الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

منافذ العصيان فى مصر والسودان



 دروس ثورات الربيع العربي  
خصوصاً..الدرس المستفاد من مصر


لم يعد ممكناً التفريق بين حالات الفشل في مصر والسودان وتواليها بشكل مستمر، والتشابه المخيف في حالة فشل الدولة ونكوصها عن القيام بالحقوق الطبيعية للإنسان، ابتداءً من الحرية ولقمة الخبز وجرعة الدواء. تتحفنا الشقيقة مصر أولاً، ومن بعدها السودان، بظهور الأزمات إلى العلن، بعد أن يصبح من المستحيل التكتم عليها، وهي تلامس حياة الناس المعيشية. وتتشابه أزمات البلدين، حتى على مستوى ترتيب تفاصيلها: أزمة السكر والخبز، رفع الدعم عن المحروقات، تعويم الجنيه، كارثة رفع الدعم عن الأدوية. فضلاً عن الأزمة المتأصلة، والتي دعت إلى ذلك كله، وهي اغتيال الديمقراطية في مهدها. وكأنّ هناك مباراة بين نظامين انقلابيين في إيصال شعوب بلديهما إلى الدرك الأسفل من قاع الحياة، حتى لا يكونوا موتى ولا أحياء.
ما زالت حكومة عمر البشير ترفع رأسها إلى شمال الوادي، فيتعجب العالم كله مما يحيق بمصر وأهلها، إلّا البشير الذي يرى في أفعال عبد الفتاح السيسي بأهل مصر يسيراً، مقارنةً بما يمكنه فعله. ما يحدث في مصر من حكومتها يوفّر لحكومة البشير غطاءً إعلامياً، وليس أخلاقياً بالطبع، فيصبح ما تفعله حكومة البشير أكثر اتحافاً.
هناك عقل في الجنون، كما قال شكسبير. 
عقل يصدّعك بأن تكفّ عن التفكير، أو أن تكفّ عن الأمل بأنّ هذين البلدين قد يمضيان إلى خيرٍ في ظلّ حكومتهما الحالية. وعقلٌ يقول إنك لو كنت سياسياً، وبطرف يدك قبضة من الحكم وجاه السلطان، فحدّث بلسان مبين. يمسك هذا العقل بتشريح ما نتج عن الأزمة، وهو العصيان المدني، كما في حالة السودان، مثلما فعل غازي صلاح الدين المستشار الأسبق للرئيس البشير، ورئيس حركة الإصلاح الآن. وتكتسب كلمة صلاح الدين أهمية بوصفه مفكّراً عميق الثقافة وقيادياً حصيفاً، وكان من الحكمة بمكان أنه استقال عن القصر الجمهوري في عام 2003، بعد أن تمادت سفينة الإنقاذ في الانحراف ومقارعة الفساد.
في استهانة المسؤولين الحكوميين بالعصيان المدني، شبّههم غازي صلاح الدين بالعامة، لأنّهم
أصبحوا مشاهدين عاديين ينتظرون النتائج، لا فاعلين. وفي ذلك تفاؤل بتغيّر القوانين، لأنّه في الماضي كانت مهمّة الحكومة هي المنع، لأنّ القهر على المنع أيسر من القهر على الفعل، ومستدّلاً بالحكمة القديمة “إنك تستطيع أن تجرّ حصاناً إلى النهر، لكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب”. 
نظائر هذه الحكمة كثيرة: “إنك تستطيع أن تغدق العطايا على من تشاء، لكنك لا تستطيع أن تقسره على أن يحبك، أو أن يصادقك”.
أهم ما ذكره غازي صلاح الدين من دروسٍ مُستفادةٍ من العصيان المدني السوداني أنّ الحكمة المتحصلة من تشريح الثورات والانتفاضات، في الربع الأخير من القرن العشرين، تقول إنّ الخبرة المتحصلة من تجربة يوم العصيان لن تُهدر، بل ستُختزن وتتراكم، لتصنع مواقف مماثلة في وقت قريب. 
هذا قانون طبيعي لا افتكاك منه، هي فقط مسألة وقت، لا شيء سوى ذلك.
وليس غريباً الإشارة إلى دروس ثورات الربيع العربي، خصوصاً الدرس المستفاد من مصر، في تجربة خلاصها الأولى، فالعصيان المدني المشار إليه تمّ تنفيذه في فبراير/ شباط 2012، ثم تطور إلى مظاهراتٍ أمام مقرّ وزارة الدفاع المصرية، للضغط على المجلس العسكري، للتخلي عن الحكم، وتسليمه على الفور إلى سلطةٍ مدنية، بعدها تم إجراء الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالديمقراطية التي حلم بها المصريون طويلاً، ثم وأدوها من حيث لا يدرون.
ما يحدث، على الرغم من مرارته، مفيدٌ بشكلٍ من الأشكال، فمن سمّاهم غازي صلاح الدين حرّاس المِحراب قدموا درساً قديماً متجدّداً، لخصه حكماء في مقولة: “في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يهاجمونك، ثم تنتصر”. 
والمرحلة الحالية في مصر والسودان هي مرحلة سخرية الحاكمين من شعبيهما، بغير مراجعة إستراتيجيتيهما، أو حوارهما مع محكوميهم.
سياسات الدولتين الفاشلة مسؤولة، بشكلٍ أساسي، عن تمكين الفقر من أن يضع بصماته على مظهر الشعبين ومأكلهم ومسكنهم، وكل ما هو ضروري في حياتهم. 
وأصبحت كل الظروف مهيأة لحدوث فترةٍ انتقالية في مصر والسودان. يتجه الرئيس السيسي شمالاً صوب أوروبا، لاستجداء الدعم والتأييد، ويوغل الرئيس البشير في الانتشار أفريقياً، مواصلاً تحدّيه الدولي الذي يحسبُ أنّه سيكسبه دعماً في سوق خسارته الشعبية.
وللسيطرة على الأمور، تهيئ حكومتا البلدين بعض قيادات الجيش فترة انتقالية أخرى. والمبرّر الذي سِيق لإقناع الشعب بالمجيء بالجيش مرة أخرى هو فشل الأحزاب السياسية. 
وهذا ما يخاطب العقل الباطن، وجزء من حقيقة أنّ الأحزاب جعلت من نفسها أصناماً تدور كالحواريين حول حكوماتها، مسلّمين لأمرها، فحقيقة مؤسسيها وعرّابي فكرتها وأعضائها أنّهم بشر، وككل البشر تهفو نفوسهم إلى الراحة، ورغد العيش والرفاهية، والترفّع عن الرقابة والمساءلة والملاحقة عن كل ما يتحقّق منها بفسادٍ بيّن، لا شبهة حوله. وإن كانت النفوس في طبيعتها الفطرية تتوق إلى التحرّر من القيود، ولكن في سموّ لا تخضع فيه لابتزاز أو تجيير الحقائق أو عرض المبادئ، وقيم النضال في سوق الكسب من أي نوع، فإنّ الأحزاب المعارضة انخفضت بهذا التوق إلى التحرّر، بأنّها باتت لا ترى عيباً إن اتفق مع تحقيقه كسباً آخر. فهي ما فتئت تتعهد إلى الحكومة، بمناسبةٍ وبغير مناسبة، بأنّها ما زالت ترعى رغباتها الشخصية، مع شرط الالتزام بالوجود في مساحةٍ ممنوحةٍ لها تسمى… هامش الحرية.


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: