الجمعة، 9 سبتمبر 2016

دولة المُلا عبد الفتاح السيسي .. فيديو



مخاطر عسكرة الاقتصاد في مصر


"الدولة" هي الشكل الأرقى الذي انتهت إليه التجمعات البشرية عبر تاريخها الطويل، وبالنسبة لنا في مصر فإن فكرة الدولة ترسخت وترسبت في أعماق كل مصري على مدى آلاف السنين، وغير المنظور أن ينسلخ المصري من تصور نفسه مواطنا في دولة، وبناء عليه، فلا أمن ولا أمان، لا استقرار ولا تنمية، لا عدل ولا عدالة، إلا إذا توفرت دولة وطنية تؤمن بأنها في مقدمة القوى التي يجب أن تسعى لتحقيق تلك الأهداف، فإذا كانت الثورة قطاراً يشق طريقه نحو المجتمع المنشود، فإن الدولة هي القاطرة التي تجر عربات هذا القطار بكل ما فيها من بشر، وبضائع، وأحلام، وأهداف متباينة.
 (2) لا أقول ذلك، لكي نصطف جميعا وراء الدولة، حتى لو كانت مأزومة وممزقة، أو كما وصفها الرئيس السيسي بأنها "أشلاء" أو "شبه دولة"، لكنني أنبه إلى أن النضال ضد الدولة، هو في جوهره نضال لهدم دولة قديمة، متآكلة، انتهت صلاحيتها القانونية والتنظيمية، لصالخ تأسيس دولة جديدة، ناهضة، تواكب وتطبق أحدث المعايير والمفاهيم التي تليق بالعصر، وبالتالي فإن لغة النقض والإسقاط لا تنال (كما يتصور البعض) من نموذج الدولة كفكرة قانونية تنتظم حولها وفيها علاقات التجمع البشري الذي تضمه، ولا تنادي مثلا بالعودة إلى طور القبيلة، أو الإقطاعية، ومن هذا الفهم يمكننا أن نعيد النظر في ذلك الصراع الوهمي بين الفريق الذي يتحالف تحت شعار دعم الدولة، لمواجهة فريق أو فرق يحاول تصويرها بأنها ضد الدولة، مع أن كل الأطراف حتى "داعش" تحارب من أجل إقامة دولة، والحرف الأول من "داعش" دليل دامغ على ذلك.
 (3) القضية إذن لاتخص "مفهوم الدولة" كفكرة عامة وتنظيم اجتماعي وسياسي، لكنها تتعلق "حالة دولة" كتجربة متعينة في الواقع، يعني ببساطة، تخص نظام سياسي لم يستطع أن يدير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالطريقة التي تحقق أحلام الناس، وبالتالي فإن من حق الناس أن تبحث عن بديل لهذا النظام، ربما ليدير الدولة القديمة نفسها التي فشل النظام السابق في إدارتها، وربما تكون هناك أخطاء في البنية والهيكل فيلجأ النظام الجديد للتحديث وإعادة الهيكلة، وربما تكون هناك حاجة لإعادة التأسيس بشكل كامل، كما يحدث بع الثورات الكبرى.
 (4) المثير للدهشة أن الشعب المصري قام بثورتين، أعاد خلالهما تأسيس الدولة بشكل شامل، لكن شيئا لم يتغير، لأن إعادة التأسيس (شأن سلوكيات كثيرة في حياتنا) كانت صورية ومزيفة، فقد أسقطنا الدستور مرتين، وأعدنا صياغته بكثير من الضجيج، وتشاجرنا بحدة حول مفهوم الهوية، ومبادئ المساواة والعدالة، وطرحنا كل ما يمكن طرحه من افكار لكننا في النهاية لم نحصل على شيء مختلف.. حصلنا على المنتج القديم بعد أن كشطنا تاريخ الصلاحية أمام العالم كله، ووضعنا مكانه تاريخ أحدث، لنوهم أنفسنا أن المنتج جديد وصالح للاستهلاك، بينما العالم من حولنا يسخر من غبائنا وتخلفنا. (
5) أقول هذا، لكي أساعد نفسي واساعدكم على التخلص من حماس المعركة المزيفة التي يفرضها علينا المنتفعون بالخداع، فالخناقة ليست بين فريق وطني مخلص يحب مصر (كدولة طبعا)، وفريق خائن متآمر من أهل الشر يكره مصر ويسعى لإسقاطها (كدولة أيضاً)، الخناقة على السلطة والسيطرة، والتحكم في ثروات ومقدرات البلاد والعباد، وليست على مصير الوطن (الدولة) .. فكل الاتجاهات مهما كانت تناقضاتها تضع في حسانها ومخططاتها التعامل مع مصر كدولة، قد يقول قائل إن هناك من يسعى لهدم مصر الدولة، لتاسيس دولة خلافة، أو عودة الملكية لأبناء محمد علي، أو مطالبة توت عتخ أمون بالعرش بعد اكتشاف إكسير سحري لبعث مومياءه من السبات الطويل، لكن هذه الفزاعات الخرافية، لا تستطيع الصمود أمام واقع تطور الدولة كشكل عصري للتجمعات البشرية، فهناك دول كونفدرالية ضخمة تشبه نظام الخلافة الإسلامية مثل الولايات المتخدة، ولهذا شاعت فكرة تأسيس "الولايات المتحدة الإسلامية لمحاكاة النموذج الأمريكي وتحقيق طموح أنصار الإسلام السياسي في نفس الوقت، وهناك دول عصرية ملكية، وهناك إمارات زجزر صغيرة نالت نصيبها من مفهوم الدولة الحديثة، وهذا يعني أن الحديث عن هدم "الدولة" مجرد وهم يقصد به مروجوه تثبيت مراكزهم في الحكم، وتبرير حروبهم ضد منافسيهم على السلطة، بهدف احتكارها ومنع تداولها، أو وصولها لغيرهم، وهذا جوهر الفساد والاحتكار، ولا علاقة له بالدفاع عن الدولة من قريب أو بعيد.
 (6) حتى لا أطيل، أنبه بإيجاز إلى أن "حُراس الدولة" يسلكون الآن نفس الطريق الذي سلكه قبلهم "حُراس الدين"، الفارق أنهم يضعون "الدولة" مكان "الدين"، ويضعون الرئيس" مكان "الله" جل علاه، لذلك أحذر من خطورة إضفاء "القداسة" على مقام الدولة أو على شخص رئيسها، وأدين فكرة تفويض بعض الفئات للحديث باعتبارهم رجال الكهنوت "الدولتي"، فيرفعون راية الجهاد المقدس لدعمها وحمايتها، ويصفون خصومهم بأنهم "أهل شر"، وكافرون بالوطن، فالتكفير الوطني لا يقل خطورة عن التكفير الديني، وقتل الناس باسم الأرض لا يقل إرهابا عن قتلهم باسم السماء، وإدارة التوحش تظل مرفوضة وبغيضة وغير إنسانية، سواء نفذتها دولة أبو بكر البغدادي أو دولة عبد الفتاح السيسي.

انفوجرافيك :
مخاطر عسكرة الاقتصاد في مصر





ليست هناك تعليقات: