الخميس، 6 أكتوبر 2016

الأسطورة «جمال حمدان» وفلسفة الثورة المصرية..فيديو



 في كتابه العظيم " شخصية مصر "
مأساة مصر السياسية المستمرة بلا انقطاع طوال التاريخ
 يتحدث عن ديكتاتورية عصــابة العســكر 



 من كتاب شخصية مصر.. مصر والعرب
 دراسة في عبقرية المكان كتاب حول جغرافية مصر 
بأربعة مجلدات من تأليف جمال حمدان


في كتابه العظيم " شخصية مصر " وكتب أخري له تحدث المفكر المصري العظيم الدكتور جمال حمدان عن حكم العسكر كما تحدث عن الثورة حديثا لا يصدق أحد أنه مضي عليه أربعون عام تقريبا ، الذين عتموا عليه وعلي مؤلفاته ، ذلك المفكر الذي مات عام 1993م شابا فقيرا قتيلا شهيدا في جريمة قُيدت أوراقها ضد مجهول ، وجرت تحقيقاتها في سرية ، ولم تُمنح أسرته صورة رسمية ولا ضوئية من تقرير الطب الشرعي الذي أفاد أنه قُتل بضربة آلة حادة في الرأس ، وليس كما أراد أن يوهم قاتله الآخرين بأنه مات في حريق بسبب أسطوانة البوتاجاز في شقته .
 الطبعة الأخيرة المكتملة من كتابه صدرت عام 1983م ، ومع ذلك يتحدث عن ديكتاتورية عصابة العسكر وكأنه معنا ، يتحدث عنا ، ويتحدث إلينا ، ويتحدث عن ثورتنا مقدما لنا النصائح المطلوبة لنجاح الثورة ، وموضحا لنا مخاطر استمرار حكم العسكر علي مصر والعالم الإسلامي كله .
 يقول الدكتور / جمــال حمــدان : 



- " ولا شئ يقينا ككلمة " الفرعونية " يلخص ويشخص مأساة مصر السياسية المستمرة بلا انقطاع طوال التاريخ ، والمجسدة بلا حياء ، وما تزال في صميم حياتنا المعاصرة ، فلقد صارت هذه الكلمة التعسة " سيئة السمعة " علما علي الطغيان المصري البشع البغيض في كل مراحله ، وإن اختلفت التسميات والمسميات ، أو تطورت الأشكال والشكليات . 
فالسلاطين والمماليك في العصور الوسطي هم كما أوشك المقريزي أن يضعها فراعنة ولكن مسلمون ، مثلما كان الفراعنة أنفسهم أباطرة وقياصرة وأكاسرة ، ولكن مصريون ، هذا بينما عد محمد علي بعد ذلك آخر المماليك العظام وأول الفراعنة الجدد . 
 إن الفرعونية بوضوح مطلق الآن ، هي لاشك أبرز ، مثلما هي أسوأ مظاهر الاستمرارية في كيان مصر جميعا . 
 أما العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي تقليديا علاقة قهر ومقت ، إكراه وكره ، استبداد وحقد ، بينما العلاقة بين الحكومة والشعب هي الريبة والعداوة المتبادلة بكل التفاهم الصامت ، إن لم تعد الأولي ، فإنها - لسوء الحظ أكثر – عرفت غالبا العصابة ، ولا نقول أحيانا " الحثالة الحاكمة " ، بمعني عصبة مغتصبة تستمد شرعيتها من القوة غير الشرعية . 
 ومن هنا فلئن كانت مصر الطبيعية حديقة لا غابة ، فقد كانت بشريا غابة لا حديقة ، وإن كانت زراعيا مزرعة لا مرعي ، فقد كانت سياسيا مرعي لا مزرعة للأسف ، بالتالي فكثيرا ما كانت مصر إلي حد بعيد حكومة بلا شعب سياسيا ، وشعبا بلا حكومة اقتصاديا . 
لماذا قتلت المخابرات العـالم جمـال حمدان 
مؤلف كتاب شخصية مصر؟ ولماذا دعا الشعب لقتال العسكر؟



وهذا ما يصل بنا في النهاية إلي ذروة النظام وذروة المأساة أيضا ، لقد كانت مصر أبدا هي حاكمها ، وحاكمها عادة هو أكبر أعدائها ، وأحيانا شر أبنائها ، وهو علي أية حال يتصرف علي أنه " صاحب مصر " ، " ولي النعم " ، أو الوصي علي الشعب القاصر الذي هو عبيد إحساناته ، وظيفته أن يحكم ، ووظيفة الشعب أن يُحكم ، وأن الشعب الأمين هو شعب آمين ، والمصري الوطني الطيب هو وحده المصري التابع الخاضع ، إن لم يعتقد حقا أن المصري لا يكون مصريا إلا إذا كان عبدا أو كاد . 
 والحقيقة أن حاكم مصر طوال تاريخها الماضي إن لم يكن ينظر غالبا إلي الوطن كضيعته الخاصة ، وإلي الشعب كقطيع ، فقد كان علي أحسن تقدير يتبني فكرة الراعي الصالح والرعية التوابع ، أي فكرة الأبوة والأبوة العتيقة الطيبة أو القاسية بحسب الأحوال ، وبحيث كان الحكم المطلق أشبه عمليا بالحكم الرومانتيكي ، والدولة الفردية في الواقع إلي الدولة الشخصية . 
 بالمقابل وفي الاتجاه المضاد ، لكن للمزيد من الأسف والأسى أيضا ، فإن مصر المحافظة أبدا المفرطة الاعتدال جدا ، والتي لا تؤمن بالطفرة ولكن بالتدريج الوئيد أساسا ، لم تعرف الثورة الشعبية بالكاد ، لكن الانقلاب العسكري فقط وبالتحديد ، وذلك منذ الفراعنة وحتي المماليك حتي اليوم بلا استثناء ولا اختلاف ، بما يعني استمرارية في الانقلابات وغياب الثورات . 
 فخلال أكثر من 5000 سنة لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة محققة مؤكدة ، مقابل بضع هبات أو فورات قصيرة متواضعة أو فاشلة غالبا ، مقابل عشرات بل مئات من الانقلابات العسكرية ، يمارسها الجند والعسكر دوريا كأمر يومي تقريبا منذ الفراعنة ، وعبر المملوكية ، وحتي العصر الحديث ومصر المعاصرة .
 وهكذا وبقدر ما كانت مصر تقليديا ومن البداية إلي النهاية شعبا غير محارب جدا ، أو إلي حد بعيد في الخارج ، كانت مجتمعا مدنيا يحكمه العسكريون كأمر عادي في الداخل ، وبالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب ، ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم ، وفي ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب كثيرا ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي مع الغزاة والأعداء في الخارج ، والحل العسكري مع الشعب في الداخل ، فكانت دولة الطغيان كقاعدة عامة استسلامية أمام الغزاة بوليسية علي الشعب ". 
من هذا وذاك – كيف لا ؟ 
 - جاءت لعنة خضوع الحكم العسكري الاغتصابي الاستسلامي للاستعمار الأجنبي علي المستوي الخارجي ، ولعنة خضوع الشعب السلبي المسالم للحكم البوليسي في الداخل ، وهي جميعا سلسلة متناقضات ساخرة بقدر ما هي قطعة من الاستمرارية المأساوية المحزنة المخجلة . 
وتحدث الدكتور جمال حمدان عن " إعادة بناء الإنسان المصري ، فجعل هدم الديكتاتورية المصرية الممثلة في حكم العسكر هي البداية والأساس حين قال : " قضية إعادة بناء الإنسان المصري هي ببساطة ، تعنى ، قضية هدم الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول ودك صرحها الإجرامي العاتي المتهرئ وتصفية الطغيان الفرعوني المخضرم ، المتقيح ، البغيض ، تصفية جسدية وأبدية ، وهد قلعة الاستبداد المصري الشوهاء المشئومة ، ومن هنا فحين يأتي الحديث عن إعادة بناء الإنسان المصري والشخصية المصرية من أعلى وكر السلطة الغاصبة ، فلكم يبدو حديث إفك حقا ، ولكم يبدو ذا منتهى السخرية ، وقمة الاستخفاف بالعقل والحق والعلم . 
 على أن هذا التناقض المعيب إنما يصل إلى مداه حين يتخذ المنتفعون بالسلبيات الكامنة والمكتسبة في الشخصية المصرية مسوح المدافعين ( وبالتبجح والقحة ) عن صورة الشعب وكرامته ويرمون من موقع قوتهم الإرهابية المغتصبة غير المستحقة ، يرمون الوطنيين الشرفاء المنتقدين للسلبيات بتشويه تلك الصورة وبتحقير الشعب والإساءة إليه ، بل وقد ينتهون بوضعهم في مصاف أعداء الوطن والخارجين عليه والخونة له ، لعبة مخيفة بقدر ما هي قذرة مبتذلة ولكنها واردة وشائعة وعلى كل مصري أن يفطن إليها دائما ويحذر فخها أبدا " . كما يقول العالم الأسطورة : -
 " لا غرابة إذن أن تكون السلطة والحكم والنظام في مصر دائماً وأبداً هي أكبر دعاة الاعتدال المصري المزعوم وأشد المهللين المحبذين المزينين له ومحترفي التغني المخادع الماكر به ، ذلك لأن هذا الاعتدال المرضي ليس فقط ضمان البقاء المطلق لهم , ولكن أيضاً ضمان التسلط والسيطرة المطلقة. 
 فمجتمع هذا النوع من الاعتدال العاجز هو مجتمع بلا صراع , ومجتمع بلا صراع هو مجتمع من العبيد أو قطيع من الأقنان . 
 و إذا كان النظام الحاكم يباهي دائماً بما يسميه " الاستقرار" في المجتمع المصري , لا سيما في مقابل عدم الاستقرار الذي يميز معظم الدول العربية الشقيقة , فإن الحقيقة والواقع أن ذلك إنما هو استقرار الجسد الميت والجثة الهامدة وإذا كان صحيحاً أن بعض الدول العربية وغير العربية في المنطقة تعاني من عدم الاستقرار ، فإن ما تعاني منه مصر حقيقة إنما هو فرط الاستقرار . 
 في الوقت نفسه ، فبقدر ما كان النظام الحاكم يزين ويمجد فضيلة الاعتدال المقول هذا ، كان ولا يزال يشوه و يندد و يدين أدني علامة أو بادرة من اليقظة و الوعي و الفهم أو أوهي اختلاجة من التحرك والعنف الثوري من جانب الشعب المخدوع المقهور، و كان أبداً يرفع شعار محاربة العنف ويصمه زوراً وبهتاناً بالإرهاب البشع والفوضى والتمرد …..إلخ . 
وعلي سبيل المثال ، فكل انتفاضة شعبية هي " انتفاضة حرامية " ، هل تذكر؟. ولا غرابة في هذا كله بالطبع ، فإنما هو الوجه الآخر المكمل لفضيلة - رذيلة الاعتدال . 
غير أن الحقيقة أن ما تصمه السلطة بخطر التطرف و العنف ليس إلا دفاع الشعب الطبيعي عن نفسه ضد ديكتاتوريتها الباطشة الكابتة ، مثلما هو رد فعل المجتمع الصحي ضد تطرفها هي في الاعتدال السلبي والاستسلامي العاجز المريض .
د.جمال حمدان ورأيه في الجيش المصري و الانقلاب



علي أن أغرب في الأمر حقاً أن الذي يمارس العنف فعلاً بأبشع صوره من دموية و تعذيب و إرهاب إنما هو الحكم نفسه و الحاكم وحده ، و ذلك علي الشعب تحديداً ـ و ذلك أيضاً كأمر يومي وكروتين عادي طوال التاريخ ، فالشكل الوحيد للعنف "الشرعي" في مصر كان تبر التاريخ وحتي اللحظة هو الاستبداد والطغيان و البطش الحاكم . 
 فإن من هذا جميعاً ـ من الاعتدال المريض العاجز ومن غياب العنف الثوري الصحي - كانت أزمة الديموقراطية المتوطئة في مصر ، بل كان إزمان ( مرض مزمن ) الديكتاتورية بها ، بل و أسوأ أنواع الديكتاتورية لأنها أشدها عجزاً و فشلاً و تفاهة بقدر ما هي أشدها ضراوة و استماتة و أنانية و استكباراً ، و كما رأينا ، لم يحدث أن قامت أو نجحت ثورة شعبية في مصر ، و لا حدث أن أسقط الشعب النظام الحاكم أو فرض الحاكم قط ". 
 وفي كتابه " إستراتيجية الاستعمار والتحرير 
" يصف حكم العسكر لمصر وسائر دول العالم الثالث " بالاحتلال الداخلي " حيث يقول :
 " فالعالم الثالث هو أكبر متحف عالمي للحفريات السياسية ومخلفات الطغيان والاستبداد الشرقي القديم والرجعيات البدوية البدائية العتيقة المتحجرة ، فضلا عن أنه غدا أبشع معقل للديكتاتوريات العسكرية والفاشية اللاشرعية الاغتصابية الفاسدة نصف المتعلمة أو نصف الجاهلة ، وكأنما قد حكم عليه بأن يستبدل بالاحتلال العسكري الأجنبي القديم أيام الاستعمار ، الاحتلال العسكري الداخلي الجديد تحت الاستقلال ، هذا استعمار خارجي وهذا استعمار داخلي .
 والواقع موضوعيا أن العالم الثالث كما هو اليوم إنما ينتمي سياسيا إلي الماضي السحيق ، يعيش في القرن العشرين الميلادي بالهيكل السياسي للقرن 20 قبل الميلادي . المؤسف بعد أن أغلب هذه الديكتاتوريات العسكرية أو الرجعية يتم أو يقع تحت إدعاء ولافتة الديمقراطية ، بل ويباهي بها أعرق الديمقراطيات الغربية بلا حياء ولا خجل ، ولا عجب أن صك البعض لهذا كله تعبير " ديمقراطية العالم الثالث " ، " الديموكتاتورية " كنوع من السخرية السياسية .
اليهود أنثروبولوجيّا.. د. جمال حمدان .. 
تقديم: د. عبدالوهاب المسيريّ .. كتاب صوتي



وعلي الجملة ، فلا نقاش في أن العالم الثالث هو أكبر سجن دولي ومعتقل مفتوح للمواطن النامي ، ومن نافلة القول كذلك أنه لا أمل البتة في تحرير هذا المواطن من التخلف السياسي والحضاري إلا بتحريره من هذه العبودية السياسية . 
وكتفصيلة علي الهامش ، فلقد أصبح العالم الثالث منذ تصفية الاستعمار مهد الحكم العسكري الفاشي الباطش والانقلابات العسكرية الدورية ، ولا يكاد يمضي شهر تقريبا إلا ويقع انقلاب عسكري في دولة ما من الدول ، كأنما قد سري في جسمه السياسي الميكروب اللاتيني والنمط اللاتيني حيث سجلت دول أمريكا اللاتينية وحدها أكثر من 200 انقلاب عسكري منذ الاستقلال في أوائل القرن الماضي ، أو كما عبر البعض ، لقد أصبح الحكم العسكري وباء العالم الثالث ولعنة المدريات وجذام الجنوب ، وأصبح العالم الثالث دستوريا عالم الانقلابات العسكرية بالتفضيل والامتياز . 
ومن المحزن أو المضحك أن كثيرا من أصحاب وصانعي هذه الانقلابات العسكرية الطفيلية أو الطفولية يصر " إصرارا واستكبارا " أو " غفلة واستهتارا " علي أن ينعتها بالثورة ، الثورة الشعبية وإلا فلا . 
 كل انقلاب عند أصحابه هو ثورة ، إما وطنية أو اجتماعية أو ثورة تحرير ... ، بينما هو عند الشعب من الغاصبين ، وفي النتيجة ، وعلي هامش الهامش ، بل في الصميم ، فإن معظم العالم الثالث لا يحكمه خيرة أبنائه ، إن لم يحكمه أحيانا شرهم حقا ، الأمر الذي يضاعف من أزمته العالمية ، ويزيده تخلفا علي تخلف ووهنا علي وهن ". ومن أقوال الدكتور / جمال حمدان أيضا عن حكم العسكر : -
 " وسواء كانت مصر أم الدنيا أو أم الديكتاتورية ، أو كان حاكم مصر هو أقدم أمراضها فلا شبهة في أن الديكتاتورية هي النقطة السوداء والشوهاء في شخصية مصر بلا استثناء ، وهي منبع كل السلبيات والشوائب المتوغلة في الشخصية المصرية حتى اللحظة ، وليس على مستوى المجتمع فحسب ولكن الفرد أيضاً ، لا في الداخل فقط ولكن في الخارج كذلك. 
 - " ولقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانب حياتها المادية واللامادية بدرجات متفاوتة ، إلا نظام الحكم الاستبدادي المطلق بالتحديد والفرعونية السياسية وحدها ، فهي ما تزال تعيش بين ( أو فوق ) ظهرانينا بكل ثقلها وعتوها وإن تنكرت في صيغة شكلية ملفقة هي " الديمقراطية الشرقية " أو بالأحرى " الديموكتاتورية ". 
 والمؤكد أن مصر المعاصرة لن تتغير جذرياً ولن تتطور إلى دولة عصرية وشعب حر إلا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية الميتة ".
 - " هل تغيرت مصر المعاصرة عن مصر الحديثة ؟ والحديثة عن القديمة ؟
 في قضية التركيب الاجتماعي - السياسي ونظام الحكم والسلطة ، وإلى أي حد ؟
 ويجيب : التغير الجوهري في الشكل ، أما الجوهر فلم يتغير ، وهذا الجوهر هو الطغيان الفرعوني ، بكل أعمدته التقليدية ، فهو الخط المستمر والقاسم المشترك الأعظم الذي يجري خلال تاريخ مصر كله من مينا حتى اليوم المتغير الوحيد هو الشكل :
 ملكية أو جمهورية ، وراثية أو انتخابية ، مدنية أو عسكرية ، وذلك بحسب الظرف أو العصر ". 
 - " فقديماً كان الفلاحون "عبيد فرعون" ثم "عبيد السلطان" ، وحديثاً فإذا لم نكن قد صرنا حقاً أو نوعاً "عبيد الرئيس" فنحن يقينا مازلنا بين فراعنة وفلاحين ، ورعايا لا مواطنين ، ومازال الاستقطاب الطبقي الجوهري هو بين الحاكم والمحكوم ، وتلك في كلمة واحدة ، هي "الفرعونية" الجديدة أو المحدثة ، أو " الفرعونية " الخبيثة أو السرية.
 فإذا كان محمد علي قد عُد آخر المماليك العظام وأول الفراعنة الجدد ، فقد عد عبد الناصر من بعده أول المماليك الجدد وآخر الفراعنة العظام ، ( والاثنان - بالمناسبة أو على الهامش - نموذج مثالي للأشباه المتضادة أو الأضداد المتشابهة ) ، هذا بينما كان العالم يطلق على آخر وأدنى حكام مصر السابقين علناً وبصفة عادية " فرعون مصر الأسود " ، في حين يطلق العدو الإسرائيلي حتى الآن على ما نسميه "ديموقراطيتنا" حالياً اسم " الديموقراطية الفرعونية " ليس فقط سخرية وتهكماً ولكن أساساً : إسقاطاً وكتابة. 
- " فنحن في مصر الحديثة قد بدأنا حياتنا النيابية العصرية بالأخذ بالنموذج الغربي الديموقراطي البرجوازي الليبرالي البرلماني المتعدد الأحزاب ، بل وذلك منذ وقت مبكر نسبياً تحت حكم إسماعيل وقبل كثير من الدول الأخرى ، غير أن ذلك لم يكن للأسف إلا كقشرة وطلاء ، وواجهة ديموقراطية شكلية بحتة لخلفية اجتماعية محض إقطاعية رجعية ، ولأرضية استبدادية غاشمة من الحكم المطلق والطغيان المعهود". 
 - " فبعد عصر الملكية انتقلت مصر المعاصرة بدرجة أو بأخرى إلى النموذج الشرقي الاشتراكي الشمولي بنظام حزبه الواحد الديكتاتوري المطلق ، وسواء كنا اشتراكيين بالفعل كما جادل البعض ، أو انتقلنا من الإقطاع عبر مرحلة شبه اشتراكية إلى الرأسمالية كما نظر البعض الآخر ، فالواضح أن مصر المعاصرة ، بينما استبقت جوهر النظام الاقتصادي والاجتماعي الطبقي بعد تطويره مع روح العصر نفسه ، قد أخذت من الاشتراكية الاسم والواجهة أولاً وشكلاً ، ثم مبرر الطغيان والحكم المطلق والشمولية ثانياً وأساساً ". - " تلخص التحول الجديد في معادلة محددة ولكنها محزنة وهي :
 من دولة بوليسية " وسطية " تحكمها الشرطة إلى دولة بوليسية " عصرية " يحكمها الجيش ، أو من ملكية بوليسية إلى جمهورية عسكرية ، أو أخيراً من إقطاع مدني إلى إقطاع عسكري ، وبعبارة أخرى - كما شخص بعض منظري العهد فيما يعد - انتقلت مصر من " أوتوقراطية " الملكية إلى " مونوقراطية " الجمهورية ، في حين اختزل البعض الآخر الوضع كله في أنه مزيج من الفرعونية الجديدة والمملوكية الجديدة. 
 بل سرعان ما ظهرت أعراض عريضة وميول جامحة جانحة من مظاهر الملكية بل والإمبراطورية ، كأنما هي ملكية مؤقتة غير وراثية غير مدنية ، أي باختصار ملكية مقنعة ، فهذا ، مثلاً ، تكاد تقول أول " إمبراطور جمهوري " وهذا أول " ملك جمهوري "، وهذا وهذا إلى آخره ، وتلك جميعاً هي بكل وضوح أعراض وأمراض الحكم المطلق وحكم الفرد ". 
 - " بل إن سياستنا الخارجية ترتبط بسياستنا الداخلية أشد الارتباط وبدرجة قل أن تعرفها أي دولة أخرى في العالم ، وأزمة مصر الخارجية هي دائماً أزمتها الداخلية في الأصل والمصدر والأساس ، وحل الأولى هو حل الأخيرة أولاً وقبل كل شيء ، وما زال صحيحاً أن حل مشكلة مصر الخارجية وتحريرها لابد أولاً أن يمر بالعاصمة داخلياً .
 وكما في دول الشرق الأوسط والعالم المتخلف ، ليس ثمة شيء في سياسة مصر الخارجية اسمه الشعب - من الوجهة العملية - ولا أوهام في هذا أو انفعال ، فصناعة السياسة الخارجية وتشكيلها وتوجيهها هي عملياً وواقعياً - وبغض النظر عن الشكليات السطحية المموهة - حكر لرجل واحد هو الحاكم وحده لا شريك له ، إنه حاكم مطلق خارجياً كما هو داخلياً ، ولا يكاد يوجد حاكم في العالم القديم أو الحديث ينفرد بوضع سياسة بلده الخارجية كحاكم مصر ". 
 - " في النهاية أن الحديث عن الديموقراطية أصلاً - قبل هذا وبعده - غير وارد أو جائز على الإطلاق ، فإنما الديموقراطية بالتعريف هي حكم الشعب للشعب بالشعب - لا بالجيش - وليس ثمة شيء في القاموس السياسي أو الفقه القانوني " كديمقراطية عسكرية " أو " كديمقراطية مسلحة " مثلاً ، إلا أن تكون من قبيل التناقض اللفظي أو التورية الساخرة أو الكناية المستترة عن " الديكتاتورية العسكرية " أو " الديكتاتورية المسلحة " باختصار ، مجرد الحديث عن الديموقراطية في ظل " العسكرقراطية " إنما هو امتهان للعقل البشري وإهانة للإنسان المصري ". 
 ثم تأتي نصائح الدكتور / جمال حمدان في كتابه " شخصية مصر " فيما يلي : - 
 " إن مصر تجتاز اليوم أخطر عنق زجاجة ، وتدلف أو تساق إلى أحرج اختناق في تاريخها الحديث ، وربما القديم كله ، إن هناك انقلاباً تاريخياً في مكان مصر ومكانتها ، ولكن من أسف إلى أسف وإلى وراء ، نراه جميعاً رأي العين ، ولكنا - فيما يبدو - متفاهمون في صمت على أن نتعامى عنه ونتحاشى أن نواجهه " في عينه " ووجها لوجه ، ونفضل أن ندفن رؤوسنا دونه في الرمال ، لقد تغيرت ظروف العالم المعاصر والعالم العربي من حولنا ، فلم يعد بعد الأول بعداً نائياً ، ولا عاد الثاني مجرد " أصفار على الشمال ". 
 - " لقد أفسدت الاستمرارية السياسية ، استمرارية الفرعونية ، ما أصلح انقطاع الحضارة الحديثة ، ذلك أن مرض مصر المزمن في الحاضر والموروث من الماضي هو حاكمها ونظامها ، نظام الحكم باختصار، فلقد تغيرت مصر في كل شيء تقريباً إلا شيئاً واحداً هو النظام السياسي ، وهو وحده الذي يقاوم بضراوة ودموية كل تغير ويجمد الشخصية المصرية ويحنطها فرعونياً ". 
 - " إن شخصية مصر قد تغيرت ، ولكن لم تتغير الشخصية المصرية بالكاد ، ولم يبق إلا تغيير ذلك النظام لتلحق الشخصية المصرية بشخصية مصر الجديدة . 
لقد تحرر الإنسان المصري أخيراً - أو يوشك أن يتحرر من التخلف - ولكنه لم يتحرر قط أو بعد من الأسر ، ظفر بالتنمية نسبياً ولكنه لم يظفر بالحرية إطلاقاً ، أصبح إنساناً متقدماً نوعاً ولكن ليس إنساناً حراً حقاً". 
- " المأساة الحقيقية في ذلك أن مصر لا تأخذ في وجه هذه الأزمات الحل الجذري الراديكالي قط ، و إنما الحل الوسط المعتدل ، أي المهدئات والمسكنات المؤقتة ، و النتيجة أن الأزمة تتفاقم وتتراكم أكثر، و لكن مرة أخرى تهرب مصر من الحل الجذري إلي حل وسط جديد ، و هكذا... بعبارة أخرى ، مأساة مصر في هذه النظرية هي الاعتدال ، فلا تنهار قط ، و لا هي تثور أبداً ، و لا هي تموت أبداً ، و لا هي تعيش تماماً ، إنما هي في وجه الأزمات و الضربات المتلاحقة تظل فقط تنحدر و تتدهور ، تطفو و تتعثر ، دون حسم أو مواجهة حاسمة تقطع الموت بالحياة أو حتي الحياة بالموت ، منزلقة أثناء هذا كله من القوة إلي الضعف ومن الصحة إلي المرض و من الكيف إلي الكم و أخيراً من لا قمة إلي القاع. 
غير أن النتيجة النهائية لهذا الانحسار المستمر المساوم أبداً و صفقات التراجع إلي ما لا نهاية هي أننا سنصل يوماً ما إلي نقطة الانكسار بعد الالتواء ، و بدل المرونة سيحدث التصادم ، و محل المهدئات ستحل الجراحة 
ـ أي سنصل إلي نقطة اللاعودة إلي الحل الوسط ، و عندئذ سيفرض الحل الجذري الراديكالي نفسه فرضاً ، و لكن بعد أن يكون المستوي العام قد تدني إلي الحضيض ، و الكيف قد تدهور إلي مجرد كم ، و المجد إلي محض تاريخ ، و ذلك هو الثمن الفادح للاعتدال. من هنا فإن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية ، بمعني ثورة علي نفسها أولا ، وعلي نفسيتها ثانيا ، أي تغيير جذري في العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها ، فهذا لا يسبق ذلك , و لكنه يترتب عليه ، ثورة في الشخصية المصرية وعلي الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر ". 
 - " إن التغيير المصري الحضاري تغيير تدريجي تراكمي ، تصاعدي ، فإنه في المحصلة النهائية أقرب في طبيعته إلى ما يعرف في قوانين التطور الانفجاري ففي التاريخ كما في الجيولوجيا ، أن مسار التطور يظل عادة رتيبا تقليديا ، ثم إذا به ينفجر فجأة في ثوران بركاني قصير لكنه عنيف بمعنى التغيير الثوري الراديكالي الكامل الشامل من الجلد حتى النخاع ، إلا وفى حالتنا فمن تراكم وتمدد ثم تصاعد وتكثف ، حينئذ يكتسح التغيير أمامه آخر معاقل الديكتاتورية ومعوقات التقدم والتنمية ، ومن معجلات هذه المرحلة النهائية الضغوط الرهيبة التي تجمعت علينا في وقت واحد وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي والضغوط البترولية ومتغيرات المناخ العالمي". 
انتهي ما اقتبسناه من درر الدكتور / جمال حمدان. 
مات العالم الأسطورة شهيدا مقتولا علي أيدي مجهولين ، بدلا من أن تُفتح له شاشات إعلام العسكر حتي يُعلم الناس مما علمه الله عز وجل ، لكي يأخذ بأيدي مصر والعالم الإسلامي لنهضة شاملة ، لكن للأسف ، إعلام العسكر لا يُفتح إلا للراقصات العاريات أو الملحدين أو البلطجية أو الأفاقين أو المنافقين من المتسلقين النفعيين الانتهازيين. 
مات بعد أن حذر صحفي برئاسة الجمهورية في عهد مبارك شقيقه اللواء / عبد العظيم رمضان بأن يحذر الدكتور / جمال حمدان بألا يتحدث عن إسرائيل ، وبالتأكيد شمل التحذير عدم الحديث عن دولة العسكر ، لكن اللواء شقيقه سوف يضطر لحذفه ، ليقتل بعد التحذير بعام ، وبعد أن أعلن أنه بصدد نشر كتب جديدة منها كتاب عن " الصهيونية وإسرائيل " والتي هي مصدر رزق العسكر من المساعدات العسكرية الأمريكية. إنها دولة العسكر التي لا تحتفي إلا بالجهل والجهلاء ، بل وتسعي لنشر الجهل وتغييب الشعب عن دينه وقيمه وأخلاقه ، دولة العسكر تري في العلم والعلماء عدوها الأول ، وهذا ما عبر عنه الدكتور / جمال حمدان نفسه بقوله : - 
 " واحد من أخطر عيوب مصر هي أنها تسمح للرجل العادي المتوسط ، بل للرجل الصغير بأكثر مما ينبغي وتفسح له مكانا أكبر مما يستحق ، الأمر الذى يؤدى إلى الركود والتخلف وأحيانا العجز والفشل والإحباط ، ففي حين يتسع صدر مصر برحابة للرجل الصغير إلى القميء ، فإنها على العكس تضيق أشدَّ الضيق بالرجل الممتاز ، فشرط النجاح والبقاء في مصر أن تكون اتّباعيًّا لا ابتداعيًّا ، تابعًا لا رائدًا ، محافظًا لا ثوريًّا ، تقليديًّا لا مخالفًا ، ومواليًا لا معارضًا ، وهكذا بينما تتكاثر الأقزام على رأسها ويقفزون على كتفها تتعثر أقدامها في العمالقة وقد تطؤهم وطئًا. 
 إن ما عرضناه من أبحاث الدكتور / جمال حمدان بمثابة خريطة للثورة الدائرة ضد حكم العسكر منذ سنوات طويلة وحتي الآن ، خريطة كشفت خصائص حكم العسكر ووسائله للبقاء حتي قيام الساعة ، ومخاطره علي مصر والعالم الإسلامي كله ، كما تنبأت بقيام الثورة في وقت قريب لوصول التدهور لاسيما الاقتصادي أقصاه ، وكشف أن الخلاص من حكم العسكر الديكتاتوري هو الخطوة الأولي للتقدم ، بل كشف أنه بدون تنحية حكم العسكر لن يتمكن أحد من إعادة بناء الشخصية المصرية علي نحو يؤتي ثمارا للفرد والمجتمع ، وأوضح كيفية الخلاص فيما قال . 
رحم الله عز وجل الدكتور / جمال حمدان رحمة واسعة الذي قضي سنوات من البحث لكي يشخص الداء الذي أصاب مصر ، ويصف الدواء العاجل له ، وجعل جهده في ميزان حسناته ، وكلل هذه الجهود بمن يعقلها من المصريين لكي ينزلوها إلي حيز التطبيق .


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: