرة، ويضعونه تحت ضغط عصبي يفقده صوابه ويجبره على الإتيان بتصرفات رجعية، غير نابعة من إيمانه الشخصي وإنما دُفع إليها دفعا بسبب الحصار المجتمعي.
في المقابل، وفي فيلم «تيمور وشفيقة»، وهو من إخراج خالد مرعي، نجد قصة حب تنشأ منذ الطفولة بين تيمور الذي يصبح بعد ذلك ضابط حراسات، وبين شفيقة، التي تترقى في السلم التعليمي والوظيفي حتى تصبح أصغر وزيرة بيئة.
العلاقة هنا مبنية على هيمنة وسيطرة الذكر، الذي يقضي أغلب مشاهد الفيلم في تمرين عضلاته، وتوجيه التعليمات لحبيبته، والرغبة العارمة في السيطرة عليها بدعوى الحب والخوف عليها، بينما تحاول حبيبته إرضاءه وفي نفس الوقت إقناعه – بصعوبة – بمتابعة دراستها وعملها وتحقيق طموحاتها.
ولا يجد تيمور غضاضة في التعبير عن غيظه وغيرته من الترقي الوظيفي الذي تحققه شفيقة، ويبدو لديه شعور بالاستحقاق المطلق حتى أنه يعاقبها على رغبتها في الفكاك من سيطرته، بإن يوجه نحوها سلاح التجاهل، ويتعمد إيلام مشاعرها بلا أي جريرة سوى أنها ترغب في التحقق الشخصي.
نهاية هذين الفيلمين تعكس تماما الفكر المسيطر على المجتمع في كل من الحقبتين الزمنيتين، ومن ثم صناع الفيلمين. فحين تتراجع عصمت وتطلب نقلها إلى مصلحة أخرى مراعاة لمشاعر زوجها الذي يكيل لها الإهانات أمام الجميع، بسبب سوء تصرف أحد العاملين بالمصلحة، يشعر الزوج بالذنب، ويتخذ قرارا بالتحرر من الضغوط والثورة على القالب النمطي الذي يضعه فيه المجتمع عنوة على غير إرادته، ويطلب نقله إلى نفس المصلحة التي ستترأسها زوجته ليصبح مرؤوسا لزوجته من جديد.
على الجانب الآخر، وبعد مواجهة ساخنة بين تيمور وشفيقة، يصر فيها الزوج على ضرورة تخلي الزوجة عن منصب الوزيرة ،إذا أرادت الاقتران به، يعقب ذلك مشهد خطف مفتعل تتعرض له الوزيرة، يبرز فيه الفنان أحمد السقا بكامل طاقاته «الأكشنية» إذا جاز التعبير، ليتم تقديم شخصية تيمور بوصفه المنقذ لهذه الحمقاء التي تريد أن تصبح وزيرة، وهي غير مؤهلة لمواجهة التبعات الخطرة لهذا المنصب، مثل أن يتم خطفها من قبل عصابة. وهكذا تنزل شفيقة على رغبة الحبيب المنقذ، وتترك منصب الوزيرة لتتزوج من حبيبها الذي يتشاجر مرة أخرى معها في نهاية الفيلم لإنها تريد أن تعمل بعد الزواج.
الفيلمان تتخللهما مواجهات بين البطل والبطلة، إلا أنه، وبتحليل هذه المواجهات التي تعكس منطق الرجل والمرأة، سنجد تباينا فكريا كبيرا بين صناع الفيلمين. ففي الفيلم الأول الذي تم إنتاجه في منتصف الستينات من القرن الماضي، تتفجر المواجهات بسبب ضغوط يتعرض لها الزوج خارجة عن يد الزوجة، ويبدو وكأن المجتمع المحيط به من الموظفين، قد دفعه للجنون واللا منطق، بينما تقف المرأة مندهشة من هذه التصرفات الغريبة على زوجها، وتحاول احتواءها قدر المستطاع دون أن تضحي بحبها لعملها. علما بأن الفيلم قد أنتج في حقبة زمنية، كان فيها أقصى طموح للمرأة أن تصبح مديرا عاما.
أما في الفيلم الثاني فقد تم انتاجه في منتصف العقد الأول من الالفية الثانية، وبعد أن أصبح منصب المدير العام بالنسبة للمرأة أمرا اعتياديا، مما دفعها لرفع سقف طموحاتها كي تصبح وزيرة، ومع ذلك نجد أن المواجهات بين البطل والبطلة نابعة دوما من «خوف» الرجل القوي، الخبير بشؤون الدنيا، الذي عرك الحياة، على حبيبته الجميلة الرقيقة الضعيفة التي تتمتع بقدر من السذاجة تجعلها تقبل بحماقة على سلوكيات توردها موارد الأزمات، وبالرغم من اعتراضاتها الدائمة، إلا أن الرجل يثبت في النهاية أنه كان محقا في خوفه على «درته المكنونة».
هذا هو تماما ما حدث للمجتمع المصري خلال العقود الماضية، إذ تحولت المرأة المصرية، من إنسان يسعى لنيل حقوقه كاملة، ويحاول إثبات جدارته بهذه الحقوق، إلى درة مكنونة يجب الحفاظ عليها من أهوال الدنيا، ويحاول «رجلها» حمايتها من الشرور.
هذا التقييم المجحف للمرأة ربما لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي للمجتمع ولأسر الطبقة المتوسطة، فالمرأة باتت مضطرة للعمل حتى وإن لم ترغب في ذلك، بسبب الوضع الاقتصادي الضاغط، لكن عليها دوما أن تتذكر أنها أنثى ضعيفة، وأن تعمل بقدر ما يوفر احتياجات الأسرة المادية. أما رغبتها في التحقق والتميز فهي موضع سخرية وازدراء، ذلك لإنها ساذجة وبريئة وضعيفة، ولا تعي أن هذه الطموحات ستعرضها للأخطار. الرجل فقط هو صاحب الحق في تحقيق الطموح، لإن لديه عضلات، مثل الأستاذ أحمد السقا!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق