الاثنين، 17 يوليو 2017

إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ..ما وجه المشابهة بين بني آدم والحيوانات، فيديو


ينبغي للإنسان المسلم أن لا يكون لئيماً ماكراً
 ولكن لا يدع الماكرين الخبثاء
... ينالون منه في شيء ...


اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض،
 أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،
 اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، اللهم حسن أخلاقنا، 
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، 
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم آمنا في أوطاننا،
 وأصلح ذات بيننا، واجعل بلدنا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.
* موضوعنا الذي سنتحدث عنه في هذا اليوم إن شاء الله موضوع يرينا كيف كان السلف رحمهم الله يستنبطون الأمور في التفسير، وهو موضوع يجمع بين حدة الذهن، وجودة الاستنباط واللطافة، وهو تعليق على آية من كتاب الله سبحانه وتعالى، هذه الآية التي نمر بها ولكننا قد لا ندري عن بعض ما تحتويه من الحكم واللطائف، يقول الله عز وجل: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَسورة الأنعام 38، وأنت إذا سمعت يا أخي المسلم قول الله عز وجل: إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم، فإنك ستندهش وتتعجب كيف صارت هذه الحيوانات أمم أمثالنا وما هو وجه المشابهة بين بني آدم وبين الحيوانات، وما هو وجه المثلية الذي ذكره الله عز وجل في الآية؟...

أسرار محرجة تخفيها الحيوانات عن البشر !



من المفسرين من يقول: إنهم أمم - أي الحيوانات والدواب والطيور - كما أن البشر أمم، ومنهم من قال: إن لهم أسماء كما أن للبشر أسماء، ومنهم من قال: إنهم يسبحون الله كما يسبح المؤمنون الله، ومنهم من قال: إنهم يحشرون كما أن البشر يحشرون، وحشر الدواب ثابت بنص القرآن والسنة، فهو هنا قول الله عز وجل: ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ، وفي السنة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الحيوانات تحشر ثم يقتص لبعضها من بعض.
ومن أوجه المثلية أيضاً: أنها تطلب الغذاء، وتبتغي الرزق، وتتوقى المهالك كما يفعل ذلك البشر، ولما طلب الله سبحانه وتعالى من العباد التدبر في مخلوقاته، فإن السلف رحمهم الله عز وجل ما زال أمرهم في تدبر القرآن حتى بلغ شأناً عظيماً، ولما تدبر بعض السلف هذه الآية، ومنهم سفيان بن عيينة قال لما سمع قول الله عز  وجل: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمسورة الأنعام38، قال رحمه الله: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلاب، ومنهم يتطوس كفعل الطاووس.
وقال الخطابي رحمه الله معلقاً: ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعاً لظاهره وجب المصير إلى باطنه، فنحن نعلم بأن الحيوانات ليست مثل بني آدم؛ لأن بني آدم في الظاهر يختلفون عن الحيوانات اختلافاً كلياً، فإذن هناك أمور في الباطن تتشابه فيها طبائع الآدميين مع بعض طبائع الحيوانات، وهذا من إعمال الفكر والتدبر في مخلوقات الله عز وجل، ولذلك أيها الإخوة نجد الله تعالى قد ضرب لبعض بني آدم أمثلة شبههم بها بالحيوانات فقال الله سبحانه عن نفر من الناس: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثسورة الأعراف176، وشبه أناساً آخرين بأنهم مثل الحمار يحمل أسفاراً، ولذلك سنسوق لكم هذه الأمثلة التي تبين كيف يفكر علماؤنا في الآيات، وكيف يربطونها بالواقع، وما سيأتي من الكلام مختصر من كلام ابن القيم رحمه الله في مواضع متعددة من كتبه.
 مشابهة كثير من الناس لطبائع الحيوانات.
قال رحمه الله تعالى: ومن الناس نفوسهم نفوس حيوانية وذلك مثل الجهال بالشريعة الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان، هذا هو الفرق الوحيد، وإلا فإنهم يشبهون الحيوانات، ليس همهم إلا نيل الشهوة بأي طريق أتت، ومن الناس نفوسهم نفوس كلبية فمن صادف جيفة تشبع أنف كلب لوقع عليها وحماها من سائر الكلاب، ونبح في وجه كل من يدنو منها، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتة أو مذكى، بعض الناس لا يبالي ماذا يأكل، حلالاً أو حراماً، طيباً أو خبيثاً مثل الكلب..
، يقع على أي شيء، ولا يستحي من قبيح، فإن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن أطعمته بصبص بذنبه، ودارك حولك، وإن منعته هرك ونبحك.
ومن النفوس البشرية نفوس طبعها طبع الخنازير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه، وهكذا كثير من الناس، الخنزير لا يبالي بالطيبات، لا يقع إلا على الخبائث والنجاسات والنتن، بعض الناس يشبهون الخنزير في هذه الطبيعة، كيف يكون ذلك؟ إذا رأى منك إحساناً أو معروفاً أو خلقاً طيباً أو شمائل حسنة فإنه يهملها بالكلية، ولا يذكرها البتة ويعرض عنها، وإذا رأى منك عيباً واحداً أو تصرفاً خاطئاً فإنه يقف عنده، ويظل يذكره ويجلس عليه طيلة دهره، ولو سمع منك خمسين حكمة ما حفظ منها حكمة واحدة، ولكن لو وقع على خطأ عندك فإنه لا يزال يدور حول هذا الخطأ ولا يذكر إلا هو، فهؤلاء طبعهم طبع الخنازير، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله وشغله الشاغل.
ومن الناس من طبيعتهم على طبيعة الطاووس يختالون ويتفاخرون ويتكبرون على عباد الله، فكل تصرفاتهم تنبؤ عن الاختيال كما يختال الطاووس، أو قل أنهم يتزينون بالريش في الظاهر وينتفخون وينتفشون، ولكنهم في الباطن ليس عندهم مضامين طيبة، ولا محتويات حسنة، ولم تمتلئ قلوبهم بالإيمان وتعمر به، ولذلك فقد بلغ الكبر بهم كل مبلغ، فيتكبرون على عباد الله، ويحتقرون خلق الله، وتجد بعض هؤلاء يمشون أمام الناس مختالين كما يمشي الطاووس.


ومن الناس من انطوت قلوبهم على حقد عظيم، فهم يشابهون الجمل، فهو من ناحية الحقد أحقد الحيوانات، وأغلظها كبداً، فهؤلاء لا ينسون الأحقاد، فيظلون يتذكرونها، ولكن من الحيوانات ما هو أليف ينسى الإساءة إذا أسيء إليه، وكذلك بعض البشر فإنهم يتسامحون في الأخطاء وينسونها بسرعة.
ومن أحمد الطبائع طبائع الخيل التي هي أشرف الحيوانات نفوساً وأكرمها طبعاً وكذلك الغنم، ولذلك أخبر  رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن السكينة والوقار في أهل الغنم)؛ لأنهم بمعاشرتهم لها قد اكتسبوا شيئاً من صفاتها، وهذا شيء تستغربه بعض العقول، ولكن الواقع يؤكده، وكما يصف عليه السلام في الحديث الصحيح نفسه: (بأن الخيلاء والفخر في أهل الإبل)فإنه لا يزال الفخر طبيعتهم ولا يزال الكبرياء متضمن في سجاياهم.
ومن الناس نفوسهم نفوس سامة من ذوات الحمات وهذه السموم الموجودة تثير في النفوس حرارة تدفعها إلى اللدغ بحيث تجد الراحة في إلقاء السم في أجساد الآخرين، مثل العقرب، بعض الناس نفوسهم مثل نفوس العقارب قد اشتملت على السم الزعاف لا تستريح حتى تلقي سمها في أجساد الناس مثل ذلك أيها الإخوة مثل الحاسد الذي تعتريه حرارة الحسد فلا يستريح إلا بعد أن يصيب بسمية عينه إنساناً ذا نعمة، فيصيبه بالعين حتى تزول النعمة عنه، والعين حق كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأمل المشابهة بين الحاسد الذي يصيب بالعين وبين العقرب التي تحتوي على ذلك السم. وهذا الحاسد العارم، يشعر حرارة في جسده، إذا رأى صاحب النعمة، ولا يرتاح حتى يصيبه بعينه، فتسكن نفسه.
ومن الناس من نفوسهم نفوس حمارية لم تخلق إلا للكد والعلف، كلما زيد في علفه زيد في كده، أبكم الحيوان وأقله بصيرة هذا الحمار، ولذلك ضرب الله سبحانه وتعالى للعالم الذي يعلم العلم ولا يعمل به ولا يفقهه وإنما يحمله حملاً بغير تدبر ولا عمل وصفه بالحمار، هذا مثل عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها.
ومن الناس من نفسه سبعية غضبية همته العدوان على الناس كما تجد السباع همها العدوان على الناس وافتراس الفرائس، وبعض الناس هكذا إنهم يتوثبون بالانقضاض على الناس الآخرين ويقهرونهم بكل ما وصلت إليه خبرتهم وقوتهم، فتصير طبيعتهم مثل طبيعة السبع.
ومن الناس نفوسهم نفوس فأرية، والفأر معروف بأنه مفسد لما جاوره، فيفسد الطعام ويقع فيه حتى لا يستمتع به صاحبه، ولذلك فإن بعض الناس تشبه نفسياتهم نفسية الفأر يحبون الفساد والإفساد، يحبون الفساد والإفساد، لسانهم يسبح كأنه يقول: سبحان من خلقه للفساد.
وإذا تأملت في بعض المجتمعات الحيوانية لوجدت أن بعض المجتمعات الإنسانية فيها شبه من تلك المجتمعات الحيوانية، فأنت إذا أخذت مثلاً يا أخي النحل، فإن مجتمع النحل مجتمع عجيب وذلك أن لها أميراً ومدبراً وهو اليعسوب وهو أكبر النحل جسماً، وأحسنها لوناً وشكلاً، وتجمع الإناث فراخها عند الملك، فيخرج بها إلى المرعى من المروج والبساتين والمراتع في أقصر الطرق وأقربها، فتجتني منها كفايتها فيرجع بها الملك فإذا انتهوا إلى الخلايا وقف عند بابها، ولم يدع ذكراً ولا نحلة غريبة تدخلها فإذا تكامل دخولها دخل بعدها، وتواجدت النحل في مقاعدها وأماكنها، فيبتدئ الملك العمل كأنه يعلمها إياه، فيأخذ النحل في العمل ويتسارع إليه، ويترك الملك العمل ويجلس ناحية يشاهد النحل كيف تعمل ويراقبها في عملها فيأخذ النحل في إيجاد الشمع من لزوجات الأوراق، ثم تقتسم النحل فرقاً فمنها فرقة تلزم الملك لا تفارقه، ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصفيه، ومنها فرقة تبني البيوت، وفرقة تسقي الماء، وفرقة تحمل على متونها، وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ، ومن عجيب أمر النحل أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين لطاعتها، وتقتل النحل الكسلان حتى لا يعديها بطبعه، وهكذا بعض المجتمعات البشرية قد أوجدها الله سبحانه وتعالى وهيأها لتسير خلف قائد ومربٍ تتعلم منه وهو يراقب الأفراد ويعتني بهم، ويكفلهم ويرعاهم، وكذلك يقسمون العمل فيما بينهم، حتى يعمل كل منهم في ما يجيد فيه من العمل، مجتمع دءوب مثل مجتمع النحل، مجتمع منظم مثل مجتمع النحل، مجتمع يرفض الكسل ويعمل في توانٍ يخطط وينظم في هندسة جيدة كما أوجد الله ذلك في النحل، فيكون نتاج هؤلاء الناس عسلاً مصفى من وحي التربية القرآنية والتربية المحمدية التي هي تطبيق للقرآن، كما خرج نتيجة ذلك العمل من النحل ذلك الشراب العسل المصفى الذي فيه شفاء للناس، ولكن النتاج الذي يكون فيه شفاء القلوب أفضل وأعلى من النتاج الذي يكون فيه شفاء الأبدان.
وتأمل في هداية الله للنمل، وما حكاه الله في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَسورة النمل18، فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته، ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم ويتحصنوا بها من العسكر، ثم أخبرتهم عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن تصيبهم مضرة الجيش فيحطمهم سليمان وجنوده، ثم اعتذرت عن نبي الله سليمان وعن جنوده باعتذار حسن، اعتذرت عنهم من حسن الظن بهم، وأخبرت بأنهم لا يشعرون، ولو شعروا لما مروا فأهلكوا النمل من تحتهم، ولذلك تبسم نبي الله سليمان من حسن قولها وجودة منطقها وما نتج عنه من الكلام الحسن الذي ينم عن جودة في التفكير وعن جودة في الأسلوب، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أنواع من الحيوانات مثلما ثبت عنه أنه نهى عن قتل النمل والنحل والهدهد والصرد: وهو نوع من أنواع الطيور، وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بجهازه فأخرج وأمر بقرية النمل فأحرقت جزاءً لتلك القرصة، فأوحى الله إليه: أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح فهلا نملة واحدة؟)، العدل مكانه في كل شيء.


وتأمل لتلك المخلوقة الضعيفة كيف تدرك بالشم ما يدرك غيرها بالبصر، وتحمل من الطعام ما هو أكبر من حجمها، ومثل ذلك مثل بعض الناس الذين هيأهم الله لحمل الأثقال التي تنوء بحملها الجبال، إنها المسؤوليات العظيمة في نصرة هذا الدين، وتأمل النملة عندما تعجز عن حمل شيء من الطعام، فإنها تذهب وتجيء بمجموعة في صف طويل، حتى تتعاون تلك الفصيلة من النمل في حمل هذا الشيء، وكذلك المشكلات العويصة التي إذا حلت بالمجتمع المسلم، لا يستطيع أن يحلها رجل واحد، بل لا بد من تكاتف الجهود، واجتماع الناس، وأن يتنادى بعضهم بعضاً، وأن ينتدب بعضهم بعضاً لهذه المهمات الشاقة، فيأتون في صف كالبنيان المرصوص يحملون تلك التبعات، ويجاهدون في الله حق جهاده، وتأمل في النمل كيف تجتهد النملة في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئاً لنفسها، لا يوجد نملة في مجتمع النمل تأخذ هذا الطعام لوحدها فتأكله وتعتزل به جانباً وإنما تجره إلى جحرها حتى يتشارك الجميع في أكله، إن ذلك هو التعاون بعينه الذي يوجد في بعض مجتمعات البشر الذين حباهم الله بتلك النعم.
وأخيراً من الأمثلة، من أمثلة المجتمعات الحيوانية التي فيها انضباط ومشابهة كبيرة في حياة الناس مجتمع الحمام، وهو من أعجب الحيوانات حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله: أنه أعقل الطير، وهذا يحمل الرسائل والكتب، وربما زادت قيمة الطير منه على قيمة العبد والمملوك؛ لأنه يفعل في بعض الأحيان ما لا يفعله العبد والمملوك، فإنه يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ألف فرسخ فما دونها، وتنهي الأخبار والأغراض والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الملوك والدول عن طريق هذا النوع من الحمام، وله قيمون عليها يعتنون بأنسابها اعتناءً عظيماً، فيفرقون بين ذكورها وإناثها، وتنقل الذكور عن الإناث، والإناث عن الذكور، يخافون من فساد أنسابها؛ لأنه لا بد أن تكون أصيلة حتى تستطيع أن تؤدي المهمات.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليق لطيف في هذا الموضع: والقيمون الموظفون الذين يقومون برعي هذا الحمام، يحفظون الذكور عن الإناث حتى لا تختلط أنساب الحمام، ولا يحفظون أرحام نسائهم هم البشر، ويحتاطون كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون عليها. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والحمام موصوف باليُمن والألف للناس، وهكذا بعض الناس تجده أليفاً يحبه الآخرون، ولكن أناساً آخرين فيهم من طبائع الوحشية والنفور لا يألفهم أحد، وهكذا الحيوانات على قسمين: قسم أليف يعيش مع الغير، وقسم وحشي ينفر من الجميع.
وهذا الحمام يألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه وإن أساء إليه، ويعود إليه من مسافات بعيدة، وربما صد عن الرجوع، عطله عاطل عن الرجوع فترك وطنه عشر سنين وهو ثابت على الوفاء، حتى إذا استطاع العودة عاد إلى موطنه ذلك، وكذلك البشر منهم من يحفظ لك الوفاء والعهد، ولو أسأت إليه مرة فإنه يرجع إليك ويفيء؛ لأن عنده من تلك الطباع الأليفة ما يجعله يحتمل منك ذلك الخطأ في سبيل ذلك المعروف العظيم الذي أسديته إليه، كما أسدى صاحب الحمام لها الطعام والمسكن وهيأ لها وسائل المعيشة، فهي تحبه وترجع إلى المسكن وتألفه، ولذلك فإن الوصية كل الوصية لمن كان في ذلك المجتمع المسلم فحصل له خير عظيم اقتبسه وتعلمه أنه إذا أسيء إليه مرة أو أخطئ عليه أخرى أن يتناسى ذلك الخطأ، وأن يعود ويفيء إلى محضنه التربوي حتى يقتبس منه وينهل ويكتمل.
وأسأل الله لي ولكم السداد، وأستغفر الله لي ولكم.
- الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ومنهجه القويم.
وإذا تأملتم أيها الإخوة في الواقع الاجتماعي للناس، موقف الذكور والإناث من بعضهم فإنكم تجدون بعد البحث والمقارنة مشابهة عجيبة لبعض طباع الحيوانات في ذكورها وإناثها، فإن الحمام كما يقول ابن القيم رحمه الله: مشاكل للناس في أكثر طباعه ومذاهبه، فإن من إناثه من لا تريد إلا زوجها، ومنها من لا ترد يد لامس، وأخرى لا تنال إلا بعد طلب حثيث، وأخرى لها ذكر معروف بها، ولكن إذا غاب زوجها تخونه في ذكر آخر، ثم تأمل انطباق ذلك في حياة الناس اليوم تجد العجب العجاب، ونسأل الله أن يحصن فروجنا وأن يجعلنا من الذين لا يخونون، ويحفظون الأمانات، ومن الحمام من إذا باضت بيضة وهي لا تبيض في العادة أفسدت البيض، وتجد كذلك عند بعض الإناث الذين يجهضون ما في أرحامهم من الجنين الذي خلقه الله فيها؛ لأنها لا تريد المسؤولية بزعمها، كما أن ذلك النوع من الحمام يفسد بيضه؛ لأنه لا يريد المسؤولية.
وفي الحمام كذلك طبيعة أن ذكوره وإناثه يتقاسمون المهمات، فتقوم الأنثى بالحمل والوضع ورعاية الفراخ، ويقوم الذكر بالبحث عن الرزق وجلبه إلى العش.
والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوباً محتالاً، وبعضها متوكل غير محتال، وكذلك البشر، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنة، وبعضهم يتكل على الله ثقة به مثل الطيور، وكذلك البشر بعضهم يدخرون لسنوات طويلة، وبعضهم إذا كسبوا أنفقوا على أنفسهم وبالمعروف وتصدقوا وعلموا أن الله سيرزقهم في الغد وهو يرزقهم فعلاً لما صدقوا الله من التوكل، وبعضهم يعول ولده وبعضهم لا يعرف ولده، هذا من الحيوانات، بعضهم يعول ولده وبعضهم لا يعرف ولده، يلده ويذهب عنه، وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضع ولدها وتكفل ولد غيرها، وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه.
وبعض الحيوانات يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها لا يعرف الإحسان ولا يشكره، وبعضها يؤثر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه لم يدع أحداً يدنو منه.
وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعض الحيوانات يأكل الطيب والخبيث، وبعضها يأكل الخبيث فقط.
وبعض الحيوانات يأكل الطيب فقط، وبعض الحيوانات يأكل الخبيث فقط مثل الخنزير، وبعضها يأكل الطيب والخبيث، وكذلك الناس في معايشهم اليوم، من وفقه الله للكسب الحلال لا يأكل إلا طيباً، ومن أغواه الشيطان فولغ في الحرام كل نفقته حرام في حرام، يضعون نقودهم في البنوك في الخارج ويتقاضون من ورائها الفوائد الربوية، منها يعيشون وعليها يتقوتون ومنها يغذون أطفالهم وأولادهم
 (وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به).
وبعض الحيوانات لا يؤذي إلا من آذاه، وبعضها يؤذي من لا يؤذيه، وهكذا البشر، وبعضهم حقود لا ينسى الإساءة، وبعضهم يستقبح القبيح وينفر منه، وبعضهم لا يستقبح القبيح ولا يعرف الحسن.
وبعض الحيوانات تتعلم بسرعة، وبعضها تتعلم ببطء، ولذلك فإن الذي يعاشر هذا الأصناف من الحيوانات فإنه يتأثر بها ولا بد.
وبعض الحيوانات يخدع بسهولة، وبعضها لا يخدع بسهولة، كذلك البشر منهم فطن ينتبه ومنهم من لا ينتبه ويقع في أول فخ ينصب له.
قال بعض الصيادين: ربما رأيت العصفور على الحائط فأومئ بيدي كأني أرميه فلا يطير، أتظاهر بأني أرميه وليس في يدي شيء فلا يطير، وربما أهويت إلى الأرض كأني أتناول شيئاً ولكن لا أتناول شيئاً أتظاهر بتناول شيء فلا يتحرك، فإن مسست بيدي أدنى حصاة، أو حجر أو نواة طار قبل أن تتمكن منها يدي، وهذا مشاهد فيمن عرف طبيعة الطيور.
وكذلك أيها الإخوة ينبغي للإنسان المسلم أن لا يكون خباً، ولا يخدعه الخب، لا يكون لئيماً ماكراً، ولكن لا يدع الماكرين الخبثاء ينالون منه في شيء، وهذا باب واسع جداً، لو ظللنا نسرد ما فيه لطال بنا الوقت، ولكن تأمل يا أخي في النهاية إلى تدبر السلف في هذه الآية، وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمسورة الأنعام38، الطباع تتشابه، إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِسورة الأنعام38.






؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛

ليست هناك تعليقات: