الأحد، 5 يناير 2020

عندما يتجرأ البعض على خيانة قضية بيت المقدس



.. ترمب يدعو لإعلان القدس "إسرائيلية".. 
خطوة كان يخشاها كل رؤساء أميركا
... فلماذا تجرأ ترمب؟ ...

عندما يتجرأ البعض على خيانة قضية بيت المقدس


لا شك أن الكثيرين سيستغربون عندما يعلمون أن بيت المقدس قد تم تسليمه للصليبين بعد أقل من 40 عامٍ على تحريره على يد السلطان صلاح الدين سنة 1187م، وقد تزداد الدهشة عندما يعرفون أن من قام بذلك هو ابن أخي صلاح الدين، هي قصة غريبة عجيبة، أبطالها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل - سلطان مصر- المتوفي عام 1238م، والإمبراطور فريدريك الثاني امبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ت. 1250). وقد تمت الاشارة أعلاه الى أن الملك الكامل كان ابن السلطان العادل أخو السلطان صلاح الدين، لكنه قرر في لحظة من التاريخ أن يعيد بيت المقدس الى الامبراطور فريدريك سلماً دون قتال، مبرراً فعلته بعذر أقبح من ذنب.
 ولنعد قليلاً للوراء حتى نرى كيف ولماذا قرر هذا السلطان تسليم بيت المقدس على أهميته في الوجدان والعقيدة الاسلامية الى الصليبين، علماً بأن عمه صلاح الدين قد بذل الغالي والنفيس ولم يدخر جهداً لتوحيد الأمة الاسلامية وقتال الصليبين لتحرير أولى القبلتين وثاني المسجدين، من احتلالهم الذي جثم على صدر هذه المدينة المقدسة ما يقارب 88 عاماً.
فمع أن تعاضد الكامل وتعاونه مع إخوته وخاصة أخيه المعظم عيسى حاكم دمشق وبعض أجزاء بلاد الشام، قد لعب دوراً رئيسيا في هزيمة جيوش الحملة الصليبية الخامسة (1221-1217م) والتي كان هدفها الأساسي اجتياح الأراضي المصرية واحتلالها، تمهيداً لاحتلال بيت المقدس. 
وبذلك، نجح هذا التحالف بين الأخوين في حماية بلاد المسلمين من احتلال جديد للصليبين، إلا أنه وللأسف، لم تمض إلا سنوات قليلة حتى دب الشقاق والنزاع بين الأخوين، ولم يكن سببه إلا بريق "الكرسي" وحب السيطرة ومد النفوذ. 
وأخذ هذا التنازع بين الأخوين منحاً خطيراً، فالمعظم عيسى قام بالاستنجاد بالجنود الخوارزمية - وهم جند أقوياء أشداء يحسب لهم حساب - واعداً إياهم بالمال الوفير والسلطة إذا ما هم ساعدوه في القتال ضد أخيه الكامل والسيطرة على مصر، في المقابل، اتجه الملك الكامل بطريقة غريبة نحو الإمبراطور فريدريك - عدو المسلمين - واعداً إياه ببيت المقدس وغيرها من المدن الفلسطينية إذا قبل الأخير التحالف مع الكامل في صراعه مع اخية المعظم.
لم يتردد الكامل في الدفاع عما قام به من خلال أبواق نظامه من بعض العلماء الذين باعوا ضمائرهم، معللاً ذلك بأنه قد رد للصليبين الكنائس والبيوت الخربة والمدمرة في بيت المقدس
لا شك أن الإمبراطور بحصوله هذه الدعوة للتحالف وبما سيترتب عليها من ثمن كبير، لم ينتظر لحظة واحدة للتفكير، وإنما استجاب وأجاب بالموافقة، كيف لا، وهو أمام حاكمٍ مسلمٍ لا يجد حرجاً في أن يفرط في بيت المقدس ويتنازل عنه للأعداء، طالما أنه بذلك سيحمى عرشة وكرسيه. علاوة على ذلك، كان البابا جريجوري التاسع قد أصدر قبل فترة قصيرة ما يسمى بقانون الحرمان ضد الإمبراطور فريدريك في خضم الصراع المتنامي بين مؤسستي الإمبراطورية والباباوية، ويريد الامبراطور اثبات قوته وسلطته في اوروبا من خلال اخذ بيت المقدس من المسلمين لإضعاف البابا.
جهز الإمبراطور نفسه وعددٍ قليلٍ من الجنود لم يتجاوزوا 500 جندي بحسب المصادر التاريخية، متوجهين نحو الشرق لتأكيد التحالف مع الكامل واستلام بيت المقدس، وقد وصف المؤرخون هذه الحملة الصليبية والتي عُرفت فيما بعد بالحملة الصليبية السادسة بحملة النزهة، بسبب العدد الضئيل للجنود فيها مقارنة مع الحملات الصليبية السابقة. 
وأثناء مسير الامبراطور الى الشرق، حصل ما لم يتوقعه لا الكامل والا الامبراطور، فقد تُوفي المعظم عيسى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1227م، ومنطقياً فقد انتفت الحاجة للتحالف بين الرجلين، لأن عدو الملك الكامل لم يعد موجوداً، الا أن الأمور سارت على خلاف المنطق، وأتم الرجلان تحالفهما وتم توقيع ما يسمي باتفاقية يافا (18 فبراير/شباط 1229م)، بحيث كان أهم بنود هذه الاتفاقية هو تسليم بيت المقدس للصليبين لمدة 10 سنوات، باستثناء المسجد الأقصى وما احتوته ساحاته من معالم دينية.
لا شك أن الكامل قد نسي او تناسي جهد عمه – السلطان صلاح الدين- وجهود من كان معه من المسلمون عرباً وأكراداً وأتراكاً وأمازيغين وغيرهم من أبناء هذه الامة، في محاولتهم لتحرير بيت المقدس، ويبدوا أنه قد نسي كم سالت من الدماء في سبيل إعادة بيت المقدس ومسجده الأقصى الى حضن الإسلام والمسلمين، لكنه الكرسي وحب الرئاسة، ولو كان ثمن ذلك مقدرات الامة ومقدساتها.
فالكامل وجد أن الامبراطور فريدريك سيكون له سنداً في وجه أي معترض، وسيشكل قوة داعمة له في أي محفل. ولم يتردد الكامل في الدفاع عما قام به من خلال أبواق نظامه من بعض العلماء الذين باعوا ضمائرهم، معللاً ذلك بأنه قد رد للصليبين الكنائس والبيوت الخربة والمدمرة في بيت المقدس، ومع أن الكثيرين من العلماء في مصر وبلاد الشام وغيرها من بلاد المسلمين قد استهجنوا بشدة عملة، الا أن تأثيرهم كان بشكل عام ضعيفاً، واستمرت سيطرة الصليبيون على بيت المقدس المدة الكاملة التي حددتها اتفاقية يافا.
أخيراً، مع أن الملك الكامل والإمبراطور فريدريك 
قد توفيا منذ أمد بعيد، 
الا أن هناك في أيامنا هذه من يصر ان يلعب دور الملك الكامل
 ويسعى لإخراج الإمبراطور من قبره لإتمام الصفقة.



ليست هناك تعليقات: