الثلاثاء، 17 مايو 2016

غلطة الرئيس مرسي .. وأخطاؤنا.



الآن الآن، يجب أن نتوقف عن الأداء الرتيب المعتاد لحياتنا
 فالوقت لم يعد به متسع
 وليس أمامنا إلا إزالة الطغاة أو الإزالة.



توالت التحذيرات للرئيس مرسي قبل 30 حزيران/ يونيو عن تدبير العسكر لانقلاب والاستيلاء على السلطة، والرئيس لم يفعل شيئا، واستمر حتى قُضي الأمر.
لم يُخبر الشعب، لم يخبر القوى السياسية، لم يقم بالقبض على المتآمرين، لم يعزل الحكومة التي كان من بين أفرادها وزير الدفاع قائد المؤامرة، ومن ثم كان سيصبح قائد المؤامرة وزيرا معزولا.
 الخلاصة: المؤامرة كانت ماثلة واضحة وحذّر منها كثر في العلن والسر، وظل العمل رتيبا على ما هو عليه، حتى لم يحاول أن يترك مقر الرئاسة في اللحظات الأخيرة ليصبح كقائد بين جماهيره، وإنما فضل البقاء حتى قبض عليه. كل ما سبق هي وقائع ومعلومات، يمكن أن يدور حولها سجال؛ هل كان يمكن فعل شيء أفضل؟
هل كان الموقف سيختلف؟
هل كان يملك أن يفعل ولم يفعل؟
هل أخطأ الرئيس في ردة الفعل أم أصاب؟
ولكن هذا ما جرى، ولست مهتما بهذا السجال، وتصويب ما قام به الرئيس من عدمه، أو التماس الأعذار له.
 إذ من اليسير في مضمار السجال ما دمت لم تحقق النصر، أن يصبح كل فعل تقوم به خاطئا.
فمثلا: لو ترك مقر الرئاسة وانحاز لجماهيره، لكان بذلك الرئيس الهارب، وليس القائد.
ولقيل: كان الأولى به إصدار الأوامر للحرس الجمهوري بحمايته، طبعا وقتها لا تستطيع أن تحكم على الحرس وقيادته بالخيانة لأنك لم تجربه، وسيصبح حكمك عليه بناء على مدى اقتناعك بأقوال الرئيس من عدمها.
وربما تقول وقتها: هل الجيش الذي حارب الصهاينة ليس به رجل شريف يمكن أن يعتمد عليه، بدلا من أن يضع أنصاره في مواجهته، ويقيم حربا أهلية؟ وطبعا هذا الكلام يمكن أن يرد عليه، ويقال: لا بل كان يفعل كذا وكذا، والآخرون يردون: بل كذا وكذا، وهكذا تستمر حالة السجال بافتراضات وردود، وردود على الردود، وافتراضات أخرى وردود عليها.
 فدعنا من هذا؛ فما جرى قد جرى، والكلام فيه للاستفادة منه، لا للبكاء على اللبن المسكوب.
لقد ترك الأجداد والآباء البلاد نهبا للطواغيت والمجرمين طيلة ستين عاما، وما فعلوا شيئا.
وتركناها نحن مرة أخرى طيلة سنوات ثلاث، ونحن نرى المؤامرة أمام أعيننا، ونتبادل المقالات حول ما يراد بنا من دمار.
- التنازل عن حصة مصر من مياه النيل لم يتم في السر، ثم قال: ستشربون مياه الصرف. وما فعلنا شيئا غير الانتظار.
- التنازل عن حقول الغاز الطبيعي لمصر في البحر الأبيض لم يتم في السر، ورفعت أسعار الطاقة. - تهجير أهل سيناء وهدم المنازل لم يتم في السر، والتعهد بحماية أمن إسرائيل، والإعلان عن شراكة استراتيجية معها.
- في العلن قال: أنا عذاب، سنضحي بجيلين.
- أخذ 68 مليارا من مدخرات بهاليله وألقى بها في البحر.. وتراجعات إيرادات القناة.
- تحرق أموال بقية الشعب في حقول القمح، وحدائق الموز والنخيل، ومصانع الأخشاب والبويات وغيرها، وفي المولات التجارية في العتبة والغورية... إلخ، لتهيئة المصريين للإذعان للاحتلال الأجنبي، عبر الشركات الاقتصادية المتعددة الجنسيات التي تدير دولا ويحميها جيشها الخاص.
- في شباط/ فبراير من العام قبل الماضي: كاتب سعودي: الإمارات تشتري مصر بالقطاعي. وتحت الخبر التفاصيل.
- في نهاية نيسان/أبريل، قبل الحرائق مباشرة: "نائب المحافظ إزالة الوكالة قريبا، وإيجاد أسواق بديلة لباعة العتبة والغورية وشارع الأزهر والموسكي".
- تفريغ وسط البلد تحت عناوين تجميل القاهرة، واستعادة القاهرة الخديوية، في مخطط تهجير لسكان العاصمة من أجل تمليكها للصهاينة للمستثمرين الأجانب لا فرق كبير، لم يعد سرا، بل يحكيه أقطاب انقلاب 30 يونيو.
- سلسلة مقالات للأستاذ عامر عبد المنعم عن تقسيم مصر، وإنشاء دولة قبطية صهيونية في غربها. خلاصة القول إن المخططات والمؤامرات تجري أمام أعيننا ومعروفة، كما كان مخطط الانقلاب يتم أمام أعين الرئيس.. الرئيس لم يفعل شيئا، ونحن الآن أيضا لا نفعل شيئا. نكتفي بتبادل الأخبار، ونستهلك الوقت بالسخرية منها، والحديث عن المؤامرة وكأننا كشفنا المستور، دون إعداد أو استعداد لمراحل حاسمة، على الأقل ستفرض علينا كما فرض الانقلاب.
 فهل يختلف أداؤنا عن الرئيس؟
أم إننا نسير بالرتابة نفسها في حياتنا حتى يأتي موعد التنفيذ؟
المفترض أننا في وضعية أفضل منه، إذ إننا في حالة وعي عام لم تكن قائمة حين الانقلاب عليه، والحريق قد طال من كانوا يظنون أنهم في أمان منه.
 يروي المؤرخون أن التتار حينما دخلوا بغداد كان الرجل منهم إذا قابل في الطريق مسلما قال له: قف مكانك حتى أذهب لآتي بالسيف لأقتلك، فكان المسلم ينتظر مكانه جامدا حتى يعود له التتاري فيقتله.
هل ترى أن أمرنا يختلف كثيرا عن أولئك؟
هل ننتظر حتى نشرب من الصرف الصحي، ثم نقف نستعطف الحاكم المنقلب من أجل غسيل للكلى، أو جرعة كيماوي بعد الإصابة بالسرطان؟
أم ننتظر مصير بورما وأفريقيا الوسطى؟
 يروي المؤرخون أيضا أن أهل مدينة تبريز قرروا التصدي للتتار، فبدون قوة لن يُحمى حق على وجه الأرض. حينها قرر التتار التراجع عن مواجهتهم. فما ترفض الأمة دفعه جملة واحدة في عز، ستدفعه أضعاف مضاعفة على أقساط ومراحل في ذل وانكسار.
 الأولى بالسجال ليس ما جرى، وكيف كان يجب مواجهته، بل ما هو آت وكيف نواجهه.
لنصرف الأوقات في الواجب علينا فعله، والبدائل الممكنة.
واستيعاب من طالهم الضيم من الجماهير بعيدا عن النخب، وما المتوقع من العصابات المغتصبة للبلاد أن تفعله حينها، وكيف نرد عليها ونستعد لها، وإلى أي مدى يمكن أن نصل، وما هي حدود القوة لدينا، وكيف نعظم منها، وكيف نحفظ أنفسنا؟ الآن الآن، يجب أن نتوقف عن الأداء الرتيب المعتاد لحياتنا، فالوقت لم يعد به متسع، وليس أمامنا إلا إزالة الطغاة أو الإزالة.



ليست هناك تعليقات: