الجمعة، 17 أبريل 2015

هل تنتهى سيطرة الجيش بكارثة ؟ لماذا قتلت المخابرات جمال حمدان؟



الصندوق الأسود للجيش
 لماذا قتلت المخابرات الحربية
 العــالم المصــري جمـال حمـدان؟


لماذا قتلت المخابرات الحربية العالم المصري جمال حمدان؟
 ولماذا دعا الشعب لحمل السلاح وقتال العسكر؟



هل تنتهي سيطرة إمبراطورية الجيش على مصر بكارثة؟
قالت دراسة لمعهد “كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط” إن الجيش المصري اكتسب نفوذًا غير مسبوق منذ أن أشرف على إطاحة رئيسَين مصريَّين، هما حسني مبارك في العام 2011 ومحمد مرسي في العام 2013، لكن التمدّد الزائد للنفوذ السياسي والخصومات الداخلية، قد يشكلان عقبة في وجه سيطرة القوات المسلحة المصرية على المدى الطويل. وأشارت “شانا مارشال” المديرة المساعدة للمعهد، معدة الدراسة التي جاءت بعنوان: “القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية“، الخميس 16 أبريل الجاري، إلى أنه “مع تهميش أبرز المنافسين السياسيين، والحصول على ما يزيد عن 20 مليار دولار من المساعدات الخليجية ودعم محلي واسع النطاق للمشير عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيسًا، استأنفت القوات المسلحة المصرية عملياتها الصناعية المتهالكة، وضمنت السيطرة على مشاريع البنى التحتية الضخمة، وأدخلت جنرالات إلى مناصب الحكم كافة تقريبًا، لكن التمدّد الزائد للنفوذ السياسي والخصومات الداخلية، قد يشكلان عقبة في وجه سيطرة القوات المسلحة المصرية على المدى الطويل“.
... السيناريوهـــات المستقبلية ...


وحول السيناريوهات المستقبلية، شددت الدراسة على أن “الانقسامات في الجيش يمكن أن تطفو إلى السطح، وقد يتسبّب تصاعد نفوذ حلفاء الجيش الجدد بانشقاقات كانت مغمورة، في سياق صراع الأجنحة للحصول على حصة في الحقل الاقتصادي والسياسي الجديد“.
وأن “الأدلة التي تشير إلى أن الجيش عمل في الكواليس لإثارة الاحتجاجات وإضعاف خصومه قد تُضعِف نفوذه؛ فالمعلومات التي بدأت تظهر في أواخر العام 2014 حول دور الجيش المباشر في تمويل الاحتجاجات المناهضة لمرسي، وتلاعب القيادة الواضح بالنظام القضائي والإعلام، قد تدق في ناهية المطاف إسفينًا بين النظام وداعميه الليبراليين“.
وقالت إن: “الديمومة المؤسّسية للجيش قد تضاهي تطلّعاته الاقتصادية والسياسية“، وإن “قلق الجيش الأكبر ليس التهديد الذي يمكن أن تتعرّض إليه إمبراطوريته الاقتصادية؛ بل عودة الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، وإذا اضطرت حكومة يقودها الجيش إلى الطلب من القوات المسلحة قمع الاحتجاجات عن طريق العنف، فقد يواجه هو خطر حصول انشقاق داخلي وأزمة شرعية“.
وإنه من المرجح أن تستمر الحكومة الأمريكية في مساعدتها للجيش، على الرغم من فشل برنامج حثّ القوات المسلحة المصرية على الإصلاح أو تحسين إجراءات مساءلتها بدليل رفع الحظر الأمريكي المؤقّت على الأسلحة المقدّمة إلى مصر في مارس 2015، وهو ما سيضع مسؤوليةً سياسيةً أكبر على كاهل واشنطن، في ظل تواصل العنف ضد المدنيين المصريين.
وتصف الدراسة القوات المسلحة المصرية بـ”الصندوق الأسود”، خاصة حين يتعلَّق الأمر بدور هذه المؤسسة في الاقتصاد المحلي؛ لأن “معظم قطاعات الاقتصاد التي يديرها الجيش تبدو خفية، كما أن مصادر نفوذ القوات المسلحة غير واضحة المعالم، مثل المقاعد البرلمانية المنوطة اسميًا بالعمّال والفلاحين“.
وإنه منذ الإطاحة بمرسي، أثبتت القوات المسلحة المصرية أنها “الحَكَم الأخير في النظام الاقتصادي والسياسي في مصر“، وأصبحت المُشرِف والمُراقِب الأول على الاقتصاد المصري، من خلال حماية الأصول الاستراتيجية لشركائها الاستثماريين الأساسيين في حقبات الاضطراب، والسيطرة على عملية مناقصات المشتريات الحكومية الأساسية.
وإنه عندما أذعنت حكومة مرسي إلى العديد من المطالب الأساسية للقوات المسلحة المصرية لم تكن هناك مشكلة، لكن هذا “الاتفاق المؤقّت” سقط عندما حاول مرسي تهميش الجيش في المشاريع الكبرى مثل تطوير قناة السويس ومشروع “توشكى”، وهو مشروع لاستصلاح الأراضي.
وإن السلطة العسكرية “الغامضة” تولت أدوارًا سياسية قوية وأكثر علانية بشكل متزايد منذ ثورة 2011 التي أطاحت حسني مبارك، حيث أمسك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بزمام الأمور وحكم البلاد إلى أن جرى انتخاب محمد مرسي، رئيسًا في يونيو 2012، وحين أُطيح مرسي بعدها بسنة واحدة، سيطرت مجددًا حكومة مؤقّتة يدعمها الجيش على أمور السلطة، وتولي وزير الدفاع السابق الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيسًا في مايو 2014.
وقد أجبر تسلّم القوات المسلحة المصرية السلطة السياسية الرسمية، قيادة المؤسسة على اتخاذ جملة من الخطوات الاستثنائية، ليس أقلّها إصدار بيانات رسمية دفاعًا عن الأنشطة الاقتصادية للجيش، وهي الأنشطة التي كانت تُعتبَر في السابق من أسرار الدولة.
ففي مؤتمر صحفي عقده المجلس الأعلى في ربيع العام 2012، كشف نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك، اللواء أركان حرب محمد نصر، النقاب عن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش (198 مليون دولار)، وعن نسبتها في ميزانية الدولة (4.2 في المئة)، بيد أن نصر امتنع عن تقديم أي أدلة تدعم مثل هذه الأرقام، ولكن مجرد رد الجيش رسميًا على الانتقادات العلنية القوية عن مدى انخراطه في الشأن الاقتصادي، كان بمثابة علامة تحوّل فارقة عما كان يجري في الماضي.
وسلَّطت الصراعات اللاحقة التي خاضها الجيش لاستعادة السيطرة على مؤسسات مهمة، الضوء على كيفية استخدام القوات المسلحة نفوذها المؤسسي لتمويل عملياتها، ولتوفير علاوات على الرواتب لسلك الضباط، وإدارة الاقتصاد السياسي المحلي.
والآن، تتنافس قوى دولية عدة -من دول الخليج إلى اليابان وروسيا- للتأثير على القيادة السياسية الجديدة في البلاد، وهذا ما يفرض تحديًا أساسيًا للتفوّق الدبلوماسي الذي حظي به لعقود صنّاع القرار في واشنطن. وتمثّل ردّ فعل هؤلاء الأخيرين على هذا التنافس في الدعوة إلى زيادة المساعدات العسكرية لمصر وتقليص الانتقادات للحكومة الجديدة.
ولكن، حتى ولو ضاعفت واشنطن مبلغ الـ1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية لمصر، فمثل هذا الرقم يتقزّم أمام نحو 20 مليار دولار ضخّتها دول الخليج كمساعدات مالية إلى خزينة النظام منذ العام 2013؛ وبالتالي، “لا مال واشنطن ولا خطبها البلاغية المنمّقة يمكن أن ينتزعا تغييرات رئيسة من الحكومة المصرية، والرهان الأكثر حكمة هو أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على حلفائها الخليجيين كي يضبطوا سلوكيات النظام الأكثر إيغالًا في التجاوزات، بما في ذلك مواصلة القمع العنيف لنشطاء المعارضة“.
... تطوُّر الاقتصاد العسكري ...
وترصد الدراسة تطوُّر الاقتصاد العسكري في عهود الرؤساء السابقين، مشيرة إلى أنه “في عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1954 إلى العام 1970) وُجِّهَت موارد الدولة نحو الجيش الذي لعب مهندسوه ومقاولوه الدور الرئيس في مشاريع استصلاح الأراضي، وإقامة البنى التحتية العامة، وتوفير السلع الأساسية، والصناعة المحلية للأجهزة الاستهلاكية والإلكترونات، وكذلك إنتاج السلع الصناعية والزراعية كالفولاذ والسماد، وتم تعيين ضباط من رتب عالية مكان مدراء المصانع المدنيين، وأدّى وجود هؤلاء الإداريين العسكريين في مختلف المؤسسات التي تملكها الدولة والمؤسسات شبه العامة، إلى خلق قاعدة نافذة تستهدف دعم الوجود المتواصل للقوات المسلحة في الاقتصاد“.
وفي عهد خليفة عبد الناصر، أنور السادات، حدث تحوُّل محدود في الأنشطة الإنتاجية للجيش، حيث جرى التركيز على الصناعات الأكثر ارتباطًا بالدفاع، وتأسست الهيئة العربية للتصنيع لهدفٍ رئيسٍ هو صناعة الطائرات العسكرية، وتحوّل تركيز مصر من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة.
وهذا يعود جزئيًا إلى أن الأمريكيين كانوا مصدرًا يُعتَدّ به أكثر للعتاد العسكري والتكنولوجيا والتدريب، بينما كان السوفييت يركزون على نقل المعدات الجاهزة.
أما في عهد مبارك، الذي أصبح رئيسًا بعد اغتيال السادات في العام 1981، فبدأ موقع القوات المسلحة التاريخي، بالتآكل بشكل كبير، بيد أن الجيش تمكّن من الحفاظ على لائحة طويلة من الامتيازات المالية والصناعية، بما في ذلك الوقود المدعوم، والسيطرة على قطاع العقارات المُربِح، وعمل المجندين، واستخدام الأذونات الخاصة، وممارسة إشراف خارج عن القانون في قطاعات تتراوح من البتروكيماويات إلى السياحة.
لكن، العائدات الاقتصادية لهذه الامتيازات تراجعت بعد أن خسرت الدولة المصرية قوة السوق أمام المستثمرين الخاصين والدائنين الدوليين، وفي الوقت نفسه، أسفر الانحدار السريع للاستثمارات العامة إلى تقليص عائدات الجيش الراسخة سابقًا، والتي استخدمها لدعم قاعدته الصناعية وتوفير الوظائف لعناصره.
وقد عمد قادة الجيش، في سبيل تحصين أنفسهم ضد حملة حكومات مبارك للتحرير الاقتصادي والخصخصة، إلى تنويع محفظة القوات المسلحة الاقتصادية عبر الحصول على تمويلٍ وتكنولوجيا من مصادر القطاع الخاص الأجنبي والمحلي، وأيضًا عبر شراكات مشتركة مع رجال الأعمال غير العسكريين والمصالح الأجنبية.
وقد منحت هذه العمليات من التمويل والمصادر التكنولوجية الجديدة القوات المسلحة مداخل إلى حلقات الإمدادات العالمية في صناعات تتراوح من صناعة السيارات وإنتاج أجهزة الكومبيوتر، إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي وصنع الألواح الشمسية، كما نشطت القوات المسلحة للحفاظ على دورها كمزوِّد محلي ومتعاقد من الباطن في مشاريع البنى التحتية -على غرار مزارع الريح- التي يموّلها مانحون أجانب.
... حماية استثمارات الجيش ...
وخلال قلاقل 2011 – 2012 التي شملت القمع العنيف لتظاهرات عمالية هدّدت الإنتاج في مواقع أساسية، تحرك الجيش لحماية أرصدته الاستراتيجية المتعلقة بشركاء الاستثمار في القطاع الخاص الجاذب للاهتمام العام؛ ما جعل الجيش الطرف الأقوى في المعادلة السياسية.
وإن التهميش والاضطهاد المُحتمَلان لرجال الأعمال المرتبطين بعهد مبارك، والذين تعرّضوا إلى الخزي والعار، جعل العديد من الشركات والمستثمرين الدوليين متشوقين لاسترضاء الجنرالات بأمل ممارسة نفوذ على الاقتصاد في حقبة ما بعد الثورة.
وقد أظهر تقرير من السفارة الأمريكية في القاهرة، في العام 2010، أن طلبات نقل التكنولوجيا من سلطة التسلّح المصرية ازدادت بشكل ملموس خلال السنة الماضية، وهذا عكس رغبة الجنرالات في توسيع صادرات الأسلحة التي تحتوي تكنولوجيا أمريكية، بما في ذلك احتمال بيع دبابات M1A1 للعراق، وذخائر للسعودية، ودعم تقني لترسانة تركيا من صواريخ “هوك”، وأنه خلال الفترة نفسها، طلب مسؤولون في القوات المسلحة أيضًا الإذن الأمريكي للسماح لمسؤولين من تونس والعراق بالقيام بجولات في منشآت الإنتاج العسكري.
ومع تداعي سلطة مبارك، ضاعف الجيش جهوده لإبرام اتفاقات إنتاج مشترك مع شركات دفاع أجنبية، الأمر الذي لم يعنِ فقط توفير فرص أفضل لصادرات مستقبلية، بل أيضًا الحصول على مداخل إلى تكنولوجيات جديدة ومواقع محتملة للضباط في مشاريع مرموقة، وعلى سبيل المثال، في 11 فبراير -تمامًا حين كان مبارك يتأرجح على شفير الاستقالة القصرية- أعادت البحرية المصرية التفاوض حول عقد بقيمة 13 مليون دولار مع شركة “سويفتشيب Swiftship”  بعقد زادت كلفته بنحو 20 مليون دولار لبناء 4 سفن دورية على أن يشارك حوض مصري لبناء السفن في تجميع هذه السفن وإنتاجها ونقل التكنولوجيا، وبناء منشآت جديدة، واستيراد معدات رأسمالية جديدة، وعقودًا طويلة الأمد لقطع الغيار والتصليحات، وتدريبًا جديدًا للعنصر البشري.
وبسبب تضافر كلٍّ من نفوذ القوات المسلحة المتنامي والمتضخّم والحصانة المنيعة المفترضة لبرنامج المساعدة العسكرية الأمريكية (التي توفِّر جلّ مشتريات ميزانية الدفاع المصرية)، فقد تزايدت جاذبية القوات المسلحة كشريك لشركات الدفاع الأجنبية.
وفي سبيل تعزيز ثقة شركاء الاستثمار، أصدرت القوات المسلحة مروحة من الإشارات أبدت خلالها استعدادها للعمل للحفاظ على الأمن والنظام مهما كلّف الأمر، بما في ذلك تشويه سمعة المحتجّين على أنهم سفّاكون، كما عمدت إلى فضّ الإضرابات بعنف، وأطلقت تهديدات غريبة -مثل الإعراب عن نيّتها إنهاء إضراب خطوط السكك الحديدية من خلال تجنيد منتهكي القانون مباشرة في الجيش-، وحين احتلّت عمليات التوقّف عن العمل صدر الأخبار، سارع المسؤولون العسكريون إلى تطمين المراقبين بأن العمل سيُستأَنف كالعادة من دون عرقلة.
كما نشرت القوات المسلحة جنودًا لحماية أصول شركائها من الشركات، وخلال انتفاضة العام 2011، زُوِّد الفرع المصري لمجموعة الخرافي الكويتية، التي لها عدد من المشاريع المشتركة مع القوات المسلحة المصرية، بحرسٍ مسلّح لضمان التسليم الآمن للمعدات إلى مصنعه للطاقة (مصنع الشباب).
كما قدّم الجيش المصري القوات، معززةً بالدبابات، لحماية مواقع الطاقة الرئيسة في الشباب ودمياط. كما استخدم الجيش المصري العناصر العسكرية المسلحة لمرافقة نقل قطع كبيرة من المعدات لطوربينات الغاز من مرفأ الإسماعيلية إلى موقع الشباب.
أيضًا، قمعت القوات المسلحة التظاهرات العمّالية التي اندلعت على مقربة من العمليات الاقتصادية الكبرى التي للجيش مصالح مالية مباشرة فيها -بما في ذلك مصانع معالجة البتروكيماويات، ومناطق التصدير، والمرافئ البحرية، ومشاريع التصنيع متعدّدة الجنسيات، خاصة في السويس، حين اشتبك عناصر الشرطة العسكرية (وأفراد الشرطة السرّية من وزارة الداخلية) مع المحتجّين والعمّال المضربين، كما قامت الشرطة العسكرية بفضّ إضرابات في مطار القاهرة.
وفي ظل حكومة السيسي الجديدة، تم إرسال قوات الشرطة والجنود من الجيش الثالث لتفريق المضربين في بورسعيد وفي العين السخنة، وعمد أفراد الشرطة العسكرية إلى تفريغ السفن المُنتظرة وخدمتها بأنفسهم، بعكس تراخيهم خلال حكم مبارك، ما يشير أيضًا لوجود “استراتيجية هادفة مُصمَّمة لمفاقمة التعثّرات الاقتصادية لحكومة حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين“.
... الإعــلام العســكري ...
وتنوه الدراسة إلى أنه “طيلة فترة ما بعد الثورة، استخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة استثماراته الاستراتيجية للتأثير على أسلوب تغطية الأخبار، وفي البيانات العامة التي تُبرِز ما وصفه اللواء الركن نصر بالمساهمات الخيرية للقوات المسلحة المصرية في الاقتصاد المصري، تحدّث نصر عن منح 58 مليون دولار إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري”.
لكن، ما لم يفصح عنه هو أن الهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش مُستثمِرة إلى جانب الاتحاد في شركة الفضائية المصرية، وهذه الشركة، المعرفة بـ”نايل سات”، أثبتت أنها شريك يُعتَدّ به للجيش في الثورة المضادة في خريف العام 2013، حين منعت فضائية الجزيرة من استخدام قمرها الاصطناعي لبثّ صور عن الأزمة المتواصلة في مصر.
تحالف ثم مناورات مع حكومة الإخوان
وهذه الخطوات لحماية استثمارات الجيش، ساعدت أيضًا ضمن الخطوات التي اتّخذتها قيادة القوات المسلحة لتشكيل النظام السياسي، في فترة ما بعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في الحفاظ على سيطرة الجيش المؤسّسية على موارد اقتصادية رئيسة؛ بل وتوسيعها كذلك.
ونجح الجيش في الحصول على ضمانات دعم (أو على الأقل عدم التدخّل) في قضايا أساسية من جانب القيادة المُنتخَبة لحزب الحرية والعدالة، كما حاول القادة العسكريون توجيه السياسة الاقتصادية العليا في اتجاه يُفيد على نحو انتقائي عملياتهم، وانخرطوا في حمأة مناورات سياسية حذقة وبارعة، هدفت إلى تهميش أو ملاحقة العديد من مراكز القوى التابعة للنظام السابق.
والواقع أن العديد من السياسات التي مورِسَت في حقبة ما بعد الثورة من جانب كلٍّ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرسي (على غرار وقف دعم الوقود لمؤسسات الصناعية)، لم تشكِّل تهديدًا يُذكَر للأنشطة الاقتصادية للجيش؛ لأن بنود الدعم للجيش غير منصوص عليها في التنظيمات، وبالتالي لا تتأثر بقطع الدعم، ولأن الميزانية العمومية للجيش (وبالتالي أيضًا مصادر الطاقة) أُبقيَت سرّية؛ فقد بدا المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه صانع قرار مسؤول ماليًا، لكن في الحقيقة وقع العبء على منافسي الجيش.
ولم يستطِع جهاز الكسب غير المشروع بعد ثورة 25 يناير تطبيق التفتيش القضائي على الضباط العسكريين؛ وهذا يعود جزئيًا إلى أن العديد من الخبراء القضائيين وضعوا الأولوية لملاحقة عصبة رجال الأعمال وثيقة الصلة بمبارك، بدلًا من وضع الجيش تحت السلطة القضائية المدنية.
بيد أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أن المبادئ الدستورية نفسها التي تضمّنت الحصانة القانونية للجيش، والتي أثارت سابقًا إدانة عنيفة وقاسية من قِبَل حزب الحرية والعدالة، أُدخِلَت في خاتمة المطاف إلى الدستور الذي عُرِضَ على مرسي في ديسمبر 2012.
كما تم في الدساتير اللاحقة ضمان إعفاء الجيش من الحظر على العمل الإجباري (ما سمح باستمرار نظام أعمال الخدمة في الجيش)، وأيضًا ضمان سريّة المؤسسات المالية الخاصة بالقوات المسلحة، وقبل ذلك، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد ضبطت بحزم أنصارها الشباب وحفّزتهم على عدم المشاركة في الاحتجاجات المناوئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، في الأشهر التي سبقت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2012، كما أفرغت المطالب الخاصة بمحاسبة الجيش من معظم زخمها.
لكن، هذه التسوية المؤقّتة بين حزب الحرية والعدالة والجيش أثبتت أنها من عمر الورود، وأورد الإعلام المصري بنود الصفقات المزعومة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين حزب الحرية والعدالة، والتي شملت “خروجًا آمنًا” يوفّر حصانة لأعضاء المجلس الأعلى؛ واتفاقًا بألا يطرح حزب الحرية والعدالة مرشحًا للرئاسة لا يعتبره الجيش مقبولًا؛ وترتيبًا يمنح الجيش السيطرة على السياسة الاقتصادية العليا، فيما هو ترك السلطة على وزارات الخدمات (وزارات التعليم والشباب والثقافة، إلخ) في يد جماعة الإخوان.
والأمر نفسه انسحب على خطوات مرسي الحاذقة في تنفيذ التنقّلات في بعض مواقع السلطة العسكرية (بما في ذلك أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، وفي إبعاد ضباط رفيعي الرتب عبر تعيينهم في مواقع مُربِحة ونافذة في هيئة قناة السويس، والهيئة العربية للتصنيع، ومناصب في وزارة الدفاع، وأيضًا في اختيار بدائلهم من بين صفوف كبار القادة، إضافة إلى ذلك، وعد مرسي بمعالجة بعض تظلّمات الجيش، متعهّدًا بإعادة نشر القوات المسلحة في سيناء وتنويع مصادر مصر الأجنبية من الأسلحة والتدريب.
وهناك مثل واضح بجلاء لكيفية نجاح الجيش في تحسين موقعه الاقتصادي عبر التحالف مع حزب الحرية والعدالة، تجسّد في المشاريع التي حظيت باهتمام عام، والتي أعلنتها القوات المسلحة إبان ولاية مرسي، مثل استحواذ وزارة الإنتاج الحربي على شركة نصر لصناعة السيارات “ناسكو”؛ لأن التكنولوجيات والتسهيلات والمعدات المتوافرة من خلال التصنيع التعاوني للعربات العسكرية، يمكن أيضًا استخدامها في إنتاج السيارات المدنية التي يبيعها الجيش في السوق المحلية.
ثم برزت علامة حسن نية أخرى بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة خلال زيارة مرسي لروسيا في أبريل 2013، حين حصل على وعد من موسكو باستثمار أموال الدولة الروسية في شركة السيارات المصرية، والتي حصلت القوات المسلحة على أصولها مجانًا.
ومن الشراكة الاقتصادية قصيرة العمر التي أبرمها حزب الحرية والعدالة مع الجيش أيضًا “الآي باد المصري” الذي حظي بدعاية مبالغ فيها، وهو جهاز كمبيوتر لوحي يُدعى “إينار Inar”؛ فمع أن هذا المشروع كان قيد العمل منذ سنوات؛ إلا أن التقدّم لم يُحرَز فيه إلا في صيف العام 2013، حين أعلنت الحكومة التي يقودها حزب الحرية والعدالة عن مناقصة عامة كبيرة.
ووفقًا لصحيفة “دايلي نيوز مصر Daily News Egypt”، تقدّمت ثلاثة تكتلات لشركات بعروض المناقصة، بينها اثنتان تتكوّنان من شركات أجنبية متعدّدة الجنسيات، لكن ما لم يوضحه تقرير الصحيفة هو أن التكتلات الثلاثة كلها تضمنّت شركات يملكها الجيش، منها الهيئة العربية للتصنيع، وشركة “بنها” للإلكترونيات (وهي جزء من وزارة الإنتاج الحربي)، والشركة العربية لتصنيع أجهزة الكومبيوتر التي تشمل لائحة مالكي الأسهم فيها الهيئة العربية للتصنيع، وشركة “بنها”، ووزارة الإنتاج الحربي.
... قنــاة السويس بدايـة التـوتر ...
مع أن المشاريع الصناعية الصغيرة، على غرار صناعة السيارات وتجميع الألواح الإلكترونية، كانت أرضًا خصبة للاتفاق بين الجيش المصري وجماعة الإخوان المسلمين؛ إلا أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس الضخم أثبت أنه يفوق قدرة هذا التحالف المتقلقل على استيعابه.
ومع أن تحويل قناة السويس إلى مركز لوجيستي ضخم ومركز للتصنيع الثقيل، كان هدفًا يرنو إليه بصر المخطّطين الاقتصاديين في الجيش، الذين تقدّموا بمختلف الاقتراحات لإقامة محطات طاقة شمسية ورياحية (من ريح)، وطاقة باطن الأرض في منطقة السويس وحولها، للإفادة من قدرات المنطقة الصناعية، وبالطبع، ستلعب الشركات التي يملكها الجيش أدوارًا رئيسة في عمليات البناء وتوفير المعدات لمثل هذه المشاريع؛ إلا أنه حين أعلن مسؤولو حزب الحرية والعدالة في أواخر العام 2012 عن خطط تحويل القناة إلى مركز لوجيستي عالمي، أثار الخلافات بين الطرفين، برغم أنه بدا أن الإرادة السياسية ودعم الدولة لمثل هذا المشروع سيتوافران أخيرًا.
فقد كشف مستشار حكومي مصري النقاب عن أن الإشراف على توسيع القناة سيوضع بين يدي رئيس واحد سيكون في رتبة نائب رئيس الوزراء ويكون تابعًا مباشرة لمرسي؛ الأمر الذي جعل القوات المسلحة مجرد واحدة من مجموعة هيئات حكومية منخرطة في هذا الجهد، ما يعني تهميش دور الجيش في أكبر مشروع للبنى التحتية منذ عقود، ما جعل حزب العدالة والعدالة يخسر دعم القوات المسلحة.
فهناك أهمية كبيرة يوليها الجيش للقناة، ليس فقط في مجال العائدات؛ بل أيضًا في تزويد القوات المسلحة المصرية بالتبرير لإقحام نفسها في النقاشات حول التخطيط الاقتصادي طويل الأمد، فالعديد من الخدمات المرتبطة بالقناة كانت تقدّمها أساسًا شركات مرتبطة بالجيش، وكانت هذه ستتضرر إذا ما استُبعِدَت القوات المسلحة عن عمليات اتخاذ القرار المتعلّقة بخطط تنمية القناة.
من هناك بدأت مزاعم نظريات المؤامرة والحديث عن البيع الوشيك للقناة إلى مصالح أجنبية، الذي كان دومًا الوسيلة الكلاسيكية لتعبئة المعارضة الوطنية للحكومات القائمة، ولتذكير المواطنين بمسؤولية الجيش في تأمين الموارد الاستراتيجية لمصر.
ولذلك؛ جعلت الأهمية الاقتصادية للقناة وأبعادها الرمزية، خطة توسيع هذا الممر المائي “نقطة الارتكاز للصراع المتفاقم بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة“.
فظهر عنوان لصحيفة يقول: (وزير الدفاع) السيسي يحذِّر مرسي (ورئيس الوزراء) قنديل، ومقال لمسؤول عسكري يقول فيه: “إن خطط الحكومة لتوسيع القناة، لن تخطو خطوة إلى الأمام إلى أن تُقرّ القوات المسلحة التفاصيل“، وحذَّر من أي انخراط أجنبي في المشروع؛ ما قد يتسبّب بنزاعات مستقبلية (في إشارة إلى مفاوضات مرسي مع الهند).
وقد كرّر ناطق عسكري لاحقًا هذه المطالب، وأصرّ على أن الشركات والمشرفين المنخرطين في المشروع يجب أن يحظوا باحترام واسع النطاق ويكونوا غير خاضعين إلى نزوات أو هوى أي حزب سياسي بعينه، وردّ بيان صدر في 23 مارس عن الناطق الرسمي باسم هيئة الاستعلامات في الدولة، على بيانات الجيش، بأن “الهيئة التي شُكِّلَت للإشراف على توسيع القناة ستكون تحت سلطة الرئاسة”؛ وبالتالي ليس تحت السلطان القضائي للقوات المسلحة.
ومع أن مسؤولي حزب الحرية والعدالة أتبعوا هذا البيان شديد الصراحة والوضوح بسلسلة من البيانات التوافقية التي هدفت إلى تهدئة مخاوف الجيش؛ إلا أن العديد منها قصُر عن الرضوخ إلى فيتو القوات المسلحة، وأصرّ وزير الإسكان التابع لحزب الحرية والعدالة، طارق وفيق، على أن الحكومة ستُطلِع قادة الجيش على مسودة القانون الخاص بالمشروع وتستمع إلى وجهة نظرهم ورؤيتهم، لكنها لن توافق على أي اعتراضات، ولن تعدِّل الخطط الراهنة للقناة.
لكن، بعد ثلاثة أشهر، أُجبِرَ وفيق على التراجع، وأعلن أن الجيش -الذي قال إنه الآن وراء المشروع “مئة في المئة”- سيكون الكيان الوحيد الذي له سلطة منح رخص للشركات العاملة في الخطة، لكن، بدا واضحًا في هذه المرحلة أنه من المستحيل ترميم التحالف بين الطرفين.
وقد أُميط اللثام لاحقًا عن أنه خلال هذه المرحلة، كان مرسي يحاول استبدال السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع آنذاك، بشخص مطواع أكثر، وأن هذه الخطة تخلّى عنها في نهاية المطاف؛ بسبب معارضة المؤسسة العسكرية لها.
وزاد النزاع بين الطرفين المتناقضة مسألة التدخّل في سورية، كما ظهر في ردّ الحكومة على التظاهرات المرتبة للمُطالِبة باستقالة الرئيس، وهنا، أصدر القادة العسكريون بيانات علنية تحذّر من أنها لن تتسامح مع العنف الذي يرعاه حزب الحرية والعدالة ضد المحتجّين، وأبدوا نفورًا متزايدًا من طلبات للرئيس وحزب الحرية.
وحين تحوّلت التظاهرات إلى العنف، سحبت القوات المسلحة شرطتها العسكرية من مؤسسات رئيسة مثل المستشفيات العامة، التي شهدت عمليات سلب ونهب وتسبّبت بإضرابات من قِبَل موظفي العناية الصحية؛ ما فاقم الفشل الأمني المزعوم لمرسي.
كما ذهبت القوات المسلحة إلى مدى أبعد كي تُبرِز التعثّرات الاقتصادية للنظام عشية بدء العدّ العكسي لانقلاب يوليو 2013، وعمدت إلى إطلاق المخزون الاستراتيجي لتخفيف وطأة النقص الحاد في الوقود والصفوف التي لا نهاية لها أمام محطات الوقود، مباشرةً فور وضع الجيش الرئيس قيد الاعتقال.
... تعزيز المكاسب بعـد مرسي ...
في عهد السيسي والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش التي سبقته، تركَّزَ خطاب الحكومة الاقتصادي على تحسين الخدمات العامة وتوسيعها؛ وتأمين السلع الأساسية بـ”الأسعار المناسبة”، واستئناف مشاريع البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك استصلاح الأراضي وتوسيع النقل العام؛ وإحياء العمليات الصناعية الكبرى.
وسهّلت إطاحة مرسي وتعزيز النظام العسكري الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها، وأحد الأمثلة على ذلك هو القرض الذي قدّمه البنك الأهلي المصري بقيمة 20 مليون دولار، في يناير 2014، لفرع من شركة ثروة للبترول Tharwa Petroleum التي يمتلك الجيش حصة مباشرة فيها.
أيضًا، الحصص المملوكة من الدولة في شركة “فودافون مصر” ذات الأرباح المرتفعة، تحوَّلت إلى ملكية عسكرية؛ ما أتاح فرصًا للضباط المتقاعدين لعقد شراكات مع الشركة في مشاريع جديدة، وزاد دعم الشركات العسكرية من خلال المصارف المملوكة من الدولة، وتوزيع العقود المرغوب فيها على شركات الضباط المتقاعدين بعد إحكام الجيش قبضته على السلطة مجددًا.
ثم أضحى مشروع توسيع وتنمية قناة السويس -الذي تتولّاه اليوم بإحكام هيئة قناة السويس التي يهيمن عليها الجيش- مشروعًا طموحًا أكثر في عهد السيسي، حيث يشمل المشروع توسيع ستة موانئ مصرية، وبناء عدد من الأنفاق والمناطق الصناعية، وحفر قناة موازية للسماح بمرور السفن في الاتجاهين.
وبحسب دراسة كارنيجي: “لا شك في أن جوانب المشروع تبدو أنها أضغاث أحلام دكتاتورية، مثل مطلب السيسي العام بأن يحفر الجيش القناة في عام واحد، في مقابل الأعوام الثلاثة التي قدّرها المهندسون لإنهاء العمل، وهو نفس ما قيل في إعلان الحكومة، في مارس 2015، أنها تخطّط لنقل العاصمة بأكملها إلى رقعة في الصحراء القاحلة شرق القاهرة مساحتها 700 كلم مربع“.
ويُرجَّح أن تُركِّز جهود السيسي على الأفراد الأثرياء الذين لهم مصالح واستثمارات في تلك القطاعات الأهم بالنسبة إلى الجيش، أمثال الوليد بن طلال، وهو أمير سعودي تُعَدّ شركته، المعروفة بشركة المملكة للتنمية الزراعية (كادكو مصر)، المستثمر الأساسي في مشروع “توشكى” لاستصلاح الأراضي، الذي يمتدّ إلى عقود ويهدف إلى إعادة تشكيل وادي النيل في الروافد الجنوبية في مصر.
وقد استُخدِمَت حزمة حوافز بقيمة 4.9 مليارات دولار -مموَّلة إلى حدّ كبير من الإمارات العربية المتحدة- لتمويل عقود البنى التحتية الأساسية التي مُنِحَت لشركات تابعة للجيش، وفي العام 2014، صدر مرسوم عن الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، يقضي بتوسيع قدرة الوزراء على توقيع العقود أحادية المصدر؛ الأمر الذي أدّى إلى انتقال أجزاء ضخمة من الاستثمار العام إلى الشركات العسكرية وشركائها، الذين مُنِحوا أيضًا عقود خدمات مهمة، بما في ذلك امتيازات طويلة الأمد لتشغيل بعض أكثر الطرق السريعة ازدحامًا في مصر (وتحصيل رسوم استخدامها).
وفي غضون الأشهر العشرة الأولى فقط في ظل الحكومة المؤقّتة، فاز الجيش بحوالى 770 مليون دولار من العقود، وأكثر من مليار دولار من العقود الحكومية أحادية المصدر على مدى ثلاثة أشهر في خريف العام 2014.
... دعـم عربي وأجنبي للسيسي ...
كما إنَّ شركاء الجيش المفضَّلين أيضًا قد استفادوا من سيطرته على الاقتصاد مثل الشركة العقارية “أرابتك للإنشاءات” ومقرّها دبي، ويبرّر المدافعون عن الجيش عملية منح العقود غير التنافسية بالحاجة إلى الحافز السريع، لكن هذه العملية تتناقض بشكل صارخ مع العرقلة المتعمّدة (من جانب الجيش وفلول الحزب الحاكم السابق الذين لايزالون ينشطون ضمن البيروقراطية المصرية) التي أعاقت عددًا من الاتفاقات الاستثمارية التركية والقطرية التي وقّعها الرئيس مرسي آنذاك.
إضافة إلى الدعم السخيّ من دول الخليج، يصطفّ حلفاء محتملون آخرون للعمل مع مصر، فروسيا، فضلًا عن دعمها شركة “ناسكو” للسيارات، التزمت بتطوير مصنع الحديد والصلب المصري في حلوان وشركة مصر للألمنيوم الضخمة التابعة للدولة، وتوفير المساعدة التطويرية لمحطات سد أسوان لتوليد الكهرباء، أما الصين فشريك في مشاريع البنية التحتية الكبيرة، بما فيها محطات طاقة جديدة، ومشروع سكك حديدية عالية السرعة، ومشروع قناة السويس.
كما استمر تدفّق المساعدات المالية العسكرية الأمريكية إلى مصر في ظل الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش وأيضًا في ظل حكومة السيسي، على الرغم من الاحتجاجات الضعيفة لوزارة الخارجية الأمريكية على عنف النظام، فخلال الشهرين اللذين أعقبا الانقلاب مباشرةً، وقّعت وزارة الدفاع الأميركية عقودًا جديدة بقيمة 300 مليون دولار لإنتاج المعدات العسكرية بشكل مشترك مع مصر أو توريدها إليها.
كما تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى نيل رضى السيسي؛ ففرنسا علّقت بيع الأسلحة إلى مصر في العام 2011؛ إلا أن الحكومة وقّعت اتفاقات مع السيسي قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار منذ بداية العام 2015، من ضمنها صفقات لشراء مقاتلات نفاثة وبوارج حربية.
ومن المرجّح أن تعزّز إجراءات السيسي الجديدة، بما في ذلك قانون نصّ على دور الجيش في حماية البنى التحتية الأساسية (كان ذلك سابقًا ضمن صلاحيات الشرطة)، دورَ الرقابة هذا من خلال بناء العلاقات والاتصالات بين الجنرالات وبين رجال الأعمال الذين يموّلون هذه البنى التحتية، تشي هذه الظروف بأن الاستثمارات الأجنبية المقبلة ستكون على الأرجح متركزة أكثر، لا أقل، في المشاريع التي يمتلك فيها الجيش حصصًا.
...التسريبات تشير لانشقاقات ...
وهنا تأتي الدراسة للنتيجة الأهم التي تسعى للوصول لها، وهي أنه: “على الرغم من سيل المساعدات المالية والحلفاء الجدد؛ إلا أن هذا التدفّق المفاجئ للموارد وتركُّز السلطة والثروة (في يد الجيش) يمكن أن يُحدِثا نزاعًا داخل المؤسسة العسكرية“.
وتقول إنه “ينبغي على الجيش المصري، شأنه شأن أي مؤسسة كبيرة، أن يقرّر كيفية اقتسام الغنائم، والواقع أن سيطرة الجيش المتزايدة على الدولة قد تُبرِز الانقسامات والانشقاقات التي لم تكن ظاهرة في السابق، وقد تطفو على السطح تصدّعات في صفوف القوات المسلحة المصرية فيما تسعى الأجنحة إلى الحصول على حصص اقتصادية وسياسية جديدة“.
وتقول إن التسريبات المتكرّرة لمحادثات ضبّاط الجيش المصري المسجّلة، التي بدأت في أواخر العام 2014، تشي بانشقاق أكثر خطورة في صفوف القيادة، ويبدو أن التسجيلات، التي تُورِّط بشكلٍ مباشر السيسي وأقرب مقرّبيه ومستشاريه، تم تسريبها من قبل أشخاص آخرين في قيادة الجيش غير راضين عن الوضع القائم.
وكانت السرعة والوتيرة التي تمكَّنت بهما القوات المسلحة المصرية من إعادة بناء إمبراطوريتها الاقتصادية والسياسية في مرحلة ما بعد مبارك مدهشتَين، فإلى جانب النهوض بالأنشطة الصناعية التي كانت متوقّفة، وفرض السيطرة على مشاريع بنى تحتية هائلة، أصبح انتشار القادة العسكريين كبيرًا جدًّا في أروقة الحكم.
فسبعة عشر محافظًا من أصل سبعة وعشرين هم جنرالات عسكريون (تسعة عشر محافظًا عسكريًّا إذا شملنا ضابطَي شرطة من الرتبة نفسها) وسائر الحكّام المدنيين يتشاركون الحكم مع 24 لواءً في مناصب نائب المحافظ، والأمين العام، ومساعد الأمين العام.
ولكن، هذا الأمر يُظهِر حتمًا توطيد سلطة الجيش، إلا أنه قد يشي أيضًا بوجود شكوك ضمن قيادة القوات المسلحة المصرية حول قدرة حكومة يقودها الجيش على الاستمرار لمدة طويلة، وفي بيئة تسودها الشكوك، تكمن الاستجابة المنطقية في فرض أكبر قدر ممكن من السيطرة الاقتصادية والسياسية للتخفيف من الخسائر في التنازع المقبل على السلطة، لكن هذه الاستراتيجية قد تنقلب عليها (وأغلب الظن أن هذا سيحدث)، فيما تتضاءل المساعدات الخليجية ويواصل النظام بذخه.
... التحديات المقبلة ...
بحسب مركز “كارنيجي”: “تتبع العديد من الانقلابات العسكرية مسارًا مشابهًا: الدعم الشعبي الأولي لإطاحة حكومة مدنية لا تحظى بالشعبية، تليها فترة يوطّد خلالها الجيش سلطته ويصبح أشدّ قمعًا وفسادًا، ويبدو المسار في مصر شبيهًا بذلك إلى حدّ بعيد”.
ومن المستبعد ألا ينتبه أحد إلى المعلومات التي ظهرت منذ وصول السيسي إلى سُدّة الحكم حول الجهود التي بذلها الجيش لإضعاف حكومة حزب الحرية والعدالة، ودور القوات المسلحة المصرية المباشر في إثارة الاحتجاجات المناهضة لمرسي وتمويلها، وازدراء القيادة للنظام القانوني ووسائل الإعلام الموالية لها (والتلاعب السافر بهما).
من الممكن أيضًا أن تقرّر القوات المسلحة المصرية أن “تكاليف الفشل المؤسسي تتجاوز فوائد وجودها رسميًّا في سدّة الحكم“؛ إذ لا يتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية في وجود خطر على الإمبراطورية الاقتصادية؛ بل في عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع؛ لأن الجيش هو النظام والنظام هو الجيش حاليًا.
وتخلص الدراسة الأمريكية بتوجيه نصيحة لإدارة أوباما: “إذا كان العنف الذي تشهده سيناء تمارسه مجموعات لديها تظلمات مشروعة ومحدّدة تجاه الحكومة العسكرية في مصر، ويبدو أن هذه هي الحال فعلًا؛ فالحلّ يقتضي مفاوضات سياسية وتنازلات من جانب حكومة السيسي، وليس مزيدًا من الأسلحة“.
وتشدد على أن: “المطلوب إجراء مفاوضات سياسية وقيام عدالة تصالحية لضحايا النظامَين الحالي والسابق من علمانيين ومتدينين، وأن المزيد من المال الأمريكي لن يحقّق أيًّا من ذلك“.



؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: