الجمعة، 18 سبتمبر 2015

المحرومون من جنة الزعيم «جامع الرز» - فقراء بقلوب بيضــــاء !



تـعـرف إيــه بــس انـت قـولي عـن عيشة الغلابة؟
 فقــراء بقلــوب بيضــــاء
 المصريين حاليا، لا تشغل بال الزعيم الوسيم جامع «الرز» 
 فهــو مشغول بمــا هو أهـــم :
 إنجاز صلح تاريخي 
بين أثنتين من معجباته وداعماته ونور عينيه


(1) - في السادسة صباحا يبدأ يومه. يصلى آليا، ثم يتناول إفطاره مع زوجته وأولاده، وبعده يرتشف كوب الشاي الثقيل «الحبر» حتى يستطيع تدخين سيجارته الأولى. ثم يترجل إلى المنزل الضخم القريب منه حيث رجل الأعمال الذي يعمل سائقا خاصا له. يجهز إحدى السيارات الخاصة بصاحب العمل. 
وينتظر سيده كالمعتاد في قاعة مخصصة للضيوف بحديقة المنزل، يسلّي وقته بمشاهدة أخبار الصباح في التلفزيون. يأتي رجل الأعمال وينطلق به إلى الشركة.
نحو الخامسة ينتهي صاحب العمل من مشاغله، فيعود به السائق إلى المنزل. ثم يرجع صاحبنا مرة أخرى إلى الشركة ليقوم بمأموريات أخرى.. الذهاب مع أحد المهندسين لتخليص إجراءات خاصة بالعمل، أو أن يستقبل مع العمال شحنة قادمة من هذا العميل أو ذاك.
وأخيرا في نحو التاسعة مساء، يعود إلى بيته، يتناول عشاءه قبل أن يستلقي من التعب ليبدأ مهمة اليوم التالي. وأحيانا يستدعيه صاحب العمل مرة ثالثة مساء إذا كان لديه ضيوف ويحتاجه لقضاء أي غرض. لا يستاء من كثرة الاستدعاء المتكرر، بل كان يفرح ويتمنى أن يتكرر، فالعمل الإضافي معناه مكافأة فورية من سيده «ورقة بخمسين أو عشرين جنيه تساعد على المصاريف» هكذا كان يقول لزوجته.
(2) - أول كل شهر يقبض راتبه. كلما حسب متطلبات بيته ويقارنها بالراتب يصل إلى نتيجة أنه يحتاج راتبا إضافيا فوقه. هذا فضلا عن أي مصاريف لمرضه الذي هو «قدر من عند ربنا، والناس كلها في مصر عندهم نفس المرض.. يعني مش أنا لوحدي». كان يطمئن نفسه بهذه العبارة حتى لا يواظب على شراء العلاج و «اللي يسري على الناس يسري عليا».
ثم جد طارئ على حياته.
البنت الكبرى «14 سنة» دخلت مرحلة الصبا». كلها سنة والا اتنين والعرسان يطلبوها.. هنعمل إيه وقتها؟ كانت هذه الجملة حاضرة دائما على لسان زوجته. 
لم يجدا وسيلة لبدء «تجهيز» متطلبات زواج الفتاة سوى أن تعمل. فهي كغالبية من تنشأ في مثل ظروفها لا تستكمل تعليمها. سوء التغذية وانعدام وجود قدوة ونموذج حقق قسطا كبيرا من التعليم في محيطها يجعل استيعابها للدراسة ضعيفا، والنتيجة الحتمية خروجها من المدرسة الابتدائية.
«بنات كتير من سنها بيشتغلوا في مصنع مش بعيد عن هنا.. ساعة زمن وتبقى هناك.. وأهي تساعدنا في المعيشة.. واللي يتبقى نشتري لها حاجات للجهاز». هكذا أقنعت الزوجة زوجها بعمل الفتاة.
(3) - انطلقت «الصبية» لسوق العمل. 
عرفت الشقاء من صغرها، فضلا عن اختلاطها بنماذج مختلفة من البشر يجمعهم كلهم العوز والحاجة. 
كانت تعود في المساء منهكة، لكنها كانت تفرح كلما ذكرت لها أمها أنها اشترت لها شيئا من جهاز الزواج المنتظر.. طاقم أكواب، أو ملاءة سرير، وغيرها. 
ومثل كل من هن في ظروفها يكون «الزوج» هو الأمل والمنتهى والخلاص من هذه المعاناة. وقتها ستجد من يتكفل بمصاريفها دون حاجة لهذا العناء ووجع القلب.
استمرت الحياة على هذا الحال سنة.
في أحد الأيام تلقى الأب وهو موجود كالعادة في عمله مكالمة من زوجته: «الحق البنت خرجت بقالها 3 ساعات تشترى حاجة من السوق.. ولسه ما رجعتش». لم يأبه بكلامها «يمكن وهي راجعة راحت عن جدتها أو خالتها أو حد من قرايبنا». 
أطلق جملته تلك وأنهى المكالمة سريعا بعدما سمع صوت صاحب العمل يناديه. انهمك في مشوار كلفه به سيده، ونسي موضوع غياب ابنته. لكنه انتبه على مكالمة أخرى من الزوجة: «دي لسه مارجعتش.. مش عارفة أعمل إيه».
هنا بدأ القلق يساوره. استأذن من رجل الأعمال وغادر العمل مبكرا عن موعده. 
رجع للمنزل على أمل أن تكون البنت عادت. لكنها لم تعد. 
بدأ رحلة البحث والسؤال في السوق وعند الأقارب والجيران، لكنه لم يجد لها أثرا، ولم يسمع عنها ما يشفى غليله، بل زاده البائعون حيرة بأنهم لم يرونها في السوق من أصله.
(4) - حلّ الظلام على القرية، ولم يدر ماذا يفعل. سأل سيده صاحب العمل النصيحة، فأعطاه الأخير سيارته الخاصة وطلب منه البحث عنها كالمعتاد في مثل هذه الظروف في مستشفيات المدينة القريبة. فعل وعاد بعد منتصف الليل دون فائدة. 
قضى ليلته الأولى في غيابها هو وزوجته على نار والوساوس تحاصرهما أن يكون مكروها أصابها أو تعرضت للخطف في ظل انتشار «البلطجية» أو «المواطنين الشرفاء» كما يدلعهم إعلام مصر المنقلبة على المسار الديمقراطي.
في صباح اليوم التالي، أخذ سيارة رجل الأعمال وبدأ رحلة بحث جديدة. 
ذهب إلى المصنع الذي تعمل به، فأخبروه أنها لم تأت منذ 4 أيام. تذكر أنها كانت تخرج من المنزل بدعوى الذهاب للمصنع. عاد مكسورا ولجأ إلى الخطوة الأخيرة:
 «عمل بلاغ عنها في قسم الشرطة» رغم عدم جدوى الخطوة، لأن رجال الشرطة مشغولون بما هو أهم: «مطاردة وقتل أحرار وأشراف مصر الرافضين لحياة الذل والقهر».
(5) - ثم كانت المفاجأة.
حضر أحد أقارب الفتاة إلى والدها حينما علم بأمر غيابها، وقال للوالد إنه شاهدها على الطريق الدائري -حيث يعمل سائق ميكروباص- وسألها عن وجهتها، فقالت له إنها ذاهبة إلى إحدى صديقاتها لشراء حاجيات للمنزل.
ازداد الوالد حيرة وراح عقله يفكر في أي مصير حدث لابنته، وهل تعرضت للخطف أم إنها «طفشت» من البيت مع «واحد ابن حرام ضحك عليها»؟
مر اليوم الثاني والثالث ثم الرابع والغائبة لم تعد.
لم يتبق سوى الخطوة الأخيرة: «استدعاء واحد من اللي بيعروفوا». والمقصود أحد الدجالين الذين يرتدون ثوب الشيخ ورجل الدين. 
جاء الرجل وقام باللازم.. تفقد المنزل وشاهد شيئا من «أتر» الغائبة، وتمتم في سره بكلام لم يفهموه. ثم أكد لهم أن الغائبة بخير، وأنها في مكان قريب وستعود حتما. وفسر لهم سبب غيابها بأن «واحدة بتحسدكم عملت لها عمل ووضعته لها في كوب عصير حتى يغيب عقلها وتخرج من البيت». وطمأنهم بأنها قد تعود في أي وقت.
ارتاح الأب لهذه الرواية التي جنبته عناء التفكير في أي «طيش» تكون الابنة أقدمت عليه، وما قد يحتمه هذا أن يقوم بعمل أحمق وفق تفكيره المحدود حتى يستطيع رفع رأسه وسط الناس. أما زوجته فقد ضعفت مقاومتها ولم تستطع تحمل غياب ابنتها «البكرية»، أو التفكير في أي مصير تعرضت له، ودخلت المستشفى.
(6) - منذ رواية «الشيخ»، يترك صاحبنا أبواب منزله مفتوحة ليلا حتى حينما تعود الغائبة تدخل فورا دون طرق أي باب. لكنه في انتظار ما لا يجيء!
كثيرون يلعبون في ذهنه بأن «يؤدبها» لو وجدها. لم تستطع عقولهم المحدودة أن تدرك أن الفقر سر الأزمة. وأن الصبية بريئة حتى لو أقدمت على أي تصرف مخالف للأعراف والتقاليد. لو كانت ظروف الفتاة طبيعية لاستكملت تعليمها بنجاح، دون الحاجة لعمل في سن الطفولة.
هذا الرجل وابنته تعبير عن الشريحة الأكبر من المصريين حاليا، والتي لا تشغل بال الزعيم الوسيم جامع «الرز». فهو مشغول بما هو أهم: إنجاز صلح تاريخي بين اثنتين من معجباته وداعماته ونور عينيه.. نجمة الجماهير نادية الجندي، ونجمة مصر نبيلة عبيد.. وكله عشان نشوف «ماسر» قد الدنيا!
.

تـعـرف إيــه بــس انـت قـولي عـن عيشة الغلابة؟
إللي شاربـين من كيعانهم وإللي عايشنها بطيابة
إللي ماقلوش طول حياتهم ليه بقي..
و إللي مهدود حيل ابوهم م الشقا..
وإللي ضاعم من بين ايديهم عمرهم وف لحظة راح..
تعرف إيـه عـنـهم جاوبـنى يا إلـلي مـطـمـن مـرتاح..
و برغـم ده كلهُ عايشيـن ..
بيـعافـروا فيـهــا وراضـيــن..
صابرين ع الغلٌب و ساكتين..
حتى ولو دنـيـتـهم غابة..





ليست هناك تعليقات: