الجمعة، 15 يناير 2016

عكاشــة زعيماً للمعارضة في دولــة الزنــد.



الآن هم السادة، وشعب يناير هم العبيد، 
يعلنونها بغطرسة المنتصرين ولا يجدون من يتصدّى لهم



إذن، هذه لحظة الحقيقة:
فقدت ثورة يناير سلطتها الشرعية المستحقة، قبل ثلاثين شهراً، والآن تفقد معارضتها. نعم، لم تعد الثورة هي المعارضة حتى، فالذين اختطفوا الحكم في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، نفذوا، أو أتموا، عملية اختطاف المعارضة كذلك، ليصبح خطاب توفيق عكاشة أكثر وضوحاً وحدّة، ضد النظام الذي صنعه من خطاب أولئك الذين اتخذوا المعارضة مهنة، ومارسوها باحتراف يوماً. إذلال المعارضة بلغ حدّ تعميد توفيق عكاشة ممثلاً لها، داخل البرلمان وخارجه، أو قل إنها عملية تأميم المعارضة، وضمها إلى خارطة دولة عبد الفتاح السيسي، بحيث لا يبقى للمعارضة التقليدية إلا منافي المهجر، أو أحراش شبكات التواصل الاجتماعي، بعد تدجين أصوات المعارضة القديمة واستئناسها، لتصيح وتموء في طرقات بيت الحكم. يضع توفيق عكاشة لاصقاً على فمه، في أداء تمثيلي مبهر، معبراً عن غضبه من حكومته التي جعلته نائباً، ومتحدثاً عن تردّي أوضاع الحاضر، وسواد المستقبل. وفي المقابل، يتحدث جورج إسحاق، سليل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، مرتجفاً، ويتلعثم حافظ أبو سعدة، سليل المجتمع المدني الحقوقي، مذعوراً، وهما يعلقان على اختيار مرتضى منصور رئيساً للجنة حقوق الإنسان في البرلمان. إنهم لم يعودوا يملكون البكاء، كالنساء، على ثورة لم يحافظوا عليها، كالرجال.
يُذْبَح المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الآن بسكين دولة الفساد، فلا تسمع صوتاً لما يسمى "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، الذي كان من أعضائه يوماً مَن ينامون على أرضية نادي القضاة، إبّان معركة الاستقلال في عام 2005، وكان جنينة في القلب منها. 
هشام جنينة كان آخر الثغور التي تعيق تقدم جحافل الغزاة الفاتحين، فأسقطوه، ويتأهبون الآن لنحره، وتعليق رأسه في الميدان، ليكون عبرة لكل من يفكّر في مقاومتهم، أو مناوأتهم.
على صفحة "نادي القضاة" في موقع "فيسبوك"، أعلنها أعضاء المكتب الفني لوزير العدل، أحمد الزند: لن تطلع شمس الخامس والعشرين من يناير على المستشار الجليل، هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، آخر ضحايا دولة الانتقام من الثورة. تعليقاً على تصريح جنينة بالرد على تقرير "لجنة الزند"، بعد ذكرى الثورة، كتب عضو المكتب الفني لوزير الانتقام، يقول "ليه هو ما يعرفش إنه هيكون في السجن قبل 25 يناير؟".
الجميع صاروا "مواطنين شرفاء" في دولة أحمد الزند، الحاكم الفعلي للبلاد، والذي تمضي الأمور كلها حسب إرادته، فهو المدبر والمخطط والمحرك، وما عبد الفتاح السيسي إلا واجهة، أو "رئيس فاترينة"، كما كان عدلي منصور في الفترة التالية للانقلاب. نعم، مصر الآن هي "بلاد الزند"، فمشروع الانقلاب والانتقام من ثورة يناير، صُنع في "جبل علي"، ومطبخه كان نادي القضاة، و"الشيف" هو أحمد الزند، أمير الانتقام الذي هرول إليه المعارضون المحترفون الذين سلموا أنفسهم للدولة العميقة، تستعملهم كيفما شاءت في إسقاط حكم محمد مرسي، والإجهاز على تلك "الثورة اللعينة" التي سمحت للإخوان المسلمين بالوصول إلى رئاسة الدولة. نعم، وبلا مبالغة أو تجنٍ، نخب ثورة يناير، المحترفة، هي التي صنعت، منذ منتصف عام 2012، ومع وصول محمد مرسي إلى الحكم، منتخباً، صنعت دراما سياسية مدهشة، شملت كل ألوان ودرجات الكوميديا والتراجيديا، وضعت، مثلاً، ذلك الكائن العكاشي عنواناً لحرية التعبير، وجعلت ممثلة السينما التجارية نموذجاً لحرية الفن والإبداع، وصدّرت الزند رمزاً لاستقلال القضاء، وحوّلت النائب العام السابق إلى شهيد للعدالة.
> وقبل ذلك، قدمت جنرال الثورة المضادة باعتباره قارب العبور إلى الدولة المدنية. هذا الكلام قلته وقتها، ففي بلاد الزند شاهت الوجوه، وانسدّت المسام، وتبلّد الإحساس، فصار الذين مثلوا بجثة الشهيد خالد سعيد، ووصفوه بـ"شهيد البانجو"، ونكّلوا بشهداء الثورة في التحقيقات، وعلى الفضائيات، زعماء ومتحدثين باسم حقوق الإنسان وكرامته.
والآن هم السادة، وشعب يناير هم العبيد، يعلنونها بغطرسة المنتصرين، ولا يجدون من يتصدّى لهم، فلماذا لا يواصلون عملية الاجتثاث والاقتلاع، ديموغرافياً وسياسياً ومجتمعياً، في البلاد التي دانت لهم؟ 

الزند ومرتضى منصور وقبلة ساخنة






ليست هناك تعليقات: