الثلاثاء، 24 مارس 2020

«الفواعلية»..عبيد في جمهورية الرصيف..فيديو



الفـواعليـة .. عبيـد في جمهـورية الرصيـف
أحلامهم ليست كبيرة، لكن معاناتهم أكبر
 حملوا هموم وأعباء مجتمع تعــامي عن وجــودهم



 وهمش مطالبهم الإنسانية وأسهم في تعميق جراحهم وجرح انتماءهم للبلد الذي أدارت حكوماته ظهورها لهم، إنهم عمال اليومية أو مايعرفون بـ «الفواعلية» الذين يقتاتون الصبر ويعيشون علي الرضا، ويفترشون الأرصفة انتظاراً وبحثاً عن أرزاقهم وأرزاق أسرهم متقبلين استغلالهم وهضم حقوقهم تحت سيف ضرورات الحياة التي لاترحم رقابهم.
 «حواء» دخلت إلي هذا العالم المليء بالأحلام المعطلة والحياة الطبيعية المؤجله ترصد همومهم لترفع صوتهم وصرخاتهم لآذان أصابها الصمم أمام عذاباتهم ll
.. إحصائيات نقابة عمال اليومية «الفواعلية» بـ 18 مليوناً، وأصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بيانه فى نوفمبر 2011 بما يشير إلى أن عددهم 8 ملايين انضم منهم مليونان بعد الثورة لطابور العاطلين الذى يقدر بنحو 6 ملايين، بينما تصر وزارة القوى العاملة أن عددهم أقل من هذه الأعداد المعلن عنها... حتى فى إحصاء تواجدهم على ساحة خريطة الوطن تتذبذب الأرقام... وعامل اليومية حسب تعريف الجهاز المركزى للإحصاء، هو عامل يعمل لدى الغير بأجر، ويكون هذا العمل هو مصدر دخله الوحيد.
«الفواعلية».. يحملون جبال الهموم وينتظرون الفرج
أجلس بالساعات وبالأيام والأسابيع بل وتتعدى الشهور، وكل هذا من أجل لقمة العيش الحلال، ولا ينطلق لساني إلا بقول يا رب افرجها من عندك يا رب.
لا أعي برودة الجو في الشتاء ولا حرارة الشمس في الصيف، بل كل ما يعنيني هو كيف أعود إلى المنزل حاملا لأسرتي ما يسد جوعهم ويروي ظمأهم، وكيف سأحمل إليهم البهجة والسرور.
وأنا هنا جالس على الرصيف، من يراني يحسبني عاطلا من دون عمل، والحقيقة أني أملك صنعة يعجز كثيرون عن تحملها، وكلما حاولت أن أنسى همومي وكتمانها تفضحني دموعي وتنطق بما يعجز اللسان عن النطق به ويصعب على القلب تحمله، ولكن تهون كل المتاعب كلما أتذكر قول الله تعالي "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ".
طال الانتظار، ولكن ليس هذا حالي فقط، بل وجدت أن حالي يشبه الكثيرين ممن حولي من الناس الذين يفترشون الطرقات، وبين أيديهم معداتهم "الشاكوش والمطرقة والأجنة"، وتشابهت أحلامنا سويا وأصبح كل واحد منا يحلم ويجول بخاطره ما يجول بخاطر كل واحد منا.
فكلنا نمني النفس بأن نعود إلى البيت ومعنا قوت يومنا الذي يسد حاجتنا ويغنينا عن السؤال، حلم صغير لكن تحقيقه لأمثالي يكون مريرا ممزوجا بالمتاعب والآلام، ودائما ما أقول لنفسي إنني أشبه في تجوالي بالسائح الأجنبي الذي يتجول في كل مكان، ولكن الاختلاف بيننا أنه يتجول لينسى متاعب الحياة وقضاء وقت ممتع بعيدا عن متاعب الحياة ومشاقها، ولكن مثلي يتجول غارقا في متاعب الحياة، منغمسا فيها، فقط ما ينسينا هو إيماننا بأن "لقمة العيش مرة"، ولا بد من السعي إليها بكل وسيلة ترضي الله.
يغلبنا النعاس أحيانا مع طول الانتظار، ولكن التعب ما زال في أجسادنا والتفكير ما زال يراودنا، والأحزان تسيطر علينا، ونسأل أنفسنا: هل سيمر يومنا كغيره من الأيام من دون عمل في مكاننا؟.
هذا الشاب بدأت التجاعيد بالظهور على وجهه وبدا كالعجوز الذي كسا الشيب رأسه، وحفرت التجاعيد خطوطها الغائرة على وجهه، وملامح وجوهنا غابت كغياب الألوان عن الصور، كغياب الشمس عن الصباح، والشاب اندثرت أحلامه، وأصبح زهرة ذابلة من دون لون ولا رائحة.
مللت الانتظار، وبدأت الشمس في الغروب، ولم أجد اليوم ما يشفي صدري ويهون على همومي وأحزاني، أسير بخطوات بطيئة، يملأ قلبي الحسرة، وينهك جسمي التعب من جبال الهموم، أسير محبطا، محطم الفؤاد، وفاقد العزيمة، أسال الله أن يكون الغد أفضل حالا من اليوم والأمس.



 ... استغلال المقــاول ...
 «عبدالعاطى عيد سنوسى» واحد من آلاف المصريين الذين كانوا يساهمون فى الاقتصاد المصرى بزراعة الأرض وتقديم محاصيلها للوفاء باحتياج السوق المحلية وتصدير مايفيض منه... لكن ماذا يفعل بعد ما قام صهره بالبناء فوق الأرض الزراعية، وبعد ما تم تجريف الأرض؟ حزم هزيمته واصطحب زوجته وأبناءه الأربعة، ونزح إلى القاهرة ليتحول من طاقة منتجة إلى رقم يضاف للعمالة اليومية فى عاصمة لا ترحم المهمشين، ولأنه لايحمل أى شهادة دراسية أو يجيد القراءة أو الكتابة، ولأنه يريد أن يطعم هذه الأفواه التى تنتظره كل يوم، ويسدد إيجار الغرفة التى ازدحمت بأفراد أسرته، لم يجد أمامه إلا الشارع الذى يجمعه برفاقه لساعات طويلة انتظاراً لمقاول أنفار يستأجره باليوم. يقول عبدالعاطى : «هذا هو الحل الوحيد أمامى، والأجرة اليومية تتراوح بين 50 و60 جنيها، لكن إذا رفع آذان العصر ولم أجد عملاً أصبح من الطبيعى أن أرضى بأى مبلغ مهما كان صغيرا.
 ... الحياة مشاركة ...
 مثل عبدالعاطى كثيرون، لكن صابر عبدالقوى رغم تشابه ظروفه مع رفاقه عمال التراحيل، كان يحلم أن يعلم أولاده حتى يتغير مستقبلهم، ولم يكن أمامه إلا الموافقة على عمل زوجته، ولأنها مثله تجهل القراءة والكتابة، فلم يكن أمامها إلا الخدمة فى البيوت، يقول صابر «كانت مسألة صعبة أن أوافق، لكن مع احتياج الأسرة وحلمى أن أنقذ صغارى من مصيرى وافقت، هى تعمل طوال اليوم وتعود بعد العشاء، وأنا فى بحثى المستمر عن لقمة العيش، نتحمل معا ونحلم أن يكبر الصغار وقد حصل كل منهم على شهادة تحميه من الذل الذى نحياه.
 ... محام علي الرصيف ...
 وسط عمال التراحيل رأيته يتخذ الرصيف مقعداً ويتحاور مع زملائه بينما عيناه تنظر هنا وهناك، وكأنه يبحث عن شىء، هيئته تختلف قليلا عن رفاقه، عندما اقتربت لاحظت لهجته فى الحديث تختلف أيضا عن أقرانه، ومع حوارنا فهمت السبب، أحمد رضا يحمل مؤهلا عاليا، بكالوريوس تجارة تخرج منذ أربع سنوات، والده يعمل بائعا متجولا... يقول أحمد : «منذ طفولتى وأنا أرى والدى يكد من أجلنا، أمى أيضا كانت تعاونه ببيع الخضراوات فى حارتنا، زرع والدى بداخلنا حب العلم وأقنعنا أنا وأخوتى أن الشهادة العليا ستغير مستقبلنا، انتظمنا فى التعليم رغم الأعباء المادية التى كان يعاني منها والدنا، والتحقت بكلية التجارة لتحيا الأسرة فرحا غامرا عندما تخرجت. كنت أتصور أن حياتى ستتغير، حملت الأمل الذى رضعته منذ طفولتى، لم أكن أتصور أنه أمل كاذب لفجر لن يأتى.. ثلاثة أعوام أبحث عن عمل وأقضى وقتى بين البحث والجلوس على المقهى، مع الوقت شعرت بالخزى إذ إننى بدلا من المساهمة فى أعباء الأسرة، صرت عبئا جديدا... لم أجد بدا من العمل باليومية، بدأت بحمل الطوب والرمل، وبدلا من أن أحمل شهادتى تاجا على رأسى، صار جوال الرمل و«قصعته» المونة هى ما أحمله فوق همى».
.. الوساطة والمحسوبية ..
...  قصصهم كثيرة، وآلامهم أكثر ... 
... ولكن هل يقفون أمام واقعهم المضنى بلا أى حراك؟...
حسين محمد لم يقف مكتوف الأيدى، لكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح يقول حسين : على الرغم أن لدى من الأوراق المستوفاة مايؤهلنى لعمل، إلا أننى فشلت فى كل محاولاتى، فقد ذهبت إلى وزارة القوى العاملة بكل أوراقى الرسمية ولم يساعدنى أحد، ومع الأسف كل شىء يتم فى هذه البلاد بالوساطة والمحسوبية، فلو كان لى وساطة لساعدونى ولحصلت على مال لأفتح به «كشك» أو أقم بعمل أى مشروع صغير، أما وزارة التضامن الاجتماعى فهى ربما تساعد النساء المعيلات حتى ولو بمعاش قليل أما الرجال فلا يوجد من يهتم بهم أو يسأل عنهم، والمشكلة أننى بلغت 48 سنة ولم أعد أستطيع حمل (الطوب والزلط) ولكن مع الأسف لا أجد لذلك بديلاً، فهل يوجد من يساعد عمال التراحيل؟.
 ... محــو الأميـة ...
 ويضيف جمعة مؤمن: إن التعليم لاينفع المواطن المصرى لأنه فى النهاية لايجد مردوداً لهذا الجهد الدراسى وعملاً يكون ثمرة لمشوار التعليم.
 مجدى العطار، هو أيضا من المكافحين من عمال اليومية، له نفس ظروفهم، ولأنه مثقف ومطلع فهو يدرك أكثر، ماله وما عليه، يقول : «المشكلة لاتكمن فى ظروفنا المتدنية فقط، أو فى مستقبلنا المجهول، أو حتى فى حياة نحياها فى خوف وعدم اطمئنان، لكن المشكلة الأكبر فيمن يقومون على مصالحنا، يمتصون دماءنا ولا يسائلهم أحد، فرغم أن قانون العمل المصرى فى المادة 16 يحظر استخدام عمالة عن طريق مقاول أو مورد عمالة، والمادة 79 فى نفس القانون تقول «إذا استعان صاحب العمل بصاحب عمل آخر لأداء أحد مهامه، وجب على صاحب العمل الذى تم تكليفه أن يساوى بين عماله وعمال صاحب العمل الأصلى بداخل نفس المنشأة فى جميع الحقوق» هذا النص لايتم العمل به، فمقاول الأنفار يأتى ليأخذنا كالبهائم يضعنا فى سيارة نقل ويذهب بنا حيث يريد، أحيانا يكون عمل قطاع خاص وأحيانا قطاع عام، والقانون يلزم مقاول الأنفار أن نتساوى فى القطاع العام مع العمال فى نفس المنشأة، وهو ما لايحدث لا فى ساعات العمل أو فى أى حقوق تأمينية أو صحية أو حتى فى الأجور.

هـــل يدخــل غير المسلم الجــنة ؟ 
شاهد رد الإمام الأكبر د/أحمد الطيب 
و إجابة جميلة عن الشيخ محمود شلتوت
 توضح مدى تسامح الإسلام و بعيدة عن التعصب



 ... حقــوق مهـــدرة ...
 ويؤكد سامى مندور - عامل محارة - على نفس النقطة السابقة ويضيف : عمال القطاع العام ساعات عملهم 8 ساعات، ولهم كافة الحقوق بما فيها الأرباح والوجبات، أما نحن فيتم جمعنا من الخارج لنعمل باليومية، 12 ساعة وليس لنا حقوق، ويتم الاستغناء عنا بدون إبداء أسباب... المشكلة أننا فئة نريد أن نحيا بشرف، لا نريد أن نسرق لنطعم أبناءنا ولا نقبل إلا العمل الشريف، لكن كل مافى بلدنا يسوقنا للهاوية. أنا أعلم جيدا أن هناك نسبة 5% تستقطع من كل مقاول يدفعها عن كل عامل وهى مايسمونها حصة رب العمل فى التأمينات، أين تذهب هذه الأموال؟ أليست من حقنا لتأميننا؟ فأين تذهب؟.
... مصاصو الدمــاء ...
 ماذا يقول مقاول الأنفار والذى يعتبره عمال التراحيل «مصاص دماء».
 محمد الشحات - مقاول أنفار - يرد : أنا الوسيط بين هؤلاء العمل وبين المقاول الذى يبنى العمائر، وعادة ما أحصل على مائة جنيه على كل نفر يعمل فى اليوم، وأنا أدور بالشوارع بحثاً عنهم وأجمعهم فى سيارة نقل أو ميكروباص وأوصلهم إلى موقع العمل، وطبعاً هذا لايتم وفق عقد بل اتفاق بالكلام فقط، وأى نفر لايقوم بعمله على أكمل وجه أنا المسئول أن أجلب غيره لصاحب العمل، وكنت أتمنى وجود شركة أو مسئول عن هؤلاء العمال يمكن أن نرجع إليه، لأنهم لو ارتكبوا أى خطأ أو قام أحدهم بسرقة أى شىء، لانجد من نرجع إليه، وهناك شركات للبناء والتشييد لديها عمال، ولكن استئجار العمالة من هذه الشركات مكلف جداً، وعادة لايلجأ إليه المقاولون.
 ما بين العمل المضنى والقروش المعدودة، مابين نهار يمضى فى شقاء وليل لايعرف منه عامل التراحيل إلا سواده، يعيش هؤلاء بين مطرقة الحاجة وسندان الإهمال وتهميش المجتمع لهم وتغاضيه عن حقوقهم، ليصبح هؤلاء قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار فى أى لحظة ولن يتمكن أحد من إبطال مفعولها المدمر..


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: