الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

قصة مؤثرة " قسوة الزوج العدواني" ..فيديو


إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا


عن هِشَام بن حكيمِ بن حزامٍ رضي اللَّهُ عنْهُما:
 أنَّهُ مرَّ بالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأنباطِ، وقَدْ أُقِيمُوا في الشَّمْس، وصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِم الزَّيْتُ، فَقَال: مَا هَذا؟ قيل: يُعَذَّبُونَ في الخَراجِ. 
وَفي رِوايةٍ: حُبِسُوا في الجِزيةِ. فَقَال هِشَامٌ: أشْهَدُ لسمِعْتُ رسُول اللَّهِ ﷺ يقُولُ:
 إنَّ اللَّه يُعذِّبُ الذِينَ يُعذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيا، فَدَخَل عَلَى الأمِيرِ فحدَّثَهُ،
 فَأمر بِهم فخُلُّوا. رواه مسلم.

-- أنا زوجة وأم لفتاة بالسنة النهائية باحدي الكليات النظرية ، ولي ابن شاب متزوج ولديه طفلان ، وزوجي ضابط عسكري ،ونعيش حياة رغدة، وقد استعنت طوال حياتي الزوجية على تربية أولادي بمربيات عديدة ، لا أتذكر عددهن من كثرتهن ، ولا عجب في ذلك ،فقد كانت كل واحدة منهن ، لا تمكث عندي أكثر من شهرين ،ثم تفر من قسوة زوجي العدواني بطبعه ، والذي لا أعرف هل اكتسب عدوانيته هذه خلال رحلة حياته ،أم أنها وراثية فيه، فقد كان يتفنن في تعذيب أي مربية تعمل عندنا ، ولا أنكر أني شاركته في بعض الأحيان جريمته.
ومنذ خمسة عشر عاماً ،وابنتي في السابعة من عمرها، وابني في المرحلة الإعدادية جاءنا مزارع من معارف زوجي ، ومن أبناء بلدته ،يصطحب معه ابنته الطفلة ذات الأعوام التسعة، فاستقبله زوجي بكبرياء وترفع، وقال المزارع البسيط : إنه أتي بابنته ،لتعمل عندنا مقابل عشرين جنيها في الشهر ووافقنا ، وترك المزارع المكافح طفلته الشقراء، فانخرطت في البكاء، وهي تمسك بجلباب أبيها، وتستحلفه ألا يتأخر عن زيارتها، وألا ينسى أن يسلم لها على أمها وإخوتها ، وانصرف الرجل دامع العينين ، وهو يعدها بما طلبت، وبدأت الطفلة حياتها الجديدة معنا ..




فكانت تستيقظ في الصباح الباكر قبل أن يستسقظ طفلاي، لتساعدني في إعداد طعام الإفطار لهما ، ثم تحمل الحقائب المدرسية، وتنزل بها إلي الشارع، وتظل واقفة مع ابنتي وابني حتى يحملهما اتوبيس المدرسة، وتعود للشقة،فتتناول طعام إفطارها، وكان غالبا من الفول بدون زيت، وخبز على وشك التعفن، وفي بعض الأحيان قد نجود عليها بقليل من العسل الأسود أو الجبن، ثم تبدأ في ممارسة أعمال البيت، من تنظيف وشراء الخضر والمسح، وتلبية النداءات، حتى منتف الليل فتسقط على الأرض، كالقتيلة وتستغرق في النوم، وعند أي هفوة أو نسيان أو تأجيل أداء عمل مطلوب ،ينهال عليها زوجي ضربا بقسوة شديدة، فتتحمل الضرب باكية صابرة، ورغم ذلك فقد كانت طفلة في منتهى الأمانة والنظافة والإخلاص لمخدوميها، تفرح بأبسط الأشياء، وتغني غناء حزينا خافتا يعبر عن شوقها لبلدتها، وأمها وإخوتها،وهي تغسل الأطباق،ورغم اعترافي بأني شريكة زوجي في قسوته على الخادمات ،وتفننه في تعذيبهن،حتى أنه كان أحيانا يختلق الأسباب،لضرب أي خادمة تعمل عندنا..
إلا أنه كانت تأخذني الشفقة في بعض الأحيان بهذه الفتاة لطيبتها،وانكسارها، وإخلاصها،فأناشد زوجي ألا يضربها،وأقول له:إنها قد كبرت وتعودت على طباعنا،وتحملتنا كثيرا،فلا داعي للاستمرار في ضربها، فكان يقول لي مقهقها:إنه لو لم يضربها فإنها ستطلب منه أن يضربها ، لأنها قد تعودت عليه ، وأن هذا (الصنف) من الناس لا تجدي معه المعاملة الطيبة ، واستمرت الفتاة تتحمل العذاب في صمت وصبر..
وأتذكر الآن بأنني حين كان العيد يأتي،ويخرج طفلاي مبتهجين مهللين، بينما تبقى هذه الطفلة التي تماثلهما في العمر، تنظف وتغسل دون شفقة، وبعد أن تنتهي من أعمالها الشاقة، ترتدي فستانا قديما لكنه نظيف، لأنها كانت تحرص على نظافة ملابسها البسيطة، أما ابوها فلم تره تلك الطفلة إلا مرات معدودة بعد عملها عندنا، فقد انقطع عن زيارتها بعد شهور، وبدأ يرسل أحد اقاربه لاستلام اجرتها الشهرية،كما لم تر أمها وأخوتها إلا ثلاث مرات وفي مناسبات محددة الأولى:حين مات شقيقها الأكبر في حادث عند عودته من الأردن، وكانت الفتاة المحرومة تعلق أملا كبيرا على عودته، وتحلم بأن ينتشلها من العذاب الذي تعانيه عندنا، فإذا به يلقى مصرعه، وتفقد آخر أمل لها فيكته بحرقة وسرا، حتى لا يراها زوجي، فتلقى عقابا على يديه.

والمرة الثانية لم تكن تعطفا منا عليها، وإنما كنت تخلصا منها في الحقيقة، فقد كانت مريضة بمرض معدٍ وخشينا على طفلينا من انتقال العدوى إليهما، فابعدناها إلي بلدتها بحجة أن ترى أمها وأخوتها.
وكانت المرة الثالثة عند وفاة أبيها بعد أن دخلت مرحلة الصبا، واستقر الحزن والانكسار قلبها.
وأرجو أن تصدقني يا سيدي إذ ليس لدي ما يبرر أن أدعي شيئا غير صادق..
وأنا كتبت لك بإرادتي، إذ قلت : أني أبكي الآن كلما تذكرت قسوة عقابنا لها، إذا أخطأت أي خطأ، وكان لابد أن تخطئ، كأي طفلة وكأي إنسان، فقد كان زوجي يصعقها بسلك الكهرباء، وكثيرا ما حرمناها من وجبة العشاء في ليالي البرد القاسية، فباتت على الطوى جائعة، ولا أتذكر أنها نامت لمدة سنوات طويلة دون أن تبكي!!
..... وسوف تتسائل، ولماذا تحملت كل هذا العذاب، ولم تهرب بجلدها من جحيمكم؟
وأجيبك: بأن الفتاة حين قاربت سن الشباب خرجت ذات يوم لشراء الخضروات ولم تعد ،فسأل زوجي البواب عنها، وعرف أنا هانت تتحدث لفترات طويلة مع شاب يعمل لدى جزار بنفس الشارع، وأنه من المحتمل أن تكون قد اتفقت معه على أن يتزوجها وينتشلها من هذه الحياة، فلم يمض أسبوع حتى كان نفوذ زوجي قد تكفل باحضارها من مخبئها، واستقبلناها عند عودتها استقبالا حافلا بكل أنواع العذاب، فقام زوجي بصعقها بالكهرباء، وتطوع ابني بركلها بعنف، بينما بكت ابنتي، وهي تقول لأبيها: حرام يا بابا، حرام...حرام، ففقد سيطرته على نفسه، واستدار إليها وضربها هي أيضا، وكانت المرة الأولى في حياتها التي يضربها أبوها!

وعادت الفتاة لحياتها الشقية معنا،واستسلمت لمصيرها، واستمر الوضع كما كان عليه تخطئ أو تؤجل عمل شئ بعض الوقت، فيضربها زوجي ضربا مبرحا، ونخرج في الاجازات لمنطقة الأهرامات، لنستمتع بشئ من اللحم ، ونترك لها بقايا طعام الأسبوع لتأكله...الخ، ثم شيئا فشيئا، بدأنا نلاحظ أن الاكواب والأطباق تسقط من يديها ،وأنها تتعثر كثيرا في مشيتها،فعرضناها على الطبيب، فأكد لنا أن نظرها قد ضعف جدا، وأنه ينسحب تدريجيا، وأنها لا ترى حاليا ما تحت قدميها، أي أنها أصبجت شبه كفيفة، ورغم ذلك فلم نرحمها، وظلت تقوم بكل أعمال نظافة المسكن، وتخرج لشراء الخضر، كما كانت تفعل، بل وكثيرا ما صفعتها، إذا عادت من السوق بخضروات ليست طازجة وكثيرا ما كانت تفعل، لضعف بصرها الشديد فأشفقت عليها زوجة البواب، فكانت تجلسها في مدخل العمارة، وتذهب هي لشراء الخضروات لها، حتى تنقذها من الإهانة، والضرب، واستمر الحال هكذا لفترة من الزمن، حتى خرجت الفتاة ذات يوم من البيت بعد أن اصبحت كفيفة تقريبا، ولم تعد إليه مرة أخرى، ولم نهتم بالبحث عنها هذه المرة ..
مضت السنوات ،فأحيل زوجي للتقاعد، واستقبل حياة الفراغ- وفقد المنصب والنفوذ- أسوأ استقبال، فتضاعفت عصبيته، وثوراته، وانفلاتاته إلي حد غير محتمل ومع ذلك فقد تحملته بسبب عشرة السنين ..

وتخرج ابني في الجامعة، وعمل، ثم أراد أن يخطب احدى زميلاته، فخطبناها له، وهي فتاة رائعة الجمال،وتزوجها وسعدنا بها، واكتملت سعادتنا حين عرفنا أنها حامل، ثم جاءت اللحظة السعيدة، ووضعت مولودها، فإذا بنا نكتشف لصدمتنا القاسية أنه كفيف لا يبصر، وتحولت الفرحة إلي سحابة كثيفة من الحزن القاتم، وبدأنا الرحلة الطويلة مع الأطباء، بلا فائدة، واستسلم ابني وزوجته للأمر الواقع، وانطفأ الأمل في قلبيهما ،وأدخلنا حفيدنا الموعود بالعناء حضانة المكفوفين، وقررت زوجة ابني ألا تحمل مرة أخرى ،خوفا من تكرار الكارثة، لكن الأطباء طمأنوها إلي أن هذا مستحيل، لأنه لا توجد صلة قرابة بينها وبين زوجها، تؤكد العوامل الوراثية وشجعوها على الحمل وإنجاب طفل آخر يعيد البسمة إلي حياتها وزوجها، وشجعناها نحن أيضا على ذلك، على أمل أن يرزق ابننا بطفل طبيعي يخفف من حزنه، وصدمته في طفله الأول، وحملت زوجة ابني وأنجبت طفلة جميلة شقراء، نزلت إلي الحياة ، فتوقفت قلوبنا حتى زف الطبيب البشرى بأنها ترى وتبصر، كالأطفال العاديين، وسعدنا بها سعادة مضاعفة، وانهالت عليها وعلى شقيقها اللعب، والملابس، والهدايا، وبعد سبعة شهور، لاحظنا أن نظرها مركز في اتجاه واحد لا تحيد عنه، فعرضناها على أخصائي عيون، للاطمئنان على سلامة عينيها، فإذا به يصدمنا بحقيقة أشد هولا، وهي أنها لا ترى إلا مجرد بصيص من الضوء وأنها معرضة أيضا لفقد بصرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ورأى زوجي ذلك، فأصيب بحالة نفسية، فسدت معها أيامه، وكره كل شئ، ثم تطورت حالته حتى نصحنا الطبيب بإدخاله مصحة نفسية ، لعلاجه من الاكتئاب، وانقبض قلبي وأحسست بهموم الدنيا تطأ صدري بقسوة، وفي ضيقي وأحزاني تذكرت فجأة الفناة الكسيرة، التي هربت من جحيمنا ، كفيفة بعد أن امضت معنا عشر سنوات، ذاقت خلالها أهوال الصعق بالكهرباء والضرب، والهوان ، والحرمان ، وساءلت نفسي في جزع هل هذا عقاب السماء لنا على ما فعلناه بها؟

وأصبحت صورة هذه الفتاة اليتيمة، التي أهملنا علاجها، وتسببنا في كف بصرها، تطاردني في وحدتي، وتعلق أملي في عفو ربي عما جنينا في أن أجد هذه الفتاة، وأكفر عما فعلناه بها، ورحت أسأل الجميع، حتى دلنا أحد الجيران إلي مكاناها، وعلمناأنها تعمل خادمة بأحد المساجد، فذهبت إليها وأحضرتها، لتعيش معي ما بقى لي من أيامي، ورغم كل قسوة الذكريات، فقد فرحت بسؤالي عنها، وسعيي إليها، لإعادتها، وحفظت العشرة التي لم نحفظها، وعادت معي تتحسس الطريق وأنا امسك بيدها، وفرحت بسماع صوت ابنتي ، الشابة التي طالما أحبتها هذه الفتاة الطيبة في طفولتها، وصباها، وبسماع صوت ابني الذي عرف الهم طريقه إلي قلبه، واستقرت الفتاة معنا، وأصبحت ارعاها، بل وأخدمها هي وحفيدي الكفيفين، وأملي، ودعائي لربي أن يغفر لي ما كان، وأن أقول لمن نضبت الرحمة من قلوبهم: إن الله حي لا ينام، فلا تقسوا على أحد، فسوف يجئ يوم تطلبون فيه الرحمة من أرحم الراحمين، وتندمون على ما فعلتم في قوتكم وجبروتكم .... وهذه قصتي يا سيدي التي دفعني بيتا الشعر اللذان قراتهما في ردك لأن أرويها لك، وأرجو أن يقرأها الجميع، ويعتبروا بما فيها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
...
"إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" 
حديثٌ شريف رواه الإمام مسلم

 
 



؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: