السبت، 4 أبريل 2015

القضاء على الإسلام السياسي.. فكرة ثبت فشلها.



عبد الناصر وضع خطة شاملة للقضاء على الإخوان 
ولكن انتهى عهد عبد الناصر والسادات ومبارك، 
ولم تستأصل شأفة الإخوان، 

 لأنهم قطاع وشريحة مهمة من المجتمع المصري. 
يجب الاستفادة منهم وليس التفكير في إبادتهم.



.. القضاء على الإسلام السياسي.. 
فكرة ثبت فشلها

من أهم عناصر ومقومات الوهن والضعف وبالتالي التخلف في عالمنا العربي، أن حكوماتنا تسيطر عليها أفكار فاشلة معلوم فشلها بالدليل القطعي اليقيني وليس بالدليل الظني، فتقيم حكوماتنا السنية خططها وأولوياتها وإستراتيجياتها على أساس هذه الأفكار الخاطئة الفاشلة، وتكون المحصلة النهائية أن تضيع السنون والجهود والأموال في حروب ليست في ميادينها، وهكذا تخسر مجتمعاتنا، فبدلًا من أن تكون الأولوية والإستراتيجية هي التنمية والهروب من ربقة التخلف وإقامة حياة ديمقراطية ينعم فيها المواطن العربي بالأمن والأمان، ويستشعر العدالة والمساواة، ويرى الحياة الآدمية الكريمة واقعًا يعيشه، بدلًا من ذلك كله، تنشغل حكوماتنا بهواجس مختلفة تمامًا وأولويات مقلوبة.
هذه المقدمة بمناسبة ما تفعله الحكومتان المصرية والأردنية الآن بهدف القضاء على جماعة الإخوان المسلمين والتخلص منها وإلقاء أعضائها في البحر، أو دفنهم أحياء تحت الأرض، والسبب أن هذه الجماعة تجرأت وفكرت أن تمارس العمل السياسي، مثلها مثل مختلف الاتجاهات السياسية الأخرى، وأن تحلم بأن تشكل الحكومات وتقود البلاد، من خلال انتخابات تنافسية نزيهة.
وكنا من قبل نعتبر سلوك الحكومة الأردنية مع الإخوان، سلوكًا منطقيًّا وعقلانيًّا، حيث الجماعة معترف بها، ويجتمع برموزها الملك ورئيس الوزراء والوزراء وكبار رجال الدولة، للتشاور وتبادل الرأي، ولو حدث خلاف سياسي فإنه يظل محكومًا بسقف معين لا يتعداه إلى التورط في حملات الاعتقال المفتوحة وإصدار أحكام الإعدام ومصادرة المقرات والممتلكات.
لكن الحكومة الأردنية تأثرت بالأجواء المصرية وقررت أن تنقل الصراع مع الجماعة إلى مرحلة أخرى مختلفة، صحيح أن الأمر لم يتطور إلى المواجهة الشاملة، لكن القوم بدأوا يفكرون في تفجير الجماعة من الداخل وفي إنشاء جماعة موازية تحصل على ترخيص رسمي من الدولة وتحظى بالدعم الرسمي.. السياسي والإعلامي.
فقد احتفلت وسائل الإعلام الأردنية الرسمية، بإعلان تأسيس القيادي المفصول من تنظيم الإخوان المسلمين عبد المجيد الذنيبات لجمعية جديدة ضمن سجل الجمعيات الخيرية تحت مسمى جمعية "الإخوان المسلمين"، وما جرى من تنصيبه كمراقب عام للجمعية، حيث أظهرت وسائل الإعلام تلك ما جرى وكأنه انتخاب قيادة جديدة تحل مكان القيادة المنتخبة لجماعة الإخوان المسلمين، واعتبار الجمعية الجديدة بديلًا عنها.
وما ذلك إلا محاولة للانقلاب والسطو على اسم الجماعة وكيانها ومركزها القانوني وشرعيتها التاريخية، ومن غير الممكن أن يتمكن بضعة أفراد من إحداث انشقاق ذي أهمية في جسد جماعة معروفة بتماسكها التنظيمي والفكري.
من الواضح أن الطرف الذي قدم الترخيص لدى الحكومة الأردنية، قد خطط ونسّق مع الحكومة، من أجل أن يحصل على الترخيص ويضع يده على الجماعة ومقارها وممتلكاتها وأموالها بقوة القانون، وليس بقوة الشورى والانتخابات.
لقد استغلت الحكومة الأردنية خلافات معينة داخل الجماعة وأهمها أن تيار المعترضين والخارجين عن الجماعة يتهم قيادة الجماعة برفض العمل بأجندة وطنية أردنية وإيلاء القضية الفلسطينية الأهمية الكبرى في برامجها، وعدم الاهتمام بالقضايا الوطنية وهموم الأردنيين، وبالعمل لمصلحة تيار من حركة "حماس" يريد السيطرة على إخوان الأردن.
وهذه خلافات داخلية بين أعضاء الجماعة تناقشها هيئات الجماعة الداخلية وتحكمها لوائحها، فما دخل الحكومة بها؟
الحكومة الأردنية فرحت بما حدث وقررت أن تتدخل لعلها يمكنها أن تستغل الأزمة وتفجر الجماعة من الداخل. وهذا حلم لن يتحقق، وفكرة خاطئة، لأن الجماعة قائمة منذ سبعين عامًا، ولها قواعدها ومنهجها، ومعروف مدى التماسك والولاء التنظيمي داخل الإخوان، ومدى استعداد العضو الإخواني لبذل الغالي والنفيس في سبيل فكرته وجماعته، تلك الفكرة التاريخية، التي أصبحت ثابتًا ويقينًا في نفوس أبناء الإخوان، نلاحظه جميعًا أثناء الحديث معهم.
أما في مصر، فتجري المعركة الأكبر، معركة الإبادة والاستئصال والأرض المحروقة، فقد سيطر على فكر حكومات ما بعد الثالث من يوليو 2013م، أن الحل الوحيد لبقاء هذه الحكومات في السلطة هو إبادة الإخوان، كي لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، عن طريق إعدامهم، أو سجن العضو منهم لعشرات السنين، لدرجة أن قياديًّا مثل الدكتور محمد البلتاجي حصل الآن على أحكام بالسجن لمدة 111 سنة في القضايا التي تم الحكم فيها فقط، وما زالت هناك قضايا كثيرة لم يحكم عليه فيها، أي إننا يمكن أن نجد الرجل في النهاية وقد حصل بأحكام بالسجن لمدة 200 أو 250 أو حتى 300 سنة، وهذا درب من الجنون وانعدام المنطق والعقل.
هذا على مستوى المواجهة الأمنية والقضائية، أما على المستوى السياسي فقد تم حل الجماعة ومصادرة مقارها وممتلكاتها،
وكذلك حل الحزب ومصادرة مقاره وممتلكاته، وإيقاف الجريدة ومصادرة كل ما يخصها، وكذلك وقف بث قناة مصر 25،واعتقال غالبية العاملين فيها.
لكن هذه المستويات من المواجهة يبدو أنها ما زالت لا تقنع الحكومة والنظام في مصر، ففكر القوم في مستوى آخر من المواجهة، وهو مستوى التفجير من الداخل، على غرار ما حدث في الأردن، فمؤخرًا اجتمع الرئيس المصري مع ثلاثة من كبار المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين وهم كمال الهلباوي وثروت الخرباوي ومختار نوح.
وتشير الأنباء التي رشحت عن الاجتماع الذي دام لثلاث ساعات، أن المنشقين الثلاثة قدموا أوراقًا بحثية للمواجهة الفكرية مع التطرف والإرهاب، من واقع تجربتهم مع الإخوان، كي يستخدمها الرئيس المصري في خطة سيعلن عنها قريبًا، لتكون إستراتيجية وطنية لمواجهة الإخوان وغيرهم من الجماعات الإسلامية المؤيدة لهم في صراعهم مع النظام المصري الحالي.
مما رشح أيضًا من أنباء، أنه دار خلال الاجتماع طرح فكرة العفو عن الإخوان المعتقلين الذين قدموا طلبات للتوبة، من أجل توسيع وزيادة أعداد التائبين من الإخوان والذين سيخرجون فكريًّا وتنظيميًّا عن الجماعة، ومن باب آخر قطع الطريق أمام الشباب الجديد الذين ينوون الانضمام للجماعة.
وبالتوازي مع ذلك كله، ترعى أجهزة الأمن المصرية، حركة الشباب المنشقين عن جماعة الإخوان، التي يقول المسئولون عنها: إنهم قاموا منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، بحملة للمراجعات الفكرية لإنقاذ شباب الجماعة داخل السجون وخارجها، وأنهم جمعوا بالفعل 1800 إقرار توبة: 300 للشباب خارج السجون و1500 داخلها.
والمتأمل لهذه التحركات كلها، يلحظ أنها تحركات صبيانية سطحية وساذجة، وتؤكد أن القائمين على الأمر ليس لديهم أية دراسات عن جماعة الإخوان، من حيث أساسها العقائدي والفكري والسياسي، ومن حيث كونها حركة سلمية أو عنيفة، ومن حيث كونها حركة وطنية أو عميلة، ومن حيث عدد المنتمين إليها من المصريين، وكذلك عدد المؤيدين للفكرة وإن كانوا غير منتمين، ثم نوعية الأعضاء وأعمارهم ووظائفهم ومستواهم التعليمي والثقافي.
لأن الإجابة على هذه الأسئلة ستؤكد للمسئولين أن الإخوان جماعة دينية تمارس السياسة، وهي معتدلة دينيًّا وفكريًّا، وهي جماعة وطنية يشهد بذلك جهادها في فلسطين وفي قناة السويس، وهي جماعة سلمية لا تمارس العنف والإرهاب، وأن أعضاءها يقتربون من المليون، وهناك أربعة أو خمسة أمثال هذا العدد من المؤيدين والأهل والمعارف والأصدقاء، وبالتالي فمن الجنون الدخول في مواجهة شاملة مع أربعة أو خمسة ملايين مصري، بهدف استئصال شأفتهم والقضاء عليهم قضاءً مبرمًا.
إن العقل والمنطق يقولان بضرورة استيعاب الجماعة والتصالح معها؛ لأنه حدث نفس السيناريو مع حكم جمال عبد الناصر، خلال حربه الشاملة مع الإخوان بين عامي 1954 و 1965، وكان نفس الفكر مسيطرًا على النظام الناصري، وسعى نظام عبد الناصر إلى استئصال شأفة الإخوان، فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة أن جمال عبد الناصر مات .. لعله لم يفكر في هذا الأمر من قبل (الموت فجأة).. وجاء السادات في ظروف مغايرة .. فأفرج عن الإخوان وأتاح لهم الحرية النسبية في الحركة .. ثم مات السادات .. وجاء مبارك ودخل في مواجهة مع الإخوان لوضعهم تحت السيطرة بالمداهمات المستمرة والمحاكمات العسكرية للقيادات بين الحين والآخر .. لكنه لم يرفع الأمر إلى مرحلة المواجهة الشاملة والاستئصال .. ثم أطيح بمبارك بثورة 25 يناير 2011، لنفاجأ بأن الإخوان هم التيار السياسي الرئيس الذي خاف منه الجميع وارتعدت منه فرائص الفصائل السياسية فتآمروا عليه. فهل يعي النظام الحالي أن فكرة الاستئصال فكرة فاشلة، وأنه لا حل إلا بالحوار والمشاركة وعدم الإقصاء؟

لقد كلف جمال عبد الناصر
 مجلس وزرائه برئاســة زكــريا محيي الدين، 
لوضع خطة شاملة للقضاء على الإخوان، 

وشكَّل زكريا محيي الدين لجنة عليا، لدراسة واستعراض الوسائل التي استعملت،والنتائج التي تم التوصل إليها، بخصوص مكافحة الإخوان، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التي يجب استعمالها
...  في القضـــاء عليهـــم .... 
 ووضعت اللجنة، بعدما عقدت عشرة اجتماعات متتالية، 
وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات،
 وبعد تلخيص وحصر المعلومات المجتمعة، 
خطة شديدة التطرف والقسوة لاستئصال الإخوان
 أوردها الشيخ محمد الغزالي.رحمه الله.في كتابه قذائف الحق)، نفذها النظام الناصري بحذافيرها.
انتهى عهد عبد الناصر والسادات ومبارك، ولم تستأصل شأفة الإخوان، لأنهم قطاع وشريحة مهمة من المجتمع المصري. 
يجب الاستفادة منهم وليس التفكير في إبادتهم.




؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: