الخميس، 17 مارس 2016

ثمـن القـتـلى .. العمـدة قتـل ولم يدفع الثمن




..الفاسد طاغية حتما..
 يقتل ليسرق ، أو يسرق ثم يقتل الشهود
  ... اخلعوا أضراسه ...



في قصة بديعة، يلخص "جابرييل جارسيا ماركيز" حالة "العصيان المدني" بمشهد بسيط ليس فيه إلا رجلان، هما:
●● عمدة البلدة الريفية الصغيرة، المسؤول عن قتل 20 من أبنائها، ويطرحه "ماركيز" معادلا للطاغية العسكري.
●● معالج الأسنان غير المؤهل، البسيط والشجاع، ويمثل العصيان المدني من دون ضجيج.
 ويمهد "ماركيز" للمواجهة بحوار بين المعالج وابنه، الذي يخبره بأن العمدة يريد خلع ضرسه، فيطلب المعالج منه أن ينكر وجوده (مع علمه بأن العمدة يسمعه) وعندما يقول له الابن إن العمدة يهدده بالقتل، يطمئن المعالج أولا على وجود مسدسه، ثم يرد بثقة: حسنا، قل له أن يدخل ويقتلني. المعالج أيضا لديه مسدس، لكنه لا يستخدمه أبدا، وهو لا يبالي بتهديد العمدة، عارفا أن ضرسه التالف سيجعله أحرص على حياته من نفسه. تبدأ المواجهة مع دخول العمدة حجرة المعالج، لنجده - ببزته الرسمية - ضعيفا متوسلا، تتعلق عيناه بالمعالج الذي يعامله بمنتهى الاحتقار، ولا يخاطبه إلا مرتين:
● الأولى: يخبره فيها - بصرامة - بأنه سيخلع له الضرس من دون مخدر لوجود خراج.
● الثانية: عندما يصارح العمدة الذي يبكي ألما، وعظام ضرسه تقعقع، قائلا دونما ضغينة، بل برفق تشوبه المرارة، إنه سوف يدفع الآن ثمن قتلى البلدة العشرين!
ذلك الثمن الذي نفهم أن العمدة حاول تجنب سداده طوال خمسة أيام عجز فيها عن النوم بسبب آلام ضرسه، لكنه ظل يؤجل "مواجهة" المعالج. الحكاية إذا أن العمدة قتل 20 من شباب البلدة الثائرين ضده، متصورا أنه لن يدفع الثمن، لكن: من قــــال هــــذا؟
الحقيقة أنه مقابل الأدوات التي يمتلكها الطاغية، يمتلك الشعب أدوات أطول عمرا وأعمق أثرا، وضرس تالف واحد يمكنه أن يجبر الطاغية على دفع ثمن 20 قتيلا. وإذا كان الطغاة يملكون الهراوة والحذاء الثقيل ومنصة إصدار الأحكام، فإن الشعب يملك الشوارع والحقول، والمدارس والمستشفيات، والمصانع والورش. يملك أن يقتل طغيانهم كله، بينما لا يمكنهم قتل الشعب كله. ويختم "ماركيز" القصة بمشهد منح فيه المعالج العمدة قطعة قماش نظيفة ليمسح دموعه، أما العمدة فغادر وعند الباب قال: ابعث الفاتورة.
وسأله المعالج: لك، أم لمكتب الحكومة؟ فلم ينظر إليه العمدة، بل قال وهو يغلق الباب: هذا وذاك سيان، لعنة الله! هكذا! .. ميزانية المنزل مفتوحة على ميزانية مكتب الحكومة، والطاغية لص فاسد بالضرورة، أو أن الفاسد طاغية حتما. يقتل ليسرق، أو يسرق ثم يقتل الشهود.
لكن العصيان المدني، بأدواته البسيطة، قادر على أن يجعله يدفع الثمن، وماركيز يقول لكم، ببساطة "اخلعوا أضراسه".
.







ليست هناك تعليقات: