السبت، 7 ديسمبر 2019

نحن معاشر الكذابين؟.لا تحتقروا تراثكم ..الجزا الأول..فيديو



لا تحتقــروا تراثـكــم 
ولا تُعظِّمــوا كل شيئ أتى من عنــد الآخــر 
لأنـه فقـط آخـر وأخـــري

 لكن كُونوا نقديين أيضاً ووزِّنوا كل شيئ بقيمته الذاتية




أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – تبارك وتعالى من قائلٍ – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
 وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۩ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ۩ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ۩
 صــدق الله العظـيم.
.


وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.مين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩،
 ذكر السادةُ المُفسِّرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة من سورة البقرة أن الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – كانوا إذا خاطبوا الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ربما قالوا يا رسول راعنا، أي فرِّغ سمعك لكلامنا، استمع إلينا جيداً، من قولهم راع إليه ورعاه وراعاه إذا أصاخ إليه وأحسن الإنصات والاستماع، وكانت هذه الكلمة في لغة اليهود وفي عبريتهم تعني معنىً قبيحاً، فكانوا إذا أرادوا أن يُحمِّقوا إنساناً – أن ينسبوه إلى الحمق – قالوا له راعنا، يعني يا مَن به رعونة، وقيل المعنى راعنا أي اسمع غير سامعٍ، اسمع لا أسمعك الله، اسمع وأنت أُطروش، فيها شتيمة، فلما رأوا الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – يقولون هذه اللفظة التي تعني هذا المعنى الفاحش في لغتهم فرحوا بها وسُرّوا جداً، قالوا كنا نشتم محمداً في سرنا، فالآن نُعلِن به، فكانوا ربما أتوه – عليه الصلاة وأفضل السلام..قائلين يا محمد راعنا، ويضحكون بعد ذلك بين بعضهم بعضاً في سرهم ..
كان سعد بن مُعاذ – الصحابي السيد الجليل الأنصاري رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يعلم لغة اليهود ففطن لهذه الحيلة القبيحة فقال لهم والله لا أسمعُ أحداً منكم بعد اليوم يقول هذه الكلمة لرسول الله إلا ضربت عنقه، فقالوا أولستم تقولونها؟ أنتم تقولون له راعنا، فأنزل الله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ – يعني اليهود – عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩، فسدَّ عليهم الباب لئلا يجدوا سبيلاً إلى شتيمة رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام. إذن الألفاظ حسّاسة وهى في ميدان تداولها تخضع لأمور كثيرة خارج المُعجَمية، وهذا ما تُعنى به الآن علوم التداول اللغوي عموماً، التداولية ومنها أيضاً علوم الدلالات، كل هذا أصبح يُؤخَذ في الاعتبار، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – فيما رواه الإمام أبو داود في سُننه عن عوف بن مالك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – قضى يوماً بين اثنين – أي بين رجلين – وبالحري يقضي لأحدهما على الآخر وهكذا جرى الأمر، فلما انصرف الذي قُضيَ عليه – أي ثبت عليه الحق، كان مُبطِلاً بمعنى ما – قال حسبي الله ونعم الوكيل، الرجل يشعر بالهضمة، يشعر بأنه ظُلِم، والنبي هو القاضي، النبي هو الحاكم، فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس، فإن غلبك أمرٌ فقل حسبي الله ونعم الوكيل، الكيس هو الحزم والاحتياط، الأخذُ بأسباب التحوط، أن تنظر في أدبار الأمور، لا تُورِد إلا وأنت تعلم كيف ستُصدِر، تُقدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها، كل هذا هو تفسير الكيس، ومن هنا قولهم فلان حازم كيّس ينظر في أدبار الأمور، يُقدِّر لكل أمرٍ موضعه وينظر في نتائجه وعقابيله وتواليه ومُستلزَماته، وعكسه العجز، الذي يُهدِر الأسباب ولا يأخذ بأسباب الاحتياط.. 
قال السادة العلماء شرّاح هذا الحديث الجليل – هكذا فهموا – لعل هذا الرجل الذي قُضيَ عليه ثبت عليه دينٌ – كان مديناً لأخيه – وأدّى الدين لكن من غير بينة، حين ثبت عليه الدين هناك ببينة وشهود أو كتاب، وحين أعاد الدين لم يأخذ موثقه، لم يأخذ موثقاً بإعادة الدين، لم يكن هناك شهود لكي يشهدوا على أنه أعاد الدين، فربما افترى الآخر وادّعى أن الدين قائمٌ في ذمة المدين لا يزال، والنبي بحُسن بصره وشفافيته فهم هذا، لكن قال أنا لا أستطيع إلا أن أقضي بالبينات، لابد من البينة، وأنت العاجز لأنك لم تستوثق لأمرك، عليك ألا تُهدِر الأسباب، خُذ بالأسباب وتحوَّط لنفسك، كما تحوَّط هو لنفسه وأشهد على الدين لماذا أنت لم تُشهِد على الأداء؟ 
فهذا عجزٌ، الله يلوم على العجز، قال له أنت المُخطيء مرتين، مرةً حين تورّط في العجز، ومرةً أُخرى حين قلت حسبي الله ونعم الوكيل، النبي مُربٍ كبير عليه الصلاة وأفضل السلام، واضح أنه ليس لنا في هذا العصر من تربيته إلا هُتامات ونُتف يسيرة جداً جداً جداً جداً، نحن بعيدون البُعد كله تقريباً عن هديه ومنهاجه في التعليم في الدين والدنيا لكننا نُكثِر فقط من سرد إسمه والصلاة عليه واقتباس أحاديثه من غير فهم ومن غير أن نُحيلها إلى ثقافة حقيقية في حياتنا، نحن العجزة، هذه أمة العجزة اليوم، لا أحسب أنه على وجه الأرض أمة أعجز من هذه الأمة، ليس فقط تتورَّط هذه الأمة بعدم أخذها بأسباب الكيس والحزم والاحتياط والتدبير وحُسن النظر والتأتي إلى كل الأمور ومعرفة الموارد والمصادر – لا ليس هكذا – 
بل هى تعمل بكل حيلة ووسيلة ضد مصالحها وضد وحدتها وضد أمنها وضد استقرارها، وهذا شيئ عجيب، هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنها عملياً – ماذا أقول؟ هل أقول كافرة بتراث محمد؟ – كافرة، لا تُؤمِن بهذا التراث ولا تستفيد منه ولا تستوحيه ولا تسترشده ولا تسأله، ليس لها علاقة به على الإطلاق، وهذا الدين هو دين الكيس ودين الحزم، والمُؤمِن كيّسٌ فطن وليس عاجزاً أحمقاً غبياً يُلعَب به ويكون مُغفَّلاً ولُعبةً للأمم ولُعبة للكبار والصغار على جميع المُستويات أبداً، قال حتى هذه الكلمة لا تقلها الآن، في هذا السياق لا تقلها، وإلا حسبنا الله في كل حال، والله – تبارك وتعالى – نعم الوكيل والمُفوَّض إليه الأمر كله في كل حال، لكن ليس في هذا السياق، في هذا السياق أنت تُضلِّل نفسك وتخدع نفسك، أنت بهذه الطريقة تُعرِّض نفسك أن تُعيد هذا الخطأ ألف مرة، تأخذ بأسباب العجز ثم تقول حسبي الله ونعم الوكيل، لكن حسبي الله على عجزك، حسبي الله على حُمقك، تعلَّم هذا، النبي رفض أن تُستعمَل هذه الكلمات المُقدَّسة الجليلة في غير سياقها، كم نفعل هذا؟ نفعله بطريقة مسخرتية إن جاز التعبير، أصبحنا سُخرية لأنفسنا وللأمم كبيرها وصغيرها وجليلها وحقيرها، كم ذا وكأين من أبناء المسلمين وبنات المسلمين في الوقت الراهن انتقلوا من الإيمان إلى الإلحاد والكفر والجحود والنُكران؟
ومن الأسباب – من جُملة الأسباب الكثيرة – التي يُعرِبون عنها ويُبرِّرون بها ويُسوِّغون بها إلحادهم قولهم ألستم تدعونه من سبعين سنة – تاريخ القضية الفلسطينية – لماذا لم يُلبِكم؟ تدعونه وبالذات في مكة المُكرَّمة ليلة السابع والعشرين، ملايين ترفع الأكف ضراعةً وابتهالاً واستبذالاً واستمناحاً واستمطاراً واستنصاراً ثم أمركم من خيبة إلى ما هو أخيب ومن فشل إلى ما هو أفشل ومن سيء إلى ما هو أسوأ، ما العلة؟ هؤلاء المساكين – هدانا الله وإياكم – الذين ألحدوا وتركوا يفاع الإيمان وتهوَّروا في وهدة الكُفران والنُكران لم يعلموا لأنه تقريباً لم يُقل لهم نحن أمة تسخر بدينها وحين ندعو ونرفع الأكف في مكة وغير مكة في كل مساجد الأرض – والله وأنا على منبر رسول الله – إنما نسخر من ديننا حتى لو أرسلنا الدموع وبكينا، كل هذه الدروشة فارغة، هل تعرفون لماذا؟
 لأنكم ترفعون أكفكم وتقولون اللهم انصرنا وهذا كذب، أنت تطلب النصر أم الانتصار؟
 كُن دقيقاً، نوح كان برأسه ومعه فئةٌ قليلة – وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ – في قومٍ كثيرٌ عددهم ومكث فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ۩، هذا كيّس كيّس كيّس، هذا من أولي العزم من الرُسل، هو من الخمسة أولي العزم، أخذ بكل أسباب الكيس، ولما أعيته الأسباب وانقطعت الحيلة وارتفع الأمل بالكُلية قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ۩، قال أنا لا أستطيع، أنا لا أستطيع أن أنتصر لنفسي منهم، فأنا أطلب منك يا رب بعد تسعمائة وخمسين سنة في هذا العذاب أن تنتصر لي ولمَن معي، فلبّاه الله، هل تُريدون أن ينتصر الله لكم يا أمة المليار وثمانمائة مليون أم تُريدون النصر؟
 لماذا الكذب على أنفسكم وعلى السماء؟
 والسماء لا يُكذَب عليها ولا تُخدَع، تقولون اللهم انصرنا وهذا جميل، النصر يكون في معركة، هل تُعارِكون؟ 
لماذا تكذبون؟ هذا كذب، قال اللهم انصرنا، هل تُحارِب حتى تطلب النصر يا رجل؟ 
انظر إلى آيات الجهاد في سبيل الله، آيات الذين قاتلوا في سبيل الله، لا يُذكَر دعاؤهم بالنصر إلا حين المُصافة، حين يلتقي الطرفان، حين إذن يرفعون أيديهم ويطلبون النصر، هذا دعاء مقبول وهذا دعاء معقول وله معنى، لكن مثل هذه الأمة – أمة المليار وثمانمائة مليون – ومثل هذا الجمع الكريم – مثلاً – من مئات أو ألوف من الناس يجلسون ويرون امرأة أو فتاة أو سيدة ضعيفة مهيضة الجناح وكسيرة الجانب يعتدي عليها مُجرِم أثيم صائل، رجل قوي بشوارب يقف عليها الغُراب وهو غُراب، فماذا يكتفون؟ طبعاً هؤلاء بالمئات، لو نفخوا عليه لطار، أليس كذلك؟ لو بصقوا عليه لأغرقوه، يرفعون أيديهم اللهم اكشف غُمتها، اللهم نفِّس كربها، اللهم انصرها يا ربي، اللهم دافع عنها وعن عِرضها، والمُجرِم لا يبرح يُبرِّحها ضرباً، ما هذه المسخرة؟ 
هذه مسخرة، نحن أمة المسخرة، نقول اللهم انصرنا فقط..
هل تُريد أن ينصرك؟ أين القتال؟ أين المعركة؟ هل تأخذ بأسباب النصر؟ 

بالعكس أنت قويٌ على أخيك، قويٌ على شعبك، قويٌ على نفسك، ذليلٌ أمام عدوك وأمام خصمك، يأتينا الآن رجل مثل هذا الذي فاز بالأمس يُهدِّد العالم العربي والإسلامي، مَن هو؟ ما قيمته؟ ما ماضيه؟ كم ثقله في الميزان؟ 
هذا لم ير أمة تُهاب أصلاً، لم ير لا أنظمةً ولا شعوباً يُمكِن أن تبعث في نفسه شيئاً من مهابة وشيئاً من تحوط، هُنا على أنفسنا وهُنا على الناس كل الناس، نحن نستخدم اللغة بطريقة بشعة – حتى اللغة الدينية – ونكذب على الأسباب – كما قلت لكم – وعلى أنفسنا وعلى السماء والأرض، نحن نكذب، النبي لم يكن ليرضى أبداً بهذه الخُطة اللعينة، قال تبارك وتعالى في سورة القتال – سورة محمد – ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩، هذا الانتصار، نحن نُريد الانتصار، لو كُنا صادقين لقلنا يا ربي لا نُريد القتال، لا نُريد الدفاع، لا نُريد حتى أن نُقاطِع، لا نُريد أن نعمل كل شيئ، وانصرنا في فلسطين وغير فلسطين، وهذا كلام فارغ، هذا مُستحيل، حاشا لله، بالعكس لو كان للحكيم فينا دعوة يقول في هذه الحالة اللهم لا تنصرنا لأنك لو نصرتنا أفسدتنا، وحاشا لله أن ينصرنا، يُفسِد علينا ديننا وعقلنا ودنيانا، كل الأمم تتسبب إلا هذه الأمة تُهدِر الأسباب كل الأسباب، ثم تزعم أنها أمة التوحيد والإيمان وأمة تُقبِل على الله الرحيم الرحمن، وكما قلت تستمطره وتستنجزه وتستنصره وتستبذله وتستعطيه، وهذا كلام فارغ، السماء لا تُعطي الحمقى، ونحن أمة حمقى، يجب أن نكون واضحين. 
كم نستخدم (إن شاء الله)؟ كثيراً جداً، إن شاء الله ماذا نُريد بها؟ ماذا نُريد بها في الحقيقة؟ إن شاء الله نُريد بها ألا نفعل، نُريد بها أن نُسوِّف، أنت حين تسمع هذه الكلمة من أي شخص في هذه الأمة تقريباً إلا مَن رحم ربي وقليلٌ ما هم – كثَّرهم الله – تعلم أنه ما دام قال إن شاء الله فتقريباً القاعدة أنه ينوي ألا يفعل، إن شاء الله ندرس، إن شاء الله نفعل، إن شاء الله نتصدَّق، لن يدرس، لن يفعل، ولن يتصدَّق، لماذا؟ لأن – كما قلت لكم – اللغة لا تتحدد بالمُعجَم، اللغة تتحدد بالثقافة وبالسياقات الاجتماعية وبالتنشئة الاجتماعية، ما يُعرَف بالـ Social conditioning، انتبهوا إلى أن هذه الدراسات الآن كثيرة وهناك علوم قائمة تقوم على هذا، اللغة ليست كما يعتقد السُذج من الناس مُجرَّد تعبير عن لأفكار والمشاعر والوجدانات، هى تخليقٌ للأفكار، ما رأيكم؟ العلاقة أكثر اعتمادية مما تظنون بين اللغة – بين اللفظة – وبين مسالكنا، أنا اليوم في خطابي لأول مرة في حياتي خطر لي تساؤل وهوهل يُمكِن بين مُعدَّلات الشذوذ الجنسي وبين اللغة؟ مَن كان من أبنائنا وإخواننا يدرس في هذه العلوم أنا أقترح عليه أن يعمل رسالة ماجستير في هذا الباب، العلاقة – مثلاً – بين مُعدَّلات الشذوذ الجنسي وبين اللغة، في أول مرة يخطر لي هذا، وهذا البحث العلمي سوف يكون طريفاً جيداً، كيف هذا؟ 
سوف أُعطيكم مُقدِّمة لهذا، هناك لغات لا تُميِّز في ضمائرها بين الذكر والأُنثى إطلاقاً مثل اللغة الفنلندية، في فنلدا التعليم رقم واحد في العالم، عندهم Hän معناها هو وهى، في العربية يُوجَد هو وهى، في العبرية يُوجَد هوْ وهيْ، هوْ بالتسكين عندهم بالعبرية تعني هو، وهيْ بالتسكين تعني هى، ويُوجَد أنا وأنتَ وأنتِ، آني يعني أنا، أتا يعني أنتَ، وآت يعني أنتِ بالعبرية، بالعربية أنا وأنتَ وأنتِ، في الفنلندية لا يُوجَد هذا الكلام، هل هذا واضح؟ هو وهى كلمة واحدة وهى Hän، وSinä تعني أنتَ أو أنتِ، حين تسمع بالفنلندي Sinä تعلم أن المقصود أنتَ أو أنتِ دون أن تعرف على وجه التحديد، العبرية لغة سامية، العبرية مثل السريانية ومثل العربية فيها أنا وأنتِ وهو وهى، في الإنجليزية الأمر وسط، اللغة الإنجليزية وسط، فيها He is وShe is، أي هو وهى، لكن فيها You are فقط، You are يعني أنتَ أو أنتِ وطبعاً تأتي حتى للجمع بمعنى أنتم، هى جاءت مُتوسِطة، إذن لدينا ثلاث مراتب، لغات لا يُوجَد في ضمائرها اهتمام بالتفريق الجنسي والتمييز الجنسي، ولغات مُتوسِطة كالإنجليزية، ولغات مُتقدِّمة في هذا الباب كاللغات السامية مثل العربية والعبرية ونظائرهما، وجد العلماء الدارسون أن هذا ينعكس في قدرة الطفل الصغير في مراحله الأولى على تمييز هويته الجندرية، أي هويته الجنسية، هل أنا ذكر أم أُنثى؟ هذا ينعكس والسبب اللغة، بمعنى ماذا؟ بمعنى أنهم وجدوا الطفل الذي يتحدَّث العبرية – التجربة كانت على العبرية، والعربية ينطبق عليها نفس الشيئ طبعاً، لكنها كانت على إسرائيليين أو يهود – يُميِّز هويته الجنسية سنة قبل نظيره الفنلندي، الفنلندي يتأخَّر سنة كاملة حتى يعرف الطفل نفسه هل هو ذكر أم أُنثى، وماذا عن الطفل الإنجليزي سواء في أيرلندا أو إسكتلندا أو الولايات المُتحِدة أو أستراليا أو كندا لأن كل هذه الدول ناطقة بالإنجليزية؟ هذا وسط، يأتي في حال وسط، يسبق قليلاً الفنلندي ولكنه يتأخَّر قليلاً عن الناطق بالعبرية، هل إلى هذه الدرجة؟ نعم إلى هذه الدرجة، إذن اللغة تُكسِبنا مهارات معرفية، معرفة الذات ومعرفة الآخر ومعرفة العالم. 




ليست هناك تعليقات: