الجمعة، 24 مارس 2017

تدوم الدنيا مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام!


الملك لا يستمر مع الظلم 
الدنيا قد تدوم مع العدل والكفر، 
 ولكنهــا لا تدوم أبدًا مع الظلـم والإسلام؟



فهلّا نبه علماء السلطان أسيادهم المنتسبين للإسلام
 إلى أن الملك لا يستمر مع الظلم، 
وأن الدنيا قد تدوم مع العدل والكفر، 
... ولكنها لا تدوم أبدًا مع الظلم والإسلام؟ ...


ذكر ابن خلدون في مقدمته عن المسعودي في كتابه أخبار الفرس قصة حدثت في فارس في عهد بهرام بن بهرام، وذلك أن الملك بهرام سمع ذات مرة صوت البوم، فاستدعى رجل الدين عندهم ـ وكان يلقب بالموبذان ـ وطلب منه أن يفسر له ما يقوله البوم! فقال له الموبذان: "أن بومًا ذكرًا يخطبُ بومًا أنثى، فطلبت منه أن يعطيها مهرها عشرَ قُرَى خربة في أيام بهرام بن بهرام، فاستهان الذَّكَرُ بذلك، وقبل شرطها، وقال لها أنه لو دامت أيام مُلك بهرام فإنه سوف يعطيها ألف قرية خربة لا عشرين!" تعجَّب بهرام من كلام الموبذان، فخلا به، وسأله عن مراده، وما الذي قصده بهذا المثل، فقال له الموبذان: "أن المُلك لا يتم عزه إلا بالشريعة، ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للمَلِك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل إلى المال إلا بالعمارة والصناعة والزراعة وما شابه ذلك من أوجه التكسُّب، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، فإذا زال العدل انهارت العمارة وتوقف الإنتاج، فافتقر الناس، واستمرت سلسلة التساقط حتى ينهار المُلك". وقد يتعجب البعض ويتساءل عن العلاقة بين العدل والعمارة والإنتاج، وجواب ذلك أن الَملِك متى ظلم الرعية وانتزع الصناعات من أيديهم ليجعلها في يد حاشيته الذين هم من أهل البطالة، وقد يعلِّل ذلك بأن هؤلاء هم أكثر الناس طاعةً له، فيستطيع من خلالهم التحكم في الأسعار والوضع الاقتصادي العام، متى فعل ذلك فقد سلك طريق انهيار ملكه من خلال أمرين:
- أولهما: أن الصناعة أو الزراعة متى كانت في يد واحد من الحاشية انعدم التنافس في هذه الصناعة أيًّا كانت، ومتى احتكر السلعة رجلٌ واحدٌ ولم يجد منافسًا له لم يهتم بجودة ما ينتجه أولاً، ثم يتحكم في الأسعار كيف شاء حيث لا منافس ثانيًا.
- وثانيهما: أن الصناعات متى كانت بيد الحاشية سومحوا فيما يؤخذ منهم من ضريبة ومصاريف متعلِّقة بما ينتجونه، فاحتِيج إلى تعويض ذلك بالإثقال على عوامِّ الناس وتكليفهم بما لا يطيقون، هذا بالإضافة إلى أنهم سُلبوا العمل الشريف لاحتكار الحاشية له، فتبدأ الجريمة في الانتشار، وهذه أولى خطوات الانهيار. والله تبارك وتعالى يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، فلو حكم حاكم كافر بالعدل استمر ملكه، ولو حكم حاكم مسلم بالظلم بين رعيته أزال الله ملكه، والله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك عمن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.
 والعدل أمرٌ تميل إليه النفوس بالفطرة، وهو أمر محمودٌ في جميع الشرائع، وتأكَّد فضله في شريعة الإسلام لمَّا أخبر الله عن نفسه عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سورة فصلت: 46]، ولما قال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف: 49]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا » [رواه مسلم]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الظلم ظلمات يوم القيامة» [رواه مسلم]. ومن خطورة الظلم أن الله تبارك وتعالى يستجيب لدعوة المظلوم حتى لو كان كافرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم: «ودعوة المظلوم، يرفعها الله في الغمام، ثم يقول لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» [رواه المنذري]، فالله عز وجل يستجيب لدعوة المظلوم، حتى لو كان ذلك المظلوم كافرًا، ولو كان ظالمه مسلمًا. فالعدل أساس الملك، فبهرام هذا كان كافرًا، ويُروَى أنه بعد أن نبَّهَه الموبذان على ذلك أقبل على النظر في ملكه، وانتزع الضياع والصناعات من أيدي حاشيته وردها إلى أربابها وأهل الخبرة بها، فعمرت الأرض، وأخصبت الأرض، وكثرت الأموال، وانتظم ملك بهرام. فهذه سنة من سنن الله في خلقه، عَلِمها الموبذان، رجلُ الدين الكافر، وأعلمها سيدَه بهرام بن بهرام، الحاكم الفارسي الكافر.. فهلّا نبه علماء السلطان أسيادهم المنتسبين للإسلام إلى أن الملك لا يستمر مع الظلم، وأن الدنيا قد تدوم مع العدل والكفر، ولكنها لا تدوم أبدًا مع الظلم والإسلام؟



ليست هناك تعليقات: