السبت، 6 أبريل 2019

خطوط على الرمال ,إتفاقية “سايكس بيكو لإعادة رسم الخريطة العربية"..فيديو



" خطــوط على الرمــال "
.. مئة عــام على سايكس بيكــو ..
. قراءة تاريخ المنطقة .
التي رسم حدودهــا موظفــان بريطــاني وفرنســي
.. ضمن التنافس على النفـــوذ الاستعماري ..



قبل نحو مائة عام وقعت القوتان الاستعماريتان الرئيسيتان بريطانيا وفرنسا اتفاقية سرية عرفت لاحقاً باسم “سايكس- بيكو” تم بموجبها اقتسام إرث الدولة العثمانية في الشرق الأوسط بعد الحاق الهزيمة بها في الحرب العالمية الاولى.
 لكن الحدود التي رسمتها تلك الاتفاقية والتي تم بموجبها إنشاء دول الشرق الأوسط تبدو الآن قد دخلت مرحلة التبدل والتحولات.
فالعراق مثلاً في طريقه إلى التفكك بعد دخوله مرحلة الاضطرابات والفوضى مع استيلاء ما يعرف بتنظيم “الدولة الاسلامية” على مساحات شاسعة من مناطق العرب السنة في العراق، بينما يواصل زعماء الأكراد في الشمال التهديد بالانفصال عن العراق والإعلان عن الاستقلال الكامل واقامة دولة “كردستان”. وأعلن مسلحو التنظيم، الذين أزالوا الحدود بين العراق وسوريا في حزيران عام 2014، إلغاء سايكس - بيكو إلى الأبد.

 سايكس - بيكو انتهت وذلك أمر مؤكـد
، لكن كل شيء الآن غامض ،
. وسيكون هناك وقت طويل قبل أن تتضح ما هي النتائج .


أسست اتفاقية سايكس­ بيكو، التي مضى على توقيعها أكثر من مئة عام، لدول عربية قطرية بناء على حدود وضعها المستعمر، نمت معها ظروف التجزئة، والانغلاق؛ ونتج عنها حالة من اللا استقرار، كما هيأت في الوقت نفسه لنشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في بيئة ضعيفة مفككة متخلفة.
- تعد منطقة “الشرق الأوسط” الأكثر قابلية للتأثر بمتغيرات النظام العالمي بحكم قدراتها وإمكانياتها المحدودة، وضعف تماسكها، لاسيما اقتصادياً وسياسياً، واتساع نطاق وعمق صراعاتها، وأزماتها البنيوية، والتي تكشفت حدتها خلال الأحداث والتفاعلات الجارية في ساحتها، وتجلت مواطنها بين هويات وطنية (قطرية)، وقومية (عربية)، ودينية (إسلامية) متصارعة، ونزعات طائفية ومذهبية متنامية، وتحركات انفصالية، وولاءات أولية استبدلت بالدين، أو القبيلة، أو العرق، وحركات جهادية متطرفة تتقاطر تحت “حلم” إقامة الدولة الإسلامية، وجماعات مسلحة تتمدد في ساحات عربية بفعل التغذية الخارجية، مالاً، وسلاحاً، وعتاداً.
 وتعود بداية مخططات التقسيم إلى مئة عام مضت، وتحديداً عام 1916، حين قررت كل من بريطانيا وفرنسا تقسيم إرث السلطنة العثمانية، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتظهر مؤامرة “سايكس- بيكو”، والتي أدت إلى تغيير معالم دول “الهلال الخصيب”، وظهور الكيان الصهيوني على حساب الحقوق والأراضي الفلسطينية عام 1948. ويتماشى الحديث المتداول حول تقسيم العراق وليبيا وسورية، وتدعيم النزعة الطائفية لدى “الأقليات” في سائر دول الوطن العربي، بشكل أو بآخر، مع محاولة تنفيذ تلك المخططات القديمة، وهو الأمر الذي يتناوله هذا البحث. 
 فرضية البحث: ينطلق البحث من فرضية أن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث، مخطط ومرسوم له مع نهاية اتفاقية سايكس بيكو، وما يجري حالياً هو العمل على صياغة سايكس بيكو جديدة سترسم ملامحها حسب نتائج الصراع في المنطقة.
 **إشكالية البحث: تشكلت الحدود الراهنة للمنطقة من خلال عملية طويلة ومعقدة من الاتفاقيات والمؤتمرات والصفقات والصراعات التي تلت تفكك الإمبراطورية العثمانية وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى، غير أن روح سايكس- بيكو ظلت حية خلال تلك المرحلة والعقود اللاحقة حتى أزمة قناة السويس عام 1956 وحتى فترة تالية.
 وخلال تلك المرحلة فرضت القوى الاستعمارية ارادتها وأقامت كيانات ودولاً ونصبت عليها زعامات وقيادات موالية لها بما يخدم مصالحها فقط دون النظر إلى الاعتبارات العرقية أو القومية أو الجغرافية ـ أو الدينية أو اللغوية، مثل العراق وسوريا ولبنان.
 اتفقت بريطانيا وفرنسا، ومعهما روسيا القيصرية على مخطط سري لتقاسم غنائم الانهيار العثماني وإعادة رسم الخريطة العربية بما يضمن نفوذ ومصالح العواصم الثلاث .. وعلى امتداد قرن كامل، ظل التاريخ يكرر نفسه كل مرة، فتطورت مخططات التقسيم القديمة إلى حروب جديدة، عنوانها - كما في سوريا والعراق وليبي ا- تجزئة المجزء، وتفتيت المقسّم.


تساؤلات البحث: يسعى البحث للإجابة على التساؤلات التالية:
من هي القوى المستفيدة من تغذية الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والصراع المناطقي بين الأقليات في كل الدول العربية؟
ومن الذي يسعى لتكون هناك عدة دول في البلد الواحد مثل دول سنية وشيعية أو علوية أو كردية كـالعراق أو سوريا؟
أولاً: فكرة التقسيم بعد سايكس بيكو: بعد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، تم تقسيم ما تبقي من المشرق العربي عقب الحرب العالمية الأولى بين إنجلترا وفرنسا، والتي أعقبها وعد بلفور 1917 ، الذي ينص على تأسيس دولة لليهود في فلسطين.
[1] إن القائمين على سايكس بيكو حرصوا على عدم السماح بقيام دولة كبيرة تهدد مصالحهم، فعملت على استمرار هذه الدول.
وكان سبب نجاح هذه المعاهدة واستمراريتها سببين، الأول فشل قيام مشروع قومي عربي شامل، والسبب الثاني هو رفض الدول العربية بعد إعلان استقلالها وتحررها، إقامة وحدة عربية ينتج عنها دولة عربية واحدة، لأن قادة هذه الدول حرصوا على استمرار حكمها الفردي للبلاد؛ ما أدى في النهاية إلى استمرار سايكس بيكو إلى يومنا هذا.
 ونشأ عنها أربع كيانات، هي: لبنان، فلسطين، سورية، الأردن، لم تكن هذه الدول الأربع تحمل مزايا قومية تمثل الهوية الوطنية المحلية، لأن هذه الدول كان يجمعها تاريخ واحد، بعكس ما حاول القائمين على هذه الدول إبرازه من هوية وطنية خاصة مختلفة عن باقي الهويات الأخرى.
[2] إن الهوية الوطنية الفلسطينية اتخذت طابعها الوطني لا من تنافرها مع الهوية السورية، بل من مواجهتها محاولات الإلغاء والطمس التي مارستها “إسرائيل” منذ قيامها في سنة 1948.
 فبعد “برنارد لويس” وخريطته المقترحة لإعادة تقسيم المنطقة، جاء “رالف بيترز” ليكمل المسير، ثم تبعه “باراج خانا” وتنبأ بتقسيمات أخرى.
وفي العام 2014 صدر عدد جديد من “سلسلة ترجمات الزيتونة”، الذي يصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ويضم هذا العدد الذي يحمل رقم 74، أربع مقالات تناقش كيفية إعادة رسم خريطة أجزاء من العالم.
 [3] المقال الأول، وهو عبارة عن مقتطفات عن نظرية لتقسيم المنطقة وضعها الجنرال المتقاعد “رالف بيترز”، إذ يرى أن الخريطة الجديدة ستحل بعضاً من مسائل “الحدود الفاسدة” وستعوض “المجموعات البشرية المخدوعة”.
 [4] وفي المقال الثاني يقول “باراج خانا” أن انقسام جنوب السودان هو مجرد بداية، وأنه من الممكن أن يشهد العالم قريباً 300 دولة مُستقلة ذات سيادة، وأنه لا ضير في ذلك.
 [5] وفي المقال الثالث يقول “ألوف بن وهو”، رئيس تحرير جريدة هآرتس الإسرائيلية أن الانتفاضات الشعبية المتصاعدة، والصراعات الداخلية الطاحنة ستؤدي إلى إعادة رسم خرائط إقليمية، والتي ستكون بعيدة كل البعد عن اتفاقية سايكس بيكو وغيرها من الاتفاقات.



 [6] أما المقال الرابع، للمؤلفين الأمريكي “فرانك جاكوبس” و”باراج خانا” المؤلف الهندي الأمريكي والخبير في العلاقات الدولية، خرائط واضحة لما يمكن أن تكون أحدث معالم الحدود الدولية حول العالم، دولة للعلويين، واتحاد الخليج العربي، وكردستان المستقلة، وأذربيجان الكبرى، وباشتونستان وبلوشستان.
 [7] ثانياً: خطة أودد يينون 1982 (لبننة العالم الإسلامي): نبتت في ذهن يينون (العقل المدبر للعديد من استراتيجيات حزب الليكود في “إسرائيل”) فكرة لبننة العالم الإسلامي كله، فهي تقريباً الطريقة الوحيدة التي قد يتمكن بها شعب صغير، مثل “الشعب اليهودي” من حكم مساحة تمتد من النيل إلى الفرات.
بالإضافة إلى المصلحة المادية في التقسيم الطائفي للمنطقة، رأى يينون فائدة أخرى في إرساء شرعية الكيان الصهيوني، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود “دولة يهودية” يصبح مبرراً من الناحية “الأخلاقية.” عدّت الخطة أن أهم محاور الاستراتيجية المستقبلية “لإسرائيل” عقب الانتهاء من لبنان، يجب أن تتركز في تقسيم العراق لـ(3) دول “شيعية وسنّية وكردية“، ومن بعد لبنان والعراق، مصر وليبيا والسودان وسورية والمغرب العربي وإيران وتركيا والصومال وباكستان. استمد يينون واقعية مخططه من إشكالية أن الحدود العربية الحالية غير قابلة للدوام، مما يجعل الدول العربية أشبه ببيوت مبنية من أوراق اللعب (حسب وجهة نظره) للأسباب الآتية:
 [8] الحدود وضعتها دول استعمارية دون اعتبار لهويات الشعوب وتوجهاتها ورغباتها. معظم الدول العربية تضم عدة طوائف غير منسجمة. تستحوذ على الحكم طائفة بعينها “في بعض الأحوال الطائفة الحاكمة أقلية مثلما هي الحال في سورية والعراق ولبنان والبحرين”.
توجد صراعات على الحدود بين عدة دول عربية. تصارع الأيديولوجيات بين الإسلاميين والقوميين والوطنيين سيصعد الصراعات الداخلية في كل دولة. لم يرسم يينون خرائط لمخططه، ولكنه رأى سورية مقسمة لـ(4) دويلات “سنّية في دمشق، وأخرى في حلب، ودرزية في الجنوب، وعلوية في الساحل”، وتصور أن المغرب العربي سيُقسَّم بين العرب والبربر، أما الأردن فعدّها وطن المستقبل للفلسطينيين بعد رحيل “مُلك الهاشميين”، وأما الخليج العربي فوصفه بـ”قصور على الرمال” نخب حاكمة في أبراج عاجية (السكان أغلبهم من جنسيات أجنبية) وجيوش ضعيفة.



ثالثاً: خرائط برنارد لويس 1992 يقوم مشروع برنارد لويس (بريطاني أمريكي من أصل يهودي، أستاذ دراسات “الشرق الأوسط” في جامعة برينستون) على تقسيم المنطقة طبقاً لخطوط عرقية وطائفية ولغوية، ويتطرق للبننة (نسبة للبنان) وكذلك الحرب العراقية الإيرانية، عندما زود الغرب كل الأطراف بالأسلحة الفتاكة، لكي يظل القتال مستمراً لأطول فترة ممكنة، واستنزاف الطرفين المتصارعين، ويعتبر برنارد لويس اجتياح العراق للكويت عام 1990 النهاية الفعلية لسيطرة العرب على سلاح البترول، فلن تتمتع بعده أية دولة نفطية بالاستقلال أو القوة، وكلمة السر هي (التحكم من الخارج)، دون الحاجة لاحتلال عسكري على الأرض، إلا بالقدر الذي يحمي موارد البترول إذا تعرضت لخطر مسلح. 
ويتفق لويس مع خطة يينون على محو الدولة اللبنانية من الوجود، وتقسيم العراق لـ(3) دويلات “سنّية وشيعية وكردية”، وضم سيناء “لإسرائيل”، ولكنه اختلف مع يينون في الآتي :
[9]: استبعد تقسيم مصر، (على أن تضم “إسرائيل” سيناء، كما في خطة يينون). استبعد تقسيم سورية. 
ركز لويس أكثر على منطقة شرق الخليج العربي إيران وأفغانستان وباكستان وكيفية تقسيمها، وقد ذكر يينون ذلك، ولكنه لم يتطرق للتفاصيل. على الرغم من إن خطة برنارد لويس هي أنموذج معدل لخطة يينون، في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، ولا تكتفي بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، لكنها اشتملت أيضاً على إشعال حروب في المنطقة، والعاشرة حرب البلقان في أوروبا، والتي توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط. تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية – إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية “الشيعية”. 
 وأشار لويس إلى دولتين فقط، ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما “إسرائيل” وتركيا (أيام الانقلابات العسكرية على الحكومات ذات التوجه الإسلامي)، إلا أن ذلك لم يمنعه من طرح تصور الدولة الكردية التي تقتطع جزءاً من تركيا. 
ومن المثير للاهتمام أن لويس تكلم عن تنظيمات إسلامية مسلحة مصنوعة في بريطانيا، وأن استبداد الحكام في الدول الإسلامية سيغذي تلك الميليشيات، مما يصب في مصلحة خطط التقسيم، إذ إن الانتصارات العسكرية لهؤلاء ستسهم بصورة كبيرة في إضعاف السلطة المركزية، ومن ثم تؤدي إلى سقوط الدول القائمة فقط على جبروت النظام، حيث تغيب المجتمعات المدنية الفاعلة، على غرار نظيراتها في الغرب.
 [10] بعد 10 سنوات من نشرها، وجدت رؤى برنارد لويس الاستعمارية النفطية ضالتها في إدارة جورج بوش( الابن ) التي استعانت به كمستشار لها قبل غزو العراق. 
 رابعاً: خرائط رالف بيترز (حدود الدم Blood Borders) “الشرق الأوسط الكبير” 2006 بدأ تداول مصطلح “الشرق الأوسط الكبير” في الميدان السياسي لأول مرة في تل أبيب، على لسان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في حزيران عام 2006. 
التعبير الجديد الذي استخدمته الإدارة الأمريكية عكس جانبين أساسيين الأول، أن الوقت حان لإجراء عملية تغيير شاملة لمنطقة “الشرق الأوسط”، يمكن تشبيهها بالعملية الجراحية الصعبة. 
والثاني، أن رسم خارطة “الشرق الأوسط” من جديد، سيكون مفتاحاً لتحقيق ما يُعتقد أنه استقرار سياسي واجتماعي يضمن المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة وفي صدارتها النفط.


[11] وفي شهر حزيران من العام ذاته، أعطى الخبير العسكري الاستراتيجي الأمريكي، رالف بيترز “الشرق الأوسط” الحدود التي يرى أنها عادلة، في مقالة بعنوان حدود الدم: كيف سيبدو “الشرق الأوسط” بحالته الأفضل؟، نشرت في العدد السادس من المجلة العسكرية الأمريكية (Armed Forces Journal)، تضمنت خريطة جديدة للمنطقة مفصلة على أساس عرقي ومذهبي.
 على ضوء هذه القاعدة تفترض خريطة “الشرق الأوسط الجديد” في خطوطها العريضة:
[12] تجاوز التقاليد السياسية والمحرمات السابقة، عبر إقامة دولة كردية تُقتطع لها مناطق شمال العراق وجنوب شرق تركيا وأجزاء من سورية وإيران. 
تقسيم ما تبقى من العراق إلى دولتين “شيعية وسنّية”، ويضاف إلى الدولة “الشيعية” مناطق من غرب إيران ومن شرق السعودية، والتي بدورها تقتطع منها المناطق الغربية المحاذية للبحر الأحمر، والتي تضم الأماكن المقدسة في مكة والمدينة في دولة مستقلة تكون شبيهة بالفاتيكان. 
بالإضافة إلى ذلك، يتم ضم جزء من مناطق السعودية الشمالية الغربية إلى الأردن. 
كل ذلك تتم الدعاية له وتسويقه عبر محاولة دفع “إسرائيل” إلى العودة إلى حدود ما قبل 1967 مع إدخال تعديلات حدودية تنسجم مع مخاوفها الأمنية بحسب مشروع رالف بيترز. 
 يصب الحديث عن “شرق أوسط جديد” ترغب واشنطن في رؤيته على خريطة العالم وتجسيد رالف بيترز هذه الفكرة من خلال طرح استراتيجي متكامل، في خانة التمهيد والتحضير لبلقنة المنطقة، وهي مهمة أساسية لا ترتبط بالمصالح الأمريكية الإقليمية فحسب، وإنما بالصراع الخفي الحالي بين الدول العظمى للاستحواذ على مناطق النفوذ الاستراتيجية، واكتساب نقاط في السباق على زعامة العالم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. 
 وعلى الرغم من الادعاء بأن خريطة بيترز “للشرق الأوسط الجديد” لا تعكس وجهة نظر وزارة الدفاع الأمريكية، إلا أنها تُدرّس حالياً في منهج التخطيط الاستراتيجي في كلية ضباط الناتو العليا في روما، بالطبع بعد أن أجازتها الأكاديمية العسكرية الأمريكية التي يعمل بها رالف بيترز، بعد تقاعده من عمله في مكتب نائب رئيس هيئة الأركان لشؤون الاستخبارات في وزارة الدفاع. 
وقد أثار عرض خريطة بيترز في كلية الناتو العسكرية حفيظة تركيا، التي اندهش ضباطها أثناء دراستهم فيها من رؤية بلادهم وقد تغيرت حدودها الحالية، ما دفع رئيس أركان الجيش التركي السابق يشار بيو كانت إلى الاتصال بنظيره الأمريكي معرباً له عن احتجاجه على عرض هذه الخريطة “المشوهة” “للشرق الأوسط”. 
 بالمقابل، لم تتوقف الخطوات الأمريكية لتسويق مشروع تقسيم “الشرق الأوسط” عند هذا الحد، إذ إن مجلس الشيوخ الأمريكي بادر في أيلول/2007 إلى إصدار قرار غير ملزم، دفع به وعمل على إنجاحه جو بايدن نائب الرئيس أوباما حالياً، يطالب الإدارة الأمريكية بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق اتحادية “شيعية وسنّية وكردية”، وبالطبع رحب الأكراد بالقرار، وفي طليعتهم الرئيس العراقي السابق جلال طالباني. 
ويؤكد بيترز أن الحرب وحمامات الدم في خضم إعادة تقسيم “الشرق الأوسط” لا يمكن تفاديها، لأن العدالة التي نصّب نفسه قيّماً عليها، تتطلب ذلك. خامساً: خريطة أتلانتيك 2008 في العام التالي لنشر (حدود الدم)، بدأ جيفري جولدبرج (إسرائيلي أمريكي، أحد أبرز شخصيات اللوبي* الصهيوني في أمريكا، وهو من المنتمين لنفس جناح رالف بيترز داخل أروقة السياسة الأمريكية، بالإضافة إلى كونه جندياً سابقاً في الجيش “الإسرائيلي”)، في كتابة سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة “للشرق الأوسط”، على صفحات مجلة (أتلانتيك) الشهيرة، حدث هذا بالتزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي خطة لتقسيم العراق، مما يجزم بأنها حملة منظمة. فلأول مرة دولة (السودان الجديدة) في جنوب السودان (تأسست رسمياً بعدها بـ4 سنوات)، ولأول مرة دولة (سيناء) المستقلة، (بدأت أعمال العنف المسلح في سيناء سنة 2004، وفي سنة 2013، أعلنت “إسرائيل” عن وجود وحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للجيش “الإسرائيلي” تعمل داخل سيناء، ومؤخراً ظهرت دراسات عن مراكز بحثية استراتيجية “إسرائيلية” تمهد لفشل الجيش المصري في السيطرة على سيناء)، وامتدت الخريطة هذه المرة لعمق أفريقيا بتقسيم الصومال، واعترف جولدبرج بقوة “حزب الله” ومركزيته في جنوب لبنان، فتصور له دولة “شيعية” مستقلة، واصطناع دولة درزية في شمال الأردن وجنوب سورية.
 [13] خرائط ما بعد أحداث عام 2011: بعد وصول الأحداث والاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية إلى المآل الذي صار عليه، كثرت أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية، لكنها لا ترقى كلها الى حدود المخططات لأنها أقرب الى التوقعات، ولم تصدر عن دوائر القرار. 
 لكن ثمة وقائع على الارض تزيد من شأنها إذا ما تمادت، وتشكل أساساً ليس لخطط جديدة فحسب، وإنما لخرائط جديدة فعلية في المنطقة، وأبرزها:
 [14] الفوضى الناجمة عن سقوط أنظمة، وتنامي التطرف المذهبي. سياسات التوازن الطائفي، التي اعتمدتها واشنطن بين إيران والدول العربية ذات الغالبية “السنّية”، وأدت في الواقع إلى إثارة نعرات الصراع الطائفي ومفاقمتها، خاصة في ظل الصراع الإيراني – السعودي على مناطق النفوذ في المنطقة، والذي لم تكن نتيجته سوى تعزيز قوى الإرهاب وتنظيماته إقليمياً ودولياً. 
محاولة تأسيس نظام أمني متعدد الأطراف ومتوازن في المنطقة، إذ تلعب بعض التحالفات الإقليمية، وبحضور مباشر من قوى دولية لها مصالح في المنطقة، أدواراً أمنية محدودة ومتنافسة، برعاية أمريكية. 
وتتمثل معضلة هذه الاستراتيجية الأخيرة في أن تنافس الأدوار والأجندات الأمنية بين القوى الإقليمية يهدد بتفجر مستمر للصراعات فيما بينها، أو بينها وبين القوى الدولية الآخذة في تأسيس مراكز أمنية لها في المنطقة. 
كما تواجه دول “الشرق الأوسط” وشعوبها عدداً متزايداً من التهديدات، سواء التي تتعلق بهويتها، في ظل تصاعد مخاطر التيارات الأصولية الإقصائية، كجماعات عنف منظم، أو سياسات دولة تخشى قطاعاً من السكان، إذ يهدد ذلك باستمرار الصراعات المتنوعة في المنطقة، سواء بين دولها، أو بين المجموعات البشرية فيها، خاصة في الدولة التي تعاني انهياراً في أنظمتها السياسية، فإنه يمكن تحديد مصدرين للمخاطر المشتركة التي يمكن أن تواجه دول المنطقة وبقية دول العالم، جراء الأوضاع في “الشرق الأوسط”، أول هذه المخاطر هو بروز وتمدد ما يمكن وصفه بـ”الدويلات الجهادية”، وما تستقطبه من عناصر متطرفة وشديدة العنف من مختلف مناطق العالم ودوله، وتطرح هذه الدويلات تهديدات مباشرة يمكن إجمالها بالآتي:
[15] تصاعد عمليات التطهير العرقي، وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية والإثنية “للشرق الأوسط”، كما حدث خلال سنوات تصاعد العنف الإثني في العراق، أو بشكل أكثر جسامة وخطورة فيما تشهده سورية من محاولات لإعادة رسم الخريطة السكانية. ولكن الخطر الأكبر فيما ينتج عن عمليات التطهير تلك. 
مخاطر استهداف دول ومناطق أخرى تعاني هشاشة إثنية من هذه الدويلات، حال ترسخ وجودها في منطقة ما، ومن ذلك تمدد تنظيم “داعش” من مناطقه الحصينة في الشمال السوري إلى داخل العراق. ويتفاقم هذا الخطر مع استخدام مثل تلك التنظيمات الإرهابية من قبل بعض القوى الإقليمية أو الدولية كأداة لمد نفوذها، أو تهديد قوى منافسة أخرى. 
احتمال تطور الصراع مع تلك الدويلات وتحولها إلى حروب إقليمية صريحة بين دول المنطقة، طمعاً في السيطرة على بعض المناطق التي تخضع لسيطرة هذه الدويلات. ويبقى الخطر الأكبر في احتمال تطرف البعض من المتعاطفين مع أيديولوجيا الجماعات المؤسسة لتلك الدويلات، لا سيما أن مشروع هذه الدويلات بات يمثل لهم الغاية النهائية والمثالية لتصوراتهم الأيديولوجية. 
ويمكن القول إن “الشرق الأوسط” في الذكرى المئوية لسايكس- بيكو يقف في لحظة فارقة، لأن حدود دوله أصبحت هشة، وعرضة للانهيار في زمن قياسي، واذا ما حصل انهيار الحدود، فإنه لن يكون في اتجاه وحدة عربية أو إسلامية، بل سيكون لصالح تفتيت المفتت وتقسيم الكيانات لتلد عدداً أكبر من الدول الأصغر حجماً.
 [16] وفي مطلع عام 2013، أورد المقال الافتتاحي لجريدة الغارديان البريطانية أن الأكراد قد يكونون الفائز الأكبر من الأحداث والاضطرابات في المنطقة العربية والحرب الدائرة في سورية. وفي نيسان من العام ذاته، رأى مسعود البارزاني أن الظروف قد باتت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي تشارك فيه القوى الكردية في كل من العراق، وسورية، وإيران، وتركيا، وأكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الشعب الكردي.
 سابعاً: خرائط الدولة – المدينة : في مقال للنيويورك تايمز، فإنه خلال الفترة من 2014- 2016، تم عرض أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية.
لا ترقى هذه الأطروحات لتوصيفها بـ(المخططات)، لأنها أولاً، أقرب للتوقعات، وثانياً، أنها قد جاءت في كتابات بعض المحللين، ولم تأتي من دائرة صنع القرار، ثم أنها ثالثاً، تخلو من هدف استراتيجي جامع يربط بينها.
[17] من ضمن تلك الأطروحات، أطروحة (الدولة – المدينة)، الأنموذج الذى يتوقع أن ينتشر في “الشرق الأوسط” خلال العقود المقبلة “القدس، الحجاز، دبي، بغداد، مصراته، جبل الدروز”، كلها مدن مرشحة للاستقلال بذاتها كدويلات ذات طابع خاص، كذلك هناك فكرة تقسيم باكستان وأفغانستان لـ(4) دول.
 ثامناً: خرائط داعش وما بعد داعش: يسيطر “داعش” على جزء كبير من أراضي سورية والعراق، وبدأت الاستعدادات لتحرير مدينتي الرقة والموصل، وإذا تواجهت المجموعات المشاركة في الهجومين في ما بينها، قد تتأخر هذه المعارك إلى وقت بعيد، ولكن حتى لو لم يحصل ذلك، فإن النزاعات الأخرى التي بقيت معلقة ستؤدي إلى مرحلة طويلة من عدم الاستقرار في المنطقة، وإذا أدت الحرب الحالية إلى حروب جديدة، فإن دولة “داعش” ستظل قائمة.
 [18] إن القضاء على “داعش” لن يكون سوى البداية، فما بعد “داعش” ربما سيكون أصعب وأخطر، فالجرح الطائفي الذي انفتح في العراق وسورية على السواء لن يكون من السهل اندماله، خاصة وأن الحلول السياسية لن ترقى، بأية حال، إلى الأحداث الخطرة التي تجري في هاتين الدولتين، فالمجتمع الدولي اليوم لا يعترف بوجود مشكلة في العراق مثلاً، بل يقال: إن الولايات المتحدة الأمريكية أنجزت التسوية السياسية هناك، التي أُسِست على أساس التقسيم الطائفي.
ويتم التركيز حالياً على سورية فقط، رغم تشابه الأحداث إلى حد بعيد مع الأحداث الجارية في العراق، ولا أحد يعلم كيف ستكون التسوية في سورية في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية، وفي ظل غياب عربي واضح عن مجمل الأحداث في هذا البلد العربي. وهناك ثلاثة سيناريوهات للمعركة ضد “داعش” في سورية والعراق ودول المنطقة، وهي:
 انكسار “داعش” عسكرياً في سوريا والعراق وتحوله للعمل السري، وهذا سيبقي خطر التنظيم خصوصاً مع احتمال حصول عناصره على أسلحة غير تقليدية.
[19] انحسار الرقعة الجغرافية لـ “داعش” وبقاؤه في بعض المناطق. انهزام التنظيم بشكل كامل عسكرياً وفرار عناصره إلى مناطق متفرقة وتراجع خطره الكبير. لقد تم تحقيق نجاحات كبرى ضد تنظيم “داعش” في العراق وسورية، وربما لن يطول الوقت حتى يختفي من هاتين الدولتين، لكن زوال “داعش” لن يكون خاتمة الأحزان، بل ربما يكون بداية لآلام أخرى من نوع جديد، فالتنظيم أقام دولة التطرف بكل مقوماتها، وشكّل جيشاً من الإرهابيين الحاقدين على الإنسانية، فظهور التطرف بهذا الشكل الخطر، في العراق وسورية، يطرح أسئلة حقيقية عن المستقبل في هاتين الدولتين.
 تاسعاً: الدعم التركي لتنظيم “داعش”: إن الدعم التركي لتنظيم “داعش” جاء في إطار الطموحات التركية الدفينة تجاه سورية والعراق، وهي انطلقت في هذا الدعم من:
 إحساس تركيا بفائض القوة بحكم التغييرات الإقليمية والدولية التي جرت عقب الغزو الأمريكي للعراق، ومحاولة اتباع الحرب الناعمة والقوة الدبلوماسية والأبعاد الإيديولوجية لتحقيق أهدافها تجاه المنطقة. الدور الوظيفي الذي تقوم به تركيا في الاستراتيجية الغربية الأطلسية، كما هو واضح من نشر صواريخ باتريوت، والدروع الصاروخية، على أراضيها في استمرار لسياسة الارتباط بالغرب والتبعية له، كما كان في أثناء “الحرب الباردة”.
حضور البعد الطائفي في هذه السياسة، والذي لخصه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو في وقت سابق ببداية عهد “الإحياء السني”، ونهاية عهد “الإحياء الشيعي”. النزعة الإمبراطورية النابعة من مرحلة العهد الاستعماري العثماني، وهي نزعة محملة بالتطلعات التاريخية والجغرافية والمصالح والسياسات. ممارسة الحرب الناعمة، عبر الدبلوماسية والاقتصاد والأمن والثقافة، مستفيدة من عوامل التاريخ والجغرافيا وغيرها، لتفجير الدول العربية من الداخل، بغية التأثير فيها وتشكيل مشهدها السياسي من جديد في ضوء المصالح التركية.
الخاتمة: لابد من الاشارة إلى أن المستفيد الوحيد من خرائط سايكس- بيكو الجديدة، وبدائلها الأكثر خطورة هي “إسرائيل”، ليس هذا فحسب، بل إن الكيان الصهيوني هو المحرك الخلفي لمخطط التقسيم الجديد، وبأيدي صهيونية تتم إعادة رسم الخرائط الجديدة. إن اتفاقية سايكس- بيكو القديمة الكارثية ليست الأسوأ، فبدائلها أكثر تدميراً، وتتمثل في سيناريو أشباه الدول المدمرة ذاتياً من الداخل، والدولة الفاشلة والهشة المبنية على أنقاض الدولة المركزية المنهارة، وهو سيناريو جاري بالفعل في عدة دول منها العراق، ليبيا، اليمن، سورية، لكن هذا المخطط يمكن إجهاضه ومواجهته وليس مصيراً محتوماً. إن حدود “الشرق الأوسط الجديد” ترسم بالدم، وبتنا شهوداً على إبادات وعمليات تهجير وتطهير قومي وعرقي وطائفي وديني واسعة في بلاد الشام وأرض الرافدين، أقدم منابع الحضارة الإنسانية. لقد تم العمل على إخلاء هاتين المنطقتين من أقدم شعوبها وطوائفها ودياناتها، مثل المسيحيين والايزيديين والسريان والاشوريين والارمن والصابئة.

؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛

الجزيرة البث الحي | البث المباشر



ليست هناك تعليقات: