الأحد، 2 أغسطس 2015

كارنيجي: جماعة الإخوان تنتقل من دفاع “السلمية” إلى هجوم “الثورية”.



من (دفاع السلمية) إلى هجوم (الثورية) 
تحديد الإخوان مستقبل استراتيجيتهم 
سوف يترتب عليهم تحديد مستقبل مصر والمنطقة العربية ككل.


- جماعة الإخوان محاصرة بين عنف السلطة وجيل شاب يضغط من أجل تحرك أقوى ضد نظام السيسي -الجماعة تتجه من “التغيير التدريجي” إلى “الثورية” ..
- ولكنها تكافح لتحدد ما إن كانت الثورية تعني “العنف” أم لا؟
- هناك انقسام بين من يصرون على السلمية وشباب يرونها “هراء” ويرغبون في الرد على عنف النظام
- تحديد الإخوان مستقبل استراتيجيتهم سوف يترتب عليهم تحديد مستقبل مصر والمنطقة العربية ككل.
هذا هو ملخص دراسة أجراها الباحثان “ناثان براون” و”ميشيل دون” من معهد كارنيجي للسلام الدولي حول “ضغوط لم يسبق لها مثيل وطريق مجهول تواجهه جماعة الإخوان المسلمين“، نشرت الأربعاء الماضي 29 يوليو، وكشف فيها الباحثان أنهما التقيا أعضاء من الإخوان للحصول على إجابات عن شكل المراجعات التي تقوم بها الجماعة حاليًا لنهجها في ظل الضغوط عليها من جانب سلطة تقتل أعضاءها وشباب يطالبون بالرد بعيدًا عن الطرق التقليدية الهادئة للجماعة.
تقرير معهد كارنيجي للسلام الدولي، قال: “إن جماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركة معارضة في مصر وواحدة من أقدم الحركات السياسية في البلاد، محاصرة ما بين حملة أمنية لم يسبق لها مثيل من أمن الدولة، وبين جيل شاب يضغط من أجل تحرك أقوى ضد نظام عبد الفتاح السيسي“.
وشدد على ابتعاد الجماعة حاليًا عن نهجها (السلمية) كالرجل المريض، وأن التغيير الثوري الذي قامت به يركز أكثر على تغيير الدولة نفسها (فكرة الدولة العميقة).
وأكد أن “مصر والمنطقة بكاملها تواجه تداعيات واسعة النطاق بالنظر إلى أن الجماعة التي اعتنقت طويلًا التغيير التدريجي تتحول الآن إلى جماعة تدافع عن التغيير الثوري وتكافح لتحدد ما إن كان ذلك يعني تبني استراتيجية للعنف ضد الدولة“.
مراجعة داخلية هامة
الدراسة كشفت أن “المراجعة الداخلية التي أجرتها جماعة الإخوان المسلمين للعام الكارثي الذي أمضاه مرسي في السلطة، خلصت إلى أنها (الإخوان) فشلت في أن تكون ثورية بما يكفي، وأن الصفقات السياسية التي حاولت إبرامها مع الجيش وأطراف الدولة الأخرى جاءت بنتيجة عكسية“.
وأنه بناء على مقابلات كاتبي التقرير “ناثان براون” و”ميشيل دون” مع عدد من أعضاء الجماعة والمراقبين خلال شهري مايو ويونيو 2015؛ “فمن الواضح أن أعضاء وزعماء الإخوان المسلمين أجروا مراجعة داخلية مكثفة ومثيرة للجدل فيما يبدو للأخطاء التي حدثت بين سقوط حسني مبارك في 2011 والإطاحة بمرسي في 2013“.
وقالا: “إن المفاجأة أنهم (الاخوان) خلصوا إلى نتيجة مشابهة لما عبرت عنه جماعات المعارضة العلمانية الأخرى بخصوص الإخوان، وهو أن الجماعة لم تكن “ثورية” بما يكفي (خلال حكم مرسي)، لكن ليس من الواضح بنفس الدرجة وربما لم يتقرر بعد كيف سيترجم هذا الرأي إلى استراتيجية سياسية محددة“.
وإن المراجعات أظهرت أيضًا أن العام الذي استحوذ فيه الإخوان بزعامة مرسي على الحكم، كان مهلهلًا عليهم، خاصة أنهم لم يكونوا مؤهلين جيدًا للحكم؛ حيث كان عامًا صعبًا على المعارضة التي كانت متخوفة من سيطرتهم الكاملة على كل مقاليد الدولة، فضلًا عن عدم الاكتراث بإدخال غير الإسلاميين في لجنة إعداد الدستور، والمواجهة مع السلطة القضائية، والميل إلى عزل نفسها أو الركوب في عربة سيرك مع السلفيين.
وقال الباحثان: “الواضح أن زعماء الإخوان المسلمين قلقون بشأن الإبقاء على الأعضاء الشبان في الجماعة؛ حيث يشكل أعضاء الجيل الشاب في الجماعة الأهداف الرئيسة لانتهاكات حقوقية لم يسبق لها مثيل، وللتجنيد في صفوف المتطرفين سواء من جانب جماعات صغيرة أو أخرى كبيرة مثل جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية“.
وأكدا في سطور التقرير أن بعض أعضاء الجماعة باتوا قلقين من التخلي عن عقود اللاعنف والخوف، على حد قولهم، والانجرار إلى صراع مسلح مع السلطة وقوات الأمن ستكون خسائره أكثر بكثير من أي مكاسب يحققها، مؤكدين أن الاستمرار في الدعوات للمعارضة بسلمية أصبحت في رأيهم بلا جدوى.
وأضاف الباحثان: “يشعر زعماء الجماعة بالقلق من فقد ولاء الشباب الذين يتحملون وطأة القمع كما أنهم عرضة للانقياد للجماعات المتطرفة“؛ ولذلك “أصبح القادة أكثر مراعاة للأعضاء الشبان الذين يدفعون الجماعة إلى حدود لم تعرف من قبل“.
اتجاه هجومي أكثر ثورية
تقرير “معهد كارنيجي للسلام الدولي”، قال إن المؤكد هو أن الجماعة تتجه نحو استراتيجية جديدة؛ من الدفاع إلى الهجوم، أو من (دفاع السلمية) إلى هجوم (الثورية)، عبر توجه أكثر ثورية ضد النظام الحالي في مصر، وهو ما يقربها من باقي القوي الثورية التي كانت تنتقد صفقاتها الهادئة مع العسكر ومع رموز النظام السابق، ولكن لا يزال هذا الاتجاه الثوري وهذه الاستراتيجية الجديدة لم تتبلور بعد.
وشدد على أنه: “مازال زعماء الجماعة والناشطون بها في مرحلة مبكرة من تعريف ما سيعنيه بالنسبة للجماعة أن تصبح ثورية، ولكن الشيء المؤكد الوحيد أنه يعني معارضة دولة مصرية خلصوا إلى أنه لا يمكن إصلاحها“.
وأضاف الباحثان أن جماعة الإخوان المسلمين ينقصها الكثير لتعرف كيف تكون ثورية، وأنها في الوقت الحالي تلخص فكرة الثورة في معارضة النظام المصري فقط، مؤكدين أن ما يقوله الإخوان دومًا عن رفضهم لأي أعمل عنف يتناقض تمامًا مع ما تتضمنه بياناتهم الداعية للانتقام العنيف.
وأضافت: “ما زال الموقف الرسمي للإخوان المسلمين يتبنى إلى حد كبير المقاومة غير العنيفة، لكن ما يقوله الأعضاء والزعماء في السر والعلن متباين بدرجة أكبر، وتبنى العديد من بيانات الإخوان المسلمين مبدأ القصاص“.
وأنه “بينما يعبر بعض الأعضاء عن القلق من التخلي عن عقود من السلمية ومن جرهم إلى صراع مسلح مع قوات الأمن لا يمكن الفوز به ومدمر بدرجة بالغة، يقول آخرون إنه في إطار عنف الدولة الذي لم يسبق له مثيل ضد الإخوان وجماعات المعارضة الأخرى فإن مواصلة الدعوة إلى المقاومة السلمية هراء“.
ونوّه التقرير أن “الأعضاء الكبار في الجماعة كانوا يصرون في الماضي على الانضباط الصارم في الصفوف الدنيا وعلى الصبر والتدرج وتجنب المواجهة الكاملة مع النظام، لكنهم أصبحوا أكثر مراعاة بصورة متزايدة لمن يرغبون في نهج أقوى في التعامل مع أجهزة الأمن الحكومية في مصر“.
وقالت الدراسة إن سبب هذا المأزق هو أن “النظام زاد حملته الأمنية على الإخوان، بما في ذلك التهديد بإعدام زعماء كبار بعدما صعد متشددون مقرهم سيناء العنف ضد أهداف حكومية في صيف 2015، رغم أن الدولة لم تثبت مسؤولية الإخوان عن ذلك العنف، وزاد ذلك المخاطر أكثر من أي وقت مضى“.
قيادة جديدة رغم المأزق
ورغم المأزق الذي تمر به الجماعة، فقد أكد التقرير أن جماعة الإخوان المسلمين “خرجت من الموقف الدفاعي الذي اتخذته في أول 18 شهرًا بعد “انقلاب” 2013 الذي أطاح بمحمد مرسي من الرئاسة واختارت الجماعة هيئات قيادة جديدة“.
وأن “الإخوان المسلمين تقف على قدميها مرة أخرى كمنظمة داخل مصر وخارجها وتجري انتخابات لمراكز قيادية سرية منها المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد وأيضًا لاختيار أعضاء مكتب للشؤون الخارجية في إسطنبول“.
وذكر أن جماعة الإخوان المسلمين واجهت العديد من حملات القمع، وخاصة الحملة الطويلة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لكنها لم تتعرض مطلقًا لفترة من القتل والسجن والتعذيب وأشكال القمع الأخرى مثل تلك التي تشهدها منذ “انقلاب” يوليو 2013 ضد الرئيس السابق محمد مرسي العضو الكبير في الجماعة.
واختتم الباحثان التقرير، بقولهما: “جماعة الإخوان تحطمت بعد 2013، لكنها لاتزال على قيد الحياة، ومن ثم، فإنها ستسعى للعب دورٍ جديدٍ يختلف عما كان من قبل، وسيكون دورها أكثر ثورية عما كانت عليه منذ 2011 وحتى 2013؛ بحيث ستحدد أهدافها الثورية بشكل أكثر وضوحًا، وهو ما ستسعى إليه الجماعة بدلًا من أن تظل معزولة مع عدد من المنظمات الإسلامية”.
* سيناريوهات لمستقبل الإخوان
وسبق لمعهد كارنيجي أن وضع دراسة سابقة في 22 أكتوبر 2014 بعنوان: “الإخوان المسلمون ومستقبل الإسلام السياسي في مصر”، تطرقت إلى الاضطرابات التي تشهدها الساحة السياسية المصرية، وأشارت إلى أن هذه الاضطرابات “تلقي بظلال من الشك على احتمالات حدوث تكامل بين القوى الإسلامية في مصر مستقبلًا، وكذلك قدرة النظام المصري على تحقيق الاستقرار السياسي“.
وأوضح التقرير الذي أعده الدكتور أشرف الشريف، محاضر العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن هذه الاضطرابات تشمل الانشقاقات المجتمعية والاستقطاب والعنف، لافتًا إلى أن تغيير الآليات الداخلية والخارجية للمنظمات الإسلامية يشير إلى خمسة سيناريوهات محتملة لمستقبل جماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف أن “مسار الجماعة سيكون له آثار واسعة النطاق على الإسلام السياسي وإرساء الديمقراطية في مصر“.
 وحدد التقرير هذه السيناريوهات الخمسة كالتالي:
السيناريو الأول:
النظام المصري سيظل حريصًا على القضاء على جماعة الإخوان، حتى في ظل افتقاره إلى الوسائل التي تمكنه من ذلك، وستواصل الجماعة مواجهة حملة قمعية لا ترحم من قبل النظام، والتي تشمل اعتقالات تعسفية وتجميد أصول ومواجهات عنيفة.
 السيناريو الثاني:
تعود جماعة الإخوان إلى الحياة السياسية في مصر بتحقيق انتصار عن طريق كسب دعم شعبي، وتساعدها في ذلك الاحتجاجات المستمرة التي “تهز” النظام.
 السيناريو الثالث:
يتفاوض الإسلاميون مع النظام بشأن عودتهم للحياة السياسية بنفس الطريقة التي كانوا عليها إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي المشاركة السياسية للإخوان مع مراعاة خطوط حمراء يحددها النظام.
السيناريو الرابع:
 تنقسم جماعة الإخوان إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول يضم المعتدلين الذين يرون أن السياسة التقليدية للجماعة شديدة الصدامية، بينما يضم القسم الثاني المتشددين الذين يرون أن السياسة الحالية للجماعة شديدة التوافقية والتواؤم مع وجود أخطاء فكرية بها.
السيناريو الخامس:
 تعترف الجماعة بإخفاقاتها فيما يتعلق بالاحتجاجات الحالية وتنسحب من العمل السياسي وتركز على تجديد فكرها داخليًا.
وحول (الآثار المترتبة على المجتمع)، أشار التقرير إلى أنه ليس من المعروف بعد أي من هذه السيناريوهات الخمسة لمستقبل الإخوان سينطبق على أرض الواقع، وذلك في ظل “إصرار النظام القديم على القضاء على الإخوان تمامًا، وإصرار الإخوان على عدم السماح بعودة النظام القديم“.
وأشار إلى أن استبعاد تحقق أي من هذه السيناريوهات الخمسة قد يجبر النظام والإسلاميين على اللجوء لخيارات أخرى، لاسيما المصالحة، وأنه حتى الآن وعلى المدى القريب والمتوسط، فإن المصالحة أو التفتت أو التجديد لا تزال خيارات غير واردة.
وقال تقرير كارنيجي إن: “جماعة الإخوان أثبتت أنها أكثر مرونة مما كان يعتقد قبل ذلك؛ مما يجعل الإسلام السياسي قوة معتبرة في السياسة المصرية في المستقبل القريب، وسيتطلب صعود سياسات ما بعد الإخوان إنهاء السياسات السلطوية للدولة القديمة، كما يتطلب تنمية اقتصادية وإصلاحات دينية وتأسيس حركات ديمقراطية تشاركية بخلاف الحركات الموجودة حاليًا على الساحة“.
وخلص التقرير إلى أن اﻵليات الحالية لا تبشر بمستقبل ديمقراطي في مصر، وأن أي مسار نحو تغيير سياسي واجتماعي ديمقراطي في مصر لن يكون مرحبًا به من جانب الدولة القديمة أو الإسلاميين الذين لا يزالون غير راغبين في المشاركة مع الفاعلين الآخرين أو تبني فكر ديمقراطي جديد، وهو ما يجعل كلا الطرفين جزءًا من الأزمة الحالية أكثر من كونهما جزءًا من حلها.




ليست هناك تعليقات: