السبت، 15 يوليو 2017

أين اختفى 35 ألف مقاتل من "تنظيم الدولة"؟.فيديو


لا جثث متناثرة على الطرقات 
ولا في الأزقة أو في الأبنية المهدمة.. 
 لا صور لأسرى أو مقاتلين أحياء يهرولون أو يقاتلون
 خلف السواتر الرملية،


حرب غير مسبوقة واستثنائية، الصور القليلة المتناثرة هنا أو هناك أشبه بصور استعراضية لمقاتلين يرتدون زياً عسكرياً غاية في الأناقة والترتيب أمام الكاميرات لا أكثر ولا أقل، لماذا؟ لأنها حرب بلا موتى وبلا أحياء أيضاً. 
 جميع الأقمار الصناعية وشبكات التجسس والتطبيقات على الهواتف الذكية والكاميرات العالية الوضوح والجودة فشلت في الإمساك، ولو بمقاتل واحد بعد الانتهاء من معارك مدينة الموصل في العراق والرقة في سورية وفي غيرها من المدن المنكوبة في البلدين.
 حرب جيوش ومليشيات ضد مقاتلين ينتمون غالباً لـ"تنظيم الدولة"، لكنها بدون مقاتلين، فقط عدد قليل من الجنود أو المليشيات يتحدثون إلى محطات التلفزة وإلى وسائل الإعلام أو عبر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي.
حتى الصور التي تنشر على الإنترنت لم تؤكد أي مصادر صحتها بل على العكس جرى التشكيك في صحة الكثير منها، ومن بينها صورة مقتل زعيم «التنظيم» أبو بكر البغدادي، وبالتحقق من صورة الجثة التي نشرتها مواقع إيرانية، تبين أنها صورة قديمة تعود لسنوات لعنصر من «تنظيم الدولة» مجهول الهوية.
 وإذا كانت القوات الروسية ومعها الجيش السوري والمليشيات المدعومة من إيران وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تقود حربًا شرسة ضد «التنظيم» في سورية، والجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات التحالف بقياد الولايات المتحدة تقود حربًا ضد «التنظيم» منذ أكثر من ثلاث سنوات: إذًا أين هم قتلى وأسرى «التنظيم»؟
 مسؤول أمريكي في المخابرات الأمريكية ذكر قبل سنوات أن عدد أعضاء «التنظيم» يصل إلى نحو 35 ألف شخص استقطبهم «التنظيم» من 104 دول، وحتى يكون المشهد أكثر وضوحاً، نذكر أن هؤلاء الـ35 ألفًا كانوا يسيطرون على 40% من الأراضي العراقية، بمساحة وصلت إلى 108 آلاف كلم مربع، ونصف مساحة سورية بمساحة وصلت إلى نحو 95 ألف كلم مربع. تنظيم "الدولة الإسلاميّة" يعلن بدء "مرحلة جديدة لقتال" إسرائيل


هذا الحديث كان في عام 2014م مع بدء العمل العسكري الدولي ضد «التنظيم»، وإذا حسبنا عدد أعضاء «التنظيم» وفقاً للكثافة السكانية، فإن ثمة مقاتلًا واحدًا من «التنظيم» في كل 6 كيلومترات مربعة، أو أن المساحة المعلن عن احتلالها كانت مساحة افتراضية، وغير محتلة فعليًا، وخالية من مقاتلي «التنظيم».
 وإذا أخذنا رقمًا صارخًا ذكرته محطة «سي أن أن» قبل الدخول في معركة الموصل بأن عدد مقاتلي «التنظيم» لا يتجاوز 5 آلاف، فإن الرقم يضعنا أمام علامات استفهام وأسئلة كبيرة، عن حجم المساحة التي كان يسيطر عليها «التنظيم» فعلياً، خصوصًا أن المناطق التي تواجد فيها «التنظيم» بشكل كامل هي أراضي عرب وتصادف أنهم من السُّنة، وغالبية الدمار وعمليات القتل وقعت في هذه الأراضي. وحتى تنجلي الحقيقة نعيد للذاكرة هذه الحكاية:
كان الجيش العراقي يتواجد في عدد من المدن السُّنية في العراق، لكن الجيش (تحت إمرة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي) وبشكل مفاجئ انسحب من هذه المدن، وهرب جنوده (أو هُرِّبوا) من أمام «تنظيم الدولة»، تاركين أسلحتهم بالكامل وراءهم وفي المستودعات، ولم تقم الطائرات الأمريكية المتواجدة بأي عمل عسكري حقيقي، وهكذا سيطر «التنظيم» على الأراضي العراقية، ويكاد نفس السيناريو أن يكون تكرر في سورية، وفي غيرها من المناطق في الوطن العربي، وربما في اليمن وليبيا ومالي أيضاً. وحتى لا يعاني «التنظيم» من ضعف في قدراته المالية سمح له بالسيطرة على البنوك المتخمة بالسيولة النقدية، ووقعت بين يديه آبار النفط، والمعابر التي سمحت له بجني أرباح كبيرة، بل إن الحكومة السورية وبعض الجهات كانت تشتري النفط من «التنظيم»! وتتجنب العمل العسكري في أراضيه!
 ثم فجأة أصبح الجيش العراقي ومعه «الحشد الشعبي» والجيش الأمريكي، بقدرة عجيبة، يمتلكون زمام المبادرة، وأخذوا في «تحرير» المدن الواحدة تلو الأخرى، لكن بعد تدميرها وتحويلها إلى مدن خربة مهجورة بلا أي مقومات للبقاء، قتل معظم سكانها أو شرّد وخطف رجالها، ويكاد السيناريو أن يكون حاضراً في المدن السورية التي تقطنها عائلات سورية أصلية، وتصادف أيضاً أنها عائلات عربية سُنية، وتصادف أن الأكراد الذين هم أقلية عرقية سورية أخذوا في التمدد في أراضي هذا «التنظيم» التي «حررت» بسرعة عجيبة. 
 لا، أبدًا هي ليست نظرية مؤامرة، لكن الأسئلة تطل برؤوسها كأنها تحاكمنا، من أسس لهذا «التنظيم»، ومن سهل دخوله للعراق وسورية واليمن وليبيا ولسيناء، ومن ساعده في البقاء في مساحة جغرافية وصلت إلى 200 ألف كيلو متر مربع، إذا كان حقًا يسيطر على هذه الأرض، وكيف بقي لنحو أربع سنوات يتمدد، وأين ذهب الـ 35 ألف مقاتل، كيف كانوا يتنقلون بين الدول العربية ويعبرون المطارات من وإلى أوروبا، هل كانوا مسافرين عبر الزمن، أو يرتدون "طاقية" الإخفاء؟!
 ما سر أن معظم قادة «التنظيم» كانوا في «سجن بوكا» الذي كانت تديره القوات الأمريكية قرب مدينة أم القصر في جنوب شرق العراق، وعلى رأس اللائحة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي (إبراهيم بن عواد البدري السامرائي) الذي اعتقل منذ عام 2004 حتى منتصف عام 2006م، وبعد الإفراج عنه عمد إلى إنشاء «جيش أهل السُّنة والجماعة»؟ ومن بينهم أيضاً الناطق باسم «التنظيم» أبو محمد العدناني، وفاضل أحمد الحيالي (حاجي معتز) وقدمه البيت الأبيض على أنه كبير مساعدي البغدادي، وأيضاً أبو محمد الجولاني، زعيم «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، وجرى نقل بعضهم من السجن الأمريكي إلى سجون عراقية، حيث سمحت سلسلة من عمليات الهروب من السجون خلال السنوات القليلة الماضية بفرار عدد من كبار القادة وانضمامهم إلى صفوف المقاتلين، وفي عام 2013م شهد سجن أبو غريب أكبر عملية هروب حيث هرب ما يصل إلى 500 سجين.
 وحين بدأت سورية تشهد تحركات شعبية سلمية في بداية الأزمة، عمدت الحكومة السورية إلى إطلاق سراح جميع المسجونين بقضايا أمنية، أو متعلقة بالجماعات «الجهادية»، وكان في مقدمتهم علي موسى شواخ الملقب بـ"أبو لقمان"، والي الرقة في حكومة البغدادي.
 ويذهب المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي إلى القول: «إن القادة الـ 17 إلى 25 الأهم من قادة "داعش" كانوا من نزلاء السجون الأمريكية بين عامي 2004 و2011م، وأن الكثير منهم قد هرب بعد نقلهم إلى سجون عراقية».
 وأكدت هذه المعلومات صحيفة «الجارديان» البريطانية عام 2014م، ومقال مطول لنشرة «ذي لونغ وور جورنال» المختصة بالشؤون العسكرية، و"صحيفة دايلي بيست" الأمريكية وصحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية ومجلة «دير شبيجل» الألمانية، وعشرات الصحف ووسائل الإعلام المتزنة التي تتحلى بمهنية ومصداقية عالية.
 إذًا نحن أمام حرب إعلامية تكشف الوقائع والشهادات مدى الصناعة فيها، ولم يكن مطلوباً من «التنظيم» سوى الذهاب إلى أقصى حدود التوحش والإمعان في القتل وقطع الأطراف والرؤوس، وإثارة الرعب في قلب كل من يسمع به، وتدمير الرموز الثقافية والتراثية، وتهديد أمن واستقرار بعض الدول، ولا بأس بإدخال المرأة إلى المشهد بوصفها نقطة الضعف التي تقلب الأمزجة، فهي ستكون سبية تباع وتشترى، والأهم أن تكون مدن وقرى وأرياف العرب السُّنة هي ساحة المعركة، وألا تطلق رصاصة واحدة على «إسرائيل».
 ما كتب هنا ليس نهاية الكلام في هذا الموضوع الذي سيبقى لغزاً لسنوات طويلة، لكنه محاولة لإلقاء حجر في المياه الراكدة لا أكثر ولا أقل.


ليست هناك تعليقات: